المؤتمر العاشر لجبهة التحرير الإرترية 2019م
بقلم الأستاذ: حامد سلمان - كاتب وناشط سياسي إرتري
هل من مضامين سياسية ؟ انتخاب المناضل حسين خليفة رئيسا للجنة المركزية
وانتخاب المناضل محمود محمد إسماعيل ( ألمداي ) رئيسا للجنة التنفيذية لجبهة التحرير الإرترية.
رغم كل الظروف ورغم كل المشاكل والصعوبات ، يعتبر مجرد استمرار جبهة التحرير الإرترية في عقد مؤتمراتها التنظيمية بشكل منتظم حتى المؤتمر العاشر لهو دليل على العافية والوجود والحياة والإستمرار ، بغض النظر عن نتائج هذا المؤتمر أو ذاك وعن مستوى الأداء والإنضباط في هذا المؤتمر أو ذاك ، وبغض النظر أيضا عن الظروف المحيطة والبيئة السياسية التي يتحرك فيها التنظيم ، تحقيق الأهداف العليا للتنظيم يمكن أن تتأخر أو تتقدم حسب توافر شروطها الذاتية والموضوعية ، لكن الثبات على التقاليد التنظيمية الراسخة للجبهة والإستمرار في محاولات تجديد الأداء وتطوير الرؤية والآليات يعتبر بحد ذاته غمل إيجابي يحافظ على وجود هذا الصرح السياسي التأريخي العظيم ، عظيم ؟ نعم ، وهذه ليست بأي حال محالة تضخيم بقدر ما هي تعبير عن حقيقة تأريخية.
فقط للتذكير ، الجبهة الشعبية التي تحكم إرتريا اليوم أفلست وانتهت كتنظيم سياسي لأن المجموعة التي تقف اليوم فوق ركام ما تبقى من هياكل التنظيم المتكلسة عجزت عن التواصل مع عضويتها ، بل تحول التنظيم بأكمله إلى أدوات تم تسخيرها بالكامل لإرضاء نزوات شخص واحد مريض يهش بالتنظيم يمينا ويسارا كما يهش القس بذيل الحصان لطرد الذباب والحشرات الطائرة عن وجهه ، وهذا بالضبط ما يفعله أسياس أفورقي بما يسمى تنظيم الجبهة الشعبية ، لقد تم اختصار تنظيم الجبهة الشعبية بأكمله إلى حقيبة يد صغيرة يحملها الأمين محمد سعيد حينا ويوسف صايغ حينا آخر ويحمل بعض بقايا أسرارها حقوص كشا ويماني قبرآب ، فشل تنظيم الجبهة الشعبية كنتظيم سياسي عندما نقاعس عن الدفاع عن قيمه ومبادئه التنظيمية ، وفشل تنظيم الجبهة الشعبية عندما سمح لعصابات غير معروفة المصدر والقيادة بإعتقال المئاة والآلاف من كوادر وقيادات التنظيم وإخفاءهم أو إعدامهم دون أن يكون للتنظيم حتى حق السؤال عن مصيرهم ، كيف يمكن لتنظيم فرط في عضويته وسلمهم لعصابات سياسية إجرامية أن ينتشل نفسه من هذا المستنقع المذل في يوم من الأيام ويقول أنا موجود أمام أعضاء التنظيم الذين كان عددهم 95.000 عضو منتظم عند عقد مؤتمره الأخير ، علما بأن آخر مؤتمر عقده تنظيم الجبهة الشعبية هو "المؤتمر الثالث" وعقد في فبراير 1994م أي قبل ربع قرن تقريبا ، لاحظ أن جبهة التحرير الإرترية عقدت مؤتمرها التنظيمي "العاشر" في ديسمبر 2019م وانتخبت قيادتها التنفيذية والتشريعية.
ومهما بدت الأوضاع على غير واقعها فإننا أمام صورة يتجلى فيها مبدأ "البقاء للأكثر ملائمة survival of the fittest" بالنتائج الملموسة أمامنا اليوم يمكننا الجزم بأن جبهة التحرير الإرترية بإعتبارها تنظيم سياسي يحمل برنامج سياسي ويملك رؤية لحل المشاكل التي تواجه إرتريا ، هو في حالة تطور وصيرورة تأريخية طبيعية وهي السمة المشتركة لكل التنظيمات القادرة على البقاء لتنطلق من مرحلة مجرد البقاء إلى مرحلة الصعود المتدرج نحو القمة ببطئ ولكن بثبات.
لو كان متاحا لشخص مات قبل أكثر 20 سنة القيام من قبره والسير في شوارع المدن الواسعة فإن الحياة ربما تدب بالتزامن مع ذلك في تنظيم الجبهة الشعبية لينهض ويعقد مؤتمره الرابع ( في 60 سنة تقريبا ) ولكن كيف يمكن الإجابة على سؤال المليون دولار ، ما مصير الأعضاء ال95.000 خمس وتسعون ألف عضو وهم بالمناسبة بشر من لحم ودم ، ماذا جرى لهم وأين هم الآن ومن المسؤول عن ضياعهم واختفاء ومقتل معظمهم من خلال التصفيات الجسدية السرية والإعتقالات العلنية.
الفرق المنهجي بين التنظيمين يبدوا أكثر وضوحا اليوم ، منهج العنف الدموي التنظيمي والهمجية والبربرية السياسية واستخدام السوط لتأديب الأعضاء وضبطهم بالتلفيق والتدجين والقتل والتعسف الذي سلكته الجبهة الشعبية ومنهح إدارة الخلاف وضبطه في حدود التعبير اللفظي وإبداء الرأي مع استخدام أشد عبارات التأنيب والقسوة السياسية في حدود الأدب والقيم السياسية والتنظيمية دون مد اليد واستخدام العنف ضد الرفقاء ، مختصر القول ، ربما يحاول البعض الإيحاء بأن الجبهة ماتت لأنها ليست قادرة في هذه اللحظة التأريخية على اقتلاع نظام العصابة المجرمة الرابض في أرض إرتريا ، ولكن واقع الحال يقول بوضوح بأن جبهة التحرير الإرترية ، بغض النظر عن الإتفاق أو الإختلاف مع خطها السياسي أو مستوى أدائها التنظيمي ، إلا أنه لا يمكن لأي حيوان سياسي إلا الموافقة على أن الجبهة ماضية في مسار سياسي تأريخي طبيعي يضمن البقاء لها كتنظيم أولا والتطور وتحقيق الأهداف في مراحل لاحقة.
المشكلة ستكمن دون شك في محاولة بعث الروح في شرايين تنظيم الجبهة الشعبية الذي مات وشبع موتا ، كما نرى ونسمع.