جامعة اسمرة... التي فَرَّتْ من قسوره - الجزء الخامس
بقلم المهندس: موسي عَوِلْ خير - كاتب إرتري
تظاهرات مارس 1965م والمحور الثلاثي:
يقول السيد/ تسفا برهان ردئي: في التاريخ الارتري الحديث هناك تظاهرتان محوريتان
غيَّرتا شكل الخطاب والتعاطي السياسي في ارتريا، هما تظاهرة عام 1958م العمالية وتظاهرة 1965م الطلابية، وتنبع أهميتهما من أهمية القوى الفاعلة فيها - العمال والطلاب - هاتان التظاهرتان كانتا أحد تلك العوامل المهمة كقوة دافعة أساسية لبدء تعبئة سياسية كاملة، فالأولى لعبت دورًا كبيرًا في إطلاق الكفاح المسلح في (1961) أما الثانية كانت فريدةً من نوعها حيث حظيت بمشاركة واسعة من قبل الشباب والمثقفين والمعلمين وكافة قطاعات الشعب الارتري، حيث جال الآلاف من المتظاهرين وسط العاصمة أسمرا منددين بضم إثيوبيا القسري لارتريا، ولم يتوقف تأثيرها عند حد التنديد، بل دفعت بالعديد من سكان المرتفعات للانضمام إلى الكفاح المسلح، وبالرغم من أن قيادة تظاهرة عام 1965م كانت تتكون من (12) طالب من طلاب الثانويات، إلاَّ أننا لا يمكن أن نمر مرور الكرام على ذكر الأدوار التي قام الثلاثي المحوري، وهم: الطالبان ميكائيل قابر وولديسوس عمار والسيد/ يوهنس نافع مندال.
ظلاَّ الطالبان القادمان من مدينة الثورة (كرن) في بداية ستينات القرن الماضي عام 1961م تحديداً - ميكائيل قابر وولديسوس عمار - رأس الرمح في الحراك الطلابي منذ قدومهما إلى العاصمة أسمرا، لما كانا يتمتعان به من روح ثورية لم تلوثها تلك البروباقاندا التشويهية الشرسة التي سخرت لها الامبراطورية كافة أجهزتها الرسمية وآلتها الاعلامية - ترغيباً وترهيباً - مستهدفةً بها سكان المرتفعات المسيحية بغية إحداث أزمة ثقة بينها وبين المنخفضات المسلمة، وذلك بإطلاق توصيفات على جبهة التحرير الارترية لا تمت للواقع بصلة، على شاكلة (قطاع طرق - عرب - اسلاميين - جهاديين - متعصبين) ومن المؤسف أن صدقها العديد من أبناء المرتفعات المسيحيين، فظلوا متوجسين من تلك التباشير القادمة من مغرب الشمس - ولا يزال البعض - الأمر الذي مكَّن الامبراطورية الاثيوبية من تطبيق سياسة (فرق تسود) بنجاح ولكن حتى حين، فعند قدوم طلاب الثانويات من حواضن الثورة في المنخفضات ذات الغالبية المسلمة بسبب عدم وجود مدارس ثانوية في مناطقهم بنهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، بدأ الطلاب القادمون من حواضن الثورة يضخون الروح الثورية في دواخل أقرانهم الطلاب من أبناء المرتفعات الذين شوهت أذهانهم الدعاية الاثيوبية، ولكن بحكم صغر سنهم الذي وفر لهم درعاً واقياً كي لا يتأثروا بنفس شدة تأثر آباءهم بها، فإنهم كانوا أكثر قابلية لضخ الدماء الوطنية في عروقهم والمشاعر القومية الارترية في أذهانهم، لذا سرعان ما استجاب غالبيتهم لحملة الاستقطاب هذه خارجين عن جلابيب آباءهم إلى رحاب الوطن الشاسع الأمر الذي سهل مهمة على الطالبين اللذين كانا رأس الحربة في هذا الحراك - ميكائيل قابر وولديسوس عمار - إلاَّ أن قوة الدفع النفاث لهما كان رجل الأعمال السيد/ يوهنس نافع مندال.
من هو السيد مندال (1912-2008):
ولد السيد/ يوهنس نافع مندال في قرية (موشا) بالقرب من مدينة كرن في نوفمبر 1912م، درس الابتدائية في مدرسة (قلب) تحت إشراف مبشر إيطالي (مايسترو كويسون) كان السيد مندال في وقت ما مديراً للمدرسة الإنجيلية في أسمرا، ثم عمل لبقية حياته مقاولاً حيث بنى (33) كنيسةً لمختلف الطوائف المسيحية في جميع أنحاء إريتريا بالإضافة إلى خزانين رئيسيين للمياه والعديد من الآبار والمدارس والمراكز الصحية، ثم بعد التحرير بنى فندق يوهانس في مدينة كرن، وهو أب لعشرة أبناء، منهم (لومامبا يوهنس) الذي يحمل درجة الدكتوراة في الهندسة، بالاضافة الى بقية الابناء الذين تخرجوا من مجالات علمية عديدة مثل - الاعلام، الاقتصاد، المحاسبة، التمريض، اللغات ...الخ.
