نظرات حول القانوني المدني الارتري الجديد لسنة ٢٠١٦ المنشور في صحيفة ارتريا بتأريخ ١٨-١١-٢٠١٦

بقلم الأستاذ:إبراهيم إدريس - كاتب إرتيري وناشط حقوقي (لوزان، سويسرا)

للتعليق علي هذا القانون سأتناول أهم ماورد فيه في نقاط مختصرة وذلك كما يلي:-

 جريدة ارتريا الحديثة

أولاً: من حيث التسمية والاصطلاح القانوني:

نجد أن الدول الأوروبية والغربية تأخذ بمصطلح تسمية القانون المدني في الأحاكم القانونية المنظمة لعقود الزواج والعلاقات الاجتماعية الشخصية وذلك لاغراض التوثيق والتسجيل والآثارالقانونية المترتبة علي عقود الزواج المدنية والدينية لتعلقها بحقوق مدنية وعينية بحتة في اجراءات الجنسيه لإستيفاء تلك الحقوق بالكامل عند اجراءات الطلاق وغيرها من الاستحقاقات والاشتراطات القانونية المضمنة مسبقاً في عقود الزواج، كما أن بعض هذه الدول تبِّيح زواج المثليين وتعترف كذلك بالعلاقات غير الشرعية التي ينتح عنها أبناء لهم كامل الحقوق المدنية، لذلك يتم التعامل مع العقود التي تنظم علاقاتهم الشخصيه بالنواحي المدنية البحتة وتميل تشريعاتهم الي الأهتمام بصيانة تلك الحقوق المترتبة علي آثار عقود الزواج المدنية والدينية. منها خاصةً فيما يتعلق بالتعويض المدني العيني.

فالسؤال الذي يطرح نفسه هل سكان ارتيريا أصحاب ديانة واحدة بالكامل علي غرار أوروبا والغرب حتى يتم تطبيق القانون عليهم جميعاً تحت مسمى القانون المدني ؟

أم أن هذا القانون سياسي بامتياز والغرض منه هو تقنين علاقات غير شرعية بغطاء قانوني وتشجيع العامة لاقامة علاقات مشبوهة خارج مؤسسة الزواج الشرعية ورفع الحرج واستباحة الرذيلة تحت مصطلح الزواج العرفي وغيرها من العقود الرضائية بشرط بلوغ الثامنة عشر وتوافر الرضا بين طرفي عقد الزواج العرفي.

ثانياً: بالإطلاع اجمالاً علي ما يسمى بالقانون المدني الارتري الجديد علي احكام الزواج والخطبة والتبني والنفقة الزوجية ونفقة البنوة وغيرها من القواعد المسماة قانونية، أقول أن هذا القانون كارثي بكل المعايير القانونية المعمول بها في المنطقة ويجافي الواقع وحقائق الجغرافيا الاجتماعية والتأريخ الثقافي لغالبية الشعب الارتري ويُراد تطبيِّقه في غير بيئته ولا يُعبر عن حاجيات الناس التشريعيِّة في أحوالهم الشخصية وهو قانون فوْقِّي لأجندات سياسية ولا علاقة له بالمعاملات المدنية.

حيث أن التوصيِّف القانوني السليم بالمعني الفني الاصطلاحي البحت لا ينطبق علي هذا المسمى قانوناً مدنياً جديداً، وذلك لأنه قد جاء ركيكاً في صياغته وترجمته وغير منضبط من الناحية القانونية والشكلية وقد تم تناوله بالجريدة المذكورة بغير ترتيب وتبويب لمواده القانونية وقد تداخلت فيه الموضوعات بصورة أخلت بالتشريِّع وسنْ القوانين ويبدو أن القائمين علي أمر صياغته غير مهنيين وغير مُؤهليِّن قانونياً.

برأي لقد قام النظام الحاكم علي مدى 25 سنة باعداد المجتمع الارتري وتهيئتة للمجموعات السكانية المختلفة اجتماعياً لتقبل قوانين كهذه بدأها بضرب مؤسسة الزواج والأسرة باصدار مراسيم جمهورية مؤقتة في السابق مستمدة من قانونه الانتقالي تعالج بعض الاشكالات وتبيِّح العلاقات خارج مؤسسة الزواج أدت الي اختلاط الانساب وظهور مواليد مجهولي الابوين باعداد مطردة واختلط الحابل بالنابل مع اسقاط مبادئ وتعاليم الدين بالكلية وهي الضابط الشرعي لعلاقات البشر الخاصة.

كان لابد من هذه المقدمة حتى نفهم السياق الذي تم فيه اصدار هذا القانون الذي يقنن وضعاً اجتماعياً قائماً عبر ممارسة النظام الحاكم بالقهر وصولجان السلطان مع غياب كامل للمؤسسات والاجهزة العدلية وغياب القانون وبرلمان الشعب الجهة الوحيدة المختصة بإجازة القوانين والاشراف ومراقبة السلطة التنفيذية.

ثالثاً: احكام عقد الزواج وانواعه حسبما جاء في صحيفة ارتريا الحديثة:

أولاً: إن عقد الزواج تعريفه وآثاره ودلالاته لا يندرج تحت مسمى القوانين المدنية التي تختص بالمعاملات المدنية التجارية والشركات والشراكات، وذلك لأن عقد الزواج تحكمه قوانين خاصة تتعلق باحكام شرعية وفقهية بشأن المسلمين وقوانين أخرى خاصة تتعلق باحكام عقود الزواج لطوائف المسيحيين حسب مذاهبهم ومللهم الدينية وهناك ايضاً قوانين عرفية غير مكتوبة ما زال يعمل بها بعض الوثنيون في ارتريا بشأن الزواج وفقاً لعاداتهم وتقاليدهم وموروثاتهم الثقافية، فلا يجوز اصدار قانون واحد كهذا القانون لتطبيقه علي كل هذه الفسيفساء والاثنيات الدينية ودون اعتبار لمقدساتهم المختلفة وهذا إن دل إنما يدل علي احتقار هذا النظام للشعب الارتري ويُخضعهم لأجنداته الخاصة وفقاً لمشروعه الطائفي والعنصري والأمر لا علاقة له بالقانون وإن هذا الخلط مقصود ومُتعمْد لاسقاط المفاهيم الدينية والأخلاقية عن المجتمع.

كما أن الشريعة الاسلامية لا تُجيِّز الزواج العرفي ويعتبر هذا الزواج في حكم الزنا المقنن وقد أضفى عليه النظام الحاكم الشرعية ورتب عليه آثار قانونية تتعلق بالنسب والنفقة وأحكام الطلاق وغيرها من الأحكام وهذا يخالف ديانة سكان ارتريا من المسلمين، فقد اشترط القانون أن يكون طرفا عقد الزواج العرفي بالغا الثامنة عشر سنة ووجود شرط الرضا فقط دون الحاجة الي بقية شروط عقد الزواج الصحيح طبقاً للشريعة الاسلامية من مهر وصداق وولي واشهار ودون اشتراط إتحاد الديانة بل توسع في ذلك واكتفي بحضور أحد طرفي العقد والشهود من كل طرف وهذا مخالف للشريعة الاسلامية التي يُديِّن بها غالبية سكان ارتريا ويعتبر هذا استسهال واستهتار بعقد الزواج المقدس الذي وصفه المولى عز وجل بالميثاق الغليظ وحذر من التعدي عليه لأنه من حدود الله المفروض صيانتها بواسطة المسلم.

ولا أفهم موقف مفتي الديار الاسلامية الارتيرية من هذا القانون الذي يمس المسلمين في مقدساتهم، وما هو موقف رجال الدين المسيحي القساوسة من هذا القانون ؟

كما أن ضعف الصياغة لهذا القانون وعدم شرعيته وقانونيته كفاني مؤونة التنقيب والتفنيد والمناقشة القانونية الموضوعية فهو قانون سياسي بامتياز ولا علاقة له بأحكام الزواج شكلاً وموضوعاً سواءاً في المتن أو الهامش ولن يجعل تطبيق هذا القانون المدني الجديد من ارتريا دولة أوروبية.

ولا أفهم ما الذي ينتظره الشعب الارتري أكثر من ذلك بعد أن تم استهدافه في مقدساته وهويته وكيانه ؟

ثانياً: اشتراط القانون المدني الجديد عقداً للخطبة.

لأول مرة أجدالنظام الحاكم قد أفرد باباً كاملاً لعقد الخطبة وأحكامها وآثارها في التشريع وهذا أمر غريب يتعارض مع أعراف الناس وتقاليدهم المجتمعية الراسخة ولا تعدو الخطبة الا أن تكون مرحلة تمهيدية تسبق عقد الزواج الشرعي وهي عبارة عن وعد بالزواج مستقبلاً ويحق فيها للطرفين العدول عنها وهي غير ملزمة قانوناً حتى يتم افراغ ارادة طرفيها في عقد مستقل أمام المحكمة لاغراض التسجيل والتوثيق، وما جرى عليه العرف الأهلي في ارتريا لا ينزع الي هذه الحالة التي يتحسب فيها تشريع النظام الحاكم بضرورة وحتمية قيام النزاع بشأن الخطبة ووضع العراقيل أمامها حتى ينفر الناس من هذه الاجراءات والجزاءات.

