الزين ياسين... العبقرية الضائعة - الجزء الثالث

بقلم الأستاذ: أحمد داير - كاتب وناشط سياسي إرتري

التحق الزين بالجبهة قادما من خلفية نضالية قوية وصلبة... هى جامعة الخرطوم واتحاد طلابها

عبدالقادر رمضان و ازين ياسين شيخ الدين و احمد علي عيسي و محمود محمد صالح و محمد نور احمد

الذى كان رأس الرمح فى مقاومة الحكم العسكرى وتصادف أنه طيلة دراسته فى الجامعة فى النصف الأول من الستينات عاصر تلك المقاومة التى أنتهت وأثمرت فى النهاية ثورة أكتوبر الشعبية.

أضافة ألى ذلك فقد كان مواكبا لما يجرى فى أرتريا من تصاعد فى الثورة المسلحة بحكم اتصاله مع بعض مجموعة الجيش السودانى خاصة الصول جعفر محمد يرحمه الله الذى تربطه به علاقات أسرية كما لا يستبعد أن يكون قد بدأ ملتزما فى حركة تحرير أرتريا حين كان أحد أنشط أعضائها الراحل أحمد سويرا يتصل بكل من يعلم بتواجده فى العاصمة كما حكى لى فى لقاء فى الخرطوم عام ٢٠٠٦ من أنه ألتقى بالأخ محمد عثمان داير حين كان فى الخدمة فى القوات المسلحة وتم نقله ألى الخرطوم فى مطلع الستينات.

كانت تلك الفترة من أصعب الفترات على الجبهة خاصة مع توقيع اتفاقية تبادل المجرمين المشؤومة بين السودان واثيوبيا والتى تم بموجبها تسليم بعض المناضلين ألى أثيوبيا التى قامت بسجنهم فى سجن الم بقا وهي تعني نهاية العالم وقد اطلق سراحهم في عام 1970.

بعد نجاح ثورة أكتوبر وبفعل التحرك داخل الجامعة سير الأتحاد مسيرة ألى القصر الجمهورى كان من مطالبها دعم القضية الأرترية وألغاء الأتفاقية المذكورة وهو ما تم بالفعل. شهدت تلك الفترة تطورا ملحوظا من حكومة الثورة بلغت أن تم السماح للجبهة بحرية التحرك فى مديرية كسلا.

مع تصاعد عمليات الجبهة العسكرية التى بدأت تحققها على قوات الأحتلال الأثيوبى كان رد الفعل العنيف والبربرى بقصف القرى ولجوء ٣٠ الف لاجئ ألى كسلا، كما كان هناك رد فعل خطير وشيطانى بمحاولة الإيقاع بين الجبهة والسودان من خلال أستدراج الصحفي السوداني احمد طيفور بوضع أسمه على كتاب بعنوان (حقيقة جبهة التحرير الأرترية) كان أخطر ما فيه أتهام الجبهة بأن من أهدافها فصل شرق السودان.

الصحفي احمد طيفور كان صديق للجبهه وكان يكتب سلسله مقالات عن الجبهه في الصحف السودانيه وهذا الكتاب (حقيقه جبهه التحرير الارتريه) وضعته المخابرات الاثيوبيه واجبرت الصحفي علي وضع اسمه كابتزاز للصحفي لحرق الصحفي لانه صديق الجبهه وذلك عن طريق مندوب المخابرات الاثيوبيه في مدينه الخرطوم... كان الزين وقتها مسؤولا للأعلام فى القيادة الثورية ولعل هذه القضية كانت من أعقد القضايا التى واجهها وواجهتها الجبهة بشكل عام.

من الذاكرة فقط أعود الى محاولة تشويه الجبهة من خلال كتاب (حقيقة جبهة التحرير الأرترية)... فلا الكتاب متوفر.. ولا المقالات التى كان يكتبها الصحفى أحمد طيفور فى صحيفة أكتوبر متوفرة ولا الكتاب الذى أشتمل على رد الجبهة متوفر كذلك.

في شهادة مكتوبة للراحل الكبير ادريس قلايدوس ذكر ان السودانيين رفضوا بشدة كتاب طيفور وأنه لأول مرة يتفق الشيوعيون والآخوان المسلمون حول موضوع ما كان اتفاقهم ضد هذا الكتاب اذا قام الحزبان بشراء كل نسخ الكتاب وحرقها.

تابعت هذا الموضوع فى كتاب أصدرته الجبهة والتى كان الزين مسؤولا لأعلامها بعنوان (الرأى العام السودانى يدين كتاب حقيقة جبهة التحرير الإرترية).

يوضح الكتاب فى البداية خلفية عن الصحفى وأنه من أبناء مدينة القضارف وربما هو من أبناء القبائل المشتركة مع أرتريا وكان قد طلب أذنا للسماح له بزيارة الميدان وفعلا تم ذلك وعاد من الزيارة ليكتب سلسلة مقالات فى صحيفة أكتوبر تعكس للقراء واقع الثورة فى تلك الفترة. والظاهر إن هذا كان سبب أستهدافه من قبل مسؤول الأستخبارات فى السفارة الإثيوبية والذى كان قد وطد علاقاته بمجتمع الخرطوم و تظاهر باهتمامه الزائد ببيوت الأفراح. أستطاع هذا المسؤول الوصول ألى أحمد طيفور وتمكن من أخذ صور خليعة له أبتزه بها وجعله يقبل بوضع اسمه على الكتاب كى يبدو وكأنه يلحس كل ما سجله فى مقالاته.