كان الطالب/ ميكائيل قابر خلال فترة دراسته بثانوية لؤول مكنن في أسمرا يقيم في منزل قريبه السيد/ يوهنس مندال، ومن هنا بدأت علاقة السيد مندال بنضالات الحركة الطلابية في أسمرا، حيث كان منزله هو المكان الأكثر أماناً لقادة الحراك الطلابي، فقد قاموا بالتخطيط لأكثر الأعمال حساسية خلال الفترة من (1961-1965) داخل منزل السيد مندال، لم يرحب السيد مندال بالطلاب في منزله فحسب، بل كان الطلاب يقومون بإعداد وتصنيع لوحاتهم ولافتاتهم في ورشة النجارة التي كان يمتلكها حتى المواد المستهلكة كانت مجانية، بل ذهب لأبعد من هذا، فكان يوفر لهم الحماية من الملاحقة الأمنية لصداقته المقربة من الجنرال (زرء ماريام أزازي) مدير عام الشرطة الارترية - خلفاً للجنرال تدلا عقبيت، الذي تم اغتياله بتهمة التخطيط لإنقلاب - يقول المناضل/ ولديسوس عمار: ان الجنرال زرء ماريام كان على علم بإجتماعنا في منزل السيد يوهنس مندال للتخطيط لتظاهرة مارس 1965م، لكنه لم يتجرأ أن يتخذ قراراً بمداهمتنا لأنه هو نفسه وفي بداية حياته في مدينة أسمرا كان يعيش في منزل السيد مندال، لذا لم يرغب في توريط السيد مندال أمنياً - الجدير بالذكر أن الجنرال زرء ماريام هو والد المناضل/ يوهنس زرء ماريام، ويردف المناضل ولديسوس قائلاً: كل من يتذكر نضالات الحركة الطلابية خلال عقد الستينات أو سمع بها لا يمكن أن يتجاوز الدور المحوري الذي كان يلعبه السيد/ يوهنس نافع مندال، وبعد كل هذه النضالات، أنه وبعد أن وافته المنية في السابع من فبراير 2008م لم يجد من الدولة التكريم الذي يستحقه سوى كلمة قصيرة في زاوية قصية من الزوايا الداخلية لصحيفة ارتريا الحديثة الصادرة بتاريخ 27 فبراير 2008م نشرتها أرملته السيدة/ ميريام قبرو تشكر فيها كل من واساهم في وفاة فقيدهم، فقيد الوطن !
تظاهرات مارس 1965م القيادة الثورية:
بالرغم من أن القيادة الطلابية الثورية لتظاهرات عام 1965م كانت تتكون من ممثلي ثانويات لؤول مكنن وهيلاسلاسي و(بوينت فور point 4) الفنية، إلاَّ أن مركز الاعصار كان في ثانوية الأمير مكنن.
أعضاء القيادة في ثانوية لؤول مكنن في سطور:-
ولديسوس عمار:
قائد الحراك، بعد تخرجه من جامعة أديس أبابا ناضل في صفوف أم الثورة (جبهة التحرير الارترية) ولا يزال قابضاً على جمر القضية.
ميكائيل قابر:
العقل المدبر للحراك كما يصفه صديقه ولديسوس عمار، بعد تخرجه من جامعة أديس أبابا في تخصص التاريخ، انضم لصفوف جبهة التحرير الارترية في عام 1975م، لكنه ظل مناضلاً في حقل التعليم فهو من مؤسسي مدرسة اليونسكو بمدينة كسلا السودانية التي كانت تقدم خدماتها للطلاب الارتريين بالاضافة الى جهوده في توثيق التاريخ الارتري وظل يقاتل الجهل حتى وافته المنية 22 مايو 1992م في حادث مروري غامض بمدينة كسلا يحمل بصمات نفس اليد الآثمة، ونأمل أن ترى كتاباته النور قريباً.
سيوم عقبا ميكائيل (حرستاي):
ناضل في صفوف جبهة التحرير الارترية وقد ظل قابضاً على الزناد حتى أصبح رئيساً لجبهة التحرير الارترية - المجلس الثوري، وقد وافته المنية في 17 ديسمبر 2005م خارج أرض الوطن الذي ناضل من أجله منذ أن كان طالباً.
