ورقة نقاش: تأملاتٌ في السياسة الخارجية الإرترية ومحركاتُها - الجزء الثاني
بقلم المناضل الأستاذ: حامد ضرار - دبلوماسى سابق المصدر: حوار لوعي مشترك
مع ترك علامةِ استفهامٍ كُبرى مفتوحة، للقول فيما إذا كان هناك حينذاك مجالٌ لإرتريا لتتبنى مواقف تصالحية لتجنب ذلك الصراع؟
السياسة الخارجية الإرترية:
إذا كنا بصدد توصيف الفلسفة السياسية لمن يمسك ويسيّر ملف العلاقات الخارجية الإرترية، ففي اعتقادي إنَّ مصطلح "البراغماتية الآيديولوجية" بكل ما يحمله من دلالاتٍ قد يكون الأكثر ملائمةً هنا. والعلاقاتُ الخارجية الإرترية الحالية ومنطلقاتُ سياستها تعود في معظمها إلى ما ورثته الثَّوْرَةُ عموماً، والجبهة الشعبية خصوصاً من أيام العمل النضالي سواء من كسب صداقات أو الدخول في صراعات. فقد استطاعت الجبهة الشعبية أبَّانَ مرحلة الثورة بناءَ علاقاتٍ مع مختلف الدول والمنظمات والشخصيات في بقاع كثيرة من العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط والخليج.
1. من مرتكزات السياسة الخارجية الإرترية وأهدافها:
وبُعَيْدَ الاستفتاء اعتمدت الدولة الإرترية مرتكزاتِ سياستِها الخارجية لتحقيق الأهداف الموضوعة، وهنا بعضٌ منها، كما تضمنته وثائق وأنظمة العمل الخارجي للوزارة عشية الاستقلال:-
1.1 بناءُ علاقاتٍ مع كافةِ الدول والشعوب على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية؛
1.2 السَّعيُ والعملُ من أجل تحقيق مصالح البلاد الإقتصادية والثقافية والأمنية؛
1.3 الإلتزامُ بالمواثيق الدولية التي وقعت عليها البلاد.
2. أولويات أهتمام السياسة الخارجية الإرترية:
أولوياتُ أهتماماتِ السياسة الخارجية الإرترية تندرج وفق المستويات التالية:-
2.1 دول الجوار القريبة (السودان، السعودية، اليمن، جيبوتي وإثيوبيا ومصر)
2.2 دول الجوار البعيدة نسبياً (الصومال، كينيا، يوغندا ودول منطقة البحيرات العظمىى).
2.3 دول الخليج
2.4 بقية الدول الإفريقية
2.5 دول العالم الأخرى.
3. عضوية إرتريا في المنظمات الدولية والإقليمية:
3.1 الأمم المتحدة
3.2 منظمة الوحدة الإقريقية (الإتحاد الإفريقي لاحقا) وهي علاقة متوترة بين الطرفين وتتسم بانعدام الثقة بين الطرفين منذ شهر أغسطس 1993.
3.3 منظمة الإيغاد IGADD وهنا أيضاً بسبب نزاع إرتريا وإثيوبيا، اتسمت عضوية إرتريا في هذه المنظمة بالفتور والتجميد؛
4. عضوية إرتريا في المنظمات والمؤسسات الدولية:
4.1 البنك الدولي للبناء والتنمية؛
4.2 التعاون المالي الدولي؛
4.3 الشرطة الدولية – الإنتربول؛
4.4 منظمة عدم الانحياز؛
4.5 منظمة منع انتشار الأسلحة الكيماوية...إلخ
من إيراد بعض نماذج من المنظمات الإقليمية والدولية التي تنتسب إليها إرتريا، قصدتُ أنْ أشيرَ إلى أنَّ الحكومةَ الإرتريةَ المؤقتةَ التي تشكلتْ عشيةَ دخول الجيش الشعبي إلى أسمرا قدْ مضت في تطبيق ذاتِ السياسة الخارجية التي عَمَدَتْ على العمل بموجبها في مرحلة الثورة، وهذا ما يفسر اكتساب عضوية منظمات بعينها دون غيرها.
