جامعة اسمرة... التي فَرَّتْ من قسوره - الجزء السادس
بقلم المهندس: موسي عَوِلْ خير - كاتب إرتري
تظاهرات مارس 1965م الطوفان:
تم تنظيم أهم تظاهرة قامت بها الحركة الطلابية في الداخل الارتري في عقد الستينيات
وما قبله وما بعده - في أسمرة في الفترة ما بين 8-12 مارس 1965م، أيضاً هذه المرة كسابقاتها، لم يكن هناك أي نشاط لاتحاد طلابي منظم ولم تشارك لا حركة تحرير ارتريا ولا جبهة التحرير في تنظيم هذه المظاهرة، كان التنسيق والتنظيم هذه المرة أكثر احترافية من سابقاتها، بدأ التخطيط لهذه التظاهرة عندما شعر عدد قليل من القيادة الطلابية في ثانوية لؤول مكنن بأن الظروف قد نضجت وأن الوقت قد حان للقيام بتظاهرة ملفتة للأنظار تتحدث عنها وسائل الاعلام المحلية العالمية أسوة بالتظاهرة التي قام بها طلاب جامعة أديس أبابا في فبراير 1965م تحت شعار "الأرض لمن يزرعها Land to the Tiller والتي دعت إلى إعادة توزيع الأراضي من الملاك الأثرياء إلى المستأجرين من الطبقة العاملة، لم تكن احتجاجات الطلاب الاثيوبيون هذه موجهة إلى الإمبراطور مباشرة، وبدلاً من ذلك تقدموا بالتماس إلى البرلمان، الذي كان في خضم نقاشات حول مسألة توزيع الأراضي، وقد تم دعم قضيتهم من بعض الدول، حيث هددت دول مثل السويد بقطع العلاقات إذا لم يتم الاستجابة للإصلاحات التي يطالب بها الطلاب، وعلى الرغم من هذه الاحتجاجات والضغوط الخارجية، إلا أن النظام الاثيوبي لم يغير موقفه من القضية التي تناقلتها وسائل الاعلام العالمية مثل الـ BBC" - ربما نتحدث عن تظاهرات Land to the Tiller بشكل أكثر تفصيلاً عندما ننتقل بنضالات الحركة الطلابية الارترية الى جامعة أديس أبابا بمشيئة الله.
لذا فإن القيادة الطلابية في ثانوية الامير مكنن قررت توسيع المشاركة بدعوة المدارس الأخرى، حيث قاموا بالتنسيق مع أقرانهم في ثانويتي - هيلاسلاسي وبوينت فور - ليعقدوا اجتماعهم في منزل السيد/ يوهنس نافع مندال، بحضور ممثلي الثانويات الثلاثة ولكن بقيادة ثانوية الأمير مكنن، وكان من بين الحضور - كما يتذكر ولديسوس عمار - كل من:-
• ولديسوس عمار
• ميكائيل قابر
• سيوم عقبا ميكائيل (حرستاي)
• ولد داويت تمسقن
• موسيي تسفا ميكائيل
• هيلي ولدتنسائي (دروع)
• تخلي إزاز
• أسياس أفورقي
المطالب الرئيسية للتظاهرة.. اتفق المجتمعون على المطالب التالية:-
1. مطالبة الجمعية العامة للامم المتحدة بإدانة أثويبا وبقوة لإلغائها الاتحاد الفدرالي، بالاضافة إلى الإيفاء بوعدها الذي قطعته في 17 اكتوبر 1952م تجاه رعايتها وحماياتها للاتحاد الفدرالي.
2. مطالبة الامم المتحدة باجراء استفتاء على مستقبل البلاد.
3. المطالبة باغلاق القاعدة الامريكية في أسمرا (قانيو استيشن).
4. المطالبة بطرد الوجود العسكري الاسرائيلي.
5. الافراج عن كافة السجناء السياسيين.
6. مطالبة اثيوبيا بالتوقف عن اغلاق المدارس والمؤسسات الصناعية في ارتريا.
كانت الحكومة الاثيوبية هذه المرة أكثر استعدادًا للتعامل مع المظاهرات، لذا وقبل كل شيئ قامت عشية التظاهرة باقتياد القائد ولديسوس عمار إلى مركز الشرطة ليلاً بغرض استجوابه عن التحركات الطلابية المريبة، ومن مركز الشرطة تم نقله لمنزل المفوض العام للشرطة الارترية الجنرال/ زرء ماريام أزازي، الذي هدده بقوله: أن هناك مقاتلين مسلحين من حركة تحرير ارتريا يختبئون داخل العاصمة أسمرا استعدادًا للاستفادة من المظاهرات بإدخال مندسين وسط الطلاب، كما أخبره بعلمه بالاجتماع الذي انعقد في منزل السيد/ يوهنس مندال، في صبيحة 8 مارس 1965م كان رجال الشرطة ومتدربوا وحدات الكوماندوز يملأون طرقات العاصمة أسمرا حاملين الهراوات المطاطية، كما انتشرت سيارات الشرطة في أماكن عديدة بالمدينة، خرج الطلاب من مدارسهم مصطفين في "تظاهرة سلمية" مطالبين أن يتركوا وشأنهم لممارسة حقهم في التظاهر السلمي، وهو حق منصوص عليه في الدستور الفدرالي، إلا أن الشرطة بدأت بضربهم واقتيادهم باتجاه الشاحنات المعدة لنقلهم الى السجون، تعرض حوالي (2000) طالب للضرب ثم نقلوا بالقوة للاحتجاز في مركز تدريب قوات الكوماندوز في سمبل ضواحي العاصمة أسمرا، أمضوا فيه حوالي (40) ساعة دون أكل أو شرب، ثم جاءهم الجنرال زرء ماريام ليوجه لهم حديثاً مذلاً قائلاً لهم: "من لا يستطيع أن يتحمل الجوع والعطش لمدة 40 ساعة لا يستطيع الصمود في أرض القتال" مستشهداً بعدد من الطلاب الذين أغمى عليهم وتم نقلهم إلى المستشفيات، وقد قام طلاب المدراس الابتدائية والمتوسطة في كافة انحاء ارتريا بمقاطعة الدراسة تضامناً مع الطلاب المتظاهرين واحتجاجاً على اعتقال ما يربو على (2000) طالب من بينهم.