ان المعمول به في الدول التي تتشابه في مكوناتها الدينية مع دولة لارتريا هو أن يتضمن قانون الأحوال الشخصيه فيها بعض الاحكام التي تتعلق بفسخ الخطبة والآثار المترتبة عليها دون الاشتراط المغلظ بابرام ما يسمى بعقد الخطبة والجزاءات المترتبة علي مخالفة هذا العقد ولا توجد أي ضرورة لابرام عقداً كهذا أمام المحكمة لأنه يتعارض مع الأعراف والتقاليد السائدة خاصةً أن المجتمع الارتري مجتمع محافظ وبدوياً ورعوياً.

رابعاً: أحكام ما يسمى بعقد التبني:

نجد أن النظام الحاكم قد ركز علي ما أسماه بعقد التبني واجراءآته وجزاءآته المطوَّلة لأن ارتريا صارت أكبر منتج للأطفال مجهولي الأبوين منذ وقت مبكر حيث لا يوجد ضابط قانوني ووازع ديني يَحِدْ من هذه الظاهرة اللاخلاقية المُسْتشريِّة في المُدن ومعسكرات التجنيد الاجباري وقد أسهب هذا القانون في معالجة هذا الموضوع وتغطيته من كل الجوانب ويشمل كذلك من بلغ الخامسة عشر ويحق له توقيع عقد التبني بنفسه، والمدهش أن يحتفظ الطفل المتبنى بعلاقته مع أسرته الأصلية وفي ذات الوقت أن يحمل أسم الأب الجديد المتبني للطفل في تناقض وتضارب واضطراب في هوية الطفل وهذا أمر غير مستساغ قانونياً وأخلاقياً، والغريب في الأمر ايضاً هو الزام الأب المتبنى للطفل بعد طلاق زوجته بالانفاق علي الطفل المتبنى لان القانون يعتبره ابناً للمتبنى وله كامل حقوق البنوة في الميراث وصلة القرابة والمصاهرة ويشترط فقط موافقة الزوجة علي اجراءات التبني ابتداءاً.

مع العلم أن الشريعة الاسلامية لا تقر ولا تجيِّز التبنى أصلاً وليس هناك أي استثناءات في هذا القانون للمسلمين لأن مقصلة القانون تَطآل الجميع من مسلمين ومسيحيين ووثنيين دون اعتبار لدياناتهم ومقدساتهم يعني حكم قرآقوش.

ختاماً:

إن المراقب للمشهد السياسي العبثي في دولة أرتريا لا يستغرب صدور قوانين كهذه حتى يتمكن أذناب هذا النظام وشخوصه التحرر من عقدة الطعن التأريخية في انسابهم واضفاء الناحية الأخلاقية والشرعية عليها.

وأمر أخر جدير بالملاحظة إن هذه العصابة التي تُسيِّطر علي ارتريا تتعمد ابقاء الدولة علي تخلفها وفوضى علاقات شعبها بنشر الرذيلة بينهم ومحاربة الفضيلة حتى تنتج أجيال ممسوخة بلا أنساب محددة أو ديانة معينة أو هوية ثقافية وأن يكون فقط ولائها لعصابة النظام الحاكم وهذا أمر قديم ومعروف منذ نشأت تنظيمها السياسي.

والسؤال المنطقي المطروح لماذا يتعمد النظام ابقاء ارتريا قيد التخلف وضد التطور والتنمية ؟

لأنه ببساطة إن هذه العصابة لا تملك أي مشروع نهضوي وتنموي وتتمتع بضيق أفق سياسي واجتماعي تحسد عليه كما أن تطور الدولة الطبيعي بإتاحة الفرصة لكافة ابناء الوطن يسحب البساط من تحت أقدامهم لذلك يخشون المنافسة ويديرون الدولة بعقلية الجبهة الشعبية في السابق وابقاء الدولة علي مقاسهم ومحدودية عقولهم المتعفنة بداء العهر والعنصرية والطائفية البغيضة ومحاولة تدنيس كل الشرفاء الأحرار من الشعب الارتري بمُوبقاتهم وإن الغرض من اصدار هذا القانون المتعلق بأحكام الزواج هو لإشاعة الفاحشة والزنا وتقنين زواج بنات المسلمين من الملل الدينية الأخرى (بشرط الرضا فقط) والعمل علي تنصيِّرهم بصورة عملية والقضاء علي أي ديانة أخرى وطمس تراثهم الثقافي ولكي ترفدهم بأكبر عدد من المواليد لخصوبتهن العالية وطهارتهن علي العكس من المومسات اللائي تذخر أرحامهن بمياه كثيرة تعوق الانجاب.

كان لابد من الأشارة لهذه الملاحظات حول مايسمى بالقانون المدني الارتري الجديد لفهم طبيعة القانون والأسباب الحقيقية لإصداره والهدف منه لأغراض التوعية وكشف ممارسات النظام الحاكم وضربه لمؤسسة الزواج الشرعية والقضاء عليها تحت مسمى القانون وشرعنة الرذيلة وإباحة الفواحش والفجور.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click