سياسة الإنفتاح والإصلاح في إثيوبيا هل تمتد إلى إرتريا
إعداد: مكتب الإعلام حزب النهضة الارتري
كما يقال إن لكل زمان رجال فنحن اليوم نشهد لدى الجارة إثيوبيا تحولات سريعة تتبعها تغيرات بحجم الحركة والتحول في الرؤية
فمنذ مجيء الائتلاف الحاكم (الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي) في إثيوبيا إلى الحكم عبر القوة الثورية المسلحة والتي أطاحت بنظام الديكتاتور منجستو في عام 1991م شهدنا بان هذا الائتلاف سعى في إرساء نظام الحكم الفيدرالي الذي يعطي الحق لكل إقليم أن يحكم نفسه بنفسه وتم ذلك عبر إشراك الشعب في نقاشات مستفيضة للنظر في فوائد ومساوئ النظام الفيدرالي، وعطفا على نظام الاستبداد الذي كان قائما في العهود السابقة في الحبشة تم التراضي لإرساء نظام الحكم الفيدرالي وإتباع الأسلوب الديمقراطي الذي يسمح بالتعبير عن التطلعات وممارسة النقد والسماح للشعب لاختيار ممثليه في البرلمان وبالقياس إلى كون هذا البلد النسبة الأكبر من سكانه تسوده الأمية ويعيش تحت خط الفقر كان يعد بداية في الطريق المحفوف بالمخاطر وبالرغم من ذلك هذا الائتلاف وبقيادة رجل المرحلة الراحل ملس زيناوي شق طريقه واكتسب الشرعية لتولي قيادة الشعب وقبل باللعبة الديمقراطية لتجد مكانا في إثيوبيا.
وان أهم انجاز في هذا التحول كان فتح أفاق الحرية والمشاركة الجماهيرية في صناعة القرارات المصيرية ذلك أدى إلى إعادة الثقة إلى المواطن الإثيوبي في قدراته وأهميته ككائن متفاعل مع أحداث الوطن قادر على تحريك الأحداث وليست الأحداث هي من تحركه ذلك بفضل تشجيع القيادة الإثيوبية والتي قادها الراحل ملس الذي كان يمتلك رؤية واضحة حول كيفية خروج إثيوبيا من تاريخها المليء بالاضطهاد والاستبداد من ملوك قياصرة وعساكر ديكتاتورين لتكون دولة مؤسسات يعلو فيها صوت القانون على الفوضى والمنطق والعقل على القوة والجبروت، وللحقيقة إن الرجل ملس زيناوي لعب دورا كبيرا في حل الكثير من الإشكالات التي ترسخت عبر حقب زمنية بسبب تفشي الجهل وشيوع الخوف والإرهاب وذلك بتشجيع التعليم ونشر المعرفة، ولكون المجتمع الإثيوبي يقبل على تجربة حياة ديمقراطية تعتريها العديد من الإشكالات والتحديات لذلك وقعت العديد من أحداث كبيرة تهز الإرادة لكن ظل الرجل متمسكا برؤيته الواثق من نجاحها وما جعله كذلك هو انه كان موضوعيا يضع مصلحة الوطن والمواطن قبل كل شيء وكان نصب عينه المالات وليست النتائج المرحلية التي تقبل إجراء التعديل ومعالجة أثارها السلبية وتعضيد الجانب الايجابي فيها والمضي بها قدما لتتحول إلى واقع، فالرجل كان يمتلك هذه الرؤية التي تولدت بعد سبره لأغوار التاريخ والأحداث ومعرفة متعمقة لجوانب المشاكل متجاوزا كل الأعراض والقشور باحثا عن العلل والبواعث من غير أن تعميه عن الحقائق مصلحة فئة معينة أو طائفة محددة إنما وضع صورة واضحة وجلية لإثيوبيا التي ستستقبل الملايين من الأجيال مؤمنا بأحقيتهم بان ينعموا بخيرات وطنهم.
