مصر تخسر ورقتها بعد انتهاء حرب إثيوبي اريتري
المصدر: قناة العالم
عندما أعلنت إثيوبيا وإريتريا انتهاء حالة الحرب بينهما، يوم أمس، الاثنين، غداة عقد لقاء تاريخي بين رئيس الحكومة الإثيوبي
أبيي أحمد، والرئيس الإرتيري إيسياس أفورقي، بأسمرة، ثارت التكهنات حول خسارة مصر ورقة ضغط هامة على الجانب الإثيوبي.
وكانت إثيوبيا وإريتريا تعيشان نزاعا حدوديا من 1998 حتى 2000، وأسفر عن سقوط نحو 80 ألف قتيل، بعد مواجهات عسكرية على الحدود، آخرها يونيو/ حزيران 2016، لتتحول إثيوبيا لدولة حبيسة، بعدما كان ميناءا إريتريا؛ مصوع وعصب، بوابتها للعالم الخارجي.
السيسي وأفورقي:
وخلال فترة حكم الانقلاب العسكري لمصر، سادت علاقات القاهرة وأسمرة حالة من التقارب، حتى أن الرئيس الإريتري زار مصر 5 مرات في عهد السيسي، وشارك بحفل تنصيب قائد الانقلاب في حزيران/ يونيو عام 2014.
كما تدعم مصر بعض المشروعات التنموية بمجالات الزراعة وتنقية المياه والطاقة الصرف.
وفي المقابل، اتهمت الحكومة الإثيوبية مؤسسات مصرية وإريتريا بتحريض إثيوبيين على التظاهر في تشرين الأول/ أكتوبر2016.
فيما نقلت وكالة "أسوشيتدبرس"، عن وزير الإعلام الإثيوبي، قوله إن "كل أنواع العناصر بالمؤسسة السياسية المصرية ضالعة"، وإن "جبهة تحرير أورمو"، تتلقى دعما ماليا وتدريبا بالقاهرة، وإن قيادات المعارضة المسلحة انتقلت من إريتريا للقاهرة، وتتلقى الأوامر من مصر.
لكن الخارجية المصرية رفضت تلك الاتهامات، وأكدت على احترام القاهرة للسيادة الإثيوبية، وعدم تدخلها بشؤونها الداخلية، فيما نفى السيسي نفسه ذلك الأمر.
وكان محللون مصريون طرحوا فكرة استخدام الأراضي الإرتيرية لضرب سد النهضة بداية عام 2016، فيما تحدث آخرون عن إمكانية تزويد مصر لإريتريا بالأسلحة المصرية الخفيفة والمتوسطة، واستخدامها في الصراع مع إثيوبيا.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه مصر فشل مفاوضات سد النهضة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، دعا السيسي أفورقي لزيارة القاهرة، في كانون الثاني/ يناير 2018، بخطوة اعتبرها البعض لممارسة الضغوط على إثيوبيا، خاصة وسط توتر العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم حينها.
وبمقال له كشف الخبير بالشؤون الأفريقية، دكتور بدر شافعي، عن توجه رئيس الوزراء الإثيوبي الإصلاحي، أبيي أحمد، مشيرا إلى أنه يقتبس نظرية سياسة صفر مشكلات من وزير الخارجية التركي السابق، أحمد داود أوغلو، الذي ابتدعها عام 2009، ومفادها ضرورة تهدئة الأوضاع مع الخارج، خصوصا دول الجوار، وفي مقدمتها إريتريا.
خسرت مصر:
وفي رده على التساؤل "هل مصر خسرت ورقة الصراع الإرتيري الإثيوبي في الضغط على أديس أبابا بملف سد النهضة؟"، قال أستاذ هندسة السدود بجامعة Uniten-Malaysia، الدكتور محمد حافظ: "فعلا مصر خسرت ورقة الاستخبارات التي كانت معها"، مضيفا أن القاهرة "خسرت أشياء أخرى كثيرة".
وأوضح الخبير المصري أنه بجانب خسارة مصر لورقة الضغط على إثيوبيا بملف إرتيريا، فإن أهم خسائر مصر على الإطلاق - حسب رؤيته - هي أن "مصر سوف تحصل على المياه مقابل (صندوق تحيا إثيوبيا)، وهو ما أعلن عنه السيسي مؤخرا أثناء زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للقاهرة الشهر الماضي، بدعم مشروعات تنموية هناك".
حافظ، أكد أن المعضلة التي ستواجه مصر هي أنه "إذا استمر ضخ الأموال المصرية وتنمية المشروعات الإثيوبية فسيتم ضخ المياه، وعكس ذلك، إذا توقف ضخ الأموال المصرية لإثيوبيا فسيتوقف ضخ المياه".
يناور ويخدر الشعب:
وأكد الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، الدكتور السيد أبو الخير، أن مصر بالفعل خسرت من التوافق الإثيوبي الإرتيري الأخير، موضحا أن "إثيوبيا تتحرك سياسيا لمحاصرة مصر بدول مؤيدة لوجهة نظر أديس أبابا، فضلا عن أن مصر وقعت فعلا على وثيقة قبولها إنشاء سد النهضة والموافقة عليه، فلا مجال للبحث في تلك النقطة".
قال الأكاديمي المصري: "لكن النظام المصري يناور حتى يتم تشغيل السد"، معتقدا أنه "غير جاد في مطالباته، ويخدر الشعب حتى يكون أمام الأمر الواقع"، مشيرا إلى أن "مصر وافقت فعلا على إنشاء السد، ولا يحق لها الاعتراض قانونا، فهي فرضت في حقوقها بالتوقيع صراحة"، داعيا المصريين لـ"عدم تصديق ما يصدر عن النظام المصري حاليا"، معتبرا أنه "لإلهاء الشعب وتخديره".
وأشار أبو الخير إلى أن "مصر فقدت الكثير من أوراق الضغط بعد الموافقة الصريحة على بناء السد، وبينها فقدان نحو نصف حصتها من الماء"، مدللا على صحة حديثه بأن مصر "لم تثر تلك الأزمة المفتعلة أمام اجتماعات جامعة الدول العربية، ولا حتى أمام مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي، وهذا يدل على عدم وجود أي مشكلة بسبب السد".
غياب الهدف:
وأعرب رئيس حزب الجيل، ناجي الشهابي، عن أسفه لعدم استغلال مصر تلك الورقة بشكل جاد ومفيد، معتبرا أن السبب في ذلك هو "غياب الهدف لدى وزارة الخارجية المصرية".
الشهابي، قال لـ"عربي21"، إن "إعلان إثيوبيا وإريتريا انتهاء حالة الحرب بينهما، وفتح سفارات لكلا الدولتين بعاصمة الدولة الأخرى، سيعود بالخسارة الكبيرة على مصر، ويفقدها ورقة للضغط على أديس أبابا بملف سد النهضة".
وأضاف السياسي المصري: "والحق أن مصر لم تستغل أبدا ورقة هذا الصراع للضغط على أديس أبابا، بسبب سياسة إثبات حسن النية التي آمن بها من يديرون ملف سد النهضة بمصر، بالرغم من العلاقات الطيبة التي ربطت مصر بإريتريا، واستعداد الأخيرة للتعاون مع القاهرة بكل المجالات".
ويرى الشهابي أنه "بالرغم من التقارب الذي حصل بين إرتيريا وإثيوبيا، إلا أنه ما زالت لدى مصر أوراق كثيرة للضغط على إثيوبيا بملف سد النهضة، منها أيضا إثارة الخلافات القديمة بين أسمرة وأديس أبابا".