تحويل الرابطة إلى تنظيم بعد إفراغ مضمونها من الوثيقة
بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار
سأتناول في هذا المقال قواعد أساسية إدارية هي: التغيير، والمسئولية، وبناء القاعدة، هذه القواعد الثلاثة هي مفتاح للنجاح وهي مفتاح
للفشل في عمل الإدارات، من عمل بها وحافظ عليها فهو الكاسب، ومن هجرها واستخف بها فهو الخاسر، أقول هذا لأن النظام في ارتريا خسرها، كما خسرتها فصائل المعارضة الارترية وآخرها للأسف رابطة المنخفضات الارترية، وهي خسائر متتالية ضحيتها المواطن الارتري المغلوب على أمره.
(1- 2) قاعدتا التغيير والمسئولية أتناولهما معا في فقرة واحدة:
يقول الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وتغيير النفس شامل للكون والحياة، وهو إعجاز قرآني تحدث عن التغيير منذ ألف وأربعمائة عام في خطاب للعقل البشري والتفكر فيما خلق الله، وقد ورد التفكير للتغير في كثير من آيات القرءان الكريم، لصيرورة الحياة، لتسير على سنة الطبيعة التي خلقها، وهو إعجاز سابق لما كتبه المفكرون من البشر عن التغيير عبر العصور.
يقول جون ماكسويل وهو أستاذ في جامعة تورينتو، لخصت الفقرات أدناه، من ملخص مترجم من كتابه (التغيير من أجل التفكير): "التغيير يبدأ بالتفكير، وتغيير التفكير يؤدي إلى تغيير المواقف، وتغيير المواقف يؤدي إلى تغيير السلوك، وتغيير السلوك يؤدي إلى تغيير العادات، وتغيير العادات يؤدي إلى تغيير الحياة، وهي سلسلة متصلة من التغيير، تبدأ بالتفكير".
"والتفكير السلبي يفرز نتائج سلبية، والتفكير المتوسط يفرز نتائج عادية، والتفكير الإيجابي يفرز نتائج إيجابية".
فأي التفكير الذي سلكته الرابطة عند تأسيسها، من بين هذه الخيارات، أعتقد بأن الرابطة غيرت الكثير من المواقف والكثير من السلوك وبدأت ترسي التغيير في حياة المنخفضات وبالتفكير الإيجابي، الذي جسدته في مؤتمراتها واجتماعاتها ومهرجاناتها الثقافية بالشفافية التي جسدتها في وثيقتها وثيقة لم الشمل، الوثيقة التي كتبت بعناية، وحللت الماضي، وفندت الحاضر، وتصورت للمستقبل، كذلك ما جسدته من تصورات في قرارات مؤتمرها الذي حواه كتاب المنطلقات النظرية لرابطة المنخفضات الارترية،الذي هو خلاصة الدراسات لمؤتمرها التأسيسي، وكان الهدف من ذلك إعادة التوازن وإصلاح الخلل الذي أحدثه النظام، انضم إليها الكثيرون من أبناء المنخفضات حتى الذين لم ينضموا إليها لم يجاهروا بعدائها ظنا منهم بأن برنامجها مطلبي وسياسي لا يوجد فيه ما يبعث للقلق، وقد أحدثت بذلك تغييرا مشهودا في مجتمع المنخفضات حتى من أبناء المرتفعات من كان يأمل نجاحها ليخرج المجتمع من دوامة الخلل وعدم التوازن.
من الطبيعي أن تطرأ بعض العوائق بين الحين والآخر في إدارة الرابطة خاصة التداخل في الصلاحيات وشكاوى التجاوزات في توزيع المسئوليات، وكانت هي أسباب مشاكلها قديما وحديثا، وقد أصبحت هذه الشكاوى مزمنة وسببت القلق والتنافر وخلخلة العمل، وإذا أخذناها بحسن نية في غالبيتها كانت تنشأ في مناطق الأطراف البعيدة عن مركز القرار كالسودان وكندا والولايات المتحدة وأستراليا ولم تكن على مستوى الإخلال المهدد للرابطة في جوهر برنامجها لم الشمل، وهي كانت تحتاج لعلاج بسيط وتفاهمات لفك النزاع بين المكاتب، وهذا طبيعي وقد يحصل حتى في أجهزة الدول، و لكن تأثير القيادة بعدم العلاج وإصرارها لكسب الزمن، والتسويف، قد أضر بالرابطة وأدخلها في خلافات جوهرية كانت في غنى عنها، فتغيرت فيها المواقف، التي نتج عنها نوع من الارتداد السلوكي في العمل الذي أسقط في نهاية المطاف برنامجها برنامج لم الشمل بهذه السهولة وبهذه البساطة وبهذه الانشقاقات المتكررة وغير المبررة بين القيادات التي عادت إلى التفكير السلبي الذي أفرز النتائج السلبية.
قيادة الرابطة يحسب لها أنها قفزت بالرابطة في الواجهة وحققت سرعة الإنجاز وسرعة التفعيل في التغيير ومن بينهم الأعضاء الذين تم تجميدهم ويعتبرون من خيرة الفاعلين المشاركين في أنشطتها، ولكن ما يؤخذ عليها أن الرئاسة اعتمدت مبدأ العزل والتجميد بين أعضائها كمنهج لمن خالفها الرأي في أسلوب إدارتها، فقدمت الأسلوب الطارد المنفر، على أسلوب الكسب الجاذب، فكل من لم يقل (نعم) فإما عزلته بقرار خاطئ، أو تركته يسحب من تلقاء نفسه، والقرار الأخير الذي اتخذه المجلس وكان سبب الشتات، قد عاقبوا به الضعيف الشاكي دون نظر أو حل لشكواه، مما يعني الحجر والتحجيم، والسؤال الذي طرح نفسه،ماذا طرحت أو قدمت من حلول في شكاوى التهميش المزمنة ؟ السؤال بدون جواب، والسؤال عنه شبهة، ثم أصرت بعد ذلك بعدم التراجع عن الخطأ، وبذا قد فرضت خيارات صعبة أمام العضوية ومفادها أنت معي، أم أنت ضدي، وهو فرز في قاعدة الرابطة الأساسية بين الموالي لها والرافض، وهو أسلوب منافي لجمع الشمل وهو مخالف للميثاق وقرارات المؤتمر التي أساسها التوفيق،كذلك اعتمدت قاعدة الأكثرية والأقلية في حالة الانشقاقات السابقة المؤلمة،وهي قاعدة الشؤم التي لا يتحدث عنها إلا من رتب لها مسبقا، وهي التي أوصلت المسلمين الارتريين إلى هذه المرحلة من التقسيم، فجاءت رابطة لم الشمل كبديل يبعد عن مجتمع المنخفضات عقلية بيانات التسلط بالأكثرية والأغلبية فكان يحتاج التقريب والتوفيق ولم الشمل الذي جاءت به الوثيقة وليس الخروج عنها.
في الدول عندما تصدر الدولة قرارا يسبب لها المتاعب تسحبه للصالح العام، ولا ينتقص من قيمتها، بل يعزز ويرفع من مكانتها، لأنه يحمل نوع من النقد الذاتي، وكما شاهدنا الكثير من ذلك وكان آخرها ما حصل في القدس عندما سحب الكيان الصهيوني قرار الكاميرات من بوابات الأقصى، فكان بإمكانها دون التمسك أن تسحب قرار التجميد، وتخلق أرضية جديدة للتفاهم.
وكان على العقلاء منهم أن يتجنبوا هذه الأخطاء، فكانت هذه التصرفات بداية في تغيير المواقف والسلوك وهو مخالف لمنهج الرابطة القائم على مبدأ لم الشمل من البحر الأحمر إلى نهر سيتيت.
