جائزة نوبل للسلام وأبعادها السياسية
بقلم الأستاذ: سمير محمد - كاتب وناشط سياسي إرتري
تعتبر جائزة نوبل من أكبر وأعرق الجوائز التي يتم تكريمها لمن قدم أكبر منفعة للبشرية في مجالات الفيزياء،
الكيمياء الطب أو علم وظائف الأعضاء، الأدب، الاقتصاد وأخيرا جائزة نوبل للسلام أي لمن كان له الفضل في خدمة السلام الدولي وترجع فكرة تأسيس جوائز نوبل للعالم السويدي ألفريد نوبل الذي أوصى بها قبل وفاته. تقوم المنظمات المسئولة والمعنية بتكريم المرشحين للجوائز سنويا في ذكرى وفاة العالم ألفريد نوبل المؤسس للجائزة تحديدا في تاريخ العاشر من ديسمبر من كل سنة.
في هذه المقالة سوف يتم التعليق كما هو واضح من العنوان عن جائزة نوبل للسلام وهي إحدى المجالات التي يتم تكريمها على حسب وصية مؤسس الجائزة في عام ١٨٩٥ قبل وفاته على قراره تم إنشاء جائزة نوبل للسلام ويتم منحها "لمن بَذل جهداً في سبيل نشر روح الإخاء بين الأمم، أو ساهم في تسريح الجيوش أو خفض أعدادها، أو انشأ هيئاتٍ أو مؤتمراتٍ تروّج للسلام". تم تكريم جائزة نوبل للسلام للعديد من الشخصيات البارزة حول العالم بسبب الجهود المبذولة لنشر السلام على مدار أكثر من مئة عام و أول جائزة نوبل للسلام تم منحها في عام ١٩٠١ لشخصين فريدريك باسي وهنري دونانت، وأخر الحاصلين عليها حديثا لعام ٢٠١٩ رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد وهو محور الحديث في هذه المقالة.
تم تكريم رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد لجائزة نوبل للسلام لعام ٢٠١٩ وكان ذلك "بسبب الجهود المبذولة لتحقيق السلام والتعاون الدولي وخاصة لمبادرته الحاسمة لحل النزاع الحدودي مع إريتريا المجاورة" على حسب ما ذكرته المنظمة المسئولة لمنح جائزة نوبل للسلام وهي اللجنة النرويجية لجائزة نوبل.
تم تعيين أبي أحمد رئيسا لوزراء أثيوبيا في ٢ أبريل ٢٠١٨ ومنذ توليه السلطة قام بالعديد من الإصلاحات في بلده ولكن ما يهم المجتمع الاريتري هو ليس ما قام به في أثيوبيا من الإصلاحات وتغيير فلا اعتراض على ذلك ولكن بالرجوع والتدقيق لما قالته المنظمة المسؤولة لجائزة نوبل عند التكريم "خاصة لمبادرته الحاسمة لحل النزاع الحدودي مع أريتريا".
مع التطورات الإقليمية بادرت أثيوبيا بقيادة أبي أحمد لكسر العداوة مع أريتريا وليس ذلك إلا لمصلحتها دون أدنى مصلحة للشعب الاريتري بالرجوع لذاكرة الحروب الدامية بين البلدين يمكن فهم أن ماتطمح له أثيوبيا من أريتريا هو موقعها الاستراتيجي نظرا للتوسع التي تشهده أثيوبيا في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية.
بعد تعيين أبي أحمد رئيسا لوزراء أثيوبيا قام بإصلاحات من ضمنها الإفراج عن السجناء السياسيين في الداخل والعفو عن المعارضين المنفيين في الخارج و المبادرة بالصلح مع أريتريا لإنهاء الأزمة بين البلدين والتي استمرت لعقود. ولكن لم تسلم سياسته من إشعال النزاعات العرقية مما تسبب بأعمال عنف وزعزعة الأمن والاستقرار في بعض المناطق.
بكل تأكيد إن ما قام أبي أحمد تجاه الإصلاحات والتغييرات في بلده وكل مايصب في مصلحة أثيوبيا ليست محل اعتراض بل تضاف لرصيد أعماله البناءة لتطوير أثيوبيا للأفضل والتي شهدت فسادا من قبل نظامها السابق وحروب مع أريتريا أودت بحياة الألاف من الضحايا من طرف البلدين ووضعت البلدين في أسفل قاع مستوى الفساد والفقر.
ولكن كون حصول رئيس وزراء أثيوبيا لجائزة نوبل بسبب السلام مع أريتريا فليس بذلك من المنطق بشي لأن ما وصلت إليه أريتريا من انتهاكات لحقوق الإنسان لشعبها لم تأتي إلا تبريرا للعداوة مع أثيوبيا وبكل تأكيد التجنيد الإلزامي الغير منتهي المدة هي أحد أكبر البراهين لاستغلال النظام الديكتاتوري الاريتري للمواطنين. الخدمة الوطنية الإلزامية التي استغلت من قبل النظام الديكتاتوري نظام أفورقي بسبب حماية أمن أريتريا وأي عدوان محتمل من أثيوبيا تجاهها مستمرة ولم تلغى ناهيك عن انتهاكات حقوق الإنسان. وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية عن حالة حقوق الإنسان في إريتريا مؤخرا لعام ٢٠١٨/٢٠١٧ "واصل الآلاف الفرار من إريتريا بينما، وضعت السلطات قيوداً شديدة على حق مغادرة البلد. واستمر فرض الخدمة الوطنية الإلزامية إلى أجل غير مسمى. ولا تزال القيود على الحق في حرية التعبير والدين قائمة. وظل الاحتجاز التعسفي دون تهمة أو محاكمة هو القاعدة بالنسبة لآلاف سجناء الرأي. وحُرم الآلاف من الحق في مستوى معيشي لائق".
فما المقصود بالسلام بين البلدين وعلى قراره يتم تكريم رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد لجائزة نوبل للسلام؟ في مبادرة الصلح بين البلدين لم يتحقق السلام بين كلا الطرفين بالتساوي وبكل تأكيد الطرف الأثيوبي استفاد حكومة وشعبا أما الطرف الإرتري استفادت منه الحكومة لا شعبا، كان من المفترض تكريم رئيس الوزراء الأثيوبي بالجائزة على جهوده في إصلاحات بلده وتجنب تضمين عملية السلام بين البلدين أو الصفقة مع النظام الإرتري إذا صحت التسمية.
فلم تلغي الحكومة الإريترية الخدمة الإلزامية الغير منتهية المدة بل أصبحت تتصدر قائمة الدول في نسبة المهاجرين الفارين من هذه الخدمة بالرغم من أن الحرب انتهت بين البلدين لأكثر من عقد وتم الصلح بين البلدين مؤخرا ولكن مازال النظام الاريتري يستغل كون الدولة قد تتعرض لأي عدوان وإجبار المواطنين البالغين على الخدمة الحكومية لمدة غير منتهية ليكونوا شاغلي مناصب عسكرية ومدنية تحت قبضة وتسلط الحكومة لتضع فرصة النجاة الوحيدة للمواطنين الإريتريين من تلك الهيمنة الهروب من البلاد.
فلم تكن تلك المزعومة بالسلام بين البلدين إلا مصلحة لطرفين وهما إثيوبيا حكومة وشعبا والطرف الاخر ليس كما يعتقد البعض الشعب الاريتري بل نظامها القمعي الذي استغل مبادرة الصلح لتبييض وجهه الإجرامي برفع العقوبات عليه من قبل مجلس الأمن الدولي. من ضمن تلك العقوبات هي حظر توريد الاسلحة وحظر سفر المسؤولين في النظام وتجميد أرصدة الدولة في البنوك الدولية.
أثيوبيا الدولة الحبيسة بلا منفذ بحري كان لها ما سعت من أجله بالوصول لمنفذ بحري بعد الصلح مع إريتريا. حيث أن أثيوبيا تستخدم ميناء جيبوتي البحري لتأمين مصالحها التجارية والمدنية. بكل تأكيد استخدام موانئ اريتريا الحيوية على البحر الأحمر يعتبر موقع استراتيجي مهم سوف يمهد الطريق لاستيعاب التدفق الهائل لاستيراد والتصدير السلع الأثيوبية. ويتضح من مسعى أثيوبيا لاستخدام موانئ أريتريا الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر ستكون أقل تكلفة و أقرب مقارنة مع موانئ جيبوتي.
بكل تأكيد يمكن تلخيص الصلح أو السلام المزعوم بين البلدين بأنه كشف مساعي أثيوبيا لضمان مصالحها واستقرار أمنها وعلى الصعيد الإريتري فقد تعرى وجه النظام الحاكم باستمرار سياسته القمعية ضد شعبه واستخدام الصلح مع أثيوبيا لمحو صحيفته الجنائية لدى مجلس الأمن الدولي وأخيرا يتبين من نيل أبي أحمد لجائزة نوبل للسلام أنها لم تمنح على أساس إنساني وإنما منحت على أبعاد سياسية فقط.
والجدير بالذكر أن جوائز نوبل لم تسلم من التدخلات السياسية والمصالح على سبيل المثال أجلت الأكاديمية السويدية لجائزة نوبل تسليم جوائز نوبل للآداب لعام ٢٠١٨ والتي كانت مستمرة لأكثر من سبعين سنة. جاء قرار الأكاديمية السويدية بسبب حالة الضعف التي تعيشه الأكاديمية وفقد ثقة الرأي العام لها بسبب سوء سلوك وتضارب المصالح والذي تسبب في تنحي بعض أعضاء مجلس الأكاديمية.
ويرى العديد من الأكاديميين والنقاد حول العالم أن جائزة نوبل للآداب ترى على نطاق واسع أنها جائزة سياسية مثل جائزة نوبل للسلام التي تمنح لمن يخدم مصالح سياسية فقط أي المتحيزون لأذواق سياسية دون وضع في الحسبان شروط تسليم الجائزة.