كونفيدرالية... فيدرالية... وحدة اندماجية... الأقازيان وطردنا من الوطن
بقلم الأستاذ: علي عافه إدريس - كاتب ومحلل سياسي ارتري
لست بصدد التحدث المباشر عن ما يدور في سحتنا في الايام الماضية ولازال يتفاعل بقوة.. إنما سأذهب في جولة في تاريخنا
المعاصر المعاصر وقبل ذلك لأبد من مقدمة بسيطة عن التاريخ وقرأته بطريقة صحيحة !!!
لقد أتفق معظم المفكرون والذين اهتموا منهم بالتاريخ وفلسفته على وجه التحديد، أنه عند قراءة التاريخ يجب أولا أن تبحث و تتأكد من أن التاريخ الذي وصلك لم يحدث حجب لجزء مهم منه فآلية الحجب والتمرير آلية معمول بها بكثرة عند كثير من الذين كتبوا التأريخ، معظم الأحيان بلا قصد وأحيانا أخرى بقصد وتخطيط، أما قراء التاريخ عند عرضهم له أكثر من يستخدم آلية الحجب والتمرير هم السياسيون سلباً كان أم إيجابا فعندما يريدون رفع المعنويات و الدفع نحو الوحدة يذكرون كل جميل في تاريخ الاسلاف الوحدوي وعندما يريدون الحشد لأنفسهم بكل السبل يستحضرون ويضخمون كل المواقف التاريخية التي حدثت من الطرف الآخر ويحولونها لجرائم لا تغتفر حتى يدفعوا مستمعيهم للاحتشاد خلفهم.
لهذا حتى يستفاد من التأريخ ويعتبر به يجب الوصول إليه كاملا والا التأريخ المبتور ينتج قراءة مبتورة.. ثم بعد التأكد من أنه كامل غير منقوص، لقراءته يجب البحث عن ثلاثة عوالم فيه.. وهي عالم الأفكار أي الأفكار التي بنيت عليها تلك الافعال التاريخية.. وعالم العلاقات مجموعة الوسائل التي استخدمت للتواصل والحشد وإدارة كل ذلك التفاعل الذي حدث.. ثم عالم الأشياء وهو ما أنتجته تلك الأفكار في أرض الواقع.
وهناك فترتين تاريخيتين أريد قرأتهما وفقا للعوالم الثلاثة..
الفترة الأولى: هي المرحلة بعد لقاء بيت قرقيس الذي حضره الزعيم إبراهيم سلطان وعدد آخر بسيط من زعامات المسلمين وسأركز فقط على حكاية إبراهيم سلطان فيه لأنها الحكاية الوحيدة التي وصلتنا كاملة عبر ما كتبه ألم سقد على لسان إبراهيم سلطان.. ففي ذلك الاجتماع تمت مواجهته باستخاف عندما طلب تأجيل الاجتماع لوقت آخر إلى حين حضور زعامات المسلمين مبررا ذلك أن العدد الموجود منهم غير كافي بالاضافة الى أن الموجودين لا يمثلون كل المسلمون بينما الطرف المسيحي حاضر بكل ثقله وجاء الرفض باستخفاف من قبل شاب مسيحي حيث قال له ما ملخصه وليس نصا "أننا سوف لن ننتظر إلى أن تجمع الرعاة وعليكم القبول مرغمين بما نقرره نحن هنا" ولم يقم الكبار بزجره والرد على سلطان رد مقبول الأمر الذي جعل سلطان يعتبر رد الشاب هو رد يمثل الحضور من الطرف الآخر فالسكوت علامة رضا وعلى هذا الأساس غادر الاجتماع وفي اليوم الثاني تواصل مع كل الزعامات المسلمة في أسمرا و وجد أنها تحمل ما يحمل من هم عام ونفس الأفكار فيما يخص كيفية تدارك الأمر وخلق كيان تتضافر داخله الجهود ويكون واجهة لمقاومة كل أمر ينال من الوطن ومن المسلمين فولدت الرابطة الإسلامية وما أدراك ما الرابطة الإسلامية فهي من وضعت القاطرة على الطريق المؤدي للوطن ومقاومة تلك الكتلة التي حضرت الاجتماع والتي معظمها ركب القاطرة المتجهة للوحدة مع أثيوبيا.
