الاريتريين بين مطرقة البحار وسندان الديكتاتور
بقلم الأستاذ: سمير محمد - كاتب وناشط سياسي إرتري
لعل مأساة الاريتريين لا تشابهها أي مأساة من دول الاقليم والعالم ونجد ان جميع المنظمات الانسانية الدولية
المتخصصة تحدثت عن ما يعانيه المواطن الارتري من بطش النظام الديكتاتوري وكذلك التجنيد الإجباري لفترة غير محددة بطريقة استعبادية.
وبالتالي نسمع أنه تم غرق حديثا العديد من أريتريين في سواحل ليبيا وهم شادين الرحال على أمل الوصول لدرب السعادة ونهاية تعاستهم في في حياة الاستعباد من قبل نظام الطاغية في الخدمة الإلزامية الغير محددة الأجل وانتهاكات إجرامية ضدهم. لقد اعتاد الشعب الإريتري والعالم على سماع ما يواجه المواطنين الإريتريين الهاربين من جبروت وطغيان النظام الفاشي الذي استعبدهم وهم خرجوا من بطون أمهاتهم أحرارا. وأن أكبر مايبرهن أن النظام الظالم لم يهمه الأمر في رسالة واضحة بأن الإفلات منه عقابه الذهاب إلى الجحيم حديث الرئيس الطاغية أسياس أفورقي في مقابلة له في قناته التي لا تنشر إلا لما يرضي ضميره وضمير أتباعه وليس ذلك من الحقوق الاعلامية بشي ولا يمت لحرية الإعلام بأقل شي، قام بالحديث وعلى أرض الحدث في مدينة ساوا مقر الجحيم العسكري ومعقل أستعباد الجيل القادم "إن التجنيد في أريتريا مهم في حالة حدوث مشكلة أو لما يهدد البلد" وهل يجب على الكبار والصغار ممن جندتهم واستعبدتهم منذ نعومة أظفارهم قضاء معظم حياتهم في وحل معسكراتك بحجة الأمن ولما يهدد البلد لباقي حياتهم دون عيشهم في حرية وسلام وبناء مستقبلهم ؟
إلى متى من الزمن يتم سرقة أعمار أبناء الوطن في ما يسمى بالخدمة الوطنية التي لم يشهد منها إلا ضياع الشباب والجيل القادم ؟ إن هروب أبناء الوطن بعد إدراكهم بضياع حياتهم في ظل الخضوع للطغاة و مصلحتهم في التجنيد خير حجة ودليل على أنه خسارة كبيرة في أيدي عابثة لم توظفهم إلا لنيل نواياها وتنفيذ رغباتها ولم يكونوا أولئك المجندون إلا وسيلة تحقيق واستمرار لمراد الطغاة المستغليين لأبنائهم ونصبهم كوسيلة لإثبات كيانهم.
وفي نفس السياق بمفهوم ماقاله أفورقي "نحنا لم نقوى ونصل لإنجازاتنا إلا بسبب المجندون من أبناء الوطن وما يقومون به من خدمة". لا يجهل أي عاقل بأن هذه المقولة رسالة واضحة وتلميح بأن نظام أفورقي وحاشيته لم يقوموا باستخدام أبناء الوطن إلا لمصلحتهم وإخراج جيل يدعم ويعزز وجوده وكيف لا وهو ينشئهم و يبرمجهم على أساس قوامه؟ لم يعش الشعب الأريتري حياة كريمة في ظل حكمه وسار طموحه وأحلامه الهرب ومواجهة ما لا تحمد عقباه في رحله لتجنب بطش نظامه.
إن الخدمة الإلزامية ليست الإشكالية الوحيدة التي هوت بالبلد لتنفير أبنائه ولجوئهم للخارج بل هنالك العديد من الإنتهاكات الإجرامية لحقوق الإنسان التي لم يسلم منها أي شخص إلا من رضي بالخضوع والانحناء لما يشبع رغبات النظام الديكتاتوري الذي وكما يبدوا عليه الأمر أنه راضي للوضع المأساوي الذي وصل إليه أبناء وطنه وكأنه يريد إرسال رسالة لكل من هم تحت كيده بأن الهلاك مصير من يفكر التحرر من جبروته.
