هل بَدأْ: بالفِعْل إقترّاب نهاية الحكم الديكتاتوري في إرتريا؟
بقلم الأستاذ: إبراهيم إدريس - كاتب إرتيري وناشط حقوقي (لوزان، سويسرا)
ما يدور في إرتريا هذه الأيام، من نزيِّف للقادة العسكريين والدبلوماسيين ولعيبة كرة القدم والدرآجيين والهروب الكبير للشباب فراراً من
خدمة الإذلال العسكرية المفتوحة، كلها مؤشرات لها ما بعدها تؤدي إلى تَطوُّر سياسي في التغيير، ربما من العسيِّر معرفته في هذه المرحلة، للتعتيم الإعلامي والتكتم الشديد حوله، كعادة النظام الحاكم في أسمرا في معالجته لمثل هذه الظواهر والإحداث بعيداً عن أعين الإعلام والصحافة العالمية المغيبة والمعدومة، وذلك للعزلة المضروُبة حول إرتريا بواسطة هذه العصابة المستبدة التي إختطفت الدولة في غفلة من الشعب الإرتري، فهي لا تقْوَّى علي العيش في ضوء النهار الساطع، فهي كخفافيش الظلام الدآجي (المنكع)، وتعلم بأنها زُمرةً ظالمة ومغتصبه لحقوق الشَعْب، فهي تخفي علي الدوام حياكة مؤامرآتها وسوءآتها في الظلام الدامس، لأنها تستمد استمرارها في السلطة من إرآقة دماء الأبرياء الطاهرة، بالقتل والسحل والقهر والسجن.
ويُلاحظ في الفترة الأخيرة أن هذا النظام الفاشستي قد أصبح عِبْئاً ثقيلاً علي المنطقة برُمتها لإصراره علي زعزعت الأمن و الاستقرار فيها، بدعم المليشيات الأرهابية المسلحة وإشعالها بالنار وجر المنطقة بكاملها للإحتراب والفوضي، حيث أن هذا النظام الدمَوِّي قد فقد مبررات وجوده وطال أذآهُ وشرورهُ كافة فئات الشعب الارتري، وقد طفح كيَّل فساده وطُغيَّانه وغطْرسته وإستعلائه علي كافة قطاعات الشَعْب، وقد إستبدت به شهوة السلطة وبريِّقها، فهو نظام لا يستطيع العيش بين الأمم في ظروف طبيعية تصالحيِّة، ويُعاني من عقدة (الرهاب وفوبيا التآمر) ويحسب كل صيحة عليه، لأن هذا النظام الديكتاتوري بحسب الأصل وُلد ونشأ في ظروف غير طبيعيّة وبصورة إنتهازيِّة وميكافيليّة شريرة، تربى وترعرع علي دماء وأشلاء رفقاء السلاح والنضال المقدس، وظل نهجه ثابت في الغدر والخيانة والتآمر، وسجله الحقوقي حافل بجرائم القتل خارج القانون بدمٍ بارد وبالتصفيات الجسدية المباشرة وبالإختطاف والإختفاء القسري وبالإعتقالات والسجن والتعذيب في ظل صمت وتواطؤ المجتمع الدولي بكافة مؤسساته ومنظماته الأممية التي تتمشدق بشعارات حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات العامة، وفي أحسن الأحوال لا يتعدّي دورها الإدانات الخجولة وإبداء القلق.
