النداء الأخير
بقلم الأستاذ: عمر نهاري (ابو حسين) - لندن، المملكة المتحدة
تأزمة الأمور في الأونة الأخيرة للجالية الارترية العريضة في المملكة العربية السعودية بصدور قرار دفع الرسوم الشهري على
الأجانب وبشكل تصاعدي كل عام.
ولما دخل حيّز التنفيذ وفاق قُدّرت المقيمين صار الكل يبحث عن مكان يستطيع العيش فيه بكرامة، ويجد عمل بأجر معقول تفي بحاجة العائل المسؤول عن الاُسرة بمدخول ثابت كما هو الحال في السعودية وإذ تعذر عليه بترحيل الأسرة وبقاء العائل وكان اكبر المتضررين هم اهلنا المصاوعة من هذا القرار المفاجئ ومعلوم ان المخزون البشري لمصوع استوطن في دول الخليج خلال هجرات امتدت لأكثر من اربعة عقود وكان هذا الحدث بمثابة تنبيه ان الخطر قادم وحان موعد الرحيل والمغادرة.
كان يجب الاستعداد لهذا اليوم بعد ان استكملت السعودية بنيتها التحتية وصارت تتطلع للتخلص من هذا الكم الهائل من الأجانب واستقدام أيادي ماهرة تستفيد منهم للدخول لعالم الصناعة ٣٠/٢٠ وهنا وقع المحذور لمن استرخوا واستأمنوا الرقم السري - (يا غريب بلدك) - معظم عوائل الجاليات الأخرى غادرت الى أوطانها ماعدا الارتريون لا مكان لهم يتجهون اليه حتى السودان أغلق ابوابه مقتضياً بالنظام الحاكم في اسمرة واحتمال بإشارة منه - للأسباب الأتية !
النظام القائم في اسمرة بحكم الواقع هو الوجه الشرعي للبلاد ولم يضع في الحسبان خطط مستقبلية لمثل هذه الكوارث في عودة هذه الأفواج دفعتً واحدة ولم يستعد لها تحت اي طارئ بترميم المساكن او إعطاء الفرص لذوي الدخل المحدود القيام بتحمل اعادة البناء وكان يستلزم على الدولة القيام بذالك والسعي لدى المنظمات المانحة بحكم الدمار التي تعرضت له مصوع وباقي المدن نتيجة الصراع التحرري او الزام المستعمر بالتعويض ان كان لها رغبة في استقبال من تم تهجيرهم اثناء حرب التحرير عن الديار وبعض المنظمات الدولية ابدت استعدادها ولقد ظهر منه سلفاً العزوف وعدم التعاطي في هذا الشأن بخصوص معسكرات اللاجئين في السودان وإثيوبيا واليمن بعد تعنت النظام والشروط إعجازية بحجج وأعذار مكشوفة لماذا ؟ الإجابة لا تحتاج شرح.
فالذي يعود طوعياً معتمداً على امكانياته الخاص لا مجال أمامه للإستثمار المكشوف والتجارة المنفتحة والإدخار والسحب دون رقابة وانعدام النقد الأجنبي للإستيراد والعملة المحلية لا وزن لها خارج القُطر كما ان الحصول على مبالغ يتم عبر قنوات وبحث وتدقيق ومراقبة لصيقة وخانقة يجعل المتاجر يعيش في رُعْب دائم خشية ان يقع في المساءلة لو اكتسب او خسر مع انه المتضرر والحزب الحاكم يتحكم في كل الأمور التجارية وهو الشريك المنافس للمواطن، وللنظام شك وسؤ نية مبيتة دائم وتُهم جاهزة للإسيلاء والتأميم تحت اي مسمى بخلاف بعض البلدان من دول الجوار التي يوجد فيها مساحة من الاستقلالية للقطاع الخاص وصغار التجار والحرفيين
اما القطاع العام حدث ولا حرج مجرد توظيف بأجر شهري رمزي لا يكفي مواصلات العامل من والى العمل ناهيك ان يعول أسرته بالكاد يستر نفسه وأنسى شي اسمه تحمل مسئؤلية، المواطن تحت مظلة الخوف يعمل في صمت وتفاني دون حقوق فقط عليه واجبات مفروضة نحو الوطن يجب الإيفاء بها والشماعة هي اسم الشهداء لإحكام قبضتهم على مفاصل الدولة.
