مقابلة إذاعة أس بي أس مع السفير عبدالله آدم
ترجمة الأستاذ: ود عد - كاتب وناشط سياسي إرتري | سماديت كوم
مستمعينا الأعزاء ضيفنا اليوم هو السفير عبدالله آدم، وهو مناضل سابق في جبهة التحرير الإرترية
وأحد مؤسسي قوات التحرير الشعبية، والجبهة الشعبية لتحرير اريتريا، حيث تم انتخابه عام 1977م، عضواً للجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا.
وعمل قبل وبعد الاستقلال في مختلف المستويات والمناصب، إذ تم تعيينه في بداية التسعينات حاكماً لإقليم سنحيت وعمل سفيراً في كل من جيبوتي والسودان، كما عمل حاكماً لإقليم جنوب البحر الأحمر.
شكراً سعادة السفير عبدالله من لندن على تلبيتك دعوتنا للاستضافة، وموافقتك على إجراء الحوار،
على تقييم الأوضاع الراهنة بالعودة إلى الماضي ؟
شكرا بيني لإتاحتك لي هذه الفرصة.
دعنا نبدأ من آخر تأريخ وهو يوم 6 سبتمبر عام 2002م حيث عملت قبل هذا التأريخ في السودان لعامين كسفيراً أو كأعلى ممثل للحكومة الإرترية، ولكن بعدها وعندما تم استدعائك عبر الخارجية الإرترية إلى أسمرا، قررت السفر إلى أوروبا والهروب من النظام، بعد أن كنت قد أكّدت لهم أنك عائد إلى البلاد.
تثار أحاديث حول أنك اتخذت هذا القرار لكونك كنت متعاطفاً مع المعتقلين الإحدى عشر من مجموعة الـ 15، وبعض المعارضين في الخارج إلى أي مدى صحة هذا الكلام ؟
بالضبط إنني كإنسان لم تكن آرائي حول الحالة التي آلت إليها البلاد، قد بدأت في ذالك الوقت تعاطفاً مع مجموعة الخمسة عشر، وإنما كانت لي آراء وتحفظات حول تلك السياسات التي تدار بها البلاد منذ زمن بعيد.
غير أننا لم تكن لنا إمكانية التعبير بتلك الآراء بصوت جهور، ولكن اتضحت الصورة بجلاء بين مجموعة يقودها اسياس ومجموعة أخرى معترضة على الطريقة الخاطئة التي يدار بها مسار دولاب العمل، وتنادي بالإصلاح.
حيث كانت لي آرائي الواضحة في هذا الأمر، ولكن وبما أن النظام كان يجند من يقف معه كنت أحدى الذين تم اختيارهم للاصطفاف مع النظام.
لذالك تم تعيني سفيرا في السودان بعد فترة تجميد عن العمل لمدة عامين، وكنت أعلم تماماً أن تعيني هو مجرد رشوة سياسية، ليكون موقفي مع اسياس.
وفي النهاية أدركوا بعد زمن محدود أن تبوئي للمنصب هذا، لم يغير من قناعتي تجاههم بشيء، وتيقنوا من أنني لن أستمر معهم، عليه توصلوا إلى قناعة بأن يتم اعتقالي قبل أن أتمكن من الهروب، لذالك تم استدعائي دون أي سبب.
وبما أني كنت أتابع الأمور بحذر، لم أتعامل مع الأمر، بسذاجة وبراءة، إذ أيقنت تماماً أنه قد حان وقت الاعتقال.
وعليه لم أتقبل الدعوة حتى، فقط قلت لهم إنني قادم، وواصلت المسير إلى وجهتي التي كنت أقصدها ووصلت إلى بريطانيا.
نعم وجودك في السودان يعني أنك كنت بعيد وخارج البلد، فما هي الأصوات التي كانت تسمع منك حتى يتم استدعائك بأثر رجعي ويتم اعتقالك؟ هل يعني هذا أنك قمت بنشاطات لا تتماشى مع سياسات الحكومة ؟
كانت المرحلة حساسة جداً، حيث كانت تجري متابعة لصيقة لمعرفة من معهم ومن هو ضدهم، وكان هناك من يقوم بمتابعتي، حيث يتم تكليف أشخاص، وبالرغم من صغر وظائفهم وإن كنت أنت مسئولاً أعلى منهم، إلاّ أنهم يتم تكليفهم بمهام المتابعة، وكنت أدرك ذالك تماماً.
والشيء الآخر تم توزيع أشرطة فيديو لكل السفارات يحتوي على خطاب وعبارات إدانة لأعضاء مجموعة الخمسة عشر في اجتماع المجلس الوطني المنعقد عام 2002م، وكان المطلوب من السفراء هو إعداد مواد اعتماداً على محتوى الشريط وعقد سمنارات للإرتريين، ولكن من جانبي لم أود القيام بذالك، وأحد الأسباب التي دفعتني إلى ذالك هي أن ضميري لم يطاوعني.
ومن الصعوبة بمكان التعبير بأشياء لم تكن مقنعاً بها في قرارة نفسك، وعليه لم أريد الوقوف أمام الشعب وأدين مجموعة الخمسة عشر وأقول عنهم أن هؤلاء مخطئين ومجرمين.
