من التامل في زمن المعجزات - الحلقة الأولى
بقلم الأستاذ: أحمد صالح القيسي - قيادي سابق بجبهة الشعبية لتحرير إرتريا
قضية حدودية بين بلدين افريقين، مسالة عادية من يعرف شؤون القارة وهمومها. ولكن في القرن الافريقي ذات نكهة خاصة
وطعم خاص، مخضبة بالدم وعشرات الالاف من الضحايا، وزمن ضائع من عمر اجيال، وتنمية منعدمة، وتنظير قانوني لايمل حول
الحجج من هذا وذاك. وعبر الزمن الممتد في صياغة التبريرات حول السيادة وضرورة اليقظة من محاولات تامرية من هذا وذاك.
وخطابات تبريرية.. واعلام اعرج لطرفي الصراع، وارواح بشر تزهق بعد ياس قاتل.. واستبداد يتفنن في اذلال البشر، وسجون تعمر في ازدهار نادر طالبة المزيد فهناك طوابير خارج الاسوار، بينما مكانها داخل الاسوار وليس خارجها فالقضية لا تقبل القسمة ولا التفريط انها قصة ارض مغتصبة، وما ادراك ما الارض. وعلى مدى عقدين والعذاب يتصدر المشهد، شاملا الجميع...
واختلط الحابل بالنابل، بين المطالب ببناء سياسي وكيان دولة، وخلق الشروط الموضوعية لاندماج وطنى كا محصلة طبيعية للثمن المدفوع ابان حرب التحرير، وبين حجة ان التحرير لم يكتمل بعد، وان عواصف التامر والنيل من المكاسب مازال قائما، وبين كلا الحجتين تدحرجت رؤوس، ان كان تغيبا في دهاليز معتقلات السلطة، او فرارا من بطشها، المؤامرة... الارض المغتصبة... عنوانان بارزان.. ان لم تؤمن بهما، فانت خائن.. وجاحد لدماء الشهداء...
عقدين من الزمن والموت السريع والاقل سرعة هو قدر هذا الشعب، والانكى من ذلك ان خرجت الطلائع لتعلن الرفض القاطع لسياسات السلطة ولكن على طريقتها وليس على طريقة ما يتطلبه الواقع والمصلحة، بعضها متسلحا بالماضي وما حمله من معاناة وهموم واخطاء، واعتبرت ان ذلك مدخلا ضروريا، هذه الرؤية انتهى بها المطاف من حيث الممارسة ان همها هو تصفية حساب قديم متخمر في وجدان وعواطف وعقد وقد حانت الساعة. اما الطلائع الاخرى فقد فرج الله كربها بعد ان حجمت ابان حرب التحرير، وعادت منتعشة ب قبائلها... وطوائفها... واقاليمها.
وانتشرت الدكاكين السياسية، وبما ان الزمن ليس كالسابق كى تجاهر بهذه القبائل والطوائف والمناطق. فكان لابد ان تلمع بمفاهيم عصرية، الحقوق الديمقراطية، والصيغة الفيدرالية، والكنفدرالية.. وهلم...
هذا عدى الجيوش ممن لاملامح لهم، وممن اعتقدوا ان اللحظة قد اكتملت ليحققوا ما حرموا منه.وهم الاجدر وان الزمن قد غدر بهم، حتى عجت اسواق المعارضة بكل اصناف الانتهازين... والوصولين... وتجار اللحظة.. ومقتني الفرص... تمشيا مع المثل الرائع بالتجرينية < زمن وراء وراء نفسخا اي تع براء مع احترامي للاغلبية من المخلصين من كل الفئات.
عقدين من الزمن ونحن نعيش حالة ميليودراما... في مسرح العبث... من سلطة يصعب وصفها بموضوعية، ومعارضة مهما قيل عنها سلبا او ايجابا، ففي نهاية المطاف هى تعبير حقيقي عن ثقافتنا السياسية، ومستوى وعينا، وكان التاريخ قد تسمر عند لحطة زمنية معينة، وان المساحة الزمنية لثلاثون عاما.. لم تفرز شيا ينفع في اعادة صياغة الوعي والانسان فينا، انها لعنة.. وليس خللا في الذاكرة الجمعية، لم نكن نتصور حتى في احسن الاحوال جموحا في خيالنا ان ياتي.. المخلص.. فجاة.
ومن اين ؟ من معسكر الاعداء ؟ وفي عبارات مقتضبة.. وبشخططت قلم ليزف لنا نباء نهاية القصة... وان الخلاف الحدودي اصبح شئ من الماضي.
وان الموضوع حسم على قاعدة: ما لاثيوبيا يبقي لها، وما لارترياء يعاد لها معززا مكرما.
وفي لحظة فارقة في التاريخ تستحق التدوين، فقدنا التوازن ولم نعد ندري اين نقف، وما تبع بعد ذلك كان اكثر غرابة... فلم نعد نراء اثيوبيا المتوحشة، بل اثيوبيا التى تنجب اصناف من البشر هم اقرب الى براة الملائكة... حقيقة رغم سلبياتنا في الوعى والثقافة والسياسية، الا اننا نحمل كم هائل من حسن النواياء شئ مؤروث من عمق الريف الارتري... وطيبة الرعاة.. والفلاحين الذين يحبون سريعا ويكرهون سريعا... ولكن ما العمل ؟
فهذا جزء من تكوينات الجينات التى نحملها لايهم ان نشاهد الود بين الوفد الارتري.. ورئس وزراء اثيوبيا وجماعته.
هل هذا الود صنع في نفس اللحظة وعلى مدرج مطار اديس ابابا.
هذه معجزة اخرى اما ان صداقة سابقة ولقاءات سابقة، قد اذابت اكوام من العقد والتعقيدات حتى توزع الابتسامات بدون حساب، والهمسات بين حين واخر.
يالله رحمتك علينا بالامس تم اشعار المعارضة الارترية بان المستحقات التى تقدمها الحكومة الاثيوبية سوف تقطع... هذه اولى البشائر... بينما قيادات المعارضة الاثيوبية التى جاءت من اسمراء تم اشراكها مباشرة في التحقيقات للمقبوض عليهم ممن اتهموا في قضية ماحدث في المظاهرات الاخيرة. هل تشاهدون المساحة والفارق.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة