الصراع بين الأحباش وعلاقته بمشروع تجراي تجرنية
بقلم الأستاذ: إبراهيم عمر
الصراع بين الشعوب الإثيوبية صراع ازلي قديم قدم التاريخ امتد عبر الآف السنين ومازال مستمرا الي يومنا هذا
برغم اختلاف الزمن وتعاقب الملوك واختلاف التطلعات. "وقد تناحرت الإمارات الإثيوبية فوق الهضبة حتي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، حول عرش ال (نجوس نجس) اي ملك ملوك اثيوبيا" (١). فنجد الصراع الدائر بين الأمحرا و التجراى قديم لا ينقطع ولايعرف الهدؤ ويمتد حتي يشمل الشعوب المجاورة ويحمل صبغة الحملات الصليبية من خلال "التحالف مع الأجنبي الغازي والمستعمر، على صعيد الخارج، من منطلق نحن حماة (جزيرة مسيحية ارثذوكسية) في محيط اسلامي" (٢). ولكن ماهي الدوافع الرئيسية لهذا الصراع الذى أصبح يشكل مجمل التاريخ الإثيوبي ومازالت ناره مستعرة حتى فى العصر الحديث. في هذه الأسطر القليلة سنحاول تسليط الضوء علي أسباب الصراع وما علاقة مشروع تجراى تجرنية بطرفى الصراع المتمثل فى الأمحرا في اقليم شوى والتجراى في اقليم تجراى.
يعتبر الصراع القائم بين أقوي مكونين في الهضبة الحبشية وهم التجراي والأمحرا صراع من أجل النفوذ والتوسع و السيطرة على الموارد وطرق التجارة والمنافذ البحرية التي تربطهم بالعالم الخارجي للخروج من هذه العزلة التي حولت الحبشة الى دولة حبيسة طيلة فترات التاريخ. ولتحقيق ذلك كان على أباطرة الحبشة إشعال الحروب من اجل السيطرة علي الشعوب المجاورة وإخضاعها، ومن افرازات هذا الصراع والتنافس برز مشروع يحمل في طياته الكثير من مظاهر هذا التنافس ويحمل بذور دولة قومية خاصة بأبناء تجراي تجرنية "وهو مشروع، ينبثق في اصله، من جذور التطلعات الطموحة، الى السيطرة الكلية، على السلطة والثروة، من الجناحين الاكسوميين، المتصارعين، على مدار تاريخ تدافع السلطة والثروة، في بلاد الحبشة، (الأمهرا / شوى)، (التجرنية / أكسوم)" (٣).
اما الأورمو بإعتبراهم إحدى مكونات إثيوبيا الكبرى وبالرغم من كثافتهم العددية التي تشكل ٣٤% من تعداد اثيوبيا البالغ ١١٢ مليون نسمة (٤)، فنجدهم الحلقة الأضعف في هذا الصراع علي مر التاريخ. والسبب يعود لعدم وجود أهداف توسعية لديهم لما يمتلكونه من أراضي شاسعة وقربهم من المنافذ البحرية في الصومال وجيبوتي لذلك نجد حرب الأورمو مع اعدائهم الامحرا والتجراي هي حرب وجود فتجدهم دائما في موقف المدافع لا المهاجم، وهذا يجعل من ارضهم ساحة للمعركة التي تفضي دائما الي دمار المناطق التي يقطنونها في حالة النصر او الهزيمة وهذا ما يفسر سيطرة الامحرا و التجراى علي سيادة الحبشة طيلة القرون الماضية ماعدا فترات لا تذكر، أما الأمحرا والتجراى فكانوا دائما ساعين الي التوسع بسبب الحصار المفروض عليهم من كل صوب بالطبيعة المتمثلة في "هضبة أشبه بحصن منيع شامخ وعر المسالك والدروب أرستها الطبيعة وسط سهول قاحلة مجدبة وصحاري محرقة" (٥) وبإعدائهم كالطوق من ناحية اخري.
اما من ناحية الشمال الشرقي للحبشة فالسعي الدائم من أجل السيطرة علي المنافذ البحرية يعتبر من أهم اسباب الصراع بين شعوب ارتريا والحبشة، هذا الصراع افضى الي أوهام تحولت مع مرور الزمن الى مطالب مزعومة يطالب فيها ابناء الحبشة بأحقية الحصول على منفذ بحري وأحلام تراود كل من يعتلي عرش الحبشة من اجل السيطرة علي البحر والخروج بالحبشة من العزلة التي فرضت عليهم طيلة القرون الماضية بسبب الشعوب المجاورة علي امتداد الشريط الساحلى من البحر الاحمر الي المحيط الهندي وكلها شعوب مسلمة وقوية لها تاريخ عريق في المنطقة وهي إرتريا وجيبوتي والصومال.
ومن أشكال هذا الصراع ظهر مشروع تجراي تجرنية وكما ذكرت في مقال سابق، اغلب مؤيدي الفكرة هم في الأصل من أبناء اقليم تجراي المتاخم للحدود الأرترية سواء كانو في اثيوبيا ام هاجرو الي ارتريا بالأضافة الي قلة من مؤيدي الفكرة لدواعي دينية، وفكرة المشروع تقوم علي فصل اقليم تجراى وضمه الي ارتريا وبالتالي ضمان الحصول على منفذ بحرى وتوسيع الرقعة الجغرافية لشعوب تجراى على حساب شعوب ارتريا. وايضا فرصة سانحة لاغلاق الباب امام تطلعات الامحرا للوصول الى البحر الاحمر والى الأبد.
ففي فترة الإحتلال الإيطالي لإرتريا ١٨٩٨-١٩٤١ والحبشة ١٩٣٥-١٩٤١ لم تشهد لا ارتريا ولا الحبشة اى محاولة لظهور المشروع ربما لعدم ملائمة الظروف في وجود المحتل الإيطالي بقيادة الفاشية في تلك الفترة و حتي هزيمة الطليان علي ايدي الإنجليزى وعودة الإ مبراطور الهالك هيلي سلاسى من المنفى الى اديس أببا في الخامس من مايو عام ١٩٤١ (٦).
مباشرة بعد هزيمة الطليان في نهاية الحرب العالمية الثانية وهذا بدوره ادي الى عودة التاج الحبشى الى سلطة الأمحرا وهذا يعنى عودة المنافسة بين الأمحرا و التجراى علي سيادة الحبشة من جديد، "وبهذا نستطيع ان نقول: ان مشروع (تجراي تجرنية) ما هو في حقيقته الا مظهرا من مظاهر، واليات التصارع السلطوي، بين (شوى) و (أكسوم)" (٧). ومع عودة الصراع على التاج اطلت الفكرة من جديد وهذه المرة فى كلى البلدين وبالتحديد في اقليم اكلي قوزاي واقليم تجراى المجاور.
رآس تسما اسمروم و ولدآب ولدي ماريام:
اما في إرتريا فكان رآس تسما اسمروم زعيم اكلي قوزاى ومؤسس حزب إرتريا للإرترين او (إستقلال ارتريا وتقدمها) ودقيات ابرها من اهم مؤيدي الفكرة "وكان دقيات ابرها اكثر المتحمسين في اوساط حزب ارتريا للارترين لمشروع إقامة دولة تجراى - تجرنية" (٨).
هذا بالأضافة الى ولدآب ولدي ماريام الذي كان من فى البدء من اعضاء جمعية حب الوطن وبسبب خلاف وقع بينه وبين أعضاء حزب الانضمام (الاندنت) الذي يدعو للإنضام الغير مشروط الى اثيوبيا في اجتماع بيت قرقيس قرر الانسحاب بهدوؤ وبداء يتقرب من حزب رآس تسما اسمروم الذي يحمل نفس الأفكار وبداء يدعو للفكرة بوضوح فى المقالات التي كان ينشرها في الصحيفة الاسبوعية والتي تطالب بضم تجراى الي ارتريا، وأن تكون لغة التجرنية لغة التعامل في المحاكم والدوائر الحكومية داخل منطقة الحكم الذاتي لإقليم تجراي تجرنية (٩)، فعمل مع رآس تسما على تحيد وإسكات رأى الوطنيين الداعين الى وحدة واستقلال ارتريا.