بعد رحيل ملس تعهد من خلفوه السير قدما على خطاه وقد كان انتقال السلطة سلسا إلى من خلفه وبعد مماته وبالرغم من الفراغ الكبير الذي تركه إلا أن الدولة ظلت متماسكة ومضت بخطوات تحقق تقدما في بناء ديمقراطيتها بالرغم من تعالي أصوات الطائفية والفئوية والعنصرية التي تداعت بغرض تقويض المشروع حتى جاءت مرحلة ابي احمد الذي استلم زمام السلطة من السيد دسالين هيل ماريام اثر هزات قوية أصابت البلاد أدت إلى فرض حالة الطوارئ، إلا أن وجود قيادات تستمع لصوت ضمائرها وتعلي من ثقل مسئوليتها عكفت في البحث عن كيفية الخروج من الأزمة ووضع الحلول حتى ولو كانت على حساب الائتلاف الحاكم فقد اتخذت قرارات حاسمة بنيت على تقييم التجربة وممارسة نقد موضوعي بتجرد ولأول مرة رأينا تخلي رئيس الوزراء الأسبق هيل ماريام دسالين من منصبه من اجل إفساح المجال لقائد جديد يكون الأنسب للمرحلة وهي تعد حدثا بارزا في القارة إفريقيا عندما تجد رئيسا يتخلي بمحض إرادته عن منصب جذاب وفيه بريق الظهور والعظمة ليكون إنسانا عاديا ويتيح الفرصة لمن يخلفه وكان رجل المرحلة هو د ابي احمد فقد تم اختياره بعناية لنواحي عدة منها انتماءه إلى قومية لم يكن لها دور في قيادة الوطن وكونه شابا منفتحا لا يخضع لقيود وإرهاصات العهود الماضية وبمقدوره التعبير أكثر من غيره عن المستقبل والتجاوب مع تطلعات الشباب الذي هو باعث الأمل وبمقدوره تحقيق تقدم في كل نواحي الحياة العامة وكما يعلم الجميع فالرجل قد عمل في السلك العسكري الأمني وخاض معارك وبالتالي هو الأقدر على معرفة أهمية السلام والاستقرار الدائمين حيث عاش قسوة المعارك وآلامها وهدمها لمقدرات الوطن وتضييع ثروة البلاد المتمثلة في رجالها ويضاف إلى ذلك اجتهاده في تطوير قدراته العلمية حيث حصل على التعليم حتى المراحل المتقدمة حيث حاز على درجة الدكتورة وكونه عاصر تجربة الائتلاف الذي يقود البلاد كذلك في داخل الحزب الذي يقوده (الجبهة الديمقراطية للشعب الاوروميو) لسنوات، ولكل هذه الصفات والإمكانات المميزة كان الأقدر على اتخاذ القرارات التي تحتاج إلى الشجاعة وبقدر قوة هذه القرارات أصبح محل تقدير وحاز على الإعجاب المحلي والدولي وخرجت المظاهرات المساندة له في كل الأقاليم وبذلك أكد للجميع ليس تمتعه بثقة الائتلاف الحاكم أو البرلمان الإثيوبي إنما الشعب الإثيوبي بكل مكوناته وخاصة فئة الشباب.
ومن خلال استعراضنا وباختصار شديد للمراحل التي تعاقبت في إثيوبيا يتم ملاحظة أن البلاد شهدت تغيرات كبيرة في الشكل والمضمون وبالإمكان القول أن الشعوب في إثيوبيا دخلت تجربة جديدة أحدثت تغييرا أثاره ظاهرة على المواطن وهو المحك للحكم على نجاح أي قائد بمعنى بقدر إحداثه التغيير في البلاد وتمكنه من إيجاد التفاعل لدى المواطن حيث تجده يباشر في أي عمل يسهم في تحسين أوضاعه ومشاركته في الحياة السياسية والاجتماعية سعيا نحو تمكين العمل المؤسسي وصولا نحو الحياة التي تليق به.
و بالرغم من وجود الاختلاف بين المتتبعين حول حكمهم على هذه التجربة التي لا تزال في بداية الطور إلا أن عدم الركود والجمود يعد ظاهرة صحية وخوض التجارب يعد خطوة في الطريق الصحيح نحو الوصول للحكم الرشيد، وهنا يتبين لنا دور القيادة في أي وطن في قيادة التحول من خلال تشجيعه للمواطنين على المشاركة وحمايتهم بالقانون من التغول أو بطش ضعاف النفوس.
مما سبق يتبين لنا أهمية ودور القيادة في التغيير بأن تخرج المواطن من حالة اليأس نحو التفاؤل ومن حالة الوقوع في اسر تجارب سلبية ماضية نحو إمكانية العطاء ومن حالة العجز والانعزال عن الحياة نحو المشاركة الفاعلة والتدافع نحو تحقيق مصلحة الوطن والتفكير الايجابي والخروج والانعتاق من القناعات الراسخة في استحالة التغيير نحو بناء نماذج حية وتمكين الذات في إجراء المراجعة الداخلية، فالقائد تتجسد فيه هموم المواطنين وتطلعاتهم يسمع منهم ويتبادل معهم الرأي ويكون قريبا منهم لكي يجعلهم يحسوا انه جزء منهم ويشاركهم آلامهم وهمومهم، ويجعل منهم مشاركين متحملين مسئوليتهم الوطنية في اعمار الوطن وحمايته وتحقيق مشاركتهم بالإسهامات على أقصى مستوى لها من خلال توفير البيئة الصحية المناسبة وتشجيع كل التجارب التي يقومون بها.