فقاعدتها التي ارتضت بها، كانت قاعدة عريضة أحبت عبارة لم الشمل المفقودة، مع اختلاف مكوناتها وأقاليمها ومصالحها، قاعدة مزقتها حروب النضال وأفقرتها في المدن والأرياف، وعانت من الإهمال في التنمية، قاعدة أصبح أبنائها تائهين بين النظريات التي سادت المراحل السابقة والفراغ السائد، قاعدة منكوبة بمجيء نظام مسيحي اعتمد نظرية الهيمنة والتهميش وفرض الثقافة والاستيلاء على الأراضي، قاعدة عدمت البديل القوي الذي يقف أمام هذا النظام الطاغي لضعف المعارضة بشقيها الإسلامي والعلماني، فوثقت هذه القاعدة في وثيقتها لتخرجها من هذا النفق المظلم، فإدارة بهذا الحجم وهذه المسئولية، ليست بهذه السهولة، وكانت تحتاج أسلوب المرونة الذي يجمع، فكل الذين انضموا إلى الرابطة من أبناء المنخفضات بمحض إرادتهم وحماسهم كانوا في معظمهم من الفئات المثقفة ذات التجارب والتي لا تحتاج إلى التوعية، وهي ميزة كانت تتميز بها وهي التي رفعت من شأنها، فئات هربت من الوضع القائم والتفت حول هذه الرابطة المؤسس منهم والمنضم بكل ثقلها،وخاصة فئة الشباب الذين استقطبتهم والهاربون من قسوة النظام، كل هؤلاء كانوا يرونها البديل الممكن الذي يعدل اختلال الوضع القائم، كان هذا تغيير كبير في التفكير أحدثه برنامجها المتمثل في الوثيقة ولم الشمل وما طرحته من أفكار، ولكن من المؤسف ما حصل هو أن القيادة المنتخبة كان المأمول منها الكثير وخاصة كانت تجمع بين أصحاب الخبرة والشباب، ولكنها لم تراع وضعها التأسيسي وميثاقها فأهملت حلول المشاكل وهي تداخل مسئوليات المكاتب الإدارية وتركتها حتى لو حصل الانشقاق الذي أحزن الجميع ولم يحزنها، بعد أن أمنت من يقول لها نعم من داخل القاعدة ويدافع عن أخطاءها.
بناء القاعدة
القاعدة التي انطلقت منها الرابطة شبيهة بقاعدة معروفة في علم الإدارة يطلق عليها الـ (Platform) وهي قاعدة علمية تأخذ بها الشركات والمؤسسات والأحزاب والتنظيمات وحتى الدول، مفادها أن المجتمع المستهدف لكسبه وتنظيمه في عموم أراضي الدولة أو في إقليم معين يطلقون عليه اسم (السوق) وذلك لكسب معظم الحصص في السوق المنافس الربحي وغير الربحي، ووفق هذه النظرية يقسم السوق إلى ثلاثة فئات هي:-
فئة (أ) وهي التي تتعامل معها في السوق أو الملتزمة في الكيانات التنظيمية والسياسية وهي الأرضية الأساسية للعمل وهي التي يجب الحفاظ عليها وعدم خسارتها لأنها الأرضية التي تقف عليها وتنطلق منها، فالتفريط فيها يعتبر نوع من المجازفة الممنوعة وغير محسوبة النتائج، ولذا يجب حمايتها من التصدع والتفكك.
وفئة (ب) وهي الفئة التي يمكن كسبها وضمها في سوق التعامل وهي بدورها تنقسم إلى فئتين، فئة لا يحتاج كسبها إلى مجهود كبير وبالإمكان إقناعها بمجهود بسيط لأنها شبه جاهزة للتعامل، وفئة غير جاهزة يمكن كسبها ولكن بعد بذل المجهود الكبير.