ولا مجال للإنحراف عن المسار المرسوم والسيف مُسلط على الرغاب لمن خرج من المسار وفِي هذا المجال النظام عادل بغض النظر إن كان الضحية مسلم او مسيحي لا يتودد ولا يحابي احد وتتم ملاحقة كل من توجه له أصابع الاتهام وأماكن الرفاهية جاهزة للإسترخاء والإستجمام ومعالجت الحالات المستعجلة بالحجز في المعتقلات على حاويات حديدية او حُفر بعض ان اكتظت السجون بعشرات الآلاف من الأبرياء لمجرد شُبهات وتُهم مُلفقة ومُختلقة لرجال دين واساتذة ومفكرين وحتى الصامتين تم الزج بهم والقائمة تطول الداخل مفقود والرعب يملاء ارجاء الوطن الحزين الفترات غير محدودة للمتحفظ عليه ولا يحق لأياً كان السؤال والبحث عن المغيب ويعتبر محظوظ لانه على قيد الحياة لأن الأسوأ هو التصفية الجسدية في ظروف غامضة بدخول المعتقل لمرحلة الانتحار اللاإرادي وإمراض بعدم تقديم العلاج له ليفارق الحياة بمحض إرادته ويدفن في مكان مجهول والأمثلة أمامنا كثيرة لضحايا هذا النظام وهاكذا يتم التخلص من العنصر الغير مرغوب فيه على وجه السرعة ان اصبح يشكل خطر وعبئ عليهم او حاول الخروج عن المخطط الذي يصيرون عَلَيْهِ.
وبذالك يستحيل مقاومة هذا الكابوس الجاسم على صدور الامة بالتخفي والعمل السري لتأليب الرأي العام ويستحيل القيام بحركة تمرد وعصيان وتغير هذا الواقع بشكل سلمي.
القبول بأمر الواقع والتنازل والاستسلام والتسليم والعيش مثل بقية الدواب هو تقليل من كرامة الانسان المتطلع والحالم وكيف المخرج ان كان لا يحق لنا استخدام العقل والمنطق فقط تلقي الأوامر وتنفيذها دون تفكير وسط هذه المجموعة المتحزبة ! لا امل ولا رجاء ولا عدل ولا ديمقراطية ولا ولا...
عليك سوأ بدفن تطلعاتك واحلامك بِوطن كان في مُخيلتك ذات يوم ابصر النور في عام 91 بدخول الثوار العاصمة اسمرة، حتى جاء الإستفتاء لتحقيق الحلم صوتوا - بنعم للإنعتاق والتحرر!
اما الحرية ضع تحتها خطوط عريضة آمال طال انتظارها حتى جأت ناقصة وكانت نتيجتها تحرير الارض وإستعباد الانسان
مجرد - عٰٓلم - نشيد - وعُملة وطنية.
