إريتريا... بين الحديد والنار

بقلم الأستاذ: شعبان عبد الرحمن - كاتب مصري المصدر: مجلة المجتمع الكويتية

بينما يرزح الشعب الصومالي في محارق الاحتلال الإثيوبي، ويعيش المسلمون في إثيوبيا

(51% من السكان) في حلقاتٍ متشابكةٍ من التضييق والحصار، يقاسي الشعب الإريتري المسلم (65% من السكان) حكمَ الحديد والنار الذي يفرضه عليه نظام الرئيس ”أسياسي أفورقي“.

والحقيقة أن معاناة الشعب الإريتري لا تنحصر في المسلمين فقط، وإنما تمتد إلى كل من يمثِّل خطرًا على بقاء هذا النظام؛ ليظل جاثمًا على أنفاس الشعب الإريتري؛ ولذا فقد طال بطشُ النظام رفقاءَ السلاح من قادة الجيش ووزراء وسفراء ومسئولين، وفرَّ بعضهم من ذلك البطش إلى الخارج ضمن أفواج المهاجرين الفارين التي بلغت جملتهم خلال عام 2007م 29 ألفًا إلى السودان، و21 ألفًا إلى إثيوبيا، ومن 10 إلى 12 ألفًا إلى اليمن عبر البحر الأحمر، إضافةً إلى أعدادٍ قليلةٍ إلى جيبوتي.

ويفرض النظام ستارًا من التعتيم على سياساته القمعية، ويساعده في ذلك تجاهلُ النظام الدولي ودول الجوار لما يجري؛ انشغالاً بأحداثٍ أهم في بقاعٍ عديدةٍ من العالم، ويبدو أن السياسة الدولية الاستعمارية تهدف إلى ترك منطقة القرن الإفريقي الحيوية والإستراتيجية نهبًا للصراعات الداخلية والحروب الإقليمية، حتى تنهكها تمامًا وتهبط بها إلى ما تحت الصفر؛ حتى تكون سهلةَ الالتهام عندما تحين اللحظة الاستعمارية المواتية!!.

وقد التقيتُ في الأسبوع الماضي وفدًا إريتريًا برئاسة الأستاذ خليل محمد عامر - الأمين العام للحزب الإسلامي الإريتري للعدالة والتنمية - حيث دار حوارٌ مُطوَّلٌ عما يجري داخل إريتريا من سياسات وحملات منظمة بحق المسلمين خاصةً، والمعارضين بصفةٍ عامةٍ، وقد بلورت حصيلة اللقاء الذي امتدَّ لأكثر من ثلاث ساعات جملةً من الحقائق تجري على الساحة الداخلية الإريترية، أعتقد أن من حق القارئ الاطلاع عليها:

* سياسةٌ مخطَّطٌ لها جيدًا تقوم على تنفيذها قياداتُ الدولة بإشراف أفورقي نفسه، تهدف إلى طمس الهوية الإسلامية لبلد غالبية سكانه مسلمون (65% حسب إحصاءات المسلمين- 50% حسب إحصاءات النظام الحاكم).

* تغييب الثقافة الإسلامية واللغة العربية؛ حيث تم هدم العديد من المساجد، خاصةً التاريخية العريقة القائمة التي تقع وسط كثافة سكانية إسلامية، وتمثِّل شاهدًا حيًّا على عراقة الإسلام في تلك الديار.

ففي عام 2004م تم هدم 4 مساجد تاريخية في مدينة ”مندفرا“، وفي عام 2006م تم هدم مسجد عريق في مدينة ”مصوع“، وفي نوفمبر الماضي تم تحويل مسجد ”ام بيرم“ إلى ثكنة عسكرية، وعندما اعترض المسلمون تم زجُّ أعيانهم وقياداتهم في السجون.

ويصاحب عمليات هدم المساجد تمزيقٌ للكتل السكانية المسلمة المحيطة بها بإعادة تخطيط الحي الذي تتواجد فيه؛ حيث تتم عمليات زرع كتل سكانية نصرانية مقابل تشريد أعداد من المسلمين إلى مناطق أخرى يكونون فيها أقليةً.

وقد شهدت منطقتا ”بركة“ و”الجاش“ - الواقعتان غرب إريتريا، وتتميز أراضيها بخصوبةٍ عاليةٍ - حملةَ تغييرٍ ديموجرافي واسعة ضد الوجود الإسلامي؛ حيث تم توطين حوالي 6500 أسرة نصرانية فيها، وتقوم على رعايتها شركاتٌ استثماريةٌ متخصصةٌ في الاستثمار الزراعي مقابل إهمال من بقي من المسلمين، وقد كانت ذريعة توطين هذا العدد الكبير من النصارى أنهم نازحون من متضرِّري الحرب بين إريتريا وإثيوبيا (1998 - 2000م).

