تعقيب على ميثاق مجتمع المنخفضات
بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث
من حق اى فرد او جماعة ان تطرح مشروعا او فكرة او رؤية ومن حق اى فرد او مجموعة ايضا ان يجتهد
ولكن اجتهاد المجتهد لا يلزم غيره كما علينا الا نشكك او نخون كل من يطرح افكارا او اراء وان نحسن الظن باخواننا اصحاب المبادرة ولكن باعتبار ان القضايا التى نحن بصدد معالجتها ذات ابعاد سياسية وحقوقية وتاريخية وثقافية ينبغى ان نتعامل معها بحرص شديد ما قادنا لهذا التعقيب على البيان الذى صدر باسم "مجتمع المنخفضات" تحت عنوان "ميثاق العمل والمبادئ المشتركة" هنا اول ملحوظة على العنوان وتتمثل فى ان مصطلح "ميثاق" يعنى "العقد" او "العهد" او "الاتفاقية" وهذا يعنى بالضرورة ان يتضمن أو يحتوي الميثاق على مواد وبنود وشروطا تلزم لاكثر من طرف.
ولا ندرى من هى الاطراف التى سوف تلتزم بالميثاق ويقودنا هذا الى امر اخر هو من هم اهل المنخفضات او مجتمع المنخفضات ؟ لان البيان لم يوضح اهل المنخفضات وقطعا سيثير هذا كثيرا من اللغط يدخلنا فى متاهات وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا لا نسمى الاشياء باسمائها ؟ استنادا الى الحق التاريخى وما هو متجذر فى ارض الواقع.
لقد تكررت فى "البيان" كلمة "المهمشين" ويقفز للذهن هنا سؤال وجيه.. من هم المهمشين ؟ لماذا لم يذكر البيان بأن المسلمين هم من وقع عليهم الظلم بدلا من الدوران حول الاشياء والتعمية ؟
لقد اخذت هذه المسالة حيزا كبيرا من نقاشات ملتقى الحوار الوطنى الذى عقد فى اواخر 2010 فى اديس ابابا وتم تناولها بكل شفافية ووضوح واجمع الكل على ان من وقع عليهم الظلم فى كل مناحى الحياة هم "المسلمون" ومن العدل والانصاف ان تعاد لهم حقوقهم المشروعة والمتمثلة فى اعادة اراضيهم وممتلكاتهم المصادرة وتمتعهم بحقوقهم الثقافية واللغوية والمشاركة دون اى اقصاء فى السلطة واقر بذلك عدد كبير من المسيحيين المشاركين فى الملتقى.
لكن مع الاسف فرغت مفوضية الدستور التى انبثقت من الملتقى تلك المخرجات "قرارات الملتقى" من مضامينها ولم تبلورها بالشكل المطلوب فى مسودة الدستور وحينما نتامل فى تفاصيل ميثاق "مجتمع المنخفضات" يطالعنا اسهاب البيان فى ذكر المظالم "التى تعرضت لها المنخفضات" لكن دون ان يطرح حلولا اومخارج اورؤية فى كيفية معالجة المشكلة او التعامل معها وفق رؤية واضحة وقراءتنا للاوضاع تقول: انه ما لم نحدد ونتفق فى مرحلة التاسيس فى كيفية معالجة هذه القضية فسوف يقودنا ذلك الى اختلاف حتى بين اصحاب الفكرة الواحدة - اى المؤسسين - لقد غلب وطغى على طرح "ميثاق اهل المخفضات" الجانب الانشائى ولم يتضمن الحلول العملية وبالتالى اصبح بيانا يعبر عن المشاعر والعواطف. ولا اعتقد ان المشاعر مهما كانت غالبة وجياشة لا يمكن ان تصنع توافقا مجتمعيا او سياسيا يبنى من خلاله نظام جديد يؤمن بحقوق الاخر دون تذوبيه او قهره.
