قيادة المعارضة الإرترية وجدّية المرحلة
بقلم الأستاذ: صالح كرار | سماديت كوم
بسم الله الرحمن الرحيم
تتغير الأمزمان وتتموج ولا يدوم على حال لها شأن؛ فيُحدثُ الله التغيرات الكمية والنوعية والجوهرية
في المجتمعات والأحوال البشرية؛ ومن لطف الله وحلمه أنها تسري سريان الماء وتتنقل من حال الى آخر تنقّل النسيم العابر مما يستوجب اليقظة والإنتباه للتأقلم مع المناخات المتقلبة والأنواء المتجددة وهذا طبعا على المستويين الخاص والعام للنظم السياسية الإرترية؛ وتقدير كل مرحلة بقدرها من الأحوال والتحديات أو من حيث الفرص المتاحة وإستثمارها.
أعجبتني مقولة للقائد عبد الله إدريس سمعتها في رواية لأخ أثق فيه يقول: أقام عبد الله إدريس دورة في عام 1977م قبل تحرير مدينة أغردات جمع فيها الكوادر العليا للجبهة وحضرها أيضا بعض أعضاء القيادة مثل إبراهيم توتيل والزين يس الذي شكر عبد الله على الصراحة، وكان يدرّس ثلاثة كتب عن السياسة والإدارة قال: "إن الثورة لا تفشل من قواعدها وإنما يأتي الفشل من القيادة؛ والصراعات الفكرية "الايديولوجية" وصراع الاحزاب أهم معاول الهدم للثورة الوطنية التى يجب أن تكون ميدانا مفتوحا لكل القوى الوطنية بمختلف إتجاهاتها؛ ونحن اليوم في الجبهة نعاني من هذه المعضلة ونواجه هذا التحدي المصيري".
واليوم عندما تراجع سجل المعارضة الإرترية وتموجاتها منذو التسعينيات تستوقفك محطات كثير لتعود بك الذكرى وتطابق بين تلك المراحل التى كان يستوجب علينا التطور العادي أن نتخطاها ونتجاوز الكثير مما نحن نتردد عليه الآن؛ وإذا كانت تلك مرحلة التحرير الوطني بمعناها الأشمل؛ فإن هذه أيضا مرحلة متصلة بما قبلها مكملة لها لا تنفصل عنها فهي أيضا مازالت مرحلة تحرير الوطن، لأن الوطن كله لا يزال يشتكي ويعاني، ويناضل نضالا متواصلا لم ينقطع.
ولكنها تلك أمة قد خلت في حكمها على التحزب والأطر الفكرية، ولهم الحق لأن نضوج الإرتريين الفكري والسياسي في تلك المرحلة ربما لم يبلغ مرحلة الآحزاب المؤتلفة والتوافق وربما الى ذلك تعود أسباب الكارثة والإنتكاس في تلك الفترة؛ مع إنهم أرادوها منذو البداية ثورة لهدف واحد هو التحرير؛ لكن الواقع اليوم يفرض التعامل مع أطر تنظيمية مختلفة تجسد كل ألوان الطيف الوطني والمعضلة ليست في لماذا هذا التعدد والتشظي والبعثرة؛ ولكن في التفكير في جعلها لبنات تشيد جدارا وطنيا صلبا ومتماسكا يكون له ثقلٌ وحضورٌ في قضايا مصير الوطن، ويحسب له في غيابه.
المعارضة الإرترية مازالت بعيدة عن هذا الفهم عمليا، ومازالت تحشد وتستجمع كل قواها في جانب الصراع السياسي وتكتيك المكاسب العاجلة على حساب الأهداف الإستراتيجية المشتركة وذلك في إعتقادي بسبب غياب الثوابت المبدئية لسياسة أغلب الأطر التنظيمية؛ أمراضها لا تعد، وقصورها لا يحصى مجتمعة أو متفرقة وقد عطل هذا الحال دورها لأنها مثل الوسائط الإجتماعية ساحة مفتوحة تضج بالكيانات والأفكار الظاهرة والباطنة؛ ونتيجة ذلك نجد قد وصل البعض الى مرحلة اليأس منها وفقدان الأمل فيها.
فكثرت أخيرا الإنتقادات القادحة فيها من داخلها وخارجها وخاصة من العناصر الهاملة التى لا يربطها إلتزام تنظيمي أو تلك التى لا ترى لنفسها فيها مظلة تعبر عنها أو...
وأجد لست وحدي من يتسائل في أن الأطر التى لدينا بكل كللها ومللها هي أقصى ما نملك فهل نعمل على تفعيلها ومراجعة وإصلاح أخطائها والبحث عن سبل تحريكها ؟؛ أم ننصرف تاركين الساحة للأعداء ؟؛ ونتوهم بأحلام الفيسبوك والثرثرة الفارغة أننا على شئ؛ أليس علينا أن نكون على يقين أن "الحكي ما بطعمي خبز" أو الكلام ما يؤكل عيش كأبسط مطلوب ؟.
إن قيادة المعارضة عليها الآن أن تتجاوز مرحلة الخندقة وأن تكون على قدر المرحلة، نعم هناك هوة كبيرة لكن يجب أن تردم بالثوابت الوطنية المشتركة ويجب تقدير المرحلة التى تغيرت فيها مفاهيم كثيرة؛ وتغيرت القوى الوطنية والإقليمية والدولية بينما نحن مازلنا نعزف على ليلى.