إن ما يتعرض له الشعب الأريتري في رحلته بسبب النظام الظالم تقشعر لها الأبدان. في أحد الفيديوهات التي شاهدتها لما وصل إليه الشعب الأريتري من مأساة وبالتحديد في ليبيا لا يمكن وصفه من هول مايحدث لمواقف يتعرض لها أولئك المهاجرين والتي لا تخلو من خطف والاتجار بهم والتهديد والأعتئ من كل ذلك موتهم غرقا طبعا إذا نجو من قتل العصابات الإجرامية وانتشار جثثهم على سواحل ليبيا ! نعم فهذا ما تم توثيقه في أحد المشاهد المؤلمة لأحد الناجين منهم وهو يشرح معاناتهم في عدم التمكن من دفن الإريتريين المتوفين في سواحل ليبيا.
حتى أصبحت أمنية الناجين منهم إكرام إخوانهم من الموتى بدفنهم أشد رغبة على إكمال رحيلهم بعد رفض الليبيين بمساعدتهم بعد الإلحاح من البعض ولكن لم يتم مساعدتهم وتم تهديدهم بالقتل وبالتالي تم تغطية أحد الموتى على الشاطئ! والآخر تم دفنه ببعض الحجارة في مكان ليس بمقبرة على ضفاف البحر. وأكثر ما أحزن في هذا المشهد بكاء أحد الناقلين لهذا الفيديوا بالقول "ساعدونا لدفن أخواننا من الموتى ولا نريد مساعدتنا في شي أخر".
في حديث الطاغية أسياس أفورقي بخصوص ما يواجه المهاجرين من إريتريا من معاناة أجاب وهو ضاحكا بالقول "لماذا هاجر أولئك المهاجرين ؟" وهو متناسيا أنه السبب الرئيسي لتلك الأفواج من أبناء الوطن التي تركت أرضها واختارت مواجهة المهالك للنجاة من كيده وجبروته.
يعاني العديد من الإريتريين الهاربين من بلادهم للعيش في حياة كريمة وضمان حقوقهم وبالتحديد لأوروبا من إجرام وخطف وتعذيب والكثير من الانتهاكات التي لا سبيل لذكرها لكثرتها وبشاعة مضمونها. حيث يقع العديد منهم ضحايا تحت أيدي أناس لا تعرف الرحمة وليس لها أي ضمير، عصابات وكلت من نفسها للوقوف أمام هجرة المساكين الفارين من الظلم لوضعهم تحت ظلم أعتى لتكون رحلة أولئك المضطهدين مكبدة بجميع ما تعنيه الكلمة من مصاعب وظلم. وليس ذلك إلا لتحرير أنفسهم من كيد نظام لا يرى منهم إلا طريق لتحقيق أهدافه وإشباع غريزته. ولا شك أن النظام الجائر ضالع في هذه الحوادث التي يتعرض لها الهاربين من قبضته كيف لا وهو لا يكترث للأمر ؟
إن هذه الحوادث ليست من نسج الخيال بل هي حوادث تم رصدها وإثباتها على أرض الواقع ممن واجهوا تلك المحن وهم يحاولون العبور لبر الأمان بعد نجاتهم من مأساتهم. ذكر العديد من الناجين من تلك المواقف الوحشية التي صادفتهم في طريقهم للتخلص من الظلم الذي أجبرهم على اتخاذ طريق ليس من السهل تجاوزه وتحمل عقبات طريق مالا تحمد عقباه.
بل وصل الحال باختطاف والمتاجرة للاجئين الإريتريين في معسكرات اللاجئين مثلا في شرق السودان وفي قول الأمم المتحدة بهذا الشأن "إن 70 في المئة من الواصلين الجدد يختفون" ومع ذلك تكون هذه معسكرات مليئة باللاجئين الإريتريين متحدين بذلك تلك المخاطر.
إن ما وصلت إليه أزمة المهاجرين الإريتريين من اختطاف وتعذيب وغيرها من الحوادث المؤلمة يتوجب على جميع المعنيين من منظمات ولجان ذوي العلاقة بالعالم وفي رأسها الأمم المتحدة والمنظمة الدولية وجميع المنظمات الحقوقية التدخل لمعالجة هذا الوضع الذي أصبح أزمة ليست مخفية بل تم تغطيتها من كبرى وكالات الأنباء والإعلام بالعالم فماذا ينتظر أصحاب الشأن بهذا الخصوص ؟ ألم تقم تلك المنظمات والمؤسسات لمحاربة تلك الأزمات ؟