مفاجأة إثيوبيا لإريتريا هدية مأمولة للقرن الإفريقي
بقلم الأستاذ: شريف قنديل المصدر: جريدة المدينة
على المستويين الشخصي والعربي، خاصة في الجزء الإفريقي منه، فرحتُ كثيرًا بالمبادرة أو المفاجأة الجديدة التي طرحها
رئيس الوزراء الإثيوبي، والخاصة بالموافقة على اتفاقية الجزائر لترسيم الحدود مع إريتريا.
أما عن مصدر الفرح الشخصي، فهو معرفتي بالبلدين وزيارتهما والعيش فيهما كثيرًا؛ فضلاً عن معرفتي للزعيمين أبي أحمد وأسياس أفورقي ومشاركتهما نضالهما نظريًّا وصحفيًّا وميدانيًّا.
والحاصل أنني ارتديتُ البدلة العسكرية أثناء الحرب العادلة التي خاضها ثوار إريتريا بقيادة الجبهة الشعبية وبقية الفصائل الأخرى، مثل جبهة التحرير والتنظيم الموحَّد.. وغيرها.
وفي محنة إثيوبيا مع الطغيان الشيوعي في عهد الرئيس منجستو، شاركتُ الثوار الإثيوبيين الأحرار حتى كان ما كان وتحقَّقت الأحلام.
وأعود لمصدر الفرح العربي الإفريقي، فأقول إن أي مبادرة سلام تستهدف ترسيمًا عادلًا وواضحًا للحدود، إنما تعني نزع فتيل الحرب، والتفرغ للتنمية المستدامة التي تظل المشاركة المجتمعية وأعمال الديمقراطية شرطين أساسيين لها.
وإذا كان من الواضح أن الزعيم الإثيوبي أبي أحمد ماضٍ في مفاجآته، وخطّه الشفاف والصريح، فإنني قد أتفهَّم صمت الزعيم الإريتري وعدم تعليقه على العرض الإثيوبي حتى الآن، ومن ذلك الطبيعة العسكرية الميدانية لأفورقي، مقابل الطبيعة السياسية للزعيم الإثيوبي أبي أحمد.
وفي ضوء التوقعات شبه المؤكدة بدخول إريتريا على خط المصالحة الكاملة مع إثيوبيا، أرجو ألا يكون لدى طرف منهما غرض أو مرض، وأن تكون المصالحة لصالح الشعبين والدولتين بل وللدول المجاورة.
أرجو ألا تكون مثلًا على حساب السودان، الذي تحمَّل الكثير والكثير جدًّا عن الشعبين الإريتري والإثيوبي، وأرجو ألا تكون على حساب مصر ولو من بعيد.. مصر التي احتضنت الثورة الإريترية من أيام الزعيم الراحل عثمان سبي وحتى الآن، كما دعمت إثيوبيا وتعاونت معها وصبرت عليها حتى الآن.
أرجو كذلك ألا يكون التقارب المأمول بين إثيوبيا وإريتريا على حساب الصومال الجريح، الذي لم يضمر شعبه أي غدر أو شر للشعبين الإثيوبي والإريتري، رغم كل ما جرى ويجري له حتى الآن.
أخيرًا أقول: إن اتفاقية الجزائر التي مضى عليها ١٨ عامًا دون تفعيل، ليست بين الكوريتين اللتين تصالحتا بالفعل، وليست بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة.. إنها بين دولتين شقيقتين بالفعل، تجمعهما أواصر الجيرة والمصاهرة.
ثم إنها بين زعيمين مناضلين، ذاقا مرارة الحرب وويلاتها وتعطيلها للتنمية والديمقراطية.
أخيرًا، أرجو ألا تأتي المصالحة الإثيوبية الإريترية التامة على حساب المعارضة الوطنية الحقيقية، التي قد يكون من بين رموزها مَن يعيش في أديس أبابا وأسمرة.. وليتذكَّر أسياس أنه عاش تارةً على نهر الجاش من جهة السودان، وعلى الحدود مع إثيوبيا تارةً أخرى.
كما ينبغي ألا ينسى أبو أحمد أنه كان معارضًا وطنيًّا، عاش خارج بلاده لسنوات.. ليواصل أبو أحمد مسيرته، ولينخرط أفورقي في السلام، وليفتح نوافذ بلاده لنسمات الديمقراطية الحقيقية، وحينها سيحل السلام، وتسود التنمية، وتتفتح ورود الديمقراطية في القرن الإفريقي كله.. وفي الانتظار.