رابطة علماء إرتريا ماذا بعد إفتتاح مكتب إسطنبول؟
بقلم الدكتور: عمر زرآي - كاتب صحفي وناشط سياسي إرتري
تابعت في الأسابيع الماضية بعض النقاشات حول إفتتاح مكتب رابطة علماء إرتريا في اسطنبول، كما استمعت لبعض المقاطع
المسجلة حول الرابطة، لعل أمرين استوقفاني في هذه المقاطع الأمر الأول اهتمام إعلام النظام وتهويل الموضوع، والأمر الثاني مقطع يحذر المسلمين الإرتريين من الرابطة وبعض الأشخاص القائمين عليها، لكن ما دفعني للكتابة حول الموضوع رغم الإنشغالات ما دار بيني وبين بعض الأصدقاء من نقاش، حينها حاولت إيضاح بعضاً مما أعرفه عن الرابطة، لكن تكرر النقاش مرة أخرى مع آخرين فرأيت أن أقول ما أعرفه عن الرابطة لمساعدة بعض أصدقائي للتعرف على الرابطة وأن أوجه بعض الرسائل لعلماءنا الأفاضل من أجل التذكير (فإن الذكرى تنفع المؤمنين).
علاقتي برابطة علماء إرتريا علاقة متابع منذ ميلادها، فقد حدث يوم ميلاد الرابطة ما حدث يوم إفتتاح مكتبها من جدل ومن لغو الحديث، وإنطلاقا من مسؤوليتي تجاه الجمهور قمت بإعداد حلقة لبرنامج ملفات إرترية، قدمتها الإعلامية القديرة الزميلة ريما إبراهيم، وناقشت ضيوفها الأخ الصديق الشيخ محمد جمعه أبو الرشيد والأخ الشيخ برهان سعيد بكل ما يفيد المشاهد من معلومات وأفكار.
تجددت صلتي بالرابطة من جديد بعد التعرف عن قرب على الشيخ برهان سعيد وبعض النقاشات التي دارت بيننا من خلال بعض الزيارات المتبادلة، تواصلت مع الشيخ برهان في بادئ الأمر بمبادرة كريمة من الأخ الفاضل الدكتور حسن سلمان، لكن توطدت العلاقة بيننا فالشيخ برهان رجل ليس رجل دين فحسب أو (طالب علم) كما يحلو لهم بل شيخ قبيلة في كرمه وتصرفاته، رجل مضياف حاضر البسمة طيب المعشر يسابق ابنه عبد الرحمن على خدمة ضيوفه.
الشيخ برهان وطني خالص في كل مايقوم به حتى أنَ مأدبة طعامه لا تخلو من طعام إرتري، رغم حياته الطويلة خارج إرتريا وميلاد ابناءه في المهجر، وكل ما يحرص عليه أن تكون رابطة علماء إرتريا منتجا إرتريا يخدم كل الإرتريين بصفة عامة والمسلمين بصفة خاصة باستقلالية تامة عن كل الكيانات والجماعات.
كنت في آخر زيارة عمل لمكتبه مع بعض الأصدقاء الأتراك قبل شهرين تقريبا، فالرجل يدير شركة مقاولات، لكن يسكنه هم الرابطة، وكنت فخوراً حقا بالرجل فقد رفع هاماتنا أمام اصدقاءنا الأتراك وكبرت إرتريا في عيونهم، بسبب حسن ضيافته، فكان كرمه مدخلا للحديث عن المطبخ الإرتري في طريق العودة.
كانت قد قدمت لي دعوة كريمة لحضور إفتتاح مكتب الرابطة، وكنت حريص على تلبية الدعوة، لكن لظروف خارج إرادتي لم أتمكن من الحضور، كان حرصي لحضور الفعالية نابع من إيماني بأهمية إجابة الدعوة ثم التواصل مع بعض اعضاء هذا الكيان الذي أأمل منه الكثير في خدمة المجتمع الإرتري المسلم الذي لا يمكن أن تكتمل الصورة الزاهية للوطن إلا بحضوره الإيجابي ووحدة كلمته وتقديم قيادته الحكمة في القول والعمل.
نما إلى علمي أنَ الدكتور جلال الدين كان ضيفا على واحدة من غرف البالتوك للحديث حول الرابطة وبذلك يكون قد كفاني الخوض في تفاصيل تتعلق بالرابطة، فالدكتور جلال محاوراً متميزاً أعتقد جازما أنه أجاب على كل التسائلات التي كانت تملأ وسائل التواصل الإجتماعي في الأسابيع الماضية، وسوف اكتفى بالقول أن الرابطة وعاء مفتوح لكل المتخصصين في العلوم الشرعية في الوقت الحالي على حسب علمي.
أهمية الرابطة:
الرابطة أهميتها تأتي من عدم وجود مرجعية دينية اسلامية إرترية يجمع عليها التنوع الإرتري المسلم اليوم، بعد تعطيل النظام الإرتري دور دار الإفتاء الإرترية ، كما أن المجتمع الإرتري المسلم بحاجة ماسة لتجمع تلتقي فيه كفاءات متخصصة في العلوم الشرعية، نسبة للتحديات الداخلية التي تواجه المجتمع الإرتري المسلم، فإختلاف منابع التلقي عند النخب الإرترية بعد ظهور الجامعات السعودية التي سحبت البساط من تحت المعاهد الأزهرية التي كان يقصدها الطالب الإرتري قبل ظهور الجامعات السعودية وتوابعها في السودان، خلق مدارس متباينة وسط المجتمع الإرتري المسلم، بجانب التيارات الفكرية التي يتبنى أفكارها البعض ويكفرها البعض، ففي ظل هذا التباين بين خريجي هذه المدارس تتفرق الكلمة ويكثر النزاع والإختلاف.
رابطة علماء إرتريا في إعتقادي جاءت في الوقت المناسب لتجمع كل هذه المدارس والتيارات تحت سقف واحد، وتقدم مصلحة المواطن الإرتري المسلم على مدارسها وتياراتها، وتخلق أرضية للتعايش والإحترام المتبادل بين هذه المدارس.
إن الدور المنوط برابطة علماء إرتريا في تقديري ليس تقديم الخدمات، وإنما خلق كيان فكري يساهم في إيجاد مذهب إرتري وسطي، يستصحب عادات واعراف الشعب الإرتري بمختلف ثقافاته إذا لم تتعارض تلك الأعراف مع صريح النص الشرعي، فإرتريا تختلف عن بعض دول المحيط في تركيبتها السكانية وتنوع ثقافاتها وعاداتها الاجتماعية، والممارسات والتقاليد التي تحولت إلى تدين في بعض المجتمعات المجاورة والتي ربما لا تتناسب مع مجتمعنا وثقافته وتركيبته.
وأهمية المذهب الإرتري الوسطي الذي نطمح إليه تأتي من وجود تنوع كبير في الشارع الإرتري، فالمرجعية الدينة سوف تساهم في جمع كلمة المجتمع الإرتري المسلم، وكبح نار الفتنة ولجم الجماعات المتطرفة من تحويل أرائها وافكارها إلى واجبات دينية تفرضها على المجتمع بالوسئل المشروعة وغير المشروعة.
التعليقات