وما نؤكده هنا للاخوة انه يجب علينا ان لانخجل من قول الحقيقة بان الشعب الارترى يتكون من طائفتين وان لكل طائفة خصوصيتها وهويتها وثقافتها ولغتها كما يجب القول اننا دائرتين جغرافيتين وان كل ما حدث بفعل ظروف الحرب من تغيير ديمغرافى ورسم خارطة بشرية جديدة فى مناطق المسلمين بهدف تغيير هويتهم الاجتماعية والثقافية وعلينا الا نعترف بهذا الواقع الجديد.
ان "المجتمع الغربى المسيحى المتحضر" والذى لا ترقى قضاياه اوخلافاته لمستوى مشاكلنا وقضايانا هذا المجتمع تعامل مع الخلافات المذهبية والثقافية بكل شفافية ووضوح ووفر لها العلاج الناجع ولم يدسوا رؤوسهم فى الرمال فعلى سبيل المثال تبرز مسالة "ايرلندا الشمالية " وكيبك فى كندا واقليم برشلونة فى اسبانيا لقد تعاملوا مع هذه القضايا بواقعية عندما طرحوا لها حلولا ولم يتعالوا على واقعهم
وفى عالمنا العربى فعلى الرغم من ان مجتمعاته مسلمة الا ان هناك خلافات مذهبية وعرقية ومناطقية وتناقش هذه الخلافات والتباينات بكل صراحة وشفافية والمسالة فى ارتريا عميقة جدا باعتبار ان الخلاف ليس فى جوانب ثانوية انما مسالة دينية وثقافية ولغوية وحقوقية وصراع من اجل البقاء ومن اجل الوجود بعد ان فرض على المسلمين الاندثار والاضمحلال كما ان هناك تجارب مريرة عشناها وينبغى عدم تجاهلها.
واقول "لاخواننا اصحاب المبادرة" ان بيانكم هذا يذكرنى ببيان صدر عند تأسيس جبهة التضامن الارترى "الاسلامى" وعلى الرغم من ان البيان كان ضعيفا وهزيلا حيث لم ترد فيه كلمة المسلمين الا مرة واحدة واستخدمت كلمة المهمشين بدلا من كلمة المسلمين - حينها استنفر احد قيادات حزب العمل القدامى واصدر بيانا بعنوان لصالح من هذا الفرز ؟؟
وأضاف قائلا: ان المسيحيين اصلاء وليسوا دخلاء فى ارتريا ودورهم النضالى كان معروفا على الرغم من ان بيان "جبهة التضامن" لم يشير من قريب او بعيد الى المسيحيين. وسريعا اتاه رد من احد مصدرى البيان وكان بعنوان "لصالح الشعب الارترى" بمعنى من اجل المساواة بين الارتريين.
ونقول لاخواننا اصحاب المبادرة لماذ ا تتحاشون ذكر كلمة "المسلمين" و"المسيحيين" ؟ لان الواقع هكذا هناك مسلمين ومسيحيين والفرز قائم فى جوانب كثيرة. اننا لا تقبل ان نتجاهل واقعنا الاجتماعى بحجة الابتعاد عن الطائفية. ان القول بان هذا مسلم والاخر مسيحى ليس عيبا ولكن العيب بل الجريمة عندما يدعى الانسان بانه يكره الطائفية و يمارسها بابشع صورها.
نحن نحمل تصورا ورؤية كمنهج لحل هذه المعضلة بحيث تنال كل طائفة حقوقها كاملة فى اطار نظام فيدرالى ومن نافلة القول بان المسلمين لقد تعرضوا خلال العشرين سنة الاخيرة الى تغيير ديمغرافى ضرب جذورهم وانتزعهم من مناطقهم بحيث اصبحوا فى مناطقهم اقلية وهذا ما ذكرتموه فى بيانكم والسؤال: كيف سيتم التعامل مع هذه المشكلة وما هو الحل ؟
لقد سبق وان طرحت مبادرات وافكار ومشاريع سياسية فى فترة مبكرة من عمر مسيرتنا النضالية كانت اكثر شفافية وعمقا وتطورا ووجدت قبولا لدى اطياف كثيرة من الارتريين وتبنتها بعض التنظيمات وباعتبار ان اسباب وجودنا فى المهاجر قضية سياسية وليس كوارث طبيعية علينا ان نطرح الحلول الناجعة لقضايانا.
والله الموفق