ملامح الإتفاقية الإرترية الإثيوبية وتطلعات الشعب الإرتري
بقلم الأستاذ:أبوالحارث المهاجر
في وسط دهشة من المراقبين والمحللين لمجريات الاحداث بين ارتريا واثيوبيا بعد حرب بادمي
وانقطاع العلاقات الدبلوماسية بينهما وما صاحبها من الأزمات في المنطقة تم التوقيع في 2018/7/9 على إتفاقية السلام بين البلدين بحضور رئيسا البلدين في العاصمة الارترية أسمرا. ومن ثم أعلنت إثيوبيا وإرتريا انتهاء حالة الحرب بينهما إستمرت لمدة 18 سنة، وذلك غداة عقد لقاء سمي بـ(الـتاريخي) بين رئيس الحكومة الإثيوبي آبي أحمد ورئيس النظام الإرتري أسياس أفورقي في أسمرا.
هناك عدة أسئلة تُطرح من قِبل المواطن الإرتري من يقف وراء هذه الإتفاقية؟ كيف تم حل هذه المعضلة التي كانت العقبة الكأداء لمدة 18 سنة بصورة مفاجئة؟ في تقديري الاتفاقية لم تكن مفاجئة للمتابعين لأروقة تحولات السياسة الدوليه في المنطقة بتسلسلها في مختلف العواصم الغربية والوفود السرية والعلنية التي كانت تتنقل بين البلدين بعيداً عن الأضواء حققت نجاحاً وفق المخططات الدولية لتنفيذ أجندة الدول الكبرى. برغم تطفل بعض دول المنطقة وتوقيع الإتفاق في أكثر من مدينة عربية بعد توقيعه بشهور في أسمرا ما هي إلا محاولة لتسجيل الأهداف وإيجاد مكانة لدى المجتمع الدولي لكي تخرج من أزماتها المشتعلة في المنطقة وإرسال رسائل مفادها نحن رعاة السلام في المنطقة.
وإذا نظرنا للتحركات الأمريكية قبل توقيع الإتفاق بعدة أشهر يتبين لنا الدور الفعال والمحوري والحاسم الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أوفدت مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية دونالد ياماموتو لكي يقوم بزيارة ماكوكية في شهر أبريل 2018 شملت كلٌ من إرتريا وجيبوتي وأختتمها بزيارة إثيوبيا إستغرقت ثلاث أيام والتقى خلالها مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ووزير خارجيته، وهذه الزيارة كانت من أجل وضع الملامح النهائية للإتفاقية الإرترية الإثيوبية. وبعض الدول التي تتحدث بدور لها في هذه الإتفاقية لا تخرج من الدوران في الفلك الأمريكي، أو بمعنى آخر لا تمتلك دوراً مستقلاً تقوم به تجاه هذه القضية. فكيف نفهم هذا التحول الأمريكي السريع والمفاجئ لإيجاد الحل للنزاع الإرتري الإثيوبي؟ السياسة الدولية لا مبادئ لها ولا أخلاق ولا رحمة وإنما تسعى لضمان مصالحها، ومن هذا المفهوم كانت أمريكا في السابق تؤمن مصالحها مع إستمرار النزاع الحدودي، فلم تكترث بالظروف السياسية والإجتماعية التي كانت تعاني منها شعوب المنطقة. في الأونة الأخيرة التحولات والتقلبات السياسية في إثيوبيا وعدم الإستقرار مصحوبة بالتظاهرات المطلبية التي شهدتها إثيوبيا كان سبباً كبيراً في التحول الأمريكي، لأن أمريكا لا تقبل ولا تسمح بأي تقلبات في إثيوبيا (القعلة النصرانية الكبرى) لخصوصيتها بإعتبارها دولة محورية في القارة الأفريقية والدولة التي تعتمد عليها أمريكا. ومن أجل تحقيق الإستقرار السياسي وعدم حدوث زعزعة داخلية في إثيوبيا تحركت الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه الدول المعنية بوضع حد للنزاع الحدودي الذي تتوج بتوقيع الإتفاقية في أسمرا. وإستيقاظ الضمير الأمريكي المفاجئ لم يكن لتحقيق مصالح شعبنا الإرتري وإنما لتعزيز نفوذها في المنطقة وتكريس الظلم وأبقاء الأنظمة المستبدة مهما كان درجة ظلمها مادام أنها تتحرك وفق المخطط وتحت السيطرة الأمريكية.
في خضم هذه الأحداث والمصالح المتداخلة للدول الغربية والأقليمية من المستفيد من هذه الإتفاقية؟ في تقديري المستفيد الأول من الإتفاقية هو النظام الإرتري الذي وجد طوق نجاة وتمديد في بقائه وتكريس الدكتاتورية. المستفيد الثاني إثيوبيا حيث حققت حلمها بالحفاظ على أمنها القومي بإغلاق ملف النزاع مع جارتها إرتريا، والحصول على المنفذ البحري الذي يعزز لها إقتصادها. وهناك بعض الدول الأقليمية مستفيدة من هذا الحدث بغية تجميل صورتها على حساب الأخرين. وهنا أريد أن أؤكد لبعض الدول الأقليمية التي تسعى إستثمار الإتفاقية لتحسين صورتها أمام العالم مستقلة الحدث لصالحها، ضاربة عرض الحائط مصالح الشعب الإرتري الذي قدم التضحيات الجسام، ولم يكن له نصيب من هذه الإتفاقية، والدول المعنية لم تساهم في تخفيف المعاناة الإنسانية والإقتصادية التي يعيشها شعبنا، وإنما قامت بتجير الحدث لمصالها السياسية الخاصة، ولا شك أن هذا الفعل يعتبر إنتهازية مفضوحة مرفوض من قِبل الشعب الإرتري. وبالرغم توقيع الإتفاقية بين البلدين والإنفراج السياسي الذي شهدناه في إثيوبيا إلا أن الشعب الإرتري لا يزال يعيش في سجن كبير في ظل غياب مؤسسات الدولة المتمثلة في الدستور والبرلمان وحكومة منتخبة لإدارة الدولة، مع تدهور في كل الخدمات الأساسية وإنعدام المواد التموينية والبنية التحتية للمقومات الدولة، وإنتهاج سياسة التخويف ضد الشعب لتكريس منظومته الإستبدادية.
أعقب الإتفاقية إعادة العلاقات بين البلدين وفتح الحدود وإعادة فتح السفارات بين العاصمتين، السؤال الذي يطرح نفسه أين هو الشعب الارتري من هذا الإتفاق؟ وعلى ماذا كان يتطلع الشعب الإرتري بعد الإتفاقية؟ اثيوبيا أعادت كل معارضتها التي كانت تعيش في أسمرا بدعم النظام الارتري ووضعت برنامج سياسي لاستيعاب جمع أحزاب المعارضة بموجبه تنخرط في العمل السياسي المنظم المحمي بدستور الدولة.
وأنا أتساءل كمواطن ارتري ما هو نصيب شعبنا من اتفاقية السلام التاريخية التي وقعت في أسمرا؟ أليس من حقه أن يتنسم الحرية ويشعر أنه مواطن حر في أرضه؟ لقد قام رأس النظام الارتري بعدة زيارات مكوكية إلى إثيوبيا وكأنه كان منتظراً هذه الاتفاقية بشغف حتى يقوم بالاستجمام في الطبيعة الإثيوبية الخلابة، تاركا شعبه في مستنقع الحرمان حيث الأزمات الاقتصادية والفقر والعوز وإغلاق الحدود مع السودان لمدة عام كامل بدون ان تلوح في الأفق أي انفراج. إسياس أفورقي فشل سياسياً وإقتصادياً في إدارة الدولة، ولم يتعلم من اثيوبيا التي وقع معها الاتفاق في إدارة الدولة بكل تناقضاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهذا يدلل على ضيق الأفق ومحدودية الإمكانيات والمهارات الشخصية في إدارة الدولة.
فبينما يزداد الدفء بين إرتريا وإثيوبيا، ويبتهج الإثيوبيون للسفر إلى إرتريا كما شهدناهم، لا يزال الإرتريون ينتابهم الخوف والقلق، والكثير منهم في العراء وخاصةً اللاجئين الإرتريين في إثيوبيا.
من ضمن إيجابيات إنهاء النزاع الإرتري الإثيوبي تخفيف التوتر في القرن الأفريقي، حيث تم تسوية الخلاف الإرتري الجيبوتي والخلاف الإرتري الصومالي بجانب إنهاء الخلاف مع إثيوبيا. ومن هذه النتائج إتفاق التعاون الشامل الذي تم توقيعه في قمة ثلاثية بين إرتريا وإثيوبيا والصومال في سبتمبر 2018 في أسمرا.
إستبشر الشعب الإرتري خيراً في إنهاء النزاع الحدودي بين إرتريا وإثيوبيا، وكان يتطلع أن يرى إطلاق سراح جميع السجناء من الدعاة والمدرسيين والسياسيين، وتطبيق الدستور المعطل (المقر من النظام الحاكم) ووضع وتحديد مدة للخدمة الوطنية، وإنفراج سياسي وعفو عام، وتخفيف على الحياة المعيشية، وهذه أبسط الأمور التي يتمناه أي مواطن، أقول ذلك لأن النظام الإرتري المجرم كان رابط كل مشاكل الحياة المعيشية والحقوق السياسية بالمشكلة الحدودية مع إثيوبيا، أما أنها قد إنتهت وماذا بعد؟ ومع الأسف يكابر رأس النظام الإرتري في كل لقاءاته ويسخر من الشعب الإرتري. إسياس أفورقي كعادته وعقليته الإجرامية لا يستبعد أن يزج بالشباب الإرتري المنتسب في الجيش في حروب مفتعلة تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وخاصة بعد الإتفاقية التي أبرمها مع الحكومة الصومالية، وذلك بغية التخلص منهم في أتون الحروب بالوكالة.
وهناك أيضاً معضلة آخرى تتمثل في إنشاء القوات البحرية الإثيوبية بعد موافقة البرلمان الإثيوبي في نوفمبر 2018 الماضي على مشروع قانون لإصلاح وإعادة هيكلة الجيش، ويتضمن مشروع القانون الذي أجازه البرلمان تعديل 8 مواد من إعلان تأسيس قوات الدفاع الإثيوبية وبناء قوات بحرية، والأمر المؤكد أن بناء القوات البحرية سوف يتم إنشاء قواعد لها في البحر الأحمر معتمدة على السواحل البحرية الإرترية. السؤال لماذا تسعى إثيوبيا لبناء القوات البحرية بالرغم أنها دولة حبيسة لا تمتلك ساحل على البحر؟ وما هو مسير القوات البحرية الإرترية؟ هل سوف يتم دمجها مع القوات الجديدة أم سوف يتم تسريحها؟ هل هناك مخططات وسيناريوهات تعد لشن حروب بالوكالة في المنطقة؟ أسئلة تحتاج إلى أجوبة والأيام المقبلة ربما تبين السيناريو.
عقب توقيع الإتفاقية وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تم رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على النظام. وهذه الخطوة تعتبر منح شهادة حسن السير والسلوك لهذا النظام المجرم الذي لم يتخلى عن جرائمه تجاه الشعب الإرتري، وعقواً مجانياً يقدم للمسؤلين عن المساءلة القانونية والأخلاقية والأدبية تجاه هؤلاء المجرمين في المستقبل. مع العلم أن العقوبات لم تُفرض بسبب إنتهاكات حقوق الإنسان التي إرتكبها النظام في حق الشعب الإرتري بالرغم أن مجلس حقوق الانسان التابع لمنظمة الامم المتحدة أعلن عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول انتهاكات حقوق الانسان في ارتريا التي تشير في تقريرها بأن حقوق الإنسان في إريتريا قد يصل البعض منها جرائم ضد الإنسانية ذات نطاق وحجم نادرا ما تشهده أماكن أخرى، حيث قالت شيلا كيثاروث مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في أرتريا وعضوة اللجنة (مع انتهاء تحقيقات اللجنة ونشر التقرير المفصل للنتائج التي توصلنا إليها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في إرتريا، أتطلع إلى تجديد الالتزام من جانب المجتمع الدولي لمعالجة عجز العدالة ودعم دعوتنا لاستعادة سيادة القانون)، ويشير التقرير إلى عمليات إعدام بدون محاكمة الى جانب انتشار التعذيب والعبودية الجنسية والعمل بالسخرة على نطاق واسع حسب ما ورد في التقرير. ما يسمى المجتمع الدولي يمارس النفاق العملي والإعتقادي تجاه الشعوب المستضعفة بكل ما إحتواه التقرير إلا أن المجتمع الدولي لم يحرك ساكناً تجاه القضية الإرترية لأنها ليست من أولوياته ومادام الدكتاتور تحت السيطرة الأمريكية فلا يهم ما يمارسه ضد شعبه !!
خلاصة القول مما سبق ذكره يتبين لنا أن الذي يبحث عن النجاح يجب أن يعتمد على الله ثم على نفسه، لأن من يعتمد على الغير في تحقيق ما يطمح إليه فإنه إما سوف يخضع إلى إبتزاز أو تعارض المصالح في عالم السياسة، ومن لا يعرف دهاليزها وألاعيبها القذرة يقع في مطبات ربما يفقد ما يمتلكه. من هنا مطالبين كقوى التغيير الإعتماد على أنفسنا ولا نترك قضيتنا لدول الجوار التي تتلاعب بها وفق ما يحقق لها مصالحها الخاصة.
(ما حك جلدك مثل ظفرك)
وبالله التوفيق
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.