5. الإعتراف الدولي بإستقلال إرتريا وعلاقاتها الدبلوماسية:
وجدت إرتريا اعترافاً واسعاً بُعَيَّدْ إعلان نتائج الاستفتاء في 24 مايو 1993 كان من أهم تلك الإعترافات قبول الولايات المتحدة الأمريكية باستقلالها وهي التي أعاقت في نهاية الأربعينيات الشعبَ الإرتريَ إذْ حالتْ دونه وممارسة حقه في تقرير مصيره. حيث عَمَدَتْ حينذاك إلى ربط البلاد بإثيوبيا مراعاةً لمصالحها الحيوية ”The vital American interests“ كما ذكر "جون فوستر دلاس" في تقريره للجنة العلاقات الخارجية التابعة للكونغرس الأمريكي. وكان ثاني تلك الإعترافات، قبولُ إيطاليا المستعمر السابق للبلاد، بنتيجة الاستفتاء والترحيب بميلاد دولة إرتريا.
فضلاً عن ذلك، وجد استقلالُ إرتريا اعترافَ بقية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة . وإعترافُ إثيوبيا باستقلال إرتريا ومشاركةُ "ملس زيناوي" في حفل إعلان الاستقلال في الميدان الكبير في قلب العاصمة أسمرا و في ساحة "أدباباي" كان أهم تلك الإعترافات لكون الشعب الإرتري قدْ أستُفْتيَ ليختار ما بين الاستقلال أو الانضمام لإثيوبيا وبالتالي إعترافُها كان له أهميةٌ وقيمةٌ بالغةْ.
وبالنتيجة، وفي وقت قصير وبعد نيل عضوية الأمم المتحدة تمكنتْ إرتريا من خلق علاقات، مع دول العالم وفتحت سفاراتٍ لها في كل دول الجوار القريبة وفي غالبية دول الخليج وفي بعضٍ من دول آسيا المهمة مثل الباكستان والهند وأستراليا والدول الخمسة العضوة في مجلس الأمن كما تم فتح سفارات في ليبيا وجنوب إفريقيا ودول الإيقاد فضلاً عن بناء علاقاتٍ متميزة مع دول البحيرات العظمى كجمهورية الكنغو الديمقراطية ورواندا وبروندي فضلاً عن تبادل البعثات الدبلوماسية بين إرتريا وإسرائيل.
وحتى في كلا الصومال والعراق اللذان كانا يشهدان توترات كبيرة تم تعيين سفيرين فيهما، إلا أن أوضاعهما والاضطرابات التي اجتاحتهما لم تمكِّن السفرين المعينين لديهما، وكانا على التوالي السيدين ألم نقاش وحامد حمد، من ممارسة عملهما.
وبالمقابل سارعت الكثير من الدول المؤثرة في العالم ودول الجوار وغيرها إلى افتتاح مقرات بعثاتها الدبلوماسية في العاصمة أسمرا.
5.1 العلاقات الأمريكية الإرترية:
بحكم أهمية دور الولايات المتحدة الأمريكية في زمن القطب الواحد ولتأثيرها القوي في كثير من المحافل الدولية ولإهتمام الإدارات الأمريكية لضمان استقرار إثيوبيا الحليف التقليدي للغرب في منطقة القرن الإفريقي ومع تنامي الثورة الإرترية بعامة والجبهة الشعبية بخاصة، وللمحافظة على مصالحها الحيوية في منطقة القرن الإفريقي وحوض البحر الأحمر، سعت الولايات المتحدة للتوسط بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية في جولاتٍ في أكثر من مكان. من هنا اكتسبت العلاقات الإرترية الأمريكية من مرحلة مبكرة نسبياً، أهميتها. وربما مررت لاحقاً، وعلى نحو عابر لأسباب تدهور علاقات البلدين ومآلاتها المستقبلية في مكان آخر من هذه الورقة، إذا كان هناك متسعٌ من الوقت. لذا فقط عليَّ أن أقول، هنا وعلى عجالة أنَّ تزامنَ استقلال إرتريا مع سقوط الدولة الصومالية وتفككها ولخشية الإدارة الأمريكية من أن يصبح ذلك البلد ملاذاً آمنا للمتطرفين الإسلاميين أو مكاناً "لتفريخ الإرهاب" بالمفهوم الأمريكي كان من بين العوامل التي حَمَلَتْ الولايات المتحدة لتهتم بالدولةِ الوليدةِ صاحبةِ الموقع الاستراتيجي الحسَّاس في حوض البحر الأحمر، وبإلقاء نظرة على قائمة السفراء والدبلوماسيين الأمريكيين الرفيعي المستوى الذين تم إعتمادُهم في إرتريا، يدرك المرءُ الأهمية التي تلقيها تلك الدولة قائدة القطب العالمي الوحيد حتى الآن، على إرتريا.
وفيما يلي بعضٌ من الملامح التي تجلت فيها علاقاتُ البلدين من حيث مجالات التعاون والدعم قبل توقفه:-
آ) المساعدات الأمريكية لإرتريا:
فقد كانت علاقاتُ البلدين متميزةً ووصلت في بعض مراحلها المتقدمة إلى تقديم الولايات المتحدة إلى إرتريا كافة أنواع المساعدات والدعم وشهدت زيارات مسؤولين عسكريين أمريكيين إلى أسمرا ومصوع، إلا أنه ومع سوء العلاقات بين الطرفين وتدهورها النسبي في مراحل لاحقة توقف ذلك الدعم وذلك التعاون. ولما يقارب من العقدين لا يوجد أي تعاون عسكري بين الطرفين.
ب) العلاقات الإقتصادية الثنائية:
بالمقابل ومع تدهور العلاقات التدريجي الذي سبق ذكرُه لم يعد هناك سوى تعاون إقتصادي ثنائي ضعيف بين الدولتين باستثناء كون إرتريا عضواً في منظمة الكوميسا أو السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا
Common Market for Eastern and Southern Africa والتي لها إطارُ إتفاقيةِ تجارة واستثمار مع الولايات المتحدة.
وبطبيعةِ الحال، منذ عشية الاستقلال وحتى بُعَيْدَ مرحلة حرب الحدود بين إرتريا وإثيوبيا وتوقيع اتفاقية الجزائر للسلام، ارتبطت البلاد بعلاقات متطورة مع دول أوروبية واليابان والصين على نحو شهدت تقديم أنواع من الدعم في مجالات متعددة أهمها مجال بناء الأطر والملاكات البشرية للدولة الوليدة. فلغاية تطوير وتنمية الكادر البشري فتحت المؤسسات التعليمية لكثير من تلك الدول أبوابها لتأهيل المبتعثين من إرتريا ضمن دورات قصيرة أو متوسطة الآماد.
ففضلاً عن أنواع الدعم المختلف الذي حظيت به إرتريا منها، فاليابان مثلاً من جانبها كانت مهتمة بتطوير علاقاتها مع إرتريا وقدمت مساهماتٍ كبيرةً وعلى أشكال مختلفة، منها مشاركةُ إرتريا في البرنامج التأهيلي السنوي والمسمى "دعوةُ الحكومة اليابانية للمسؤولين الأفارقة الشباب" والهادف إلى تنمية قدرات الأجيال الشابة القيادية والإدارية، ووفق ذلك البرنامج يُبتعثُ سنوياً شابٌ إفريقي واحد من كل دولة إفريقية سواء من الأنغلوفون أو الفرانكفون ويظل المشارك في اليابان لفترة من الوقت، تتاحُ له خلالها فرصةُ التعرفِ على التجربة اليابانية الشعبية منها والرسمية ويطوفُ خلال فترة الإقامة مدناً وقرى في الريف الياباني يلتقي فيها المواطنين والرسميين هناك لتبادل الخبرات والاستفادة من تجارب البلد في نواحٍ مختلفة، على نحو يصح معه تسميةُ برنامج الزيارة تلك بـ (Tour Study) أي رحلة تعليمية. وكان الحال مشابها لعلاقات الصين بإرتريا التي قدمت هي الأخرى دعماً كبيراً في مجالات عدة.
من جانب آخر وفضلاً عن ما تقدم، فقد كانت هناك مشاركات من دول اسكندنافية ساهمت في مجالات تأهيلية عدة منها على سبيل المثال لا الحصر مشروع تنمية القوى البشرية الذي كان قد باشر تنفيذه "صندوق التنمية النرويجي" Norwegian Development Fund
6. هيكلة وزارة الشؤون الخارجية الإرترية:
لقد بدأ هيكل الوزارة عشية الاستقلال معتمداً على التقسيم الإقليمي على النحو التالي:-
6.1 دائرة أمريكا
6.2 دائرة أوروبا
6.3 دائرة آسيا
6.4 دائرة إفريقيا
6.5 دائرة الشرق الأوسط
6.7 دائرة المراسم
6.8 دائرة الشؤون القنصلية
إلى اللقاء... في الجزء القادم