إريتريا وإرهاصات التغيير
بقلم الأستاذ: سمير محمد - كاتب وناشط سياسي إرتري
إريتريا تلك الدولة الواقعة في القرن الأفريقي والتي تشكل عمقا استراتيجيا مهما لتلك الدول المطلة على البحر الأحمر.
مما لايثير الشك أن حربها الدامية التي استغرقت لأكثر من عقدين من الزمن مع أثيوبيا والتي خلفت بعدها العديد من الخسائر في الأرواح والدمار بين البلدين كان بسبب موقعها الاستراتيجي.
منذ استقلال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993 وهي تقبع تحت حكم عسكري ديكتاتوري حكم البلاد بقبضة من حديد وانتهك كل ما يعرف بحقوق الإنسان من اعتقال تعسفي، قمع الشعب، قيود مشدد لحرية التعبير، تجنيد إجباري إلى أجل غير معروف، سجن دون تهمة او حكم… مما جعل المواطنين يفرون من البلد كل يوم بأعداد كبيرة ولكن يبقى البعض مواجها تلك المحن ويرضخ لها وليس كل شخص يجد مهربا وإلا لما بقي سوى أتباع السلطة الديكتاتورية.
هل سيتغير النظام الحالي في المستقبل القريب ؟
أي أن تكون أريتريا دولة ديمقراطية ويكون المواطنون مشاركون في أساس الدولة ويكون نظام حكم الدولة يستمد سلطته من الشعب. على عكس ماهو عليه النظام الحالي الديكتاتوري الذي همش الشعب وجعله كالصفر على الشمال، فلا قيمة له حتى وأن زاد. والأعتى من ذلك تسبب في تشريد الشعب من بلده، حتى أصبح يظن البعض مستقبلا في ظل استمرار فرار المواطنين بهذا الكم الهائل ستكون أريتريا دولة الجنود التابعين للنظام لا للمواطنين الأحرار.
حتى أصبح يخطر في بال الكثير عند ذكر إسم أريتريا، شخص يرتدي الزي العسكري ويحمل السلاح، وحتى أصبحت مزحة يتناقلها الكثير من الناس على سبيل المثال كما تم نقله عن رويترز: "لماذا أريتريا شديدة الخضراء هكذا.. لقد خلقها الله جافة وصفراء.. فرد عليه آخر قائلا: إنه الزي الخاص بالجيش".
كما هو معلوم الجيش والحكومات في أي بلد لا تقوم إلا لحماية شعبها وضمان الأمن والاستقرار وكل مايصب في مصلحة البلاد، إلا في أريتريا ترى العكس. حيث يجبر أبناء الوطن للانضمام لهذا الجيش ولا يكون لهم حق الرفض او إبداء الرأي. وتمضي السنين فترى من كانوا يجبرون على التجنيد هم من يقمعون شعوبهم وينتهكون حقوقهم. أصبحوا حماة لنظام الديكتاتورية. حيث أن العسكري الذي واجبه حماية المواطن أصبح يستغل منصبه لتحقيق أطماعه على حساب المواطن الضعيف. مع ذلك لايكترث النظام الاريتري بكل ذلك بل يفتخر ويطبل لما قام به العسكر في تحرير اريتريا وتناسي أفعاله تجاه شعبه بعد التحرير، وكأن ما حارب من أجله هو لإقامة دولة عسكر بعد الحرب لا مدنية. أعتاد الشعب على هذا النمط من الحياة بل أصبح يتناقل الحديث عنها بضحكة. مما يبرهن استفحال الفساد في نظام الدولة. أنها منهجية هذا النظام في برمجة عقول أبنائه حتى يبرر لنفسه ويستمر في طغيانه.
يظن النظام الاريتري بأن مايمارسه هو الصحيح بل الأمثل لقيادة البلد، ولكن في المقابل ترى الجموع ينفرون من البلد كل يوم بعد الإدراك بأن ضياع أعمارهم في ما يسمى بالخدمة الوطنية ما هي إلا وسيلة لتنفيذ النظام أفعاله، وضياع أبنائه بحجة أنهم يساهمون في نهضة بلدهم.