وفي مدينة ”حلحل“ الواقعة على بُعد 90 كم من العاصمة ”أسمرا“، تم انتزاع جزءٍ كبيرٍ من أراضيها لنفس الهدف، وعندما احتجَّ أصحاب الأراضي تم زجُّ 33 منهم في السجون... يقول الأمين العام للحزب الإسلامي الأستاذ خليل محمد: ”إن من حق أي إريتري - أيًّا كانت ديانتُه - السكنَ في أي مكان يختاره في الأراضي الإريترية، ولكن ليس على حساب تشريد الآخرين“.

* طمس الثقافة الإسلامية واللغة العربية بإلزام أبناء المسلمين تعلم اللهجات المحلية التي تعد في حكم الميتة - وهي لا تُكتب أصلاً، بل يكتب بعضها باللاتينية والبعض باللغة التيجرينية - وهي لغاتٌ غير قابلةٍ للحياة؛ ولذا فشلت الخطة وتم الزجُّ بمن عارضها في السجن، ومنهم ”أب عري“، وهو من كبار المثقفين وأحد كتاب النظام!.
أما المعاهد الإسلامية فقد تم إغلاق بعضها، وأُجبر الباقون على تبنِّي المناهج الدراسية الحكومية، كما تم حظْر تلقيها أيَّ دعمٍ من الخارج؛ حتى يتم خنقها تمامًا، علمًا بأن هذه المعاهد كانت تعمل بكل حرية خلال فترة الاحتلال الإثيوبي لإريتريا.

وترفض السلطات الإريترية بانتظام أيِّ طلبات من السفارات العربية لإقامة مراكز ومكتبات عربية، أما الإريتريون من خريجي الجامعات العربية فلا يتم توظيفهم في الدوائر الحكومية؛ بحجة أنهم لا يعرفون اللغة التيجرينية (لغة ميتة)!!.

وفي نفس الوقت فإن علماءَ ودعاةً- حوالي 50 عالمًا ومعلمًا- تم الزجُّ بهم في السجون في عامي 1991م و1994م، وما زالوا خلف القضبان حتى اليوم، ولا يُعرَف إذا ما كانوا على قيد الحياة أم تمت تصفيتهم؟، وما زالت الحملة مستمرةً دون توقف؛ فالنظام مقتنع بأن الحفاظ على اللغة العربية يرسِّخ الإسلام ويقوِّي المسلمين، وهو ما يرفضه ويحاربه!!.

وفي هذا الإطار فإن هناك إجحافًا بحق المسلمين في البعثات التعليمية وفي التوظيف داخل الدوائر الحكومية (5% فقط إجمالي الكادر الوظيفي).

وهكذا فهناك سياسة حديدية لضرب الوجود الإسلامي، وهي سياسةٌ تشبه إلى حدٍّ بعيد سياسةَ النظام الشيوعي ضد المسلمين في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. لكن حديد النظام وناره يطول كلَّ المعارضين، حتى أولئك الذين كانوا يومًا من أركانه ثم اختلفوا معه؛ فوزير الخارجية ”هايلي ولد تنساي“ - الذي وقَّع اتفاقية الجزائر عام 2001م لوقف الحرب الإريترية مع إثيوبيا - تم سجنه، وكذلك وزير الداخلية ووزير الحكومات المحلية ”محمود شريفو“، إضافةً إلى آخرين من المسئولين، وقد تمكَّن من الهرب العديد من قيادات الحزب الحاكم الذين اختلفوا مع النظام، وعلى رأسهم وزير الدفاع السابق ”سفن حافوس“ الذي شكَّل الحزب الديمقراطي المعارض في الخارج.

وقد أصبح النظام يعتمد بصفةٍ أساسيةٍ على طبقة تربَّت على حب أسياسي أفورقي والولاء، وأولئك هم الذين خُطفَت أمهاتُهم وتم حجزهن في معسكرات تدريب لفترات طويلة، ثم وَلَدْن سفاحًا وتم تربية أطفالهن على طريقة النظام وعينه، ولا يعرفون لهم أبًا سوى سيادة الرئيس!!.

ألا ترى معي أن منطقة القرن الإفريقي تعيش على بركان كبير ضحيَّته الأولى هم المسلمون والإسلام - دين غالبية سكان هذه المنطقة - ولن يهدأ البركان حتى يتم تغيير الخريطة ديموجرافيًّا وجغرافيًّا لصالح نفوذ الاستعمار الحديث وسماسرته!.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click