في تلك اللحظة.. عالم الأفكار حي وقوي فسلطان لم يذهب لبيته ليتباكى أو يصب جام غضبه ويشبع الطرف الآخر سباً وشتما لأنه المتسبب في هذا الإقصاء الذي سيشكل خطر على كل الوطن.. لكنه توجه لأهله في أسمرا فوجدهم يحملون ما يحمل من فكر وهذا دليل آخر على أن عالم الأفكار كان حيا لدى معظم الزعامات فيتواصل الزعماء والفاعلين بطرق وأساليب نجهل كيفيتها لكننا نعرف نجاعتها فقد كانت هي الأخرى فاعلة لأنها استطاعت جمع كل الفاعلين في فترة زمنية وجيزة رغم تخلف و وسائل الاتصال أو انعدامها علما أن الأمر لا يتعلق كله بوسائل الاتصال انما بالخطاب الذي كان يُخاطب به الجميع ويصل بهذه السهولة ثم إدارة كل هذا الكوكتيل ليجتمع الجميع في مدينة كرن وهذا برهان قوي أن عالم الاتصالات وآلياته كانت فاعلة.. وطالما أن عالمي الأفكار والاتصالات كانا حيين فعالم الأشياء بالضرورة سيكون حيا ومنتجا، فأنتج الرابطة الإسلامية بكل جبروتها وتأثيرها لوضع بذرة المحافظة على أرتريا ككيان !!!
الفترة الثانية.. لحظة تاريخية أخرى تشابه لحظتنا التاريخية الحالية وهي الفترة المتددة من 1961م حتى 1975م المعاناة كبيرة والألم يزداد وتكبر رقعته وأسوء أنوع الآلام ما يصيب أحبتك فقد كان ذلك الألم يصيب الثوار بالإحباط المؤدي لفقدان السيطرة على النفس فابمكانهم أن ينتقموا من قرى الذين شاركوا فى حرق قرى أهلهم ولكنهم رغم كل الألم لا يفعلون ذلك ويكرسون كل جهودهم لبناء ثورتهم وتمتين قاعدتها بكل الإمكانيات المتوفرة فتكبر الثورة وتتأصل في نفوس شعبها وتصبح العودة عنها أمر ميؤس منه في نفوس الأعداء.
حدث كل ذلك لأن عالم الأفكار حي لديهم فقد علموا أن ذلك سيكون وبالا على الوطن ككل ويجب عليهم الانتصار على هؤلاء عبر التمسك بالوطن وبوحدته وبناء القوة التي ستحقق الانتصار ومقاومة الدعاية الإثيوبية عبر تطبيق ما يؤمنون به على أرض الواقع وتفويت الفرصة على المتربصين بهم وبالوطن.. ولأن عالم الاتصالات والتواصل كان هو الآخر حيا لهذا استطاعوا أن يوصلوا فهمهم للأمر بكل وضوح لقواعدهم لتتفهمه بدورها وتطبقه على أرض الواقع.
وبما أن عالم الافكار كان حيا وكذلك عالم الاتصالات والتواصل والإدارة، لهذا يجب أن تكون نتيجة عالم الأشياء مبهرة وكان المنتج تنظيم قوي انتقل بعد هذه المرحلة مباشرة لاستلام زمام المبادرة، كما أنه في نفس تلك الفترة حدث ذلك التدافع من الشركاء عام 1975م للالتحاق بالثورة وبهذا أنتجت تلك الأفكار وطن.
اذا أردنا أن نعتبر بتاريخنا الذي مضى اللحظة التاريخية تحتاج لتضافر الجهود للاجتماع حول مائدة واحدة وحللت ما نستطيع من مشاكلنا العالقة وإعادة الثقة بين مكوناتنا ويكفي فقط تجمعنا و ظهورنا كقوة ليتبخر هؤلاء الأدعياء وسيقتلعهم أبناء جلدتهم قبل أن نتحرك نحن نحوهم.
أما إذا ظل حالنا كما هو نشبعهم شتما وسبا سيجدون من يتبناهم من القوى الإقليمية والعالمية التي تراقب الوضع وتقرأ وتقيم الأوضاع لتنفيذ أجنداتها الخاصة و وقتها سيفرض علينا واقع أن نبحث عن أوطان بديلة بشكل جمعي.
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد:11
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته