الزين ياسين... العبقرية الضائعة - الجزء الثاني

بقلم الأستاذ: أحمد داير - كاتب وناشط سياسي إرتري

كان من الواضح أهتمام الزين بالتعليم وتشجيعه لا لأفراد الأسرة فحسب وأنما ايضا للأقارب والمعارف،

عبدالقادر رمضان و ازين ياسين شيخ الدين و احمد علي عيسي و محمود محمد صالح و محمد نور احمد

ولم يكن ذلك غريبا عليه مع الأخذ بالأعتبار... الأم مدرسة أذا أعددتها... أعددت شعبا طيب الأعراق. لم يكن ذلك شأن الوالدة فحسب وأنما كان للوالد الذى كان أحد أعيان البلدة أيضا دور كبير فى رقى التعليم وتطويره فى البلدة.

حين كتبت عن التداخل السودانى - الأرترى فى منتديات كسلا الوريفة قبل أكثر من عشرة سنوات ذكرت أن والده بلاتا يس عليه الرحمة كان مهتما بالتعليم ألى درجة أنه (كما ذكر بعض أبناء على قدر) كان قد صرح بأنه مستعد أن يبيع سيف جده الموروث من والده أذا كان ذلك ثمنا ومقابلا لتعليم أبنائه. وبغض النظر عن دقة المعلومة فقد علمت من سبط من أسباطه معلومة لطيفة تدل على ذلك الأهتمام بالتعليم.

منتصف الثلاثينات تقريبا.. رسالة تصل الى البلدة من الطالبة حواء آدم ألى أحد أقاربها هناك هو العم محمد هاشم (والد الأستاذ سيد أحمد).. رحمهم الله جميعا.. تعلمه فيها بأنها تخرجت من كلية المعلمات فى أم درمان وتشكره على تشجيعها ووقوفه معها لأكمال تعليمها.. سر العم محمد هاشم بهذه الرسالة وتصادف أن كان بلاتا ياسين ألى جانبه فأطلعه عليها وكان التعبير والخط معا مدهشا وجاذبا فطرح على العم محمد هاشم فكرة الأستعانة بها لتطوير التعليم فى البلدة... كانت تلك الرسالة هى البداية للزواج المبارك بعد فترة وبعد تعيين الطالبة أول معلمة فى مديرية كسلا.

أذا كان رب البيت بالعلم مولعا... فماذا تتوقع أن تكون شيمة أهل البيت. كانت هناك منافسة حامية بين أبناء وبنات البلدة أثمرت كثيرا من الشهادات العليا وكان للزين دور كبير فى تشجيع أخوته خاصة... لنأخذ مثلا فقط جامعة الخرطوم... تخرج منها أربعة من أخوته.. عمر.. شريفة.. مليكة وسامى.. درس عمر الجيولوجيا.. شريفة.. الدراسات الأجتماعية.. سار شقيقه الأصغر سامى على نفس الدرب.. كيمياء وأحرز درجة الدكتوراه وتم تعيينه أستاذا فى أرقى الجامعات السعودية هى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن فى الظهران فى المنطقة الشرقية حيث أنا الآن وغادرها مهاجرا ألى استراليا قبل وصولى.. منذ عقدين ونيف.. أما الشقيقة مليكة فقد أنهت الدراسة فى العلوم وحضرت الدكتوراه فى تخصص علوم البحار (ثروة سمكية).. وتصادف أن كان ضمن اللجنة التى ناقشت الرسالة فى نهاية الثمانينات رئيس قسم الكيمياء فى الجامعة الدكتور أحمد ود النادى واتضح أنه كان زميلا للزين وتعرف عليها من الأسم وأوضح ذلك للجنة ووصف زميله ودفعته السابق بالعبقرى وأن مليكة كررت ما أحرزه شقيقها بأحراز مرتبة الشرف وأول الدفعة.