• ما فائدة استمرار النظام في ذلك وهو يخسر أهم ما قامت به الدولة والحروب من أجله ؟
• ألم يجعل هذا النظام في الحسبان أن الزمن قد يتغير وتنقلب الأمور ؟
• إذا لم يعي ذلك ولم يجعله في الحسبان، هل عميت بصره بما حدث لدول لا تبعد عنه الكثير ؟
بعد سقوط أنظمتهم الفاسدة وانتصار شعوبهم بعد مرور الزمن وأن طال. دول مثل تونس وليبيا والجزائر ولعل ما حدث في السودان الأقرب لحدوده، ولكن يستمر النظام في سياسة اللامبالاة وضرب جميع قوانين حقوق الانسان بعرض الحائط.
ولا يخفى على أحد ما حدث لدول حكمها العسكر. لم يحكم العسكر دولة الا ولقيا انقلابا من أتباعه. لأن ما جاء بغير رضى الشعب سقط وأن طال الزمن. القيادة الأمثل في البلد لا تكون إلا بنظام مدني ديمقراطي يضمن حقوق الفرد. التغيير في أريتريا لم ولن يتم إلا باقتلاع النظام الفاسد من جذوره. بمعنى أن تكون الدولة مدنية وأن يعرف العسكر ما هي مهمته الأساسية وهي حماية الوطن والحدود لا حكم البلد واستعباد الشعب وأن يحاسب مرتكبي الجرائم والفساد وتفكيك شبكاتهم.
هنالك البعض من المغادرين لدولة اريتريا يطبلون للنظام الحالي ويفتخرون بإنجازاته على حسب قولهم وإذا سألتهم لماذا فروا من البلد؟ لا يستطيعون الاجابة او بالأحرى لا يمتلكونها لان لا توجد اي انجازات فعلية في مجال التنمية ونجد هؤلاء الناس يظهرون للعيان وكأن عقليتهم تدار وتبرمج من قبل النظام الغاشم عن بعد. فيصبح الأبناء في حيرة او شتات في نظرتهم للبلد وما تمر به.
فكيف يرجى من الجيل القادم أن يعتمد عليه في قيادة البلد ؟
ناهيك عن أنهم أصلا سوف يتمكنون من إحداث تغيير أو الإسهام في ذلك. وآخرون يقومون بتكوين أحزاب معارضة في الخارج ولكن ما تلبث تلك المجموعة إلا وترا توجهاتها سلكت منحنى آخر غير معلوم الملامح بسبب اختلافات بين أعضائها في الرأي، القبلية، الثقافات، الديانات… أو سمه ما شئت أيا كان الدافع فأن ذلك يمزق الوحدة بين الناس ويضعف عجلة التقدم نحو التغيير والمضي قدما. ويخلق العديد من الانقسامات بين الناس وفي نهاية المطاف كل فرد يسلك طريق ويظن أن طريقه هو الصحيح. ولعل الأخطر من ذلك أنه أدى إلى تكوين مجموعة معزولة في المنتصف لا تعلم أي الطرق تسلك فتصاب بالحيرة ولا مفر لهم من مشاعر الضياع، فلا معنى ولا هدف في حياتهم نحو التغيير.
التغيير لن يحدث إلا بإرادة الشعب و الاستيقاظ من الغفلة والمساهمة بأي شي إيجابي من شأنه إحداث تغيير وأن صغر، والوقوف في صف واحد لنشر الوعي بين الناس وإدراك ما تمر به الدولة وإلى أي منحنى هوى بها نظام الديكتاتورية. عندها يمكن للشعب أن يعلن ثورته ويحذو حذو الأبطال الذين قدموا أرواحهم لتحرير البلد.
التعليقات