هل للثورة السودانية تداعيات على حراك الشعب الأريتري
بقلم الأستاذ: سمير محمد - كاتب وناشط سياسي إرتري
السودان هذا البلد الأفريقي العربي والذي لديه ثورة تجاوزت جميع الثورات العربية بفترتها الزمنية
والذي أصبح المخاض السياسي طويل الأمد بسبب الصراع بين التيارات المدنية في السودان والمجلس العسكري السوداني والذي انتهى مؤخرا باتفاق يجعل هنالك بوادر للانفراج لكن على مايبدو أن تلك البوادر انحرفت وسلكت مسار يبدو غير ذلك. ولعل المجلس العسكري بأعضائه قد يكونان هم السبب في اطالة الازمة السياسية في البلد لكن يجب علينا تسليط الضوء على المجلس العسكري وفك رموز وشفرات اعضائه الرئيس هو عبدالفتاح البرهان هو الشخص الصوري لهذا المجلس كما حدث بثورة 1952 يوليو بمصر عندما تولى المجلس محمد نجيب وفعليا الذي أدار العملية بشكل عام هو جمال عبدالناصر واليوم نجده هنا بمجلس السودان هو محمد حمدان دقلو والمعروف (حميدتي) وهو الرجل الذي كان بنظام البشير يعمل بالظل واليوم أصبح يعمل بالواجهه تحت راية قوات الدعم السريع التي لعبت دورا أساسيا في شؤون الدولة وحصانة نظام البشير القمعي.
قبل ظهور قوات الدعم السريع كان أفرادها عبارة عن عصابات لحماية مصالحها والعمل في تأمين وحماية القوافل التي تديرها مما أعطاها خبرة نحو تأسيس مجموعات أو ميليشيات مسلحة لضمان تأمين تجارتهم ومصالحهم. ولم تكتفي تلك العصابات في تنفيذ ما قامت من أجله بل أصبحت تخوض في معارك بدارفور و خرق قوانين حقوق الإنسان وكان ذلك سبب كافيا لتكون تلك المليشيات ذو سمعة عالية في نظر النظام الحاكم بالسودان الديكتاتوري عمر البشير ولفتت انتباهه في ظل ضعف الحكومة وقواتها المسلحة في السيطرة على التمرد في دارفور وضمان الأمن والاستقرار لحكم البشير والاستمرار في مشوار ديكتاتوريته. لم تكن تلك المليشيات نظامية بالشكل المتعارف عليه وانما فرضت قوتها بنفسها وشقت طريقها للوصول للسلطة بانتهاك حقوق الإنسان في دارفور وارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية لتكون قوة أساسية في أجهزة القوات المسلحة السودانية والمعروفة بإسم (قوات الدعم السريع) وجهاز أساسي في قيادة الدولة وإعطائها كافة الصلاحيات لفرض هيمنتها والتدخل في شؤون الدولة.
وكانت هذه القوة الغطاء أو الدرع الحامي لنظام البشير الذي حكم السودان ثلاثون عاما بعد الانقلاب العسكري والإطاحة بالحكومة المنتخبة برئاسة الصادق المهدي لتكون السودان تحت حكم عسكري منذ ذلك الحين. في ظل حكم البشير عاشت السودان لثلاثة عقود من الزمن تحت نظام ديكتاتوري حيث لم تقم انتخابات رئاسية منذ توليه السلطة في 1989 الى 2010 والتي فاز بها في 2010 بالرغم من اتهام معارضيه له في الانتخابات بغياب النزاهة. بسبب جرائم نظام البشير بالذات قوات الدعم السريع وإهمالهم للدولة تم انفصال جنوب السودان عن الشمال و ظل عمر البشير وأعوانه في الحكم ملاحقون دوليا من قبل محكمة الجنايات الدولية ولكن لم يمنعهم ذلك من ممارسة بطشهم على شعبهم من قمع واعتقالات تعسفية لمعارضيهم المطالبين بإصلاحات لما شهده السودان من فساد مقنن أي شبه رسمي في جميع مفاصل الدولة وارتفاع مستوى الفقر ولكن لم يغير ذلك نظام البشير متحديا بذلك قرارات محكمة الجنايات الدولية.
ولكن كما هو معروف عبر التاريخ كما تدين تدان وان الجزاء من جنس العمل ومهما زعم وتباهى الساحر بسحره فإنه لا مفر له من انقلاب سحره عليه أو كما يقال في المثل المعروف والذي يعتبر من قانون الكون و ناموس من نواميس الكون "انقلب السحر على الساحر". تم عزل الرئيس عمر البشير من الحكم ووضعه تحت الإقامة الجبرية وتولى العسكر حكم البلاد في 11 أبريل 2019 ليكون مرغما المغادرة من الحكم بالطريقة نفسها التي جاء بها و أوصلته للحكم، وحدث ذلك بعد الانقلاب عليه بعد احتجاجات الشعب السوداني الحر بساحات الاعتصام والإصرار على كسر جبروت نظام ديكتاتوري نهب خيرات بلده وضيع نهضته بإهماله للبلاد لمدة ثلاثين عاما. أعلن الشعب ثورته ومازال صامدا والمضي قدما بالرغم من عزل الرئيس عمر البشير من الحكم ووضعه تحت الإقامة الجبرية وتولى العسكر قيادة البلد ولكن يأبى الشعب الحر ويستمر في عقر دار المجلس العسكري أمام القيادة العامة للجيش بالمطالبة بانتقال السلطة من المجلس العسكري إلى المدنيين حتى وأن كلفه ذلك الموت مواجها بذلك ردع القوات المسلحة لهم وصدهم ومنعهم من المطالبة بإنهاء حكم للعسكريين الذين لم يشهد السودان منهم سوى ضياع البلد في أيدي عابثه لم ترتقي بالبلد بل جعلته في أعلى هرم الفساد وانتهاك حقوق الإنسان وفي رأس تلك القوات قوات الدعم السريع و التي لم تتهاون في قمع وقتل وإذلال المتظاهرين السلميين في ساحات الاعتصام علنا.
بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير و وصول العسكر للسلطة على حساب أتباعهم وإسقاط من عاونهم ورفعهم للوصول لما وصلوا إليه تكدرت وتصعبت عليهم فرض سيطرتهم بسبب صمود الشعب السوداني وعصيانهم المدني واستمرار مطالبتهم بالتحرر من حكمهم والمطالبة لانتقال السلطة للمدنيين فإن تلك المثابرة من الشعب الأبيّ لم تثقل الحكم على عاتق العسكر داخليا وحسب بل وصل صداها خارجيا وكانت بالأحرى رسالة مدوية لديكتاتور إريتريا أسياس أفورقي والذي لا وجود اختلاف بينه وبين ديكتاتور السودان فكلاهما وجهان لعملة واحدة تحت مسمى الديكتاتورية في حكم البلاد واستخدام العسكر لفرض الهيمنة والسلطة في قيادة البلاد. ولكن يبقى السؤال هنا وهو الأهم في محور الحديث، هل يمكن أن يستفيد الشعب الأريتري لما حدث لجارته السودان؟ فبعد حكم السودان من قبل طاغيته لعقود تم عزله من عرش السلطة.
وهاهنا على الشعب الأرتري أن يتبع حذو الشعب السوداني في الحراك، لم يكن الشعب السوداني كله مع الأبطال في ساحات الاعتصام ولكن القلة منهم كانوا كالشخص الواحد في مطالباتهم دون ملل أو كلل حتى نالوا مرادهم برحيل الديكتاتور و على حساب أتباعه بعد انحياز الجيش لصفوفهم، إن قوة توحد تلك الأصوات لم تكتفي برحيل الديكتاتور بل بقوتها اليوم تكاد تقتلع أساس مقومات النظام الديكتاتوري (المجلس العسكري).
لعل ذلك يعطي دافع معنوي للشعب الاريتري و زخما قويا نحو الحراك كما أعطا الشعب السوداني من خلال نجاح الثورات العربية المجاورة لها كـ الجزائر وتونس وغيرها من الدول التي نجحت في تحقيق مطالبها. إن سقوط نظام أفورقي ليس بالصعب وأن سقوطه لا محالة اذا وصلت أصوات قوية ذات عزيمة وصلابة في مطالبها عندها يمكن انحياز الجيش لصفوف الشعب وتكرار سيناريو السودان. ولكن من المهم توعية الجنود الاريتريين خصوصا الأبناء لانهم وبكل تأكيد أهم مقومات نظام أفورقي وداعميه على استمراريته. لذلك لم يتهاون نظام أفورقي في برمجة عقول أبنائه في معسكرات التجنيد
الإلزامي تحت مسمى الخدمة الوطنية وأخذ هذا الأمر على محمل الجد وبالتالي حقق نظام أفورقي طموحه في السيطرة على الشباب فلم تكن تلك المسماة بالخدمة الوطنية سوى أداة يمنهج فيها النظام مراده. ينطوي هذا النوع من السيطرة في خلق جيل يرى أنه لا قوام للدولة بدون أفورقي وأتباعه وطاعتهم واجبة وأن أي محاولة لإسقاطهم جريمة لا يمكن التهاون بها. ولعل أهم ما يلفت الإنتباه هو ربط التعليم بالتجنيد! ولا يمكن للطلاب إكمال دراستهم في مرحلة الثانوية إلا في معسكرات التجنيد إنه التفنن في استدراج الجيل القادم و تربيتهم لإخضاعهم تحت سيادته قبل نضوجهم الفكري وميل أفكارهم نحو التطور و التحرر من العبودية. إن من أفضل ما يمكن الاستدلال به لهذه الطريقة المتبعة من النظام بخصوص معسكرات التجنيد هي "التعليم في الصغر كالنقش عن الحجر".
يذهب الطلاب في هذه المعسكرات المغلقة لكي يتلقوا التدريبات العسكرية وكل ما يحتاجه الجيل القادم من الشباب من أفكار وأساليب ممنهجة تحت بروتوكولات وأجندة مدروسة من قادة رفيعي المستوى في هذا الجانب لتجعل من نمط حياتهم بعد التخرج والخروج من تلك المعسكرات مهيئة لتطبيق برمجة النظام وما يحتاجه في أرض الواقع من قمع،اعتقالات تعسفية وحدث ولا حرج من انتهاكات بالجملة لحقوق الإنسان وكل ذلك ليس إلا لضمان استمرار واستقرار نظام أفورقي الديكتاتوري وأتباعه. وأثبتت تلك المنهجيات المتبعة في معسكرات التجنيد قوتها في مخرجاتها من الجنود في الداخل بل وصلت قوتها في من هم بالخارج لتظهر لنا أناس متعصبين لمن هم ضدهم في النظام ومعسكراته وقولهم أنها مفخرة للوطن وتخرج جيل شجاع يحمي ويبني بلده!. بلاشك إن سر تفوق الشعب الأريتري في الحراك و تغيير النظام والتحرر منه لن يكون إلا بكسر أهم مقوماته وهم الجيل القادم من الشباب وتعطيل أوهام النظام لهم بالخضوع لرغباته وبث التوعية والثقة بالنفس لهم بأنهم هم من يسقطونه، حيث أن لا ثبات لبناء دون أعمدة وهنا نجد أعمدة النظام هم الأبناء التي يبطش بها النظام ويستمر في مراده.