والفئة (ج) هذه الفئة لا يمكن كسبها لعوامل كثيرة فلا يبذل مجهود لكسبها (ويمكن تسميتها الفئة العامة).
ومن هذه القاعدة نجد في دول الغرب الديمقراطي أن الشعب يقسم إلى الشعب الناخب وإلى الشعب غير الناخب، ثم نجد في الشعب الناخب، فئة الناخبين الثابتين، وفئة المترددين الذين يمكن كسبهم، وهذه الفئة الأخيرة هي فئة (ب) من الفئتين، والأولي هي فئة أل (أ).
إذا عدنا إلى قاعدة الـ (Platform) فإن القاعدة الأساسية في العمل هي الفئة (أ) وهي التي يجب المحافظة عليها وهي الأساس للتوسع في العمل فيجب حل مشاكلها والاهتمام بها ماديا أو معنويا حسب النشاط الممارس، ثم الانتقال إلى الفئة (ب) للتوسع والانتشار، فمن عجز و خسر فئة أل (أ) لا يمكن أن ينتقل ليكسب الفئة (ب) المترددة والتي تري بأم عينها حرائق المشاكل غير المقدور على حلها وإطفائها، ويعمل فيروس الأنانية في تفكيكها.
وكل حديث بعد الذي حدث عن لم الشمل فهو يدخل في باب عدم المصداقية والمكابرة السياسية، فالقرارات الأخيرة الخاطئة والتمسك بها، كانت خروج واضح عن الميثاق وعن المحافظة عليه للم الشمل، فكانت هذه النتائج الكارثة من إفرازات ذلك القرار.
يبدوا أن قيادة الرابطة - وهي لا تجهل السلبيات العكسية لقرارها الذي عضت عليه بالنواجذ وما يترتب عليه من نتائج - قد وصلت إلى قناعة الاكتفاء بما تحقق لها من مكاسب، وتحويل الرابطة إلى تنظيم سياسي يطالب في المستقبل بحصته من ضمن حصص تقاسم المناصب بين الفصائل الارترية المتصارعة في حكم ارتريا في المستقبل.
وبعد ظهور جناح من أقصتهم والمطالبين بالتصحيح من داخلها وهو شيء من الخيال، فالظاهر أنهم سينظمون أنفسهم وسيأخذون حصتهم من عضويتها من الانشقاق الحاصل لتكوين جناحهم، وبذا سيكون مجتمع المنخفضات الذي كان الجميع يريد له لم الشمل لإعادة التوازن، فبهذه الأخطاء الجسيمة والانشقاقات مرة أخري قد دخل مرحلة جديدة من الانقسام والاستقطاب القبلي والمناطقي والإقليمي.
وأنا ككاتب عندما التحقت بالرابطة بعد قراءة الوثيقة كنت أبحث عن الأفضل وكنت أدافع عنها بحماس لحمايتها من المستهدفين لمشروع المنخفضات وهم كثّر، ولكنهم وللأسف قد فازوا.
فعندما تتقهقر المبادئ ويدفن مشروع وثيقة لم الشمل بالتحزبات، وتبعث قيادة الرابطة بتحيات السلام إلى قيادات الفصائل الارترية وفحواها غفر الله لنا ولكم، فانتم السابقون ونحن اللاحقون، أجد نفسي العودة كما كنت سابقا كاتبا عن قضايا هذا الشعب المقهور وقضايا الظلم الواقع على إنسان المنخفضات وأراضيه، ولا أحمل حقدا سياسيا لأي فرد اختلفت معه، وأتشرف بمعرفة كل من عرفته من الإخوان من خلال الرابطة وبعضهم عبر الوسائل، فعلاقتي الشخصية الأخوية محفوظة مع الجميع دون أن تتأثر، وإن شاء الله يكون الاختلاف بيننا في حدود الرأي و الرأي الأخر، ويجب علينا جميعا أن نقول الحق ولو على أنفسنا.