إن الخيارات والبدائل عن المجلس الوطني وقواه المؤلفة قد يحسبها البعض الآن مجرد أحلام وأماني الساعين الى ذلك لكنها ستكون حقيقة مرة إذا فقد الناس الأمل في الكيان الحالي وسينصرفون كيفيا وهي كارثة مرتقبة؛ أو أن يُرمى المجلس الوطني بعيدا ويُهمش في حالة زوال النظام وتبتز قواه كإحتمال أيضا، ويأتي كل يجادل عن نفسه ثم يكرر السيناروا المعروف ونعيد المسرحية من جديد.
وقفة أخرى لوكان أحد حق له أن يشتكي بأنه نال القسط الأكبر من إرهاب وبطش النظام الإرهابي الحاكم لكانت الحركة الإسلامية بكل فصائلها؛ وقد أرهقوا الشعب إدعاءً بمناصرة الحركة وكالوا لها كل أنواع التهم حتى غدت دعايتهم اليوم عند البعض حجة؛ فنجد أولئك الذين يجادلون أن الإسلاميين يفرقون الشعب الإرتري بين مسلم ومسيحي؛ وأنهم ضد المسيحية وهي دين جزء من الشعب؛ وأنهم يفصلون الشعب بين إسلامي وغير إسلامي...
ولو أردت أن أعدد ما نسمعه لطال الحديث ولكن نجد أن القاسم المشترك بين هذه الأراجيف هو أنها من دعاية النظام ومن صميم برنامجه التعبوى ضد الحركة؛ وكان يفترض على الكثير من المثقفين التثبت والتأكد من أنه لم تمارس الحركة يوما أي من أنواع الفصل الطائفي لا في داخل ملة الإسلام ولا في خارجها؛ وكان نشاط الحركة دائما ينصب فقط في رفع الظلم عن كاهل الشعب بأسره وإزالة النظام الإرهابي وإخلافه بنظام وطني؛ هذه الحقائق ليست وليدة المراحل التالية وإنما كانت هي المبادئ التى رُسخت من البداية، ويجدها من أراد المراجعة بخطوط واضحة لا لبس فيها في كل أنواع الإعلام الحركي.
والأهم من ذلك تؤكد حركة الإصلاح الإسلامي الإرتري دائما بأن السلطة ليست هدفا أساسيا بالنسبة لها؛ فالملك لله يؤتيه من يشاء وليس كل من يؤتيه الملك يحبه الله بدليل أنه آتاه فرعون ونمرود وأفورقي وكل الحكام الجبابرة؛ ولكن الهدف المركزي هو القضايا الأساسية الحرية والعدالة والحقوق المسلوبة ومن ثم السلام الوطني المنشود؛ ثم أن لا نلدغ من الجحر نفسه بأن يسطوا على السلطة خلف ظالم وربما أظلم فنكون مثل أصحاب الجنة نتباكى على أرض خاوية على عروشها، وهذا من أهم الأهداف.
إننا في الإصلاح نعلم أنه لا يمكن تجزئة قضايا الوطن ولا يمكن حل جزئية من إشكالاته إلا بحل كل الإشكالات فيه؛ بيد أننا ندعوا دائما إلى مواجهة التحديات والبحث عن حلول واقعية لها ولا يتأتى ذلك إلا بالعمل الدؤوب وتفعيل مصطلحات الثوابت المشتركة وهو هم تحمله قيادة الحركة وتوظف له كل متاح، وتتميز الإصلاح في سياستها مع المعارضة برؤية خاصة مع إفتراض من يلتقون معها على أهداف إستراتيجية أو أهداف وطنية صادقة أو أهداف مرحلية فهي تبنى سياستها مع المعارضة على ما يلي:-
• أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع فحتى إن وجد من يعاديها تمد له يد السلام.
• تضع في أولوياتها جمع الصف الوطني وتجاوز الإشكالات العابرة، وتعمل على ترسيخ مفاهيم التعايش والتوافق والتناصر...
• لم تخالف ما كان فيه إجماع وطني مع تأكيدها على ثوابتها وأهدافها المبدئية التى هي أصلا ليست خصما على حقوق أحد لا أصحاب دين وطوائف ولا أصحاب أفكار.
• تعمل دائما على توسيع الوعاء المعارض ما أمكن ذلك؛ حتى يكتمل الإكليل الوطني ويجد الجميع نفسه ويطمئن على حضوره.
• تدعو وتمعل جاهدة على إستشراف المراحل القادمة من خلال إعداد أوراق الدراسات والتصورات حتى يأتلف الإجماع على برنامج صريح ومتفق عليه يقطع الطريق على كل من يخرج على إجماع القوى الوطنية وحتى تحتشد كل القوى لمواجهة كل خرق من أية قوى متنفذة أو متغولة في المستقبل.
هذا ما وجب تبيانه وهو حديث أملته الإفتراءات التى جعلها البعض مسلمات مع علمه بمصادرها ومن تخدم والله المستعان؛ والصبر في ذاته سلاح، والصبر حرب والصبر نصر.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.