هذه هي العوامل التي دفعتنا لترك البلاد
بقلم الأستاذة: حنان عبدالله (المملكة المتحدة) سماديت كوم
أجمل الأمكنة في الدنيا هي في ربوع الأوطان، مع الأهل والأحبة. والحال كان كذلك في إرتريا، فلعقود حلم كل إرتري بالعودة إلى
البلاد حتى بعد عقود من الإضطرار للجوء إلى دول الجوار وحتى إلى أمريكا وأوروبا. فلم يكن هناك شخصٌ واحدٌ يرغب في العيش في الشتات.
ولأن الأمر كان كذلك، التحق المئات من الذين ولدوا في السودان وغيرها من الدول بالثورة الإرترية حيث ساهموا في إعلان انطلاق الثورة ضد الاحتلال الإثيوبي والتي هدفت إلى تحرير البلاد وإعلان الاستقلال.
وعلاوة على ذلك، فقد انضم مئات من الإرتريين الذين ولدوا في السودان وإثيوبيا وبلدان أخرى إلى الثورة الإرترية، وأسهموا في إعلان شرارة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإثيوبي بهدف تحرير البلاد وإعلان الاستقلال. ليس ذلك فحسب، ولكن العديد من الشباب وكبار السن تركوا جامعاتهم ووظائفهم في الخارج وعادوا إلى ديارهم للانضمام إلى قوات الدفاع الإرترية، عندما دعت الحكومة المواطنين للدفاع عن السيادة الوطنية في مايو 1998 عندما أعلنت إثيوبيا حربا مفتوحة و مهددةً بغزو وطنهم الحبيب واجتياحه.
وفي عهد الاحتلال الإثيوبي وبسبب سياسة الأرض المحروقة التي اعتمدتها الأنظمة الإثيوبية المتعاقبة، وجد كثير من الإرتريين أنفسهم مجبرين على الفرار إلى الخارج خوفا على حياتهم والسعي للحصول على التعليم وفرص أفضل لأطفالهم لكي يعيشوا بكرامة وسلام.
ونتيجة لذلك، في زمن الحرب وعدم الاستقرار في تلك الحقبة، كان لتخلي المواطن الإرتري عن بلده ما يبرره وكان بطبيعة الحال مفهوما لكونه حدث بهدف التماس مأوى آمن في بلدان أخرى. ولكن ما حدث للوضع بعد انسحاب المحتل الأجنبي، حيث تدهورت أوضاع المواطنين ومعيشتهم على نحو مريع أكثر من ذي قبل، وتسببت في فرار مئات الشباب من البلاد في موجات، على غرار ما حدث خلال الحروب المدمرة مع إثيوبيا في حقبة ما قبل الاستقلال، ولكن هروب بمستويات أعلى و على عكس كل التوقعات.
نعم تأزم الأوضاع في إرتريا حير الكثير من المراقبين والمحللين، بيد أن الأمر بالنسبة لنا نحن الذين عايشنا الواقع بعد الاستقلال لحظة بلحظة، كان واضحاً ومفهوماً ولم يفاجأنا على الإطلاق. فدون الخوض في تفاصيل كثيرة، فإن النظام الذي حكم البلاد ولازال منذ لحظة هزيمة الجيش الإثيوبي وتحرير البلاد، لم يرتق إلى مستوى الطموح البسيط للمواطن في العمل والتعليم وحرية الحركة حتى داخل المدينة الواحدة. فكما يستحضرني الآن كم كنا نعاني عند التنقل بين أحياء وحارات مدينة كرن ونخاف من الجنود المسلحين في الحواجز المنتشرة بين المدن والبلدات حتى الوصول إلى أسمرا.
فقد كان الخوف من الاغتصاب والخطف والاعتداء من قبل رجال الأمن الذين كانوا يتعاملوا معنا وكأننا أعداء لامواطنين. وبسبب الخوف علينا من كل أشكال الاعتداءات، كانت عوائلنا تفضل ابقاءنا في المنازل أو تزويجنا دون رضى ولذلك للمحافظة علينا من بطش النظام. وبالنتيجة فقد توقفت الكثيرات من الفتيات للتوقف عن الذهاب للمدرسة ليصبحن زوجات قبل الأوان.
وعليه وعلى عجل، مع الأمل للعودة إلى تناول هذا الموضوع باسهاب في وقت آخر، أقول في هذه اللحظة فيما يتعلق بالأسباب الكامنة وراء هروب الناس من إرتريا وبإعداد كبيرة على الرغم من رغبتهم الحقيقية في رفض العيش بعيداً عنها والشوق إليها:-
• أولاً: تلك الأسباب، كما أسلفت هو احساس المواطن بأن كرامته غير مصانة،
• ثانياً: شعور الأفراد بأن لا قانون يحميهم من انتهاكات الأمن والجيش،
• ثالثاً: انغلاق أي فرصة لممارسة أي نشاط تجاري من أي نوع بسبب احتكار جهاز الأمن لكل النشاطات الاقتصادية،
• رابعاً: ملل الناس من الشعارات السياسية الفارغة مع عدم اتاحة المجال لممارسة حزبية متعددة البرامج،
• وأخيراً: وجود أزمة معيشية خانقة مع غلاء فاحش.
مع تحياتي وشكري حتى كتابات أخرى في القادمات من الأيام
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.