ارتريا بعد مضي العقد الأول ١-٢
إعداد: المركز العالمي للدراسات الأفريقية
اولا: التطورات داخل ارتريا:
أجاز المجلس الوطني وثيقة الدستور الارتري منذ عام 1997م إلا أن البلاد تدار بموجب مجموعة من التصريحات والاعلانات
الأحادية.
فقد وضع الدستور جانبا منذ إعتماده. ولقد امتد عمر الحكومة الانتقالية إلى عدة أضعاف عمرها المقرر له بأربعة أعوام، خاصة وأنه لم يتم حتى الآن إجازة قانون الاحزاب السياسية والذي سيؤدي بدوره إلى قيام انتخابات تخضع في جميع مراحلها لمراقبة دولية تمكن الشعب الإرتري من اختيار الحكومة التي يرقب فيها.
لاتوجد نوايا للحكومة الإرترية لفتح ازرعها لضم أي من الفصائل الارترية الأخرى والتي أصبحت تشكل معارضة في الخارج، كما لاتوجد أي نية لإجراء حوار وطني للوصول إلى صيغة من الوفاق الوطني تشمل جميع الارتريين داخل وخارج البلاد، وإنما استمرت الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة في احكام قبضتها على البلاد. كما أنه لا توجد للجبهة الحاكمة توجهات لإجراء حوار داخل الجبهة لمراجعة السياسات العامة و إعادة تقييم الأداء العام للحكومة، بل على العكس من ذلك استمرت حملات الاعتقال لكل من ينتقد سياسات الحكومة، ولقد ظل الإصلاحيون بالجهة رهن الاعتقال منذ عام 2001م، دون توجيه تهم لهم ولم يمثلوا أمام القضاء، ولايدري أحد مصيرهم، ورشحت بعض المعلومات حول وفاة بعضهم مثل السيد/ محمود شريفو. ونفس الأمر ينطبق على الصحفيين الذين تم اعتقالهم، والسجناء السياسيين الآخرين.
تنقسم ارتريا اداريا إلى تسعة أقاليم، هذه الإدارة المدنية توازيها مناطق خاضعة لقيادات عسكرية. هذا الجهاز العسكري يضطلع بكامل السلطات التنفيذية والتشريعية و القضائية. فالقضاء يشكوا من تدخل الحكومة المباشر في اختصاصه كما يفتقر إلى الكوادر المؤهلة، ويمثل الفساد تحديا آخر في ظل الرواتب الضعيفة. و لاتوجد خطط لتدريب القضاة وتطوير مقدراتهم. فالاعتقالات ذات الطابع السياسي تتم خارج القضاء، كما أن القضايا المتعلقة بها تعرض على محكمة خاصة قضاتها تابعون للجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية. فالمحكمة الخاصة التي أنشأها الرئيس اسياس افورقي لمحاربة الفساد، أصبحت تتناول القضايا ذات الطابع السياسي، وهي دائماً ماتنتهك أبسط المبادئ الأساسية للعدالة. ويرأس المحكمة ثلاثة من ضباط الجيش ليست لهم خلفية قانونية، وتصدر المحكمة أحكاماً نهائية ويمكنها إلغاء أي قرار صادر من المحاكم الاخرى.
تصف تقارير البنك الدولي الاقتصاد الارتري بالضعف، وأنه يتجه من الأسوأ الى الأسوأ. فلقد تعرضت ارتريا الى موجه من الجفاف في عام 2008م مما كان له الأثر السالب على المنتجات الزراعية، و انخفض إنتاج المحاصيل إلى الربع، ورغما عن تحسن الأمطار فيما بعد الا ان الاقتصاد الارتري سيظل يواجه تحديات جسام،تتمثل في ضرورة توفير الغذاء من الخارج، في وقت تدهورت فيه علاقة الحكومة مع المانحين، والذين على رأسهم الولايات المتحدة وطردها لمنظمة العون الأمريكي المعروفة باسم USAID ولايتوفر للحكومة الارترية العملة الصعبة الكافية لشراء الغذاء من الخارج. وبما أن ارتريا تستورد الغذاء والمواد البترولية من الخارج فلقد تأثرت بالأزمة المالية التي ضربت العالم. وللازمة المالية تاثير آخر انعكس في قلة التحويلات التي كان يقوم بها الارتريون في المهجر إلى داخل ارتريا، مما أفقد البلاد موردا هاماً للعملة الصعبة.
يعاني الاقتصاد الارتري من عيوب هيكلية أساسية، تتمثل في أن جميع مسؤولي أجهزة الدولة_ وخاصة الاقتصادية_ من قدامي المحاربين، فماقائم من قطاع خاص ضيق يملكه ويسيره مناصرون ومؤيدون للجبهة الحاكمة. وتحتكر الحكومة الارترية جميع مناحي الحياة الاقتصادية،مما يحرم السكان من الحق في إنشاء مشاريع تجارية وتوليد الثروات، أما دخول السوق المحلي فهو أمر شبه مستحيل، وذلك لهيمنة شركة البحر الأحمر التجارية و التي تعتبر الذراع الاقتصادي للحزب، فهى تحتكر النقل البحري والتأمينات و العمل المصرفي والنقل البري والإتصالات والصيد والزراعة والتعدين والبناء وحتى تجارة التجزئة.
رغما عن ما ذكرناه من قبل في هذا الكتاب من أن عدة جهات دولية أعطت ارتريا شهادات خلو من الفساد، إلا أنه من الواضح أن هذا الأمر قد حدث فيه تغيير كبير منذ فجر الاستقلال إلى الآن، فقلة المرتبات والضغوط التي يتعرض لها موظفو الخدمة المدنية والعسكرية ورجالات الدولة قد فتحت الباب أمام الفساد في البلاد. فإضافة إلى احتكار الجبهة الشعبية الحاكمة ومؤسساتها لمفاصل الاقتصاد فإن هنالك غياب تام للمحاسبة و الشفافية في البلاد. حتى الآن لاتوجد ميزانية سنوية معلنة للبلاد يتم نشرها، ولاتتضمن مداولات مجلس الوزراء تقارير حول مناقشة الميزانية السنوية، إنما يدار أمر الميزانية من مكتب الرئيس. احتكار الجبهة الحاكمة للسوق وصل حد اتهامها بتصفية خصومها من المستثمرين الذين يضايقونها في السوق في حالة رفضهم الانسحاب او بيع مصانعهم، بعد ان قتل رجل أعمال في العاصمة أسمرا في ظروف غامضة. من القطاعات الهامة التي كان من الممكن ان تسهم في تطور الاقتصاد الارتري قطاع الثروة السمكية، بيد أن الفساد قد أطاح بهذا القطاع. كما ان القيود التي تضعها السلطات المحلية على تحرك السياح في البلاد قد حرم البلاد من العملات الحرة التي كان يجذبها القطاع السياحي.
عدم التواصل الى حل نهائي مع الجارة إثيوبيا قد جعل الحكومة الارترية تستمر في حملاتها الضارية لتجنيد القادرين على حمل السلاح وخرطهم في برنامج الخدمة الوطنية. لايستطيع الطلاب الجلوس لامتحان الشهادة الثانوية إلا من داخل معسكر وارساي بالمنطقة الغربية، مما ادى الى تسرب الكثير من الطلاب والطالبات من مقاعد الدراسة، خاصة الفتيات المسلمات. كما ان تمديد الخدمة الوطنية الى اجل غير مسمى قد دفع الى بالكثير من الشباب الهرب عبر الحدود مع السودان بحثا عن اللجؤ، مما سيحرم ارتريا من سواعد شبابية تمثل قوة عاملة مقدرة. كما ان سجن اسر واقرباء الفارين من الخدمة العسكرية تعتبر ممارسة غير قانونية وغريبة في عالم اليوم، كذلك وفي احيان كثيرة يتم سجن الاقارب او اخذ غرامات منهم او مصادرة أراضيهم، نفس الشي ينطبق على أسر وأقارب المغتربين الذين لا يدفعون ضريبة الدخل والتي تمثل 2.5% من دخلهم.