إن دولة أرتريا تحكم الآن بالخوف والرعب بواسطة قبضة الأجهزة الأمنية بمختلف مستوياتها ومسميّاتها وجهاز استخباراتها العسكرية، بقيادة الدكتاتور اسياس أفوريقي آخر الطُغاة الأفارقة من القرن الماضي رفقة روبرت موغابي دكتاتور زيمبابوي، وميلاد حكم أسياس أفوريقي جَاء بسياسة الأمر الواقع آنذاك، ولعله من محاسن الصدف أن يتصدر هذا الديكتاتور المشهد السياسي بتركيِّز كافة السلطات والصلاحيات في يديِّه، وإختزال كافة مؤسسات الدولة الإسميِّة والهَشة في شخصه، أي حكومة الرجل الواحد (One man show) حتى تتكشف وتتعري حقيقية هذا النظام أمام الشعب الارتري والعالم أجمع، وإعتبار هذه المرحلة الظلاميّة من تكويِّن الدولة ونشأتها في ظل هذا الحكم المستبد كمقدمة لتمحيِّص مكوِّنات الشعب الإرتري كافة بالإختبارات الصعبة والتجارب القاسية حتى يخرج منها أكثر قوةً ومِنْعةَ ووعيّاً بتلك الشعارات الكذُّوبة التي ظل يستهلكها النظام علي مدى سنوات حكمه العجاف، و يتوآرى خلف تلك الشعارات الوطنية بزخم الأستقلال وبالتخويِّف من التدخلات الخارجية وبالتحذيِّر من الإستهداف الإثيوبي للبلاد، وإتهام المعارضة الارترية بالإرتزاق والخيانة الوطنية العظمى والعمالة لإثيوبيا.
لقد بدأت نُزر تَصدّعُ وتآكل النظام المُهترئْ من داخله علي ضوء الأحداث الأخيرة المتمثلة في خروج جزء من المعارضة الأثيوبية (الدمحيت) من أريتريا بكامل عتادها العسكري ودخولها إلي أثيوبيا وشكل ذلك ضربة للنظام وظهرت عورآته وثغرآته الأمنية وقد هزته وأربكته، و تتالت إنتكاسات النظام مؤخراً بهروب سبعة من كبار قادته العسكريين من ذوي الرتب العسكرية العليا والوسيطة، وغيرهم من الضباط والجنود إلي السودان، وآخر الضربات الموجعة والمحرجة للنظام عالمياً تخلف عشرة من اللاعبين الإرتريين الاساسيين في بتسوانا عن بعثة الفريق القومي الاريتري طلبا للجؤ إلي أي دولة، وسبعة ٱخرين من رياضي سباق الدراجات سلموا أنفسهم الي إثيوبيا مؤخراً، وقد تكرر ذلك كثيراً بصورة أزعجت النظام، الأمر الذي جعله يتحسس موطأ قدمه في السلطة وقد سارع يستنجد بالسودان بإرساله للوفود الأمنية ومحاولة تفعيل الإتفاقية الأمنية بين البلدين، ونجد إن حالة الضعف والإرتباك واضحة وجلية علي مواقف النظام السياسية في تخبطه وتردده بين المشاركة في عاصفة الحزم في حرب اليمن وبين دعمه للمليشيات الحوثية المواليه لإيران، أو ربما يغذي أوآرها، وذلك لتحقيق أقصى المكاسب الإقتصادية من المرآهنة علي تناقضات المنطقة، وهذه السياسة باتت مكشوفة ولا تنطلي علي المجتمع الدولي أو عامة الشعب، كما أن قبضة رأس النظام وسيطرته علي مقاليد السلطة في أسمرا قد بدأت تضعف وقد إستنفذ كل حيل التآمر والغدر والخيانة وصار إسلوبه في إدارة الدولة وآضح ومعروف للكافة وخاصةً لدى الدائرة الضيقة من حوله وهو لا يثق في أي شخص مهما كان مركزه وقربه وولائه وإخلاصه له، فهو لا يعرف هذه القيم الإنسانية ولا توجد أي فضيلة أخلاقية تنسب له في هذا المقام، فهو شخص مريض بداء العظمة والغطرسة وتفخيم الذات والأنا والنرجسية شأنه في ذلك شأن كل الطُغاة الدكتاتوريين، فهو نتاج المدرسة الفكرية الشيوعية في أسوأ صورها القاسية القآئمة علي نقيض الحرية والديمقراطية وسيادة حكم القانون، فهي تُقْدِس زعامة الأشخاص، وهو إمتداد لحزب (الاندنت الإثيوبي) ونهج الأمبراطور هيلي سلاسي المستبد ويُعتبر أسياس أفوريقي من تلاميذه النُجَباء، وبجماع هذا الفكر البائس مضافاً اليه عنصريته الطائفية وعقدته النفسية وطفولته المُشردة وحقده أدى الي حبه الشديد للسلطةوقد زرع ثقافة الخوف وقمع الحريات في الشعب الارتري ومحاربتة للديمقراطية حتى في وسط تنظيم حزبه الديكوري وسؤ قبضته المركزية في الإدارة وإثارته للنعرات القبلية وغمطه لحقوق القوميات الأخرى، وإعتماده علي خطاب سياسي مكرر بتركيّزهُ علي عدم التدخل في الشئون الداخلية لدولة أرتريا، ويفعل نقيِّضه، ويرمي بفشله في التنمية والإستحقاقات الوطنية علي العُنصر الخارجي بإدعائه إِستهداف البلاد بالمؤامرآت وبأن الوضع الحالي لا يسمح وينبغي علي الشخص نقد نفسه قبل أن ينقد الآخرين منتهزي الفرص، وقبل سؤال الشخص عن حقوقه المفروض أن يقوم بواجباته وغيرها من التسويِّفات والهرطقات والتُرهات التي ظل يهرف بها.
في تقديري إن من بَقْيّ من القادة العسكريين والسياسين والدبلوماسين مع النظام يدركون جيداً إقتراب نهايته، ويعلمون بأن رأس النظام ممكن أن يتخلص منهم في أي لحظة بأساليبه المعروفة، وهولاء يعيشون أزمة النظام النفسية الخانقة والضاغطة، ولذلك يتحيّنون الفُرص للقفز من مركب النظام المتهالكة كثيرة الثقوب علي جنباتها وربما تغرق في أي لحظة كما غرق أبناء وبنات الشعب الارتري في قاع البحار والمحيطات العميقة ورمال الصحارى الحارقة.
ولذلك ربما قامت مجموعة من جنرالات النظام العسكريين في قادم الأيام بالإطاحة برأس النظام عملاً بمبدأ: (أن يتغدوا به قبل أن يتعشى بهم) لتفادي لدغة رأس النظام القاتلة بالسم الزعاف، ومن ثم إستيلائهم علي السلطة ومحاولة إعادة إنتاج النظام بصورة جديدة، حيث أن كل الظروف تُنْبِّئ بحدوث هذا السيناريو الكارثي الدموي في إطار الترتيبات الدولية لدول هذه المنطقة المضطربة، وقطع الطريق أمام أي ثورة أو انتفاضة شعبية تأتي بالإسلاميين أوالقوميين العرب وسيأتي هذا التغيير خصماً علي المعارضة الإرترية الموجودة في أثيوبيا، لأن إثيوبيا غير بعيدة عن هذا الملف في التغيير إذا لم يكن بدعم وإيعاز منها، ويؤيد ذلك نشاطها الإستخباراتي الكثيِّف في داخل إريتريا لمدة ليست بالقصيرة ولديها جيش جرار من المُخبريين المحترفيين، وتكاد تَعدُ أنفاس النظام بالمتابعة والرصد للمعلومات وربما تنسق مع بعض جنرالات النظام العسكريين للإعداد لمرحلة ما بعد نظام حكم الدكتاتور أسياس أفوريقي، لأن ذلك يجنبها خطر الحرب وخسائر المواجهة المباشرة ضد النظام، ووقتها سيكون الوجود الأثيوبي في إرتريا هو الأكبر لحماية مصالحها وتثبيِّت أركان النظام الجديد ودعمه وتأييده والإعتراف به وتسويِّقه دُوليّاً وإقليّمياً، وبالإتفاق معه وإعادة العمل بإتفاقية ما قبل الأستقلال وتفعيِّلها، وتوطيِّد علاقاتها البينيّة وربما إبرام إتفاقيات أمنيةجديدة من شأنها طرد المعارضة من البلدين.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.