عندما يبطش الطغاة وحاشيتهم
بقلم الأستاذ: سمير محمد - كاتب وناشط سياسي إرتري
نسمع عن اضطهاد كل فرد حر من المواطنين المعارضين والمطالبين بحقوقهم داخل أي دولة
من قبل أنظمتها الديكتاتورية القمعية ولكن أن يصل الحال بأن تسمع تهديدات ومضايقات وتخويف الغاشمين من هذه أنظمة وأعوانها تطال بمن هم بالخارج لعل ذلك من أعتى مراحل البطش والطغيان والجبروت التي تهيمن على الدم الذي يسري بأجساد هؤلاء العصابة أو الجبابرة إذا صح التعبير. على حسب ما تم نشره في تقارير منظمة العفو الدولية بأن النشطاء الحقوقيين الاريتريين غير أمنين و يتعرضون للمضايقة حتى لو كانوا يعيشون بالخارج وأن الحكومة الإريترية تحاول إسكات منتقديها وتم توثيق ذلك ونشر فيديو يوثق الخبر في قناة الجزيرة تحديدا بتاريخ 27-06-2019.
لم ينجوا النشطاء الحقوقيين الاريتريين حتى في المنفى سوف يتم التعليق في هذه المقالة على أحد الضحايا من النشطاء الحقوقيين والتي تم تهديدها من قبل السفارة الارترية بالعاصمة الكينية نيروبي وتم توجيه التهمة لها بالإرهاب ! ومحاولة ترحيلها لإريتريا من قبل السلطات الكينية بعد سجنها بسبب طلب الحكومة الاريترية. هل يفهم من ذلك أن كل معارض ضد سلطة لايهمها إلا إشباع رغباتها على حساب مواطنيها الضعاف وتهميشهم يكون مجرم ؟ وهل تلك إشارة أو رسالة من الحكومة الاريترية بأن بعد المسافة ليس رادعا لإسكات وتهديد المواطن ؟ لعل أفضل وصف لهذا النظام هو محاولة خلق عصابة مافيا دولية ولا شك بأن هذه العصابة لديها من يعملون بالتخفي بإظهار أنهم معارضون وهم بالأساس من أتباع النظام ومعاونيه على ديكتاتوريته وخير دليل على ذلك أنه لا ينكر أحد بأن الكثير من الارتريين المقيمين في خارج اريتريا يلجئون في دول الخارج وبمجرد الحديث عن مساوئ النظام الحالي أمامهم ترى في وجوههم المنكر يبادرون باتهامك بالخيانة ! منذ متى أصبح واجب على كل حر معاهدة نظام ديكتاتوري انتهك حقوق شعبه وسلب حريتهم ؟ وعلى سبيل المثال في نفس الخبر الذي وثق هذا الموضوع بأن بعض النشطاء الحقوقيين تم التعرض لهم بالضرب من قبل داعمي نظام أفورقي في الخارج وهم إريتريين مثلهم ولاجئون مثلهم ولكن الضرب على الوتر الحساس يظهر الخبايا وإن كان الظاهر مخالف.
وهنالك الكثير من الأدلة والبراهين التي لاغبار عليها في كشف سمعة نظام أفورقي السئ والتي لم ينجوا منها حتى من هم في المنفى فكيف بمن هم داخل الوطن؟ قد يظن البعض بل الأغلب بأن ماتعرضت لها الناشطة الاريترية في كينيا من مضايقات كان بسبب وجودها في دولة بقارة أفريقيا والتي لا تقارن مثلا بدول أوروبا في حقوق الإنسان ولكن بالتأكيد هذا خطأ فقد وصل بطش نظام أفورقي حتى بمن هم في أوروبا وتم توثيق وتأكيد ذلك وتم طرد دبلوماسيين يمثلون نظام أفورقي بهذا الخصوص. ولعل ما حدث في السويد من طرد دبلوماسي إريتري يمثل السفارة الارترية كان خير دليل لذلك جاء الخبر على لسان الحكومة السويدية بطرد الدبلوماسي والقول بأنه غير مرغوب به في السويد بسبب مضايقات المواطنين الإريتريين وحرمانهم بالتمتع بالهوية الإريترية في حالة عدم دفع الضرائب من دخلهم. ولم تكن فقط تلك المشكلة بل تم زرع جواسيس يعملون لحساب نظام أفورقي لمتابعة من لهم آراء ناقدة ضد سياستهم. مع العلم أن طرد أي دبلوماسي أو ممثل لدولة معينة في أرض أي دولة ليس بالأمر الهين بل لا يحدث ذلك إلا في حالات بالغة الأهمية ولا يمكن التهاون بها. لأسباب مشابهة أيضا تم طرد دبلوماسي إريتري رفيع المستوى في هولندا وتحديدا في 17 يناير/ كانون الثاني 2018 اتهمت فيها الحكومة الهولندية نظام أفورقي في هولندا باستخدام القوة و مضايقة الاريتريين في جمع الضرائب ومايثيره ذلك على اضطراب اجتماعي وسياسي بين أفراد الجالية الارترية وتم نشر الخبر على موقع BBC.
وبالتالي لا يمكن عد وإحصاء تمادي النظام الماركسي والمتمرد على شعبه منذ توليه السلطة في 1993 ورفض إجراء انتخابات حرة والتي بالتأكيد قد تمهد في تحول البلد إلى نظام ديمقراطي عادل يستمد حكمه من الشعب وجعل المواطن الاريتري مشاركا في تحديد مصير البلد واعتباره عضوا فعالا في قيادة البلد أي بمعنى جزء لا يتجزأ من البلد. ويفضل النظام الحالي على سياسة الحزب الواحد في قيادة البلد وفرض هيمنته على مقاليد السلطة وردع أي معارض يحاول التحرر من هذه الهيمنة الديكتاتورية أو إيصال صوته أينما كان. تلك الهيمنة الفاسدة لم يرى منها سوا انتهاكات بالجملة لحقوق الإنسان من قمع، اعتقالات تعسفية، اختفاء قسرية وغيرها من الانتهاكات التي لا يسهل عدها لكثرتها والتي هوت بالبلد ضمن التصنيف العالمي لتضعها في قمة الصدارة بين الدول في انتهاكات حقوق الإنسان.
ولعل بعد الوصول لقمة الكبرياء تحت قيادة النظام الحالي واستحالت انتهاك وحرية الشعب الاريتري وزج الكثير من النشطاء المطالبين بحقوقهم القابعون في السجون قد يكون مؤشر لنهاية الطغاة الذين ضيعوا البلد حتى وأن طال الزمن فإن نهاية كل طاغي الهلاك في نهاية المطاف وأفضل ما يمكن وصف ذلك مقولة المؤلف والروائي أحمد خالد توفيق: "إن نهاية الطُغاة لشيءٌ جميل، لكننا للأسف لا نعيشُ غالباً حتى نراها".
وأكبر ما ضيعوه هؤلاء الطغاة هو دماء الشهداء الذين لم يترددوا في تقديم أنفسهم فداء لتحرير البلد ونيل استقلاليته وحريته لا لكي تكون الدولة قابعة تحت حكم نظام متمرد وطاغي بل تحت مسيرة نظام يحكم الدولة بما قامت به الثورة من أجله. لعل استباحة النظام لأفعاله القبيحة ما هي إلا مؤشر لعدم تقدير تلك التضحيات من الشهداء الذين كانوا السبب في تحرر المواطنين وفي مقدمتهم النظام الحالي وأتباعه ممن يمكن وصفهم بناكري الجميل أو الخائنين المضيعين لكفاح الثورة إذا صح التعبير.
وكانت نتيجة تلك الهيمنة الباطلة السقوط بالبلاد في قاع مستوى الفساد والفقر وتشريد الآلاف من البلاد وبقاء من ليس لهم حيلة ولا مهرب من طغيان الظالم والخضوع لنزواته وأهوائه. ولكن يبقى الأمل في داخل كل فرد سواء كان في الداخل أو الخارج في التحرر من بطش الطغاة الظالمين السالبين لحريتهم. على أمل تحقيق الانتصار بإحلال نظام عادل يقدر حقوق المواطن وعدم ضياع جهود المناضلين الأحرار هدرا.