نحن في ارتريا تماما في ذات العام الذي هو 1991م تحررت بلادنا وتنظيم الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا بقيادة أسياس افورقي هو من تمكن من اكمال مشروع التحرير والاستقلال الذي بدأ في الأربعينات من القرن العشرين، وكان المؤمل الدخول في مرحلة البناء والتعمير ويتأهل أبناء ارتريا من كل النواحي كي يتمكنوا من إدارة الدولة المستقلة لاسيما وان الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا وفي مؤتمرها العام الذي عقد في عام 1994م قد خرجت بقرارات منها تسليم السلطة للشعب وكان المنتظر من الجبهة الشعبية أن تنتقل من إدارتها للبلاد باستحقاقات الثورية إلى الشرعية القانونية من خلال السعي للحصول على تفويض من الشعب لإدارة الوطن وعلى غرار ما تم في الجارة إثيوبيا إلا أن الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا والتي تحولت بعد التحرير إلى الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية والتي تحكم البلاد برأسها أسياس وهي غائبة ليس لها وجود.
وللأسف لم تحظى ارتريا برجل المرحلة ما بعد التحرير الذي يحمل رؤية منفتحة ومتحررة من كل العقد والتعقيدات يستلهم رؤيته من واقع الشعب وتركيبته السكانية وما يعايشه من هموم وما يتطلع إليه من طموحات، وعلى العكس من ذلك هذا الرجل أسياس افورقي والذي سعى إلى إلباس الجانب القانوني لاستقلال ارتريا الذي تم تحريره بعشرات الآلاف من الشهداء حيث تم اللجوء إلى الاستفتاء وعبره دخلت ارتريا كدولة في منظومة الأمم المتحدة ونالت الاعتراف، وعلى ذلك النهج كان عليه السعي نحو بناء ارتريا من الناحية الدستورية والنظامية وإرساء دعائمه بحيث يمنح لكل مواطن في ارتريا حقوق المواطنة الكاملة التي تكفل له حق المشاركة في الحياة السياسية والتعبير عن شعوره والمشاركة في صنع القرارات.
إن أسياس وعكس رغبات الشعب تنكب عن ذلك بل سعى وهو يحمل الفكر الراديكالي والعقلية الأمنية التي تسيطر عليها رؤية أحادية تسعى إلى تحقيق مصلحة محددة وأهداف خاصة بعيدة كل البعد عن أهداف الشعب الارتري وحقه في العيش بسلام، وبهذه العقلية وبعيدا عن القائد السياسي الذي يسعى دائما إلى حل الإشكالات بأقل الخسائر ويسعى فيما يسعى إلى تجنيب بلده وشعبه المهالك دخل في نزاعات وحروب عبثية مع دول الجوار خسر شعبنا من أبنائه عشرات الآلاف والذين كانوا الأجدر أن يكونوا مساهمين في مشروع بناء الوطن الوليد ولذرائع وأسباب تسكن في رأسه حرم البلاد من الدخول في مضمار الحياة الاقتصادية وحيد الشعب الارتري عن المشاركة في الحياة العامة بل حيد وجمد التنظيم الذي أتي به ودخل العاصمة أسمرة محررا واسر وقتل العديد من القيادات التي رافقته طوال مراحل النضال التحرري وبقي هو لوحده في ثلة ممن يحمدونه ويمجدونه، وهكذا هذه البلاد صارت أسوء مما كانت عليه في عهود المستعمرين والشعب لا يزال يعيش المرارات وهي أقسى بالتأكيد ما بعد الاستقلال حيث يرى حلمه صار سرابا وتضحياته ذهبت هباء ولا يزال شعبنا اليوم أيضا ينتظر قائد ورجل المرحلة الذي باستطاعته قيادة الشعب وبعث الأمل فيه ودعمه معنويا ويعيد إليه الثقة يتمكن من خلالها في بناء الدولة، فارتريا لا زالت في المرحلة الأولى الصفرية وينتظرها الكثير، والسؤال الملح هل التغيرات التي تحدث بالمنطقة والانفتاح والإصلاح الباهر الذي يقوده رئيس الوزراء الجديد د ابي احمد في إثيوبيا تكون فرصة أخرى تحل بإرتريا وتكون لمصلحة الشعب الارتري وهل بمقدور ابي احمد وهو الذي يفهم معنى الحرية والسلام وضرورتهما لتحقيق النمو الاقتصادي يكون له دور ايجابي في الوقوف إلى جانب الشعب الارتري فيما يسعى إليه من إعادة الاستقرار لمنطقة القرن الإفريقي حيث أن شعوبها متداخلة وتتأثر مع بعضها البعض وماذا على شعبنا في استعادة دوره في وطنه إنها مسئوليات مشتركة بين الجميع وعلى رأس النظام في ارتريا أن يتصالح مع نفسه أولا ومن ثم مع شعبه ويعتذر ويكفر عن كل ما ارتكبه من فظائع على شعبه وتكون منه المبادرة نحو إيجاد مناخ صحي يكفل للارتريين بان يشقوا طريقهم نحن إرساء دعائم السلام والاستقرار ويعيشوا حياة كريمة ويكتب النهاية لحياة التشرد واللجوء والحرمان والاضطهاد والخضوع وحكم الاستبداد.