ماذا بعد؟؟؟
بقلم المناضل الأستاذ: أحمد صالح القيسي - قيادي سابق بجبهة الشعبية لتحرير إرتريا
موضوع مدرسة الضياء... حدث... كبير... بكل المعايير لمن يعرف ارترياء وحقيقة الاوضاع فيها وطبيعة نظام الحكم والعقلية التي
يدير بها البلاد والعباد.
موضوع مدرسة الضياء... حدث... مزلزل... للوعي الارتري.. الذي ارتضى لزمن طويل ليبقى رهين شرنقة الخلافات الدنكشوتية، جبهة... وشعبية.
موضوع مدرسة الضياء... حدث... جبار... امام كل من شكك بهذا الشعب وقدراته، و صنع معجزة محدودة، ولكن صداها وارتدادتها والبذرة التى زرعتها ستبلور ملامح مستقبل واعد بلا شك.
موضوع مدرسة الضياء... حدث... عظيم... حمل عنوانين فقط... لا كبيرة... و... كفى... وكلتا... الكلمتان لها مدلولاتها العميقة، لانها تسكن قلب.. ووجدان كل ارتري وطني مهموم بوطنه.
موضوع مدرسة الضياء... حدث... مضئ... في عتمة الظلام الدامس الذي فرضه النظام بان كل شئ بخير ومكتمل.. وظلام جانبي فرضته القوى السياسية المعارضة بعجزها وفقدان بوصلتها.
دعونا نضع الامور في نصابها الصحيح.. ماحدث لا يعدوا ان يكون حدثا مطلبيا .. ومعارضة شديدة لاجرااءت قامت بها الدولة، وكان يمكن معالجة الامر بين الجهات الرسمية الممثلة للدولة، واصحاب الشان ممن يرعون المدرسة ويتولون ادارة شؤونها.. هذا ان كان هناك دولة قانون ونظام... ولكن جاءت رد فعل الادارة.. وشيخها الفاضل في ظل اجواء مشحونه، نتيجة تعسف السلطة على كل اطياف المجتمع.
• المسلمون يشعرون بالغبن والتعسف وضياع الحقوق... وذلك يعود لزمن طويل.. وتراكم عبر السنين.. حتى بلغ مستوى يصعب السيطرة عليه على المدى البعيد ان استمر الحال على هذا المنوال.
• المسيحيون... بمذاهبهم المختلفة... يعانون من بطش السلطة.. وعلى راسهم مجموعة.. الجوهوفا.. وهو مذهب مستحدث يرفض العنف وحمل السلاح.. ويعتبر صورة تحديثية للمسيحية بنمطها الانساني كرد فعل لما ولدته الرسمالية بجشعها الرهيب.
الكاثوليك وكنيستها... وصدامها المزمن مع السلطة.. والمعروف عنها الاستقلالية المطلقة.. ونفوذ الجهة التى تقف الى جانبها.. الفاتيكان.
والمكانة التى يحتلها كمرجعية عالمية.. ثم والاهم الولا المطلق للذين يعتنقون هذا المذهب للكنيسة وللرهبانية التى تمثلها. ثم الامكانات التى تتمتع بها في حل مشاكل رعاياها.. بل تعدى الامر في ارترياء ان شملت هذه الرعاية جميع افراد المجتمع ولا سيما في توفير الادوية... المنعدمة اصلا في الاسواق المحلية، وقد كانت هذه اللفتة الانسانية من قبل الكاتدرالية الكاثولكية مصدر هم وهاجس
للنظام الارتري تارة بالمنع وتارة عبر بث حملات دعائية ضدها، الارتدوكسية.
هاجس دائم للنظام مهما حاول التقرب والمدارة، ويعود السبب للقاعدة الاجتماعية العريضة التى تتمتع بها، واختلاط مطالب الرعية بشؤون الحياة والمعشية وتصرفات الدولة القمعية... اذ ان اغلب من ينتمون لهذه الكنيسة هم من الطبقات المتوسطة والمسحوقة.. مما يستدعى بالضرورة بتدخل الكنيسة في معالجة هذه المسائل وهنا تبلور شكل الصراع بين المرجعية الدينية بما تطالب به استجابة لرعاياها، وبين الدولة التى تريد تحييد المرجعية الدينية من التدخل في سياسات الدولة، ولما بلغ الصراع والخلاف مستوى معين لجاءت الدولة تمشيا مع طبيعة النهج والتفكير الى فرض الاقامة الجبرية على البابا المنتخب من المجمع الكنسي وفرضت شخصية اخرى تستجيب لسياستها، في سابقة خطيرة لم تحدث مطلقا في تاريخ الكنيسة الشرقية.
هذه قصة الاديان والمذاهب... وسلطة مستبدة في ارترياء. وبغض النظر عن اختلاف الاسباب وتنوعها,الا ان الصورة واضحة... مجتمع بتنوعه الديني والعرقي يقف في كفة. وسلطة مستبدة وعمياء وجاهلة تقف في الجانب الاخر والمضاد تماما... والحجة اننا... دولة علمانية... حسب التبريرات التى تسوغها اجهزة النظام ومنظريه، واخرهم السيد/ الامين محمد سعيد في جدة.
مشكلة الجبهة الشعبية تاريخيا يكمن في هذا الصنف من البشر حتى في اوج عظمتها هولاء الاصناف هم من اساؤ الى تلك العظمة الذي حملها هذا التنظيم... واصبح اسير جهل هولا البشر كيف تسمح لنفسك ان تعلن علمانية الدولة... وليس هناك من مرجعية تشير الى طبيعة الحكم في ارترياء حتى من سطر واحد.. لا دستور يعرف... لا لائحة نظام تعرف... لا قانون يستمد من مرجعية كي يتحفنا بعلمانية الدولة.
لا شئ على الاطلاق، سوى نحن علمانيون.. ويبدوا انهم لا يفقهون من العلمانية، سوى فصل الدين عن الدولة... وفي هذه المسالة الكثير من الماخذ والنقاش . وهذا موضوعه واسع يمكن مناقشته في مناسبة اخرى.
اذا الكل يعاني... ولكن ما ميز... مدرسة الضياء، انها نزلت الشارع وتحدت جبروت النظام، وهنا تكمن العظمة، وليس المشككين الذين حاولوا اختزالها بانها قضية مدرسة اسلامية وموضوع مناهجها ومسالة الحجاب الاسلامي لفتياتها قد تكون الاسباب المباشرة.
ولكن رد الفعل تجاوز المسالة تماما لمن يعرفون حقائق الامور.. بان المسالة مسالة حقوق ضائعة وتشمل الكل بمعنى حقوق تم دهسها تحت اقدام سلطة غاشمة مستبدة جاهلة... ودائما ما يعلمنا التاريخ ان مسالة الحقوق ليس لديها من حدود تقف عندها، حق العيش بكرامة... حق المعتقد... حق التعليم... حق المساواة... حق اختيار من يحكم... حق المشاركة في صناعة القرار... حق العيش في دولة يحكمها القانون... وغيرها من الحقوق.. القائمة لا تنتهي.
وهذا شعب يستحق لما قدمه من تضحيات... وليس مبررات السلطة المضحكة... والمبكية في ان واحد.. نحن الذين صنعنا لكم النصر... هذه علمانيتنا... والجنة الموعودة لااسياس وزبانيته عبر اعلامه في تسويق المستقبل المشرق الذي ينتظر الاجيال القادمة.
هذا اذا كان من امل لجيل قادم ترعرع في هذه البئية الارترية... وشرب مائها... ونهل من تاريخ شعبها الحقيقي. وليس الجيل الصاعد في المهجر ممن يسمون... بشباب الحزب... وتعاليم يماني قبراب عن الوطنية الارترية الجديدة.. معظم هذا الجيل لا يتقن حتى لغته الام... الذي يتغنى بها النظام ليل نهار على بؤساء الداخل.
هذه هي الحقيقة المؤلمة لارترياء وشعبها... ولكن ما يبعث على الامل.. هي تلك الجماهير في المهجر... التى هبت لنجدة شعب الداخل... متجاوزة حملة التشويه... لتوكد الحقيقة التى ستبقى ازالية بان هناك شعب واحد ووطن واحد.
والسؤال المركزي: كيف نحافظ على هذا الزخم والاندفاع متوقدا، بعد ان فتح النظام بوبات سجونه ومعتقلاته... لالاف الابرياء والحبل على الجرار استفيقوا... استفيقوا... اننا على ابواب مرحلة... واكثرها انعطافا... في ان نكون او لا نكون.