سبتمبر العظيمة والذكرى المجيدة
بقلم الأستاذ: أبو رامى المصدر: مجله الناقوس الثقافية - العدد الثاني
في ذكرى هذه المناسبة العظيمة تتضاءل الكلمات وتتقاصر المعاني في وصف رجال كتبوا التاريخ بأحرف من دم وسطروا المجد في
أبهى صوره وأعظم معانيه.
ثورة بدأت بطلقة فجرها البطل عواتى من جبل أدال انطلقت لتهز أركان المستعمر البغيض وتعلن بداية الكفاح المسلح في مقاومة الاستعمار الأثيوبي الذي احتل الأرض وهتك العرض وحرق الزرع ونهب المال وأرعب الناس.
كان لا بد من بداية المقاومة بالبارود والنار بعد أن فشلت مساعي السلم في نيل الاستقلال.
بدأ البطل عواتى ورفاقه الكفاح وهم لا يحملون من حطام الدنيا إلا بنادق عتيدة وذخيرة قديمة ولكنهم كانوا يملكون في دواخلهم قلوبا صادقة ونقية تحمل هم أمتها وتسعى لعزتها وكرامتها لنيل حريتها وبناء مجدها بسواعد أبناءها.
قلوب لم تتلوث بزيف الدنيا وبريقها الزائل ولم تتلون في مهادنة المستعمر البغيض الذي طغى وتجبر وأهلك الحرث والنسل.
هؤلاء الأبطال الأشاوس فجروا ثورة تناقلت أخبارها الأمم بأن مجموعة صغيرة تقف في وجه أعظم ترسانة عسكرية في إفريقيا في ذلك الوقت مدججة بأضخم المدرعات والآليات القتالية.
كل ذلك لم يرهب عواتى ورفاقه، بل قدموا أرواحهم رخيصة فداءً لهذا الشعب العظيم؛ وأشعلوا جذوة الثورة التي عمّت الريف والحضر وتوارثها الأبناء عن الآباء خلال ثلاثين عاما من بداية الستينيات وإلى إعلان الاستقلال في بداية التسعينيات.
تتعجب عندما ترى صور هؤلاء الأبطال وكيف هم بهذه الأجسام النحيلة تحملوا هذه الصعاب التي تنوء بحملها الجبال.
وذلك لأنهم كانوا صادقي القول والفعل حاملي الوعد والوعيد للمستعمر بأن ساعة نهايته قد أوشكت وأنهم سوف ينتصرون بإذن الله لأنهم أصحاب قضية عادلة وحق بيّن في مواجهة الشر والظلم.
انطلاقة الثورة في سبتمبر هي استنهاض المجتمع وثورة الشعب لذلك انفجرت لتبقى ولتتوارثها الأجيال، جيلاً بعد جيل بنفس القيم ونفس المفاهيم وإن تغيرت المعطيات واختلف الزمان، لكن تظل التحديات باقية فقد تحررت الأرض لكن ليس بتلك المفاهيم التي كان يسعى لها الجميع بقيام دولة العدل والمساواة في وطن ينعم فيه الجميع بحقه في الحياة الكريمة.
أصبح الواقع أليما، وطن يلفظ أبناؤه لاجئين في كل أنحاء الأرض يهيمون على وجوههم يبحثون عن الأمن والأمان المفقود، منهم من مات عطشا في الصحراء وغرقا في البحار ومن وقع تحت براثن عصابات الاتجار بالبشر يبيعونه لمن يدفع أكثر.
واقع مرير بعد ثورة عظيمة قدم فيها الجميع التضحيات، من مات شهيدا، ومن دفع ماله، ومن أصبح معاقا ومن ضحى بشبابه، ومن ذاق مرارة السجون شارك الجميع في هذه الثورة العظيمة من أجل قيم نبيلة.
وفي هذه المناسبة العزيزة علينا جميعا يجب أن نسترجع ذكريات سبتمبر وأن نستفيد من دروسها في رفع قيم الحق في الوقوف ضد الهيمنة الطائفية التي سيطرت على البلاد وآلمت العباد بسياط الظلم والاستبداد.
سبتمبر المجيدة غرست معاني التحدي في نفوسنا وأثبتت أنه ليس هناك مستحيل إذا ما صدقت النوايا وخلصت الأعمال في مواجهة العدو بروح الوحدة والانسجام بعيدا عن التفرق والشتات.
ثورة سبتمبر لم تكن حراكا عاديا بل كانت مفترق طرق لأمة تبحث عن مكان لها تحت الشمس، أمة يكون لها درع وسيف وكيان معترف به في العالم يرفرف علمها خفاقا بين الدول ويصدح نشيدها الوطني بنكهة وخصوصية إرترية صرفة.
ثلاثون عاما قضاها الشعب في نضال مرير لم تشهد أفريقيا له مثيلاً، فهي لم تكن معركة سريعة لنيل الحرية، بل برنامج لحياة طويلة قدم فيها أرتالا من الشهداء والجرحى بين دموع الحزن لفراق حبيب شهيد ودموع الفرحة بانتصار على العدو كان ذلك هو المشهد الذي قدم فيه مجتمعنا صورة رائعة عن معاني الاستبسال والتضحية والفداء.
وبالرغم من مشوار الكفاح المسلح الطويل المضنى، إلا أن عجلة الحياة لم تقف وذلك من عبقرية هذا المجتمع المعلم الذي أدهش العالم، حيث شيد المدارس تحت ظلال الأشجار وفي ظلمة الخنادق لتلقي العلم، كما أقام المستشفيات لعلاج المرضى والجرحى في ظروف معقدة، لذلك فإن الثورة كانت برنامج حياة متكامل، أثمرت عن نيل الاستقلال بكل جدارة واستحقاق.
هذا المجتمع الذي فجر الثورة في سبتمبر قادر على إعادة التاريخ مرة أخرى بالوقوف في وجه الطغيان والجبروت وانتزاع حقه في وطن يسود فيه العدل بين جميع مكوناته، ليس هناك أفضلية لأحد، الجميع متساوون في الحقوق والواجبات؛ وطن يعيش فيه الفرد عزيزا في أرضه آمنا في نفسه مساهما برأيه مشاركا في حكمه.