بالتأكيد كان للزين تأثير فى ما وصل أليه شقيقاه اللذان حققا درجة الدكتوراه... لكن هل يمكن القول أن ذلك كان أشبه بالقول (الحوار الذى سبق شيخه)...لا ..لو سألتهما لكان ردهما... العين ما بتعلا على الحاجب. صحيح أنهما وجدا الفرصة وبذلا جهدا للوصول ألى ذلك... أما هو فمع أنه كان متاحا له العمل معيدا فى الجامعة والوصول ألى أعلى المراتب ألا أنه تجاهل كل ذلك مدركا الحاجة ألى تلبية نداء الوطن خاصة أنه كان قد التحق بالجامعة تزامنا مع أنطلاق الثورة الشعبية المسلحة فى أرتريا وأنهى الدراسة فيها مع نجاح ثورة أكتوبر الشعبية... فانتقل مباشرة ألى جبهة التحرير الأرترية التى كانت فى أمس الحاجة أليه وألى كل متعلم ومثقف وقتها ألى درجة أن سبقه فى مسؤولية الأعلام فى القيادة الثورية التى كانت قد تكونت فى كسلا الطالب وابن عمته عمر جابر عمر الذى كان قد أنهى دراسته الثانوية فى بورتسودان وكان على درب شقيقه يحى يتجه الى دراسة الطب فى بغداد... عليهم الرحمة جميعا.

الحديث عن التعليم والوعى فى تلك الفترة المبكرة من الأربعينات فى على قدر ليس من باب التباهى وأنما للأشارة ألى النظرة الأستراتيجية لشيوخ البلدة وحرصهم على نيل أبنائهم أقصى ما يمكنهم أعدادا لما سيواجهم مستقبلا من صراع سيكون التعليم أهم أسلحته. لابد من الأشارة هنا ألى ما لعبه والد الزين.. بلاتا ياسين عليهما الرحمة من دور كبير بالتعاون مع شيوخ البلدة فى أنشاء مدرستين للأولاد والبنات ١٩٤١ و ١٩٤٢. معلوم للكثيرين مجموع الخريجين بمختلف تخصصاتهم وما لعبه بعضهم من أدوار فى النضال الوطنى. ما يجدر ذكره أيضا وفى دلالة على تميز الزين فقد كان ضمن العشرة الأوائل بنتيجة امتحانات الشهادة السودانية التى أهلته لدخول جامعة الخرطوم.

كان الوعى سائدا فى البلدة وقد جرت أشارة سابقة ألى تطوع بعض أبنائها للقتال ألى جانب مصر فى العدوان الثلاثى. هناك حكاية أخرى تدل على الحس القومى فى فترة الخمسينات والستينات تجاوبا مع خطب عبدالناصر الأمر الذى أسهم فى تشكيل وعى مبكر للشباب بقضيتهم الوطنية . الحكاية التى يعلمها الكثيرون أنه جرى توقيف المناضل الشهيد أدريس قلايدوس فى مصر مع أحد زملائه فى العام ١٩٦٢ عن طريق الخطأ بتهمة تتعلق بالأمن القومى وإفرج عنهما بعد فترة قصيرة. وصل الخبر ألى البلدة. كان رد الفعل من والده الشيخ عثمان قلايدوس رحمه الله برقية الى الزعيم عبدالناصر.. كان نصها:-

السيد الرئيس جمال عبد الناصر... رئيس الجمهورية العربية المتحدة... حدائق القبة.. القاهرة

الموضوع: برقية تأييد ومناشدة

المرسل: المواطن الأرترى عثمان قلايدوس

العنوان: قرية على قدر - المديرية الغربية - محافظة أرتريا - اثيوبيا

التحية والأحترام لشخصكم الكريم.. وبعد

أحيطكم علما بأن الطالب الأرترى إدريس عثمان قلايدوس المتحفظ عليه لدى الجهات الأمنية المصرية هو أكبر أبنائى وهو سندى وحاضرى ومستقبلى، ورغم ذلك أرجو أن لا تأخذكم به رأفة أو رحمة أذا ثبت عليه الجرم فعلا، وذلك رغم ثقتى بأخلاقه ونبله وبالتالى براءته من التهمة المنسوبة أليه، ولكن المؤمن دائما مصاب ولكل جريمة عقاب، ومصر الحرية أولى بالأمن والأمان حتى تتفرغ لقيادة الأمة العربية والأسلامية وتحقيق الحرية والأمن والسلام. أما أذا كان بريئا وهذا ما أجزم به فأنا على ثقة كاملة بعدالة وحيدة ونزاهة القضاء المصرى فى ظل الثورة المباركة.

ودمتم سالمين.

كانت هذه برقية الشيخ دون تعديل لنعلم درجة الوعى وجزالة اللغة التى كتبت بها فى دلالة على ما كانت عليه اللغة العربية التى يحاول البعض الآن القفز عليها.

نواصل... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click