في البدء وقبل آنضمام ولدآب ولدي ماريام الى حزب ارتريا للإرترين كان الحزب منقسم بين مؤيدين لفكرة تجراي تجرنية بقيادة رآس تسما ودقيات ابرها وبين مطالبين باستقلال ارتريا بقيادة ازماتش برهي قبري كدان احد زعماء اكلى قوزاى وفى الأخير تم اقتياله والقصة موجودة بشكل مفصل في كتاب (لن نفترق) للكاتب آلم سقد في الفصل الحادي عشر والثالث عشر.
اما في الشطر الثاني فكانت الفكرة ممثلة في حركة إنتفاضة مناهضة لحكم الإمبراطور أو الأمحرا بشكل عام ولسؤ حظهم لم يكتب لها النجاح نتيجة للتدخلات الخارجية بعد ان طلب الامبراطور من الانجليز المعاونة بسبب عجزه عن السيطرة علي اوضاع البلاد المترامي الأطراف. فانتشرت الفوضي واعمال النهب المسلح كانتشار النار في الهشيم بسبب غياب الحكومة المركزية بعد انسحاب الإيطالين ودخول القوات البريطانية ظل قسم كبير من البلاد بدون سلطة وبالتالي غابت مهمة الرقابة الأمنية التي كانت تقوم بها دولة الاحتلال الإيطالي، ومع توسع الفوضي اتسعت رقعة اعمال النهب والعصيان الذي اجتاح البلاد و الذي سبب الحرج للحكومة الجديدة فطلب الامبراطور من البريطانين التدخل فكان الرد سريعا وحاسما فتم اخمادها بقصف جوى من القاعدة البريطانية في عدن (١٠).
وبذلك تم قتل الفكرة ولو مؤقتا في إقليم تجراى اما في ارتريا فتم قتل احلامهم بضم ارتريا الي اثيوبيا بمباركة امريكا وبريطانيا ومجلس الأمن في تجاوز صارخ ضد رغبة الشعب الارتري فتأجل تحقيق حلم تجراي الكبرى فظن الشعب الأرترى ان الفكرة قتلت في مهدها. ولكنه ضم ارتريا الي اثيوبيا لم يمنع أبناء تمبين من مواصلة المشوار والوقوف عند هذا الحد بل واصلو نضالهم بشتي الطرق من أجل تحقيق حلم الدولة المزعومة ولكن هذه المرة وبشكل مختلف منتحلين صفة مناضلين ارترين بعد ان اخترقو صفوف ثورتنا المجيدة التي قادها المناضل البطل الشهيد حامد ادريس عواتي ومجموعة اخري من أبطال الرعيل الاول في عام ١٩٦١/٩/١ ومن ثم تحالفو مع ابناء جلدتهم من تجراى وللأسف اشتركت معهم مجموعة اخرى من المسلمين المحسوبين على مسلمى أرتريا فاوصلو البلاد الي حال يرثى لها فاصبحت البلاد تحت رحمة هذه المجموعة الساعية بشتى الطرق لتحقيق هذا الحلم الذي يقوده إسياس الرئيس الإرتري الغير شرعى. فأصبح الشعب الأرتري بين مطرقة إسياس ذي الأصول التجراوية وبالتحديد من منطقة تمبين (عدوة) وسندان المعارضة الارترية المتهالكة التى تلعب دور المتفرج بدل ان تلعب دور المنقذ فاصبحو جزء من المشكلة بدل ان يكونوا هم الحل لهذه المعضلة او على الاقل ان يصبحو جزء من الحل فلا حول ولا قوة الى بالله.
مع اطيب الأمنيات
المصادر:
١. إثيوبيا التوسع وتأسيس الدولة، داليا سعد الدين / ص ١٧
٢. تجراي تجرنية الفكرة ودوافعها، مقال أ. د. جلال محمد صالح
٣. نفس المصدر السابق
٤. http:/worldpopulationreview.com/countries/ethiopia-population
٥. الأحباش بين مأرب وأكسوم، ممتاز عارف / ص ٢٠
٦. نفس المصدر السابق ص ٢٩٢
٧. د. جلال محمد صالح مصدر سابق
٨. لن نفترق، الم سقد / ص ٢٦٨
٩. لن نفترق، مصدر سابق / ص ٢٧٧
١٠. ممتاز عارف مصدر سابق / ص ٢٩٣