الوعي المتنامي بالحقوق لدى الشعوب يحقق المطالب
إعداد: مكتب الإعلام حزب النهضة الإرتري
إن الشعوب وعبر التاريخ مرت بتجارب وظروف وتقلبات مما تولد عنها أنظمة حكم متباينة ترفع شعارات متعددة
من أنظمة شمولية استبدادية يطغى فيها حكم الفرد وأنظمة إمبراطورية يطغى فيها العنصر القومي وأنظمة يقوم عليها فرد مستبد وكلها تتشابه في إنها تسخر الشعوب من اجل تحقيق أهداف ورغبات الحاكم وهذه الشعوب تكون مغيبة تماما عن المشهد لا تملك أحلام وطموحات، واستغلت تلك الأنظمة ضعف البنية الثقافية لدى تلك الشعوب واستخدمت أساليب استلاب العقل وتغييبه عن التفكير في واقعها من خلال افتعال أحداث تتوارى خلفها تلك الأنظمة.
ولكن بما أن الحياة مستمرة ومعها يظل البحث عن الأفضل في محاذاتها بشكل مطرد فصارت رتابة الحياة وتكررها تدعوا أفراد الشعوب إلى التأمل فيما يجري حولهم حتى جاء الزمن الذي صعد فيه مستوى التفكير مصحوبا بدرجة يمكنها من الخروج عن التغيب المتعمد وظهرت أصوات تنادي بالحرية والتحرر من التبعية والتخلص من الاستبداد بشتى أنواعه من استبداد في الحكم أو في الفكر أو فرض وصاية عليها بأي شكل ونوع، وهكذا خاضت شعوب العالم غمار المعارك يقودها مفكرون مستنيرون ومتحررون يبحثون لشعوبهم عن الحرية والكرامة والعدالة.
كذلك في ارتريا بعد أن تنادت شعوب العالم وخاصة في إفريقيا التي كانت تخضع لسيطرة المستعمرين إلى التخلص من التبعية للمستعمرين وصارت واحدة تلوى الأخرى تنال الاستقلال وجدنا من شعبنا قيادات تطالب بهذا الحق ويقوم كل أبناء الشعب باستيعاب هذه المطالب وضرورتها في حياتهم ومستقبلهم ومن ثم وقفوا صفا واحدا في المطالبة بها ما عدا أقلية ارتمت في حضن المستعمر برابط ديني وهو نتاج للوعي المتدني لدى تلك الأقلية في إدراك واستيعاب ضرورة وأهمية الاستحواذ على الوطن المستقل الذي يحقق لإنسانه كل مبتغاه في الحياة، وعندما لم تفلح الوسائل السلمية في تحقيق مطلب شعبنا في الاستقلال تصاعدت وتيرة الثورة الإرترية وسمع صوت البندقية وطلقات الحرية بخيار الانتقال إلى وسيلة استخدام القوة لنيل حق الاستقلال فكان الوعي لدى أفراد الشعب أكثر تناغما مع هذه المطالب بالرغم من الثمن الغالي الذي تتطلبه هذه الوسيلة، ومضت الثورة وحققت أهدافها في اقتلاع المستعمر من كافة أراضي ارتريا وبحرها.
ولكن سرعان ما ابتلى شعبنا بمستعمر محلي استخدم ذات الأدوات التي استخدمها المستعمر الأجنبي من اجل تبرير بقائه واستحواذه على السلطة وأذاق شعبنا الويل وناله ما ناله من حكم الطاغية اسياس وظل لمدة ثمانية وعشرون عاما يحكم البلاد بالتخويف والتخوين والتجويع والاستمالة وشراء الذمم وهدر أموال الوطن في زرع الفتن والتلصص على المواطن والإكثار من الجواسيس بدلا من المصالحة مع الشعب والتمهيد لحياة فيها تكون الحركة المنساقة مع تطور العالم.
وشعبنا الارتري ظل طوال هذه الفترة في حالة ذهول وارتباك وصبر وانتظار وأمل في السراب ولكن كل عام ترزلون، وهكذا تلاشت كل الآمال وماتت كل الفرضيات ولم تجدي كل الحيثيات والأسباب فانقلب الجميع من حالة الركود والاستسلام إلى حالة اليقظة والرفض للواقع المشئوم وصرنا نسمع الأصوات بالداخل والخارج بدءا بحركة ودي علي ثم الحركة التي زلزلت أركان النظام وأرعدت فرائصه وهي ثورة اخريا التي انبرى لها الشهيد الحاج موسى ثم كان صوت المناضل برهاني ابرها الذي كشف سوءات النظام وأماط الستار عن الكثير مما يدور في داخل أروقة حكم الاستبداد.
وحصيلة الأمر إن الشعب امتلك الكثير من الحقائق وعمل على استيعابها وتجريدها وهضمها جيدا مما كان له الأثر في إحياء لوعيه الوطني الصرف الذي مكنه في السابق في دحر الأعداء، وعندما وصلت الأمور لدى الطاغية اسياس إلى درجة الازدراء بالشعب واللعب بالسيادة الوطنية من خلال ما أظهره من ولاء دفين لإثيوبيا لتحقيق رغبته المخفية في أن يكون له القدح المعلى في شئونها وما بدا منه من تصرفات وسلوكيات حركية ولفظية في مخاطبته للإثيوبيين لدى زيارته للعاصمة الإثيوبية أديس أببا وإقليمي الأرومو وامهرا.
كل هذه علاوة على ما مضى من معاناة نالت الارتريين من هذا الطاغية استثارت غضب شعبنا وتدافعوا إلى الوقوف صفا واحد للتحرك بعمل مقاوم وإعلاء من صوت الرفض لدى كل مدن العالم وأمام السفارات، ذلك من اجل الحفاظ على ما تبقى من السيادة والإبقاء على الاستقلال والمطالبة بزوال ورحيل النظام من اجل فتح درب جديد يسع كل الارتريين يشقون عبره للتعانق مع مستقبلهم المشرق وهي بحق تجربة ثرة مدعاة إلى التأمل وفرصة لتلافي كل ما تمخض عن تلك التجربة من آثار سالبة من خلال التخلص من كل من كان سببا ومتسبب فيها.
وهنا يجب التأكيد بأن الوحدة بين أبناء الشعب هي حجر الزاوية في التمكين من التغيير وترسيخ فهم بان المساواة في كل شيء على أساس المواطنة هي نقطة الانطلاقة لبناء الثقة بين أبناء الوطن وتبديد كافة المخاوف وعليها تقوم وتؤسس كل أنظمتنا وقوانيننا ونحلف يمين ونقسم بكل المقدسات بان ألا نصنع ديكتاتور آخر تحت أي مسمى كان، وأن الذين يصنعون وعي الشعوب الحرة هم مثقفيها وعلماءها.
وفي هذا المضمار يمكن الاستشهاد بمجهود مجموعة الوفاق الوطني التي تضم نخبة من المتخصصين الحقوقيين والأكاديميين حيث تقدموا بخطوات عملية رائدة في أن يتباحثوا في ماهية مشكلة ارتريا والبحث عن الإجابة لكل ما يشغل بال الارتريين وذلك بعيدا عن الميول والعصبية الحزبية أو الأيديولوجية وقد وفقوا في إن يجتذبوا اهتمام الكثير من الإرتريين للنقاشات التي خاضوها عبر وسائط التواصل الاجتماعي والمباشر مع كافة أبناء ارتريا وذلك ليصلوا إلى نتائج تكون أكثر قناعة لديهم قبل طرحها على الآخرين فالمؤتمر الذي عقدوه في كاليفورنيا من 5 إلى 6 من يوليو 2019 يعد خطوة متقدمة وحققوا فيها قصب السبق، وهي مدعاة للباقيين من علماء ارتريا والأكاديميين المخلصين لوطنهم وشعبهم كي يتنادوا للبحث عن حلول لكل مشاكل ارتريا ليس في كيفية التخلص من النظام فحسب إنما ابعد من ذلك في كل المجالات التي تجعل من ارتريا المستقبل تملك إمكانية النهوض والتقدم سريعا وتعويض شعبنا ما فاته من سنين الدمار الذي قاده نظام الهقدف.
وبحق فان إرتريا المستقلة جاءت للوجود وقد مهرت بدماء كل الارتريين وهي ملك لكل الارتريين وستظل كذلك إلى أن تقوم الساعة وخيراتها التي في بحرها وأرضها نعمة للإرتريين جميعا يتمتعون بها ويحفظونها وينمونها حتى تدوم لكل الأجيال المتعاقبة ويظل الوعي يلعب دورا كبيرا في الحفاظ على المنجزات والمضي قدما نحو تحقيق المزيد من التقدم والرفاهية.