وظلّ يتحدث معي أعضاء السفارة وخاصة المكلفين بهذا الموضوع باستمرار لعقد الاجتماع، ولكني كنت أجيب عليهم قائلاً أن المحتوى موجود معكم في شريط الفيديو المرسل، عليه اعقدوا اجتماعاً للشعب واعرضوا عليهم شريط الفيديو حيث يحفل بكل المحتوى المطلوب، وليس هناك ما يتطلب وجودي.
واعتبروا ذالك أحد العلامات التي تدل على أن لي موقفاً مناوئاً، وفي أثناء ذالك قدم وفد من إرتريا برئاسة الأمين محمد سعيد ومعية كل من يوسف صائغ وعيسى أحمد عيسى، وحدث بيننا سوء تفاهم خاصةً مع الأمين.
حيث طلب الوفد من الحكومة طائرةً خاصة تقلهم إلى بورتسودان، ولبت الحكومة ما أرادوا، حينها طلبوا مني أن أرافقهم في تلك الرحلة، إلاً إنني رفضت ذالك، قائلاً أن من طلب هذه الرحلة هو أنتم ولمهام عمل تخصكم، وليس ذالك برنامج عملي.
إلاّ أنهم حالوا إقناعي بحجة أن رفقتهم ستمكنني من التعارف مع المسئولين الحكوميين في ولاية البحر الأحمر، وأقوم بمهام عملي أثناء الرحلة.
غير أنني رددت على الأمين قائلاً: لست أنت من توجهني في مهام عملي وأنا أدرى به، وأسافر في الوقت الذي أريده، المهم إننا لم نتوصل لاتفاق.
وفي نهاية الأمر توسل إلي أحدهم على انفراد لأكلف أحد طاقم السفارة ليذهب معهم، قائلاً كيف نسافر إلى بورتسودان كوفد لوحدنا، فكلفت شخص لرفقتهم.
ثم بعد ذالك أراد الأمين محمد سعيد أن يعقد سمناراً في الخرطوم، فوجهت له طاقم السفارة وتم الإعلان عن السمنار الذي عقد في نادي سوداني، والغريب في الأمر شارك فيه عدد كبير من الحضور، وبلّغت الأمين بأنني لن أحضر معه مشاركاً في السمنار، وبررت له بأن لي عمل خاص، لكوني سألبي دعوة موجهة من السفارة البريطانية في الخرطوم التي تنظم حفل استقبال. وذالك لعدم رغبتي في المشاركة معه.
فقبل الأمين، ولكنه طلب مني افتتاح السمنار، ففعلت ذالك، وقدمته للحضور الغفير الذين شكرتهم على تلبيتهم الدعوة، وحدثتهم قائلاً أن من يعقد السمنار هو السيد الأمين محمد سعيد الأمين العام للجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، وستستمعوا إلى ما يود الحديث به، أمّا من جانبي فليس لدي ما أقوله.
وغادرت القاعة وعلق البعض من الزملاء لاحقاً قائلين أن مغادرتك المفاجأة سبب لنا الفزع.
كل هذا وذاك أدى لتراكمات. ورفع أمثال الأمين التقرير النهائي الذي يؤكد، بأنني لست معهم، وبعد زهاء أسبوعين أو ثلاث أسابيع من هذه الأحداث تم استدعائي، ولم يتم تبليغ الشخص المكلف باستدعائي عن الغرض منه، وعندما وجهت إليه سؤال عن لماذا يتم الاستدعاء ؟ لم يرد علي مباشرة لكونه كان غير ملماً بالهدف من الاستدعاء، فأجابني متوترا وبعد برهة من الزمن، قائلاً يكون أمر الاستدعاء بغرض التشاور، قلت التشاور حول ماذا ؟ أجابني بعد طول مدة يكون حول السودان، ولم يكن حينها أمر يستدعي التشاور حول السودان. قلت حسناً، عرفت على كل حال، ماذا يريدون.
واتصلوا بي عشرات المرات يسألوني عن متى سأأتي للبلاد، وأنا أجيبهم قائلاً إنني أتجهز للحضور.
وهكذا مكثنا أيام عدة، وسألوني عن ما إذا كنت سأعود جواً أم براً؟ أجبتهم أني قادم براً، ذالك لكون السفر جوا سيكون مراقب ولم أريد أن أمكنهم من ذالك، وأخذتهم بالسيارة وأخيراً وصلت إلى بريطانيا وبهذا حصل الفراق بيننا.
حسناً هل المعارضة التي كان تحدث في الداخل سواء كانت عبرك أو بعض المسئولين الذين يشغلون المناصب، هل كان يتم الزج بمن يعارض مباشرة في السجن أم كانت فترة مهلة وانتظار ؟ وهل أنت شخصياً كنت تعبر بأرائك المعارضة عندما كنت في الداخل بصورة علنية ؟ أرجو الإجابة باقتضاب ؟
لا استطيع القول أنه كانت في الداخل معارضة بصورة منتظمة، وهذا يعود لخلفيتنا السياسية كتنظيم أو حزب واحد، عليه لم تكن هناك معارضة منظمة موجهة ضد اسياس تدعوا للتغيير، ولكن كانت رغبات سواء من داخل الحزب أو خارجه، نابعة من الأشواق في التغيير، ويعرف نظام اسياس تماماً هذه المشاعر التي تنتاب الناس.