وانقلبت النعمة نقمة وبدل ان يتدفق النازحون والمشردون الذين انتظروا هذا اليوم بإبتهاج لينطلقوا من الخارج الى داخل تراب الوطن صار العكس التقى جيل 1967جيل البطولات - بجيل التضحيات 1997-2017
في المهجر والشتات والتحم الجمعان بموجات بشرية وتكدست بهم معسكرات اللاجئين وتوغلوا الى الصحراء وفِي كل الاتجاهات هرباً وبحثاً عن ماوى وشبعت من اجسادهم السباع والضباع والطيور والأسماك وتركوا كل شي خلفهم وعادوا أدراجهم وفروا الى المجهول وعلى هذا الأساس نرى موجات من النزوح البعض منها اكتفى بدول الجوار وعينُه على الوطن تناظر والبعض ابتعد وارتحل في رحلة مغامرة محفوفة بالمخاطر وللذي بقى منهم على قيد الحياة قصصً وحكايات تشيب منها الولدان اما البعض أثر الصمت من هول ما رأى لأجساد تطفوا فوق سطح البحر يقتاتون منها اسماك بعد ان أنهكها الإعياء في ظلمات البحر وجبالً من الامواج المتلاطمة وأضحت فريسة للمفترس والموت يحاصرها من كل الاتجاهات ولا مهرب ولا مُنقذ إلا الله ولِمن كُتبت له الحياة وأنجاه الله من الطوفان حكايات البعض منهم انتهى به المطاف في سواحل جنوب أوروبا ومعسكرات اللجوء فيها وهذا اقل من الطموح الذي كان يسعى لَهُ لكنه وصل لبر الأمان - ولم يقتنع.
وليس هو الهدف المنشود وكعادة الانسان يطمع لحياة أفضل في الوصول لدول بحر الشمال الغنية ثمة تبدأ المحاولة الأخطر بالفرار من المعسكرات بركوب المصاعب فالذي رأى الموت رأي العين لا يخشى المخاطر.
وهنا عليك ان تحاول الفِكاك عن طريق السماسرة بدفع مبالغ من المال للتهريب داخل شاحنات بضائع دون علم السائق وأثناء انشغاله والرحلة تنتقل من بلد الى اخر وأحياناً يقطع عدة بلدان من جنوب أوروبا الى شمالها تخيل الجوع والعطش الذي يتعرض له المسكين المختبئ.
الى جانب البرد القارس ودرجة التجمد وعدم النوم والإرهاق والإعياء وحاجته للتخلص من الفضلات والتبول في هذه الرحلة الشاقة الذي لا يقل عن مغامرة البحر في سبيل الوصول للهدف المنشود يا خابت يا صابت وتسألني من نحن ما الذي اوصلنا لهذا الحال لماذا الخوف ما الذي نخشى عليه وقد ضاع الوطن وضاعت معه هيبتنا وصرنا عُرضة للمافية ولتجار أعضاء البشر لم يشهد التاريخ مثيل لها.
هل يمكن التأمل قليلاً كيف كُنا تحت الاستعمار وكيف اضحى حالنا بولوج فجر الحرية المزمع علينا بمراجعة الماضي ومقارنته بالحاضر واتخاذ قرار صائب بعيد عن العواطف والتشنج.
ما الفرق بين نظام أديس واسمرة كلاهما متشابهان حتى المكونات الاثنية والجذور والاعراق واللغة و الديانة والعادات والتقاليد مصدرها واحد وتنحدر من أكسوم تزاوجوا واختلطوا مع القبائل البجاوية وشكلوا لنا هذا النسيج العجيب وليس بغريب ان نرى بعض الأصوات في وقتنا الحاضر تدعو لإعادة النظر في مشروع الاتحاد الفدرالي القديم مع اثيوبيا بأسلوب عصري بعد ان أوصلها اليأس والحال الى ما هو عليه من فقدان إنسانيتها.
البعض الاخر له نظرة مستقبلية لتصحيح المسار بعد زوال النظام العسكري في الوطن يرجو إقامة نظام فيدرالي في مشروع متكامل في إطار الدولة الإرتريا يتساوى فيها الجميع وكل الأقاليم التي تتكون منها ارتريا بنظام برلماني انتخابي وللولايات من يمثلها فيه ولكل اقليم حكومة محلية تدير شئؤونه ولها حق الاستفادة من موارد الإقليم.
بعد ذالك يقطتع جزء معين للمركز والذي يتولى الخارجية - كالسفارات والبعثات الدبلوماسية والدفاع جواً وبراً وبحراً.
(أراه حل منطقي) افورقي إنسان لن يعمر في الارض كثيراً وحزبه لا عدالة فيه ولا ديمقراطية برحيله يمكن ان نداوي جراحنا ونعيد الثقة في النفس.