نهاية أفورقي هل ستكون على شاكلة رفيقه موغابي؟
بقلم الأستاذ:أحمد شريف - خبير إعلامي وشاعر (ملبورن استراليا)
القارة السمراء، كعادتها تعيش أزمة صراع بين الشرعية العقلانية (الانتخابات)، والشرعية التقليدية
(حكم العسكر)، والأخيرة تتفوق على الأولى أبدا.
زمبابوي (روديسيا) أنموذجا لهكذا نوع من الصراع الدائم. فالشرعية الثورية عندها وضعت قاعدة صلبة ليُحْكِم زعيمُ حزب (زانو) (روبرت موغابي) الرئيس السابق، على زمام الأمور كلها عسكرية كانت أو مدنية، طوال أكثر من 37 عاما - ولا يزال حتى إشعار آخر واضح، وبطريقة أو أخرى هو صاحب النفاذ بتقديري حتى الآن.
ورغم أن (روبرت) جاء إلى حكم بلاده بشرعية النضال فقط، إلا أنه لم يلبث أن إنقلب على الحزب الشريك (الإئتلافي)، بقيادة المناضل (جوشوا نكومو) زعيم حزب (زابو)، وعمليا تلاشى الأخير وأنصاره المناضلون خلال الفترة المذكورة، بفعل آلة القمع، وانفرد موغابي بالسلطة ممارسا كل أشكال البلطجة السياسية. ولأن دوام الحال مستحيلا حتى لو كان القدر عسكريا، تشهد (زمبابوي) هذه الأيام متغيرات كانت متوقعة لدى المتابعين، وغريبة للذين يتعاطون الأخبار دون تحليل، بالتالي ليس غريبا أن يكون من يقبض بزمام تحركاتها أيضا هم (العسكر)، إلى أجل غير مسمى !!
من حيث المؤسسية والشفافية ودولة القانون، إفريقيا أختار لها ثوارها - الحاكمون دوما - أن تكون الدولة الهشة، بالتالي فإن المراحل الإنتقالية المفصلية أيضا يتقدمها العسكر مع الأسف الشديد، ما يعني استمراء تراجع المدنيين، سواء كانوا ممثلين في أحزاب أو مجموعة تكنوقراط أو مؤسسات مجتمع مدني. المؤسسة العسكرية هي الخيار الأصعب، خاصة إذا ما تحركت دباباتها ومدرعاتها؛ لإحتلال المواقع الهامة، مثلما حدث بالأمس القريب في عدد من عواصم القارة، وآخرها ما تناقلته الأخبار من العاصمة (هراري).
العقيدة الراسخة ثابتة في قاموس العسكر، تتمثل في الاستيلاء والاستحواز بالسلطة سواء بتنحية هذا الجنرال؛ وتنصيب مارشال آخر. يحدث ذلك عندما تستشعر المؤسسة العسكرية الموالية للسلطة أو الداعمة له من قبل، أنها مهددة من وريث زاحف من خارج مؤسستها، وهو ما حدث بالفعل للمؤسسة العسكرية المصرية العريقة، سواء رفضا لـ (جمال مبارك)، أو لـسيدة مصر الأولى آنذاك (سوزان)، هنا تدخلت المؤسسة العسكرية بثقلها، فوقفت إلى جانب مطالب الأمة المصرية (ثورة الشعب 2011)، فوقع ما كان.
تكرر ذات المشهد في (زمبابوي) اليوم، عندما أدمن (موغابي) كرسي الحكم عاضا عليه بنواجز أكلتْ وشربتْ أكثر من 93 عاما، تعدى كل شيء حتى ألفاظه كانت مثالا لعسكري لا يعرف للرئاسة قدسيته وأعرافها. أخيرا المؤسسة العسكرية هناك ثارت ثورتها، عندما لوَّح (موغابي) بورقة زوجته (غريس) خلفا له، وفي ظن (الرئيس السابق) - القابع الآن قيد الإقامة الجبرية - أن شعب (روديسيا) المناضل، لا يستطيع ممارسة سلطة الحكم في غياب أسرة (موغابي)، مباشرة أو أي أحد من البيت الحاكم.!!!