وحتى التجربة لم تكن تؤهل لهذا المستوى من المعارضة في ذالك الوقت، وعليه كان يتحدث الناس عن رغباتهم ليس من باب المعارضة (إن جاز الوصف)، وإنما من باب التعبير عن المشاعر ليكون في هذا البلد نظام حكم دستوري وتعددية حزبية وتغيير ديمقراطي، ويمكن القول أن هذه الرغبات كانت موجودة في كل أرجاء البلاد.
ولكن كتجربةٍ عملية، أن البلد لم يكن قد مر بتجارب كهذه لحداثته، لذا لم تكن هناك عملية معارضة منظمة، تضع في الحسبان أهمية العمل بحذر وكيفية تفادي الوقوع في قبضة الديكتاتور الذي يقضى على مثل هذا الطرح، ويعزى السبب في ذالك إلى قصر تجربة البلد وحداثته.
والأمر الثاني أن إسياس كان يختلق المبررات بين الحين والآخر، حيث قال أنه لا يمكن أن ندخل في عملية تعددية سياسية قبل الاستفتاء وتأكيد سيادة واستقلال البلاد، وكان الناس يتقبلون ذالك بمشاعر عفوية، لكون الأولوية تتمثل في إقامة الاستفتاء، واستمرت نفس الأشواق للديمقراطية بعد الاستفتاء الوطني، ولكن ظهرت فلسفة أخرى لإسياس وهي حجة إعداد دستور للبلاد، بزعم أنه لا يمكن القيام بذالك دون وضع المعايير اللازمة، واقتنع الناس بهذا بدعوى أن زمن إعداد الدستور هو أقصر من الزمن والسنين التي تم انتظارها.
وتم الفراغ من إعداد الدستور بما يكتنفه من قصور كثير، بعد نحو عامين أو ثلاث أعوام، ومع ذالك لم يقبل إسياس بتنفيذه لكون الدستور يحدد فترتي رئاسة فقط.
ذالك لكون حلم اسياس يتمثل في أن يظل في الحكم حتى آخر لحظة من عمره ومفارقته الحياة، ومع أنه لم يحدد بصورة علنية موقفه من الدستور ويؤكد أنه ديكتاتور صريح، ولكن كان يفكر في كيفية وئده.
وفي النهاية حدث أمرين أمام إسياس، هما الأول داخلي يتمثل في الرغبات العامة والعارمة في التغيير وإن كانت بطريقة غير منتظمة كما أسلفت لك، وكانت هناك أيضاً أصوات لأفراد تُشبّه الواقع بأنه ينحوا نحو الحكم الديكتاتوري.
كل ذالك كان يشكل مخاوف وتوجسات لإسياس، أما الأمر الثاني الخارجي، هو أن اسياس بعد الاستقلال كانت طموحاته أكبر من ارتريا، حيث كانت تراوده أحلامٌ بأن يكون الرجل القوي والمهيمن على المنطقة.
وهذا نابع من كون نظام البشير الحاكم في السودان كان غير مرضي عنه من قبل الولايات المتحدة، ويرى اسياس أنه ظرف ملائم له يجب استغلاله، وكان يعتقد أن الوياني الذين كانوا في سدة الحكم في إثيوبيا، غير قادرين على الاستمرار في الحكم دون دعم الجبهة الشعبية، عليه يجب أن يكونوا خاضعين لأوامره، والصومال دولة فاشلة أما جيبوتي فينظر إليها على الدوام بازدراء ولا يضع لها أي اعتبار، كما لم يكن الاحترام للدول الأخرى مثل أوغندا.
على كل تجاوزت أحلامه الحد المعقول، فكان يطمح في أن يكون هو المرجع للمنطقة والمدخل إليها، الذي تتعامل معه أمريكا، أو غيرها من البلدان على أساس أنه هو المرجعية، ولا يلتفتوا إلى إثيوبيا أو ينظروا إليها بالرغم من أهميتها الجيو سياسية.
ولكن بدء الوياني بعد زمن وجيز، في لعب دورهم في حكم إثيوبيا، الأمر الذي أغضب إسياس فقرر معاقبتهم على ذالك.
وبناء على كل ما تم ذكره أعلاه، افتعل اسياس الحرب الحدودية مع إثيوبيا ونشر المعلومات المختلطة بالأكاذيب التي تتضمن بأن نزاع حدودي قد نشب وما ...الخ من حجج.
صحيح أن علاقة الجبهة الشعبية مع طرف التقراي كانت غير جيدة وكانت تشهد توترا، ولكن لم يكن الأمر يوصل إلى حد إشعال الحرب بين البلدين.
وبما أن إسياس كان ينظر للموضوع بمستوى طموحاته الإقليمية، وكان يرى أن من يعيقه هو النظام الذي يحكم إثيوبيا، ضلل الجميع بدعوى أن الإثيوبيين هم من بدئوا بالحرب، التي دخلها وهو يعتقد أنه سيحقق فيها انتصاراً.
وكان يريد بأن يكون هو الوحيد الأوحد الذي لا يجرأ على مسائلة أحد في إرتريا ويفعل كما يشاء، لو انتهت الحرب لصالحه وحقق فيها نصراً.