تظاهرات مارس 1965م مآلات وتداعيات:
بالرغم من القوة المفرطة التي استخدمتها الشرطة الارترية للتعامل مع التظاهرات، إلاَّ أن الطلاب لم يتوقفوا عن التظاهر، وأن كل ذاك التهديد والوعيد الذي وجهه لهم الجنرال زرء ماريام لم يثنهم عن التنديد بتلك الاجراءات القاسية التي اتخذتها الشرطة ضد زملائهم الطلاب، مواصلين في المطالبة بالافراج عنهم طيلة الأيام الأربعة، وبما أن هذه المظاهرة جاءت بعد أن قامت اثيوبيا بإلغاء الاتحاد الفدرالي بشكل كامل وأحكمت قبضتها الأمنية والعسكرية على البلاد وبلغت القلوب الحناجر بتصاعد ضربات جبهة التحرير الارترية وتزايدها يوماً بعد يوم، لذا فإن أهمية هذه المظاهرات تنبع من كونها جاءت في هذا التوقيت الحساس وهذا المناخ المكهرب، ولهذا كان للنشاط الطلابي هذه المرة تأثير دائم وقوي على الكفاح المسلح أكثر من أي حراك آخر في تلك الفترة العصيبة وذلك للأسباب الآتية:-
• كان يُنظر إلى العمل السياسي في تلك الفترة وفي قلب العاصمة أسمرا على أنه تحدٍ خطير للإمبراطور هيلاسيلاسي الذي يتمتع محليًا بهيبة واحترام كبيرين.
• تم نقل أخبار التظاهرة الطلابية إلى كل أجزاء البلاد.
• والأمر الأهم فإنه ولأول مرة اصطف طلاب العاصمة أسمرا خلف جبهة التحرير الإريترية، مما يدل على أن سكان كبسا لن يتخلفوا لفترة طويلة عن بقية شرائح المجتمع الارتري في اللحاق بركب الكفاح المسلح، الأمر الذي وجد تقديراً كبيراً من المجلس الأعلى لجبهة التحرير الارترية الذي كان يتواجد في القاهرة والقيادة الثورية المتواجدة في كسلا، لأنهم كانوا يؤمنون بأن هؤلاء الفتيان والفتيات الذين يتظاهرون سنويًا في أسمرا يمكن أن يثبتوا أنهم قوة حيوية تسهم في وحدة الشعب ونمو النضال.
يقول عميد الطلاب وقائدهم المناضل/ ولديسوس عمار في كتابه: إريتريا: الأسباب الجوهرية للحرب واللجوء Eritrea: Root causes War & Refugees،
يقول: أصبح طلاب المدارس الثانوية في أسمرا قوة جديدة لبعث الهوية الارترية من جديد بين عامي 1961 و 1965، ولذلك فإن طلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة في أجزاء أخرى من البلاد بدءوا يحذوا حذو طلاب ثانويات أسمرا الأمر الذي كان بمثابة دعم اضافي ووقود كافي للاستمرار في مسيرة النضال والتحرر بكافة الوسائل المتاحة المشروعة بما فيها الانضمام الى الكفاح المسلح.
وإليكم انطباعات ووجهات نظر بعض الطلاب الذين كانوا فاعلين في تلك الفترة:-
• يقول القائد/ أحمد ناصر - رئيس جبهة التحرير الارترية (1975-1981)عن طلاب أسمرا في الستينيات بأنهم الجيل الذي قدم مساهمة سخية للمساعدة في خلق الواقع الحالي في إريتريا.
• أما المناضل/ سيوم عقبا ميكائيل (حرستاي) يقول: "لا يمكن التفكير في زيادة الصحوة الوطنية بين السكان في أسمرا دون تلك المساهمة المهمة والقوية من قبل الطلاب في النصف الاول من الستينيات".
• ويقول المناضل/ قرزقهير تولدي (أحد القيادات الطلابية خلال النصف الثاني من الستينات): "كان للمظاهرات في البداية تأثير أكبر على الطلاب أنفسهم أكثر منها على عامة السكان".
فور الانتهاء من تظاهرات مارس 1965م إلتحق العديد من طلاب الثانويات في العاصمة أسمرا بصفوف جبهة التحرير الارترية منهم المناضلين/ ولد داويت تمسقن وسيوم عقبا ميكائيل من ثانوية لؤول مكنن، والمناضلين/ أحمد ناصر وتسفاي تخلي من ثانوية هيلاسلاسي، إلاَّ أن القائدين/ ولديسوس عمار و ميكائيل قابر فضلا البقاء في العاصمة أسمرا للاستمرار في استكمال تنظيم الحركة الطلابية بشكل أكثر فعالية.
إلى اللقاء... في الجزء القادم