مشكلة اللغات في ارتريا - الجزء الثالث والأخير
بقلم الأستاذ: ياسين حسب الله - كاتب إرتري - لندن، المملكة المتحدة
الثابت والمتحول: لماذا نريد اللغة العربية ؟ ولماذا السؤال ؟ الإجابة: نعم ولا، كلها في المقالات السابقة
حيث تناولنا على السريع مالنا وماعلينا ونحن هنا لسنا بصدد كل التفاصيل والتي هي معلومة بالضرورة ولكننا اردنا تحديث الذاكرة ليمهد لنا لما سوف ندلي به في هذا المقام من بعض المقترح ومن المعلوم أن كثير من القوميات الإرترية لم يكن لهم لغة مكتوبة والكثيرين منهم عرفوا الكتابة مع الدين الإسلامي في المراحل البعيدة كما أن علاقتهم بالجزيرة العربية ظلت ومازالت متواصلة سلاليا وثقافيًا وليس غريبا هذا التشابه في الأشكال واللسان وطرق العيش في تطابق تام خصوصا مع اليمن في الضفة المقابلة للبحر الأحمر، وإليها تعود اللغات السبئية الفاعلة، في ارتيريا واثيوبيا.
ولكن اريتريا اليوم، وإن كانت حضارتها، وكثير من أصول مواطنيها، تعود الى الجزيرة العربية الا ان الكثير منهم لا يريد العودة الى هذا الاصل ولو ثقافيا ولا الاصل تواق بعودة الفرع لأسباب كثيرة تاريخية وثقافية، فكل تفرع في اتجاه وهم أصحاب الدعوة في القرآن بظلم أنفسهم حسب نص الآية(ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور. الآية 19 سورة سبأ.
وما يبدوا لي ان هذا التمزق مازال يلاحق جيناتنا من التقدم والازدهار والصراع الدائم صار هو ميراثنا.
التاريخ يعلمنا أن اللغة تفرضها المجموعة أو الشعوب التي تملك أسباب القوة والعصبية والهيمنة الثقافية على غيرها من الأمم، و(الناس على دين ملوكهم) والشواهد، لا تعد ولا تحصى. وفي الحالة الارتيرية أصبح ذلك من نصيب التجرنية لما لأهلها من مزايا تساعدهم على التفوق النسبي على بقية المنافسين وضمن هذه المزايا التي أولها أنهم أكبر القوميات الإرترية، في ثقافة واحدة، وفي لغة واحدة، وكذلك هم أكبر المجاميع تجانسا لدواعي تاريخية، وحضارية ومنهم يتألف معظم الكادر الإداري، والفني، والعسكري، وكذلك وجود العاصمة وبعض المدن الرئيسية ضمن جغرافيا مناطقهم والمدن الرئيسية معظم سكانها منهم والنخب الحاكمة ولغتهم الممارسة على نطاق من الوسع.
اذا تقبلنا الحقائق على ماهي عليه فإن التجرنية هي اللغة المتعامل بها واللغة العربية في ارتريا في انحسار متواصل سبق وأشرنا الى ذلك في مقالاتنا السابقة ولغيرها من الأسباب التي لم يتم حصرها على خلفية مشكلة اللغات الارتيرية وما تعنيه في تعددها من مزايا وما سببته من تأخر نحو بناء الأمة الارتيرية.
بصريح العبارة وبمنطق البراغماتية علينا كأمة في طور التكوين أن نعمل في خلق لغة واحدة، كلغة رسمية للبلاد على الجميع ان يتعلمها وأن يعلم بها الابناء والبنات في الداخل والخارج حتى يكون بالإمكان بناء وطن قومي ذو انتماء مشترك لأبناء الوطن الواحد، وأن أمر اللغتين لم يكن محرزا على الاطلاق ناهيك أمر اللغات، وإن كان لا بد للغتين ففي هذه الحالة لا بد لكل ارتري ان يتعلم كل اللغتين وإلا فلا جدوى من اللغات الكثيرة التي في ظاهرها الرفاهية في الحقوق وفي باطنها الحرمان وعليه خيارتنا تبقى اما التجرنية كما هو حاصل في الواقع، دون تصريح او إعلان إلا اللمم. وعلينا ان نترك هذا العناد الدائم الذي لم نجني منه غير الخسائر من عمر الأجيال، لسنين عجاف، دون أن نحقق أي هدف استراتيجي او تكتيكي غير وهم لغتين رسميتين والى ما ذلك.
اما الخيار الاخر في نظري يتمثل بخلق توافق حقيقي لخلق لغة هجينة في أولها التجرنية والتجري نظرا لغلبتهم السكانية وجذورهم المشتركة التي ستساعد لكي تغني بعضها على شكل مترادفات وحتى اضافة كلمات من بقية اللغات بقصد الإرضاء للمكون الارتري كافة حتى لا يحس متحدثي بقية اللغات بالغبن من قبل الأكثرية. وبمعنى آخر انشاء لغة مساهمة وطنية يكون فيها مساهمة كل قومية بما يتلاءم و حجمها الديمغرافي والثقافي وأن تسمى هذه اللغة، (باللغة الارتيرية) أو اسم آخر ذو دلالة وحدوية وطنية ارترية.
اعرف ان هذا الامر حساس وخلافي ومحل عقدة ومسلمات لكثر من الناس في طرفي المعادلة، لكن التجارب في دنيانا تعلمنا أن الحياة في حركة دائبة اما بقوة دافعة، أو بقوة جاذبة، والذين لا يجارون ذلك يبقوا متخلفين جامدين ومن الطبيعي يوجد ما يملأ الفراغات. والسياسة هي فن الممكن وليس طلب المطلق. وما كان ممكن بالأمس صار غير ممكن اليوم، وماهو ممكن اليوم قد لا يكون غدا لأي كأن كان. لذلك كان لزاما طبيعيا تفرضه الحاجة البحث عن حلول قد ترضي الجميع بأقل التكاليف وأقصر الطرق هو الهدف من هذا الطرح المتواضع.
أنا في الآخر فرد و مثال حي لهذا التوهان الارتيري الغائل في عمق الانسان الارتري وهناك فرضية لأينشتاين يقول فيها: من الغباء ان تعمل نفس الشيء وبنفس الأسلوب مرتين و تتوقع نتائج مختلفة. وإذا لم نجرؤ لطرح رؤي مغايرة عما ألفنا عليه فلن نكون جزء من الحل ونحن جزء من المشكلة. فالاكيد ان الحلول لا تأتي من نفسها إذا كانت طموحاتنا نحو وطن يسوده العدل والمساواة بين كافة المواطنين فلن يتحقق ذلك إلا من خلال وحدة حقيقية يغلب عليها الطابع العقلي لما فيه مصلحة الامة جمعاء، والأخذ بما يوحدنا ويقوينا، ويفضل المصلحة الارتيرية العليا على غيرها من الخيارات بما في ذلك توحيد التعليم وتوحيد المناهج والرؤيا للتاريخ الذي يبدوا اننا مختلفون حتى فيما حققناه.
اذا لم يكن تعليم الأجيال الناشئة موحدا فكيف نتوقع ان يكون لنا وطنا موحدا ينعم فيه مواطنيه بالتقدم والرفاهية وتوزيع الفرص بين كافة أبناء الوطن بالعدل في الحقوق والواجبات في دولة مدنية تحترم مواطنيها وتحارب كل أسباب التمييز العنصري البغيض.
اما الاستمرار على الوضع الراهن فليس بالخيار وقد اثبت فشله في خلق بيئة صحية تنهد بالوطن والمواطن بل العكس تمامًا يومًا بعد آخر نحن في تشرذم وانحدار نحو ما لايحمد نتائجه من ضياع.
لاجل ارتريا وشعبها علينا أن نعمل مخلصين جاهدين في محاربة كل أسباب التفرقة الدينية والثقافية والمناطقية والقبلية.