ولكن على أي حال أصيب بفشل، وبفشله هذا ستكون مشاعر ورغبات التغيير في إرتريا أكبر من المستوى الذي كانت عليه في السابق.
وستثار أسئلة حول لماذا دخلنا في الحرب ؟ وكيف هزمنا ؟ وهي أسئلة ظلّت عالقة لم يتم الإجابة عليها حتى الآن ؟
وبما أنه كان على دراية تامةً بأنه سيواجه بها افتعل على عجل عدواً آخر، لتحوير أسباب الهزيمة الحقيقية، وقام بالهجوم على مجموعة الخمسة عشر وتحميلهم الفشل وتصويرهم بأنهم قد خانوا الوطن وقاموا بالاتصال بالعدو، وهم كانوا هم سبب الهزيمة.
ولكونه القابض بزمام السلطة وفي يده الجيش والأمن والإعلام –أما الطرف الآخر فلم تكن لهم نفس إمكانيات النظام - نفخ في هذه السيمفونية بالطريقة التي يريدها، حتى جعل الناس تتناسى الأسباب الحقيقة للفشل والهزيمة.
حسنا كنت تتحدث حول حيثيات تلك الأوضاع وملابساتها. حيث تم اعتقال الكثيرين وهرب مثلهم إلى الخارج، ووضعت الحرب أوزارها، بعد أن خلفت آثاراً وإفرازات، والآن نحن في مرحلة أخرى، سنقفز الآن للتحدث حول الأوضاع الراهنة، فيما يبدو أنك تعتقد أن إسياس يعتبر ضعف قبضة الوياني، وتقوي الأورمو والأمهرا في إثيوبيا، انتصاراً له.
وبالنظر إلى التطورات التي تشهدها إثيوبيا، ووضعاً في الاعتبار ردود أفعال الحكومة الإرترية إلى أي مدى تعتقد أن اسياس حقق ما كان يريده ؟
كما نعلم جميعاً، ظل اسياس يصف في أحاديثه طيلة الأعوام الماضية في كل المناسبات، الوياني بأنهم زمرةً أدوات لأمريكا، وربط التصالح مع إثيوبيا بعملية ترسيم الحدود كشرط أساسي، وكان يقول سننظر بعد ذالك حول طبيعة العلاقة التي ستكون لنا مع إثيوبيا ولكن لم نقم بفعل شيء قبل الترسيم، وظل متصلباً في هذا الموقف لسنين طويلة.
وبالتأكيد حدث في الوقت الحالي تغييرا في إثيوبيا هو وصول الأورمو إلى الحكم، وبما أن تكوين تحالف الحاكم في إثيوبيا هو تحالفاً قائماً على أساس اثني، كانت بينهم صراعات وتباينات داخلية، أدّت في نهاية المطاف إلى وصول أبي أحمد لسدة الحكم، وهو التغيير يقوده الأورمو والمدعوم من قبل الأمهرا، وتم إزالة الوياني من الحكم، ويقال أن نصاب الأمور موجودة الآن في يد الأروموا، ولم تكن للوياني عملياً السيطرة على الأمور كما كانت في السابق.
لا يعني إسياس التغيير الذي يحدث في إثيوبيا أو شيء من هذا القبيل، لكونه يقيس الأمور وينظر إليها من زاوية عداءاته الشخصية ويتعامل فقط بالنكايات، حيث لا مكان في أفكاره وإستراتيجياته وطن أو شعب، ولذالك فإزاحة الوياني من الحكم في حد ذاته يعتبر الانتصار الأول والأخير لإسياس.
وعليه نسي قضية الحدود، بعد كان قد ضيق الخناق على رقاب الشعب الإرتري لمدة تسعة عشر عاماً وحظر المواطنين الإرتريين من الدخول إلى والخروج من البلاد، بدءاً من عمر عام واحد حتى الستين عاماً، وخدمة وطنية غير محدودة الأجل، وتعليق الدستور. كان كل ذالك بحجة أنه لم يتم ترسيم الحدود وأن سيادة البلاد منتهكة.
وتخلى الآن عن كل هذه الإدعاءات ولم يتم ذكر الحدود حتى.
ونرى أنه قد تم إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وهذا يدل على حجم الأكاذيب التي ظلّ يمارسها اسياس لإطالة عمر حكمه، وإن ما نشاهده اليوم أمامنا هو ما يؤكد بجلاء أنه لا يهم اسياس أمر حدود أو وطن.
الكثيرين من رجالات النظام المؤيدين له، ربما يكونوا معارضين له سراً، هل تعتقد أنه يوجد بين مسئولي النظام من أثارت لديه تصرفات إسياس هذه، حنق وغضب، وهل تعتقد أنهم سيتخذون خطوات ضد إسياس لتصرفاته الخاطئة، والمغزى من سؤالي هو أنه تتواتر بعض الأخبار من هذا القبيل ؟
من الصعب التحدث بالضبط وبالمستمسكات ، ولكني اعلم كما يعلم غيري أن الكثيرين من المسئولين حتى العاملين في المستويات الإدارية العليا غير راضين عن مسلك إسياس، ولكن أفورقي وكعادة الديكتاتورين يستخدم أساليب زرع الخوف، وهي أحد الأدوات التي تمارس للسيطرة على الناس، حتى يتملك كل شخص الخوف ويكون غير واثق من أحد ويتحدث إليه، وحتى أفراد الأسرة الواحدة يصير كل فرد منهم خائف من الآخر، وبذالك يفعل الديكتاتور ما يشاء، وإسياس قد حقق نجاحاً في هذا الأسلوب.