هيلي ولدتنسائي (دروع):
ناضل في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا قائداً ومقاتلاً ثم لقي مصيره بشجاعة راضياً حين استرخص الروح فداءً للوطن بعد وقوفه - كعادته - أمام الطاغية مع زملائه من G15.
موسيي تسفا ميكائيل:
ذاك الفتى الأسمر، النحيل، المثقف، الثائر منذ نعومة أظفاره، المناضل الذي لن يرى مبرراً في الحالة الثورية للخروج عن النص، والذي يعتبره البعض مبرراً كافياً لارتكاب جريمة التصفية الجسدية للخصوم السياسيين حتى لو كانوا رفقاء سلاح، وذلك بسبب عجزهم عن دفع الحجة بالحجة، والاعاقة العقلية التي تلازمهم لتتسبب في تزايد انتاج مركبات النقص في عقولهم فتتوقف عن مقارعة الفكر بمثله، كما كان يفعل هذا الثائر الذي افتقدته الحالة الثورية التي جنت عليه أكثر مما افتقدته والدته، قام باختطاف طائرة الخطوط الاثيوبية مع بعض الطلاب الثوار من جامعة أديس أبابا للانضمام للكفاح المسلح والوقوف في وجه الطاغية الذي كان في طور التشكل، ليلقي مصيره بشجاعة راضياً حين استرخص الروح فداءً للوطن عندما اغتالته يد الغدر الآثمة بدم بارد مع أقرانه من حركة المنكع التصحيحية.
ولد داويت تمسقن:
التحق بالكفاح المسلح مباشرةً بعد الانتهاء من تظاهرة مارس 1965م هو وصديقه سيوم عقبا ميكائيل (حرستاي) ليعودوا الى العاصمة أسمرا بتوجيه من قيادة جبهة التحرير الارترية للعمل في تنظيم الطلاب داخل العاصمة، وبعد أسبوعين فقط من اجتماعاتهم المكثفة داخل العاصمة، وبعد أن انجزوا مهمة تنظيم الطلاب بشكل رسمي لأول مرة، تم اعتقالهما بوشاية من عضو القيادة الثورية (ملو مسفن Mulu Mesfin) الذي سلم نفسه للعدو الاثيوبي، فحكم عليهما بالسجن عشر سنوات، حيث تمكنا من انجاز واستكمال مهامهما الثورية من خلف القضبان، ثم خرجا من السجن اثر العملية الفدائية التي قامت بها جبهة التحرير الارترية في عام 1975م، فواصل نضالاته في صفوف جبهة التحرير الارترية حتى اغتالته يد الغدر الآثمة في عام 1986م بمدينة كسلا السودانية.
أسياس أفورقي:
يقول ولديسوس عمار: قبل العام 1964م لم تكن لأسياس أفورقي أي نشاطات سياسية، وقد انضم للحركة الطلابية في 1964م، ثم سبتمبر 1966م إلى كسلا قادماً من جامعة أديس أبابا للانضمام للكفاح المسلح، وبعد فترة وجيزة قامت جبهة التحرير الارترية بتأهيله سياسياً وعسكرياً بارساله الى الصين في عام 1967م، ثم بعد عودته تم اختياره عضواً في القيادة العامة المنبثقة عن مؤتمر أدوبحا 1969م لينشق عنها بعد المؤتمر مباشرةً مؤسساً الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا ويقودها الى تحرير الأرض، لكنه، وللاسف الشديد فشل في - أم المعارك - وهي الايفاء باستحقاقات كل هذه النضالات، أولها وأهمها حفظ وصون كرامة وعزة الانسان الارتري، فبالرغم من أن ارتريا عبر التاريخ كانت عرضة لغزوات واستعمارات دولية واقليمية عطفاً على موقعها الجغرافي بالدرجة الاولى، إلا أن الشعب الارتري لا يعرف أن عاش ذلاً وهواناً أكثر مما يعيشه اليوم في ظل هذه الدولة المسخ.
هذه نماذج لبعض قيادات الحركة الطلابية في تلك الفترة المعتمة من تاريخ الحركة الطلابية الارترية، بالاضافة إلى بعض العناصر الطلابية الفاعلة والنشطة - والتي فيما بعد - كان لها شأن، إما في قيادة العمل الطلابي المنظم، أو الفعل الثوري المسلح، وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد منها الأسماء الآتية:-
1. تسفاي تخلي
2. عبدالله حسن
3. تسفاي قبر سلاسي
4. تخلي إزاز
5. سبحات إفريم
6. ارمياس دبساي
7. قرزقهير تولدي
8. قرماي حدقو
9. قرزقهير ولدو
إلى اللقاء... في الجزء القادم