مع أبو ياسر في التقسيم الثلاثي للمكون الإرتري - القسم الاول من الحلقة الثالثة
بقلم البروفيسور الدكتور: جلال الدين محمد صالح
النتائج التي خلصت إليها: لقد بنيت على الجانبين السابقين، الجانب السياسي، والجانب التاريخي، من مداخلتك نتائج خرجت بها،
وقررتها، ودعني أعبر عن موقفي منها، ونقدي لها، على النحو التالي:
أولا: لا أتفق معك، على ما خلصت إليه، من نتيجة، تقول فيها: "التقسيم الذي يستخدمه الدكتور جلال ومحاولة تقسيم الناس على أساسه، ينطلق من معلومات غير صحيحة".
لأنها نتيجة متعجلة، خرجت من رحم مقدمة متأثرة بموقف سياسي مسبق، أملاه الواقع، ولأن قولك (معلومات غير صحيحة) دعوى كبيرة، متسرعة، لا أدري كيف جزمت بها، وما زالت تحتاج منك البرهنة عليها، بشكل علمي، ولا أدري أيضا كيف أيدك من أيدك عليها، ربما للموقف السياسي نفسه!.
ثانيا: ومثل ذلك، لا أتفق معك، على ما خلصت إليه، من نتيجة ثانية، تقول فيها: "الربط بين ممالك تفصل بينها فترات تاريخية زمنية... وإسقاط التاريخ غير المدون أصلا على تقسيمات الشعوب الحالية، أعتقد أنه ينطلق من قراءة غير سليمة لتاريخ المنطقة وشعوبها".
لأنها هي الأخرى وليدة مقدمة تاريخية، متأثرة بموقف سياسي مسبق، أملاه الواقع؛ ولأن قولك (قراءة غير سليمة لتاريخ المنطقة وشعوبها) دعوى كبيرة، متسرعة، هي الأخرى، ما زالت تحتاج منك كسابقتها البرهنة عليها، بشكل علمي، ولا أدري كيف جزمت بها؟! ولا أدري أيضا كيف أيدك من أيدك عليها؟! ربما للموقف السياسي نفسه!.
كيف تثبت، أن قولك: (التاريخ غير المدون أصلا) صحيح؟.
هل فعلا كما تقول أنه (تاريخ غير مدون أصلا)؟.
أيضا إنها دعوى تحتاج إلى إثبات، بشكل علمي، ولا أدري كيف جزمت بها؟ ولا أدري أيضا كيف أيدك من أيدك عليها؟! ربما للموقف السياسي نفسه!.
في حدود علمي ومعرفتي (إنه تاريخ مدون أصلا) له مراجعه المدونة، في المكتبات العالمية، وبالذات في العالم العربي، ومنه رسائل جامعية، في المكتبات الجامعية، وعدد منها مطبوع، وعدم العلم بالشيء لا يعني العدم.
ثالثا: وبخصوص النتيجة الثالثة، أقول: لك كامل الحرية، في أن تسجل موقفا سياسيا، من طرح سياسي ما، بشكل عام، والفيدرالية بشكل خاص، وهو ما فعلته عندما حددت موقفك السلبي، من الحل الفيدرالي، بقولك: "هذه التقسيمات لا تصلح؛ لنؤسس عليها رؤية فيدرالية، أو مشروعا سياسيا؛ لأنها تعطي حقوقا، لمن لا حق له، أو تطلق مسميات، لمن لم يكونوا يوما جزءا من هذا، أو ذاك".
ويظهر لي أن كل ما كتبته، من مقدمة تاريخية، تراها هي القراءة الصحيحة، وغيرها الخطأ، يستهدف في النهاية الحل الفيدرالي، وهو المقصود بالدرجة الأولى والأساسية، كما يظهر لي، وهو مقصد سياسي، وطبيعي أن تصل إلى هذه النتيجة المقصودة منك سلفا؛ لأنها هي النتيجة التي قصدتها، والتي يصل إليها، كل من قصدها مُقَدَّمًا، باتباع تلك المنهجية التي اتبعتها أنت، في قراءة التاريخ، وهي النتيجة الطبيعية لتلك القناعة المسبقة، بهذا الموقف السياسي الرافض للحل الفيدرالي.
ومع أني أخطئ منهجيتك هذه، في قراءة التاريخ، إلا أني أؤمن بحقك الكامل، في رفض الحل الفيدرالي، وفي النضال السلمي ضده، ولكن مع ذلك أقول: كان بإمكانك أن تناقش جدوى الحل الفيدرالي، في حل إشكالية السلطة والثروة، من غير أن تتناول تاريخ شعوب المنطقة، بهذه المنهجية التشكيكية، غير السليمة، المتأثرة في نظري