يحتوى الكتاب على ثلاثة تهم للجبهة:-

• واحدة فيها محاولة للوقيعة بينها وبين مصر.
• الثانية تتلخص فى أن الجبهة أسلامية ومهددة للمسيحيين فى أرتريا.
• التهمة الأخطر هى أن الجبهة تسعى ضمن أهدافها ألى فصل شرق السودان وضمه ألى أرتريا.

الرد كان فى ندوة تبنتها نقابة المحامين السودانيين بقيادة نقيبها أمين الشبلى كما أذكر وتم تفنيد ما جاء فى الكتابة خاصة أن ما ذكر عن محاولة الوقيعة مع الأخوة المسيحيين كان ساذجا وهو الإستناد على عبارة كانت ترددها الجماهير فى الريف وهى (منصورين بأذن الله)... وباءت محاولة الأيقاع مع مصر بالفشل وكانت تلك فرصة للجبهة لشكر مصر على استضافتها لزعماء الشعب الأرترى وتم وصفها ب (موئل الأحرار).. ولم تنطل المسألة الأهم الخاصة بشرق السودان على أحد بعد أن تأكد أن الكتاب كانت توزعه سيارات السفارة الأثيوبية.

ومع ذلك كانت تلك المحاولة كالرصاص الذى لا يصيب ولكنه (يدوش).. كان فى الكتاب عبارة معبرة أستخدمها الزين فى أعتقادى وهى (ومن يحاول أن يبصق فى وجه السماء سرعان ما يجد وجهه ملوثا).

كانت الساحة الأرترية حين تفرغ الزين للنضال تعج بالخلافات والأنقسامات خاصة بعد محاولة الأخذ بتجربة الثورة الجزائرية بتقسيم الساحة ألى مناطق وما صاحب ذلك من أخطاء وانتقادات وظهور مجموعات مختلفة تنادى بالأصلاح. ولم يكن ذلك غريبا عليه وهو قادم من أركان النقاش فى جامعة الخرطوم فواصل أداء مهامه فى القيادة الثورية. فى الفترة قبل المؤتمر الوطنى الأول كان قد انتدب للتفاوض مع الوفد الأمريكى فى الخرطوم بوساطة سودانية بعد أعتقال الجبهة لأربعة أمريكيين وكندى واحد أثناء قيامهم بالتنقيب عن النحاس وأسقاط طائرتهم، ونجح فى مهمته وقدمت الولايات المتحدة فدية للأفراج عن رعاياها كانت الجبهة فى أمس الحاجة لأى مبلغ يدعمها.

طيلة الفترة التى قضاها فى كسلا وحتى النصف الأول من السبعينات وبالرغم من أننى كنت أصادف كثيرا من المناضلين فى منزلنا أو فى مقاهى كسلا المختلفة فأننى لم أصادفه يوما فيها ولعله كما تقول الأغنية السودانية (فى القهوة ما جلاس). لكن كان مفاجئا لى يوما أن ألتقيته فى السينما الوطنية بكسلا ومناسبة حفل للأستاذين وردى وأبو عركى. أشار ألى شباك التذاكر فلاحظت أن رفيقه المناضل عبدالله سليمان فى الصف لحجز تذكرتين لهما.

همس لى ليلتها بأن الأستاذ وردى سيشدو فى تلك الحفلة بأغنية جديدة؛ وبالفعل قدم وردى رائعة التجانى سعيد (قلت أرحل.. أسوق خطواتى من زولا نسى الألفة). كان ذلك فى العام ١٩٧٢ وكان وردى قد أفرج عنه من كوبر وكان قد لحن هذه الأغنية فيه وبدون آلة.

بعد فترة كنت أفكر كيف علم الزين بخبر الأغنية الحديثة التى سيغنيها رغم أننى متابع بشكل جيد لمجلة الأذاعة والتلفزيون التى تنقل مثل هذه الأخبار.. خاصة أن الشهيد عبد القادر رمضان كان يوصينى بأن أحتفظ له بمقال الأستاذ عبد الله رجب... عبدالقادر نفسه كان يسخر وينكت كعادته حين يعلم أننى قادم من مقر كتيبة مايو فى الحى التى كانت بمثابة نادى لنا نلعب فيه الشطرنج وغيره وهو يقول (وين يا تكايب مايو.. بروش بالتقراييت)... الشهيد شكينى فى نفس الفترة يسخر أيضا من أغنية وطنية يرددها المبدع أبو داؤود تؤيد نميرى فى الأستفتاء الذى أجراه بعد نجاحه فى العودة للحكم بعد أنقلاب هاشم العطا وهو يقول لى (بالله... عشان أولادنا تتعلم) فى أشارة ألى أغنية أبو داؤود (نقولا نعم وألف نعم ليك للقايد الملهم... نقولا نشيد نقولا نغم... نقولا نعم عشان أولادنا تتعلم)... ربطت كل هذا ببعضه وأيقنت أن الزين علم بذلك من خلال تعميم حزبى من الحزب الشيوعي السودانى غالبا.

كانت تلك فترة فورة الشباب والحماس واتضح لى فيما بعد أن الشباب كانوا قد كونوا حزبا سريا وأن الزين نفسه كان يعامل فى تلك الفترة كأبرز رموز اليسار فى الساحة وهو أمر يستحق وقفة.

نواصل... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click