ومثلما يدمن (السكارى) قاروراتهم أو أباريقهم، والعرابيد مجونهم وجنونهم، فإن سكارى وعرابيد الحكم أيضا، يمارسون ذات النهم، ما يعني أن (زار الحكم) أو زار السياسة (على رأي ود الشريف)، تصبحان نهجا متأصلا لدى حكام إفريقيا، وما إقدام (موغابي) على إعفاء نائبه من منصبه، بغريب، ليفر النائب المعزول بجلدته، بعيدا عن سطوة الرجل (التسعيني،) الذي لا يعرف الرحمة، إلا تأكيد على تلك مسألة الإدمان حتى زيارة القبور.
ولأن المؤسسات العسكرية في دول العالم الثالث في غالبها، هي صنيعة من كان في يده يوما، كل قوى الصولة والسطوة، فهي الأخرى، أي المؤسسة العسكرية، تدمن طاعة أربابها حتى وهم قيد الإقامة الجبرية، بالتالي فهي تعمل على وضع خروج آمن لسيدها أو مليكها، كما حدث في (أم الدنيا)، رغم المضمار السياسي الحقيقي، الذي تنافست فيه قوى مدنية حديثة، وصلت إلى صناديق انتخابات حرة نزيهة بعد غيبة طويلة، تمخضت عنها، أن يرى العالمُ كلُّه (أمَّ الدنيا)، محكومة قرابة عام، في سابقة تاريخية، بسلطة قادمة من خارج المؤسسة العسكرية؛ أمام هذا المشهد الووليد، ما كان لمصر إلا أن لتعود من جديد إلى مربعها الأول، أيضا تحت ضغط مطالب جماهيرية فاقت إحصائياتها الـ 30 مليون ثائر، نادوا بخروج العسكر من ثكناته، لتولي قيادة مصر من جديد أيا كان الثمن.
في (زمبابوي) أيضا، السيناريو اليوم، أشبه بالخروج الآمن، للمناضل الثائر (روبرت موغابي)، قرابة ثلثي عمره لا يعرف وظيفة أخرى غير الرئاسة. ورغم ذلك فإن المجموعة التي استولت على مقاليد الحكم، أعلنت أنها فقط ترغب في محاربة الفاسدين الهائمين حول الرئاسة" إلى غير ذلك من التطمينات سواء الخاصة بشخصية الرئيس أو عائلته. يأتي هذا المخاض العسير، ليمثل أنموذجا صارخا لغياب الشرعية والديمقراطية وتكميم الأفواه، والتهجير القسري، والقضاء على كل ما يمثل معارضة حقيقية في (زمبابوي).
إن ثلث سكان هذه الدولة الغنية بموارد الماس والمناجم، هم خارج حدودها، قرابة الـ 4 مليون يعيشون لاجئيين في دول الجوار. حتى كادت (زمبابوي) أن تسقط كدولة، بعد أن سقطت حكومة. وفي سقوط الأولى كارثة كبرى في أي مكان في العالم. فالرجل ما زال آمنا في ماله ونفسه وعياله، رغم إقامته الجبرية، ولان يلقى مثل ذلك من الحكام الذين هم على شاكلة (روبرت) إلاَّ قليلون !!
أخيرا، هل سيكون خروج (إسياس أفورقي) من بيت الحكم أو سجنه بالأصح، سواء تحت تأثيرات ضغط الشارع الإرتري (الداخلي خاصة) ومواجهتها بالتصدي العنيف المفرط (القادم) - لا قدر الله - أو تماشيا على الأقل مع سنن الله في حكام الأرض عادلين كانوا أو ظلمة مثل (فورقي)، هل سيخرج (عربيدنا) هذا بسيناريو مماثل لذلك ؟
نظرا لتقارب طباع النظامين في (أسمرا)، و (هراري)، النظامان قادمان من عباءة الثورة لا غير، يحكمان بشرعيتها لسنوات متقاربة (26 - 37) على الترتيب، أفقرا البلدين رغم غناهما ومواردهما، تمكنا ونجحا في القضاء على معارضيهما أو الأحزاب المناوئة لهما (فعليا)، ارتكبا ما يشبه الإبادة الجماعية في شعوبهما، هجَّرا مواطنيهما إلى دول الجوار، ...الخ. شخصيا أتوقع ذات السيناريو أي الخروج الآمن للـ (المستعْمِر الوطني) في إرتريا (إسياس أفورقي)؛ للأسباب التالية...، إلا إذا حدث ما يلي من توقعات.