وهذا هو الواقع السائد، سواء كان على مستوى الوزراء أو المستويات الإدارية الأخرى، ربما يتحدث شخصين صديقين فيما بينهم ولكن لا يستطيعان أن يجاهرا برأيهما ضد النظام.
فناهيك من حدوث التطورات الراهنة، فإننا نعلم أنه كانت تسمع أصوات غمغمة وتذمر من قبل المسئولين في النظام قبل هذا الوقت، ولكن لا يمتلكون القوة التي تمكنهم من الجهر بالتعبير عن معارضة النظام، ذالك لأن الأجهزة الأمنية مسيطرة على كل شيء في البلاد.
أمّا فيما يتعلق بالجيش فإن إرتريا لا تمتلك مؤسسة عسكرية كما هو معمول به في العالم، والجيش في إرتريا هو عبارة عن مليشيات، حيث يأمر إسياس اليوم تخلى منجوس (مثلا) بالتوجه للمنطقة الغربية، وحيناً إلى جنوب البحر الأحمر، ويرسل هذا إلى مكان وذاك إلى مكان آخر، وفق مزاجه الشخصي، ولا توجد لهم هيئة مركزية، ونعلم تماماً أن فيلبوس وقبله سبحت إفريم لم تكن لهم أي سلطات في الجيش.
وجميع قادة الجيش مرتبطين مباشرة بمكتب الرئيس، والعلاقات متوردة بين هؤلاء القادة العسكريين وليس بينهم احترام متبادل، ويعيشوا في تباينات غير موضوعية منذ وقت بعيد.
ويستغل اسياس هذه الأجواء. عليه من الصعوبة بمكان الزعم بأنه يوجد في البلاد قوى منتظمة تستطيع فرض رأيها، ولكني متأكد بأن مشاعر التغيير تنتاب الكثير من الناس.
سعادة السفير تسابقاً مع الزمن ماذا سيحدث في المستقبل باعتقادك، حيث تجري عملية السلام وهذا ما يرحب به الجميع، ولكن من الجانب الآخر هنالك مخاوف بأن السيادة الوطنية الإرترية أضحت محل مساومات وأن الشعب لم يحصل على المعلومات الكافية من قبل الحكومة و حتى المعلومات التي يتلقاها الناس هي التي ترد من الجانب الإثيوبي، ما هي المخاوف التي تنتابك مثلما تنتاب الآخرين ؟
نعم أنا شخصيا لا أعتقد على الإطلاق أنه قد جاء السلام، ففي إثيوبيا على سبيل المثال حدث التغيير ووصل أبي أحمد للحكم، وكانت أول خطوة قام بها هي طلب العفو من الشعب، ثم أطلق سراح جميع السجناء السياسيين، ثالثاً قام بجولة لكل الأقاليم الإثيوبية وتحدث مع المواطنين واستمع إليهم، رابعاً رحب بكل المعارضين في الخارج وسمح لهم بالدخول إلى البلاد، وقام بالمصالحة مع دول الجوار خامساً.
ولذالك فإذا كنا كإرتريين نريد أن نقوم بالسلام، فنحن بحاجة أولاً إلى سلام إرتري داخلي ويجب على اسياس أن يقوم بذالك قبل كل شيء، لأن ارتريا هي التي تعاني من الاختلال.
وبعد اكتمال السلام الداخلي، يأتي السلام مع دول الجوار كمرحلة ثانية، ويكون ذالك سلاماً يعبر عن الوحدة الداخلية، والمصالح الوطنية وبنظرة مشتركة، وبخلاف هذا، فإن ما يجري الآن هو مجرد تحركات يقوم بها إسياس لتحقيق أجندته الخاصة الآن أيضاً، عليه لا يمكن أن نطلق عليها عملية سلام.
وما أود قوله الآن كذالك بهذه المناسبة لكل الإرتريين وبكل صراحة، رجاءاً يجب أن لا نصفق فرحاً بهذا السلام، كفى ما قمنا به في السابق، أمّا الآن فمن الأفضل أن نقول كفى.
ذالك لأن إسياس لم يعدوا يعمل من أجل إرتريا، فإن ما قاله في المرة السابقة في أديس أببا هو أمر مخجل حقاً، حيث لا يُتوقع أن يصرح مواطن إرتري عادي بتفويض أبي أحمد ليكون مسئولا، ناهيك من أن يقوم بذالك رئيس دولة.
صفق الشعب الإرتري لإسياس قبل هذا كثيراً، ولكن لم يحدث أن قدر له إسياس ذالك، وعبر يوماً واحد عن حبه لهذا الشعب، وإن ما قام به بالأمس القريب في إثيوبيا أمام مرأى الجميع هو مهزلة مثيرة للسخرية والضحك.
إن الشعب الإرتري الذي ناضل لثلاثين عاماً، وعبر عن احترامه لإسياس وصفق له، إلاّ أن أفوقي لم يبدي له حبا.
