ترجيديا اغرداتية سموها الأحد الأسود
بقلم المناضل: حُمد محمد سعيد كُلُ - ديبلوماسي سابق ومحلل جيوسياسي
لقد شهد وعايش بعضنا دمارا يحيق بالبلاد، انه انين وحنين تاريخي له علاقة بالواقع الحقيقي
الذي يقول ان التاريخ هو التاريخ في انتصاراتنا وفي انكساراتنا، في قوتنا وفي ضعفنا في القسوة دون رحمة التي واجهناها، لقد ذرف كثير منا الدموع ولطم الخدود، انه مازال يقض مضاجعنا، لكن تفاصيل الزيف والخداع والعبث بالدم الارتري من قبل اثيوبيا وبالدعم الامريكي اللامحدود في ذاك الزمن وبعض الارترين الذين ساهموا في هذه المآسات، انها ممارسة اخس انواع الغدر والرذيلة، ثم يأتوك بعد ذلك وقت الانتصار لكتابة دستور بعد التحرير، ما هذا؟
بعد الهجوم الذي قادته جبهة التحرير الارترية على المدن في شهر اكتوبر 1966م اصيب الامبراطور هيلى سلاسى ونظامه بالهلع وجاء الامركان ونصحوه ان يبدأ جيشه مثل ما يقوم به الجيش الامريكي في فيتنام ببناء القرى الاستراتيجية ـ اى تجميع عدد من القرى في كل منطقة جغرافية محددة وهذه المجموعة من القرى تكون مطوقة بالجيش الاثيوبي وبالتالي يفقد الثوار اى دعم من الشعب، وسميت بالقرى الاستراتيجية وشعارها اذا شفطت او جففت الماء تموت الاسماك، تتبع هذه الخطوة اطلاق يد الجيش الاثيوبي (ان تكون ارتريا تحت الحكم العسكري) ليمارس سطوته وعبثه كيفما شاء دون حسيب ورقيب، ولاعطاء هذه الخطوة شرعيتها القانونية استدعى الامبراطور هيلى سلاسى الدكتور برخت هبتى سلاسى رجل القانون ليسن مسودة قانون الطوارئ لنظام الامبراطور هيلى سلاسى ليكتسب الجيش الاثيوبي شرعية ممارسة قانون الطوارئ في كل انحاء ارتريا.
قام الجيش الاثيوبي على اثرها منذ بداية شهر فبراير 1967م بحرق القرى والابادة التي شهدتها معظم القرى الارترية بمافيها مجزرة عونا وبسقديرا وغيرها من الاقاليم الارترية.
بعد شهر فبراير 1967م لم تكن هناك محاكم بل اعدامات نذكر هنا من مدينة اغردات الشهيد صالح محمد سعيد وعدد من ابناء المدينة، كما شهدت الاعدامات مدن ارترية اخرى.
ومنذ شهر فبراير 1967م الى هزيمة هذا الجيش الاثيوبي في ارتريا واعلان التحرير في 24 مايو 1991م عاشت ارتريا تحت قانون الطوارئ والذي يبدأ من السادسة مساءا وينتهي في السادسة صباحا.
ان العنف السلطوي الاستعماري دمر احساس الناس مقابل بقاء حكمه وسيطرته (فليمت من يمت) اى قسوة تلك التي يلقاها الانسان الارتري في بلده بشكل عام وفي مدينته بشكل خاص، ما نود ذكره هنا ان معظم المدن الارترية شهد مواطنوها السجن والقتل والتعذيب لكن ماحدث يوم 9 مارس 1975م في اغردات والذي سموه بالاحد الاسود كان فريدا من نوعه انه حقا تراجيديا، فان الصورة المىساوية تتلاحق مناظرها مع مجيئ تاريخ هذا اليوم في مخيلة ابناء اغردات الذين نجوا من هذه المجزرة التي تركت جرحا عميقا في نفوس ابنائها.
كانت المدينة تعيش حياتها اليومية هادئة وادعة حتى صلاة العصر، في هذا الوقت اندفع الجيش الاثيوبي من معسكره الى داخل المدينة بالعشرات، سكان المدينة في تلك اللحظة لم يرد في بال احد منهم ان هناك ابادة ولا طرأ في الخيال.
اندفع المسلحون من الجيش الاثيوبي وفتحوا نيران رشاشاتهم دون تمييز على سكان المدينة العزل، يحصدون الارواح البرئية بوحشية غير مسبوقة، تزهق ارواح الناس دون رحمة لم يكتفوا بذلك بل ذهبوا الى الاحياء وبالتحديد (دبت سكر) (حلة سودان) (دوم الحلة) (وكرن جديد) وهى احياء بيوتها من العشش، وكان سكان هذه الاحياء مختبئين في عششهم فاحرقها الجيش الاثيوبي والسكان في داخلها.
اى قسوة تلك التي لقاها الانسان الارتري في مدينته، اصبحت الحياة عند البعض رخيصة.
هناك نزعات في البشر لاتفسير لها، البعض يجد متعة في قطع الرؤوس وتعذيب البشروحصد الارواح بالرصاص .
في اغردات كان الاسى والحزن يعلو وجوه الناس، البقاء عللى قيد الحياة والعيش في حياة عادية يعتبر تحديا كبيرا بالنسبة لهم.
كان عدد القتلى في الشوارع بدءا من صلاة العصر والى غروب الشمس اكثر من 370 قتيلا، اما الذين ماتوا داخل عششهم لم يتمكن الناس من حصر عددهم، تناثرت الجثث من يدفن من.
اصبحت المدينة تنوح على بيوتها، وبيوتها احرقت مع اصحابها، واخرون لبسوا السواد حزنا على ذاك اليوم الاسود.
كانت الرحمة معدومة في نفوس الجيش الاثيوبي وقياداته، كانوا غلاظا كالصخور التي ولدوا فوقها.
لم يسأل ولم يغث احد، لا الرأى العام الاقليمي ولا الدولي كان غائبا او مغيبا.
اللهم ارحمهم واسعدهم في جناتك واسعدهم في الاخرة واسعد عبيدك في جوارك وارحمهم رحمة واسعة.
اللهم اسكنهم اجمعين فسيح جناتك بمقعد صدق عند مليك مقتدر في جنة عرضها السموات والارض وانزل الصبر والسكينة على قلوب اهلهم ومحبيهم وكل من عرفهم وساهم في دفنهم اللهم امين يارب العالمين
وانا لله وانا اليه راجعون