فإنني أرى أن من الأفضل أن لا ننجرف وراء العواطف، وأن نقف مع الذات متسائلين إلى أين نحن ذاهبون ؟
كنت قد أجريت في الفترة الماضية مقابلة مع مسفن حقوص وأنه قد صرح لك بأن إسياس كان يفكر في عام 1991م في إقامة حكومة مشتركة مع إثيوبيا. وهذا الأمر هو خيانة عظمى.
التقيت في زيارتي الأخيرة لفرانكفورت مع حقوص ودردشنا حول هذا الموضوع، ولكن بصريح القول أنني لم أكن في ذالك الوقت من الملمين بهذا الموضوع لكونه كان قد تم طرحه في نقاط ضيقة، ولم يصل إلينا كأعضاء اللجنة المركزية لكونه لم يلقى القبول.
ربما لطرح علينا في اللجنة المركزية كما كان مخططاً له، لو كان قد وجد قبولاً عند الدائرة كانت محيطة باسياس حينها.
عليه أريد أن أقول يجب أن لا يعتقد الناس أن السلام الجاري هو سلام يعني إرتريا.
سأقاطعك في هذه النقطة بالعودة إلى دردشتك مع مسفن حول ما دار في عام 1991م، هل تعتقد أن اسياس له نفس الطموح الآن، وهل له نفس الرغبات لتكون ارتريا وإثيوبيا بلدا واحداً ؟
في الوقت الراهن كثرت جرائم اسياس وقلّت إمكاناته، ففي المرة الماضية ساوم إسياس بنضال الشعب الارتري الذي امتد لمدة الثلاثين عاماً، والتي ضحى فيها بأبنائه واحترقت فيها دياره، مقابل أن يكون رئيسا لإثيوبيا ويحقق مكاسبه الشخصية، ولكن طرحه هذا قد باء بالفشل.
أمّا في الوقت الحالي قد فقد نسبة 80% من قدراته وإمكانياته، عليه لا تسمح إمكاناته الحالية لتحقيق ذالك الحلم.
ولكنه يدرك اسياس تماماً أنه طال الزمن أم قصر، بأن الشعب الإرتري لن يرحمه على جرائمه التي جناها، وعليه فإن الخيار الذي بقي أمامه، هو إضعاف البلد بصورة أكثر، وتكون إرتريا بلداً غير مرتبط بصورة مباشرة مع إثيوبيا، ولكن بخلق حالة تجعلها دولة ضعيفة تأتمر بأوامر إثيوبيا،.كما كان حال لبنان مع سوريا.
وهذا من أجل حمايته الشخصية، وبما أنه كان قد افتعل المشاكل والصراعات مع العالم، صار محروماً عن موطئ قدم، ويسعى الآن لإيجاد موطئاً له، حتى يجد ملاذاً يحتمي به، عندما يثور ضده الشعب الإرتري.
أما أحلام الرجل القوي التي كانت في تعشعش في مخيلته لحكم منطقة القرن الإفريقي أو إثيوبيا، فإنه قد حدث تغيرات الآن في الزمان، وصارت إمكاناته محدودة للغاية، عليه فهذا أمر مستبعد.
وما أريد أن أقوله لك بهذه المناسبة إنني لم أكن على علم بالقصة التي ذكرها حقوص، ولكن كانت تثار أحاديث همساً تحت عنوان تقراي تقرينيا.
ففي العام 2003م عندما صرت معارضاً ذهبت في زيارتي الأولى لإثيوبيا بموجب دعوة قدمها لي وزير خارجية إثيوبيا الأسبق سيوم مسفن، وذهبت في التالي من وصولي لأديس لإجراء لقاء مع الراحل ملس بمعية مسفن، وتحدثنا لنحو ساعة من الزمن، وسأختصر لك ما دار بيننا من حديث.
قلت لزيناوي بما أني كنت في الحكومة فإن لي قناعة بأن العلاقة الإثيوبية الإرترية كانت لا تشبه علاقة بين بلدين، ولا حتى علاقة مع الجبهة الشعبية، وإنما علاقة بين جبهة التقراي واسياس، والشيء الثاني هو: كان يعمل إسياس بسياسة واضحة وممنهجة هدفها إضعاف أحد المكونات الإرترية أي المجتمع المسلم، حيث اعتقل خارج القانون في عام 1995م، مئة وخمسين مسلماً، كان القصد من هذه العملية الإرهاب والترويع حتى يعيش المسلمون منحني الرأس خوفاً على سلامتهم، حيث كان يستخدم اسياس علاقاتكم معه على هذا النحو، وهكذا كانت تصير الأمور، فكيف ترونها أنتم من جانبكم.
وسأختصر لك إجابة زيناوي قال نحن كنا نعتقد في تقديراتنا أننا نقوم بدعم الشعب الإرتري ومع أننا كنا نرى أخطاء كثيرة ولكن كنا نغض عنها الطرف، وأتفق معك حيث أعلم تماماً.أنه كانت أموراً وتصرفات غير قانونية كثيرة، غير أن دوافعنا كانت هي التعاطف مع الشعب الإرتري.
والنقطة الثانية التي ذكرها لي، قال للتأريخ أن سيي أبرها وأنا مختلفين الآن كما تعلم، قال ذات مرة لرفاقكم أنتم بتفكيركم هذا لن تستطيعوا بناء شعب واحد وعبر عن معارضته لهم بحضوري عندما كنا معاً في مناسبة مّا.
وأضاف زيناوي قائلاً أنهم أي رجالات النظام كانوا يأتون إلى هنا ويتحدثون معي حول مشروع تقراي تقرينيا، وأذكر لك واحداً منهم هو نايزقي كفلوا.
متى كان يتحدث معه ؟
كان ذالك قبل نشوب الخلاف بينهم.
معنى ذالك أنهم كانوا يتحدثوا حول هذا الموضوع بعد الاستقلال ؟
نعم قال أنهم (كتقاروا) لم تكن لهم الرغبة للدخول في مواضيع كهذه، ولكن زاد نايزقي من دعواته تلك، فقلت له ما هو رأي اسياس حول هذا الأمر، أجابني كفلو بالقول نريد موافقتك أنت فقط، أمّا إسياس فلا لا مانع لديه.
هل كان ما يقوله أمثال نايزقي هو محتوى ومضمون رسائل اسياس ؟ أم أن كفلوا كان يتحدث حول هذا الأمر من تلقاء نفسه ؟
من الصعب جدا التحدث في مثل هذه المواضيع مع رئيس الوزراء الإثيوبي دون تفويض رسمي، وكان نايزقي حينها الشخص المقرب من إسياس، وعليه ما هي الصلاحية التي تخوله التحدث بهذا الطرح دون الرجوع إلى وموافقة اسياس.
أما ملس فقد سأله بدهاء عن رأي اسياس، هذا ما قاله لي ملس وكان معنا الوزير سيوم مسفن كشاهد حي،على هذا النقاش. ويمكنك توجيه السؤال إليه.
ما هو تقييمك لهذا الحديث ؟
كان اسياس منذ البداية يعمل لشيء أبعد من ارتريا.
دعنا نفرق هنا هل كان يفكر في ارتريا وإثيوبيا معاً، أم كان يفكر فقط في تقراي تقرينيا؟ أرجو أن تفيدنا بما توصلت إليه سواء كان من خلال حديثك مع ملس، أو عن انطباعاتك ؟
اعتقد برأيي هو أن تكون البداية بتقراي تقرينيا، ثم تتمكن بتعزيز قواك وبعدها يتم السيطرة على إثيوبيا، مازح ذات مرة أحد الرفاق الذي لا أود ذكر اسمه ربما لا يرغب في ذالك، وهو كان أحد المناضلين الذين يعرفون بروح الدعابة عندما كنا في الميدان، قائلاً لإسياس: يبدو يا أخي أن ارتريا هي أصغر من طموحاتك وتنظر إليها وكأنها بحجم مقلاة القهوة (البن)، إذاً لماذا لا تحكم إثيوبيا وتترك لنا ارتريا.
وهذا يدل على أن الناس كانت تتصور لهم طموحات اسياس وتوجهاته من وقت مضى، ويمكنك التأكد من خلال ذالك، أنّ اسياس لم يطن قد وضع أدنى اعتبار لنضال الشعب الارتري.
لكن أود أن أسألك هنا كنتم عدد كبير، هل لم يستطيعوا خاصةً القريبين منه معرفة نوايا إسياس، حيث كان الشعب يدفع التضحيات من أجل ارتريا وحتى القيادات كانت تناضل لإرتريا لماذا لم يتم مواجهته ؟ لأنكم تتحدثون الآن هنا وهناك ؟ بمعنى اعتقد أنه كان من السهل جدا معرفة نواياه لماذا يتم تحديه ومواجهته حينها، ولماذا ترك الأمر حتى يصل إلى ما وصل إليه الآن ؟
محق في قولك، ولكن كانت ارتريا بلد صغير يفتقر إلى التجربة السياسية، ولا تتوفر فيه روافد ومؤسسات اجتماعية وسياسية كالأحزاب والاتحادات، ويتمثل ضمان مصالح المجتمع في الدستور.
نحن نتحدث في ارتريا حول السيادة، ولكن سيادة البلاد تكمن في إيجاد البرلمان والدستور وهما الشيئين الذين حرمت منهم البلاد.
إن الحكومات تأتي وتذهب تحت سيادة هاتين المؤسستين، ولكن نحن وهذا قدرنا قد كانت تجربتنا قصيرة جداً كالعالم الثالث، وإنّ النضال الذي كنا نخوضه كانت له ثقافة سلبيه والتي تتمل في إبداء الطاعة وتنفيذ الأوامر.
وكانت أولى أولويات الرئيس أو المسئول الأول هي السيطرة على قوات الجيش والأمن، هذا في ظل انعدام الكيانات التي تقوم بالمهام النضالية كالأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات والمؤسسات الأخرى التي لها نفس الاهتمام.
لأن انعدام هذه المؤسسات المذكورة، يؤدى إلى أن يكون المجتمع مجتمعاً يأتمر بأوامر شخص واحد، وعليه هذه هي أحد معضلاتنا، هذا فضلاً على عدم التجربة وقلّة الوعي وكل هذه الأشياء مجتمعة، أدّت إلى أن تصل الأمور إلى ما هي عليه الآن.
ولكن لا يعني هذا أننا لم نكن نعي أو نحس بما يجري خفيةً، على سبيل المثال كنت أقول في عام 1991م، لبعض الرفاق وهم موجودون الآن، أن اسياس سيظل محل تقدير واحترام على قيادته لنا خلال الفترة السابقة. ولكن الآن هو ليس قائد المرحلة الراهنة، وهذا ربما كان نابع من انطباعي عنه منذ وقت بعيد.
وعليه لا يمكن القول أن الناس لم تكن متابعة ما يحاك، ولكن كانت تفتقر للقوة، والتجربة كانت محدودة، ولم يكن وعي الشعب ناضج بعد، ولم تكن هناك أيضاً قوى رافده تضطلع بمهام النضال والمعارضة.
السفير عبدالله آدم الحديث معك لن ينتهي، ولكن في الختام وانطلاقاً من الواقع الراهن ما هي الأشياء التي تود قولها، واضعاً في الاعتبار التطورات الحالية التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي عموماً وارتريا وإثيوبيا خاصةً كيف يبدوا المستقبل خلال الفترة القادمة، أو في خلال عامين أو ثلاث أعوام، أو حتى في الوقت القريب ؟
لا أعرف بالضبط ولكن الأمر معقد، وبما أننا نتحدث بطبيعة الحال عن إرتريا وإثيوبيا فإن ما يجري في البلدين، هو ليس أمر خاص بهما فقط بمعزل عن الأمور الخارجية.
حيث له ارتباطات جيوسياسية مع القوى الموجودة في المنطقة، إذ نرى الإمارات ومصر والسعودية من جهة. وتركيا وإيران من الجهة الأخرى، أمّا على الصعيد العالمي يوجد تنافس محموم بين أمريكا والصين في إفريقيا، وكل هذا له تأثيرات كبيرة، ولعبوا دوراً في مجريات الأمور الحالية التي لم تكن بالطبع نتاج عمل قام به إسياس لوحدة.
أما دور اسياس فلا يعدو كونه أكثر من خادم وأداة تنفيذ، كما كنا نقول عنه في السابق، لم يحدث أن رأينا ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد وهو يزور أسمرا، ولا حتى العاهل السعودي أو ولي عهده، ولا الرئيس المصري، حيث يكتفوا فقط بإرسال طائرةً تقل إسياس ويذهب هو ليملوا عليه الأوامر، ويقفل عائداً.
وهكذا يرسلون بين الفينة والأخرى طائرة تأتي به إليهم، وهذا دليل واضح على أنه مجرد خادم.
أمّا إثيوبيا هي دولة كبيرة ولها تأثيرات جيو سياسية، ولذا هم من يقوموا بزيارتها، بناءً على ثقلها، أمّا ارتريا وجيبوتي والصومال فليس لها أدور فما عليها إلاّ تنفذ كل ما هو مطلوب.
واسياس يقوم بتنفيذ كل ما يطلب منه، طالما يوفر له ذالك مصالحه الخاصة كما يحدث الآن، ويكون له مخرجاً بدل من أن يظل جالساً في عدّي هالو، حيث وجد الآن على الأقل ما ينشغل به وذالك باستقبال الرؤساء الذين يزورون البلاد بين حين وآخر.
عليه لا يمكن النظر إلى الموضوع الإرتري الإثيوبي بمنئى عن ما يجري في المنطقة، وبالنظر لأوضاع المنطقة والحرب الدائرة في اليمن.أعتقد أن الوضع يتجه نحو الأسوأ، فإثيوبيا الآن في مفترق طرق وتدور علامات تساؤل واستفهام حول ما إذا كان إثيوبيا ستظل متماسكة ككيان واحد أم لأ ؟
لكونها تشهد على الدوام صراعات إثنية، وما إذا كانت القوى التي تحكم البلاد قادرة على تجتازها، هذا ما سنراه مع تمنياتنا لهم بالعبور إلى بر الأمان، وكل هذه الأوضاع تثير المخاوف، فالسودان أيضاً يمر بمرحلة حرجة على كافة الأصعدة، عليه أن أوضاع المنطقة معقدة جداً.
لا أدري إلى أي ومنحى تنحوا، وفي كل الأحول أن من يقرر ذالك هي مصالح الدول الكبرى أما أمثال دولة ارتريا والصومال وجيبوتي هي دول منفذة دائماً، وليست لها أدور تذكر.
وما أود قوله هنا يجب علينا نحن كإرتريين وكمعارضة، إجراء التغيرات الكثيرة على مستوى تفكيرنا، ذالك لأن الوطن في حد ذاته وبعد كل تلك النضال يمر الآن كما نراه بمرحلة مخيفة. إذاً يجب علينا أن نضع ذالك في الاعتبار، وأننا بحاجة إلى تفكير جدي وعمل جديد لكون المرحلة تحتم ذالك.
أما الإقليم فهو غير مستقر غير مستقر.
حسناً أشكرك السفير عبدالله آدم على التحليل الموسع حول الوضع الراهن مروراً بخلفياته المختلفة، أتمنى أن نلتقي مرة أخرى وفي مواضيع مختلفة.
أشكرك بيني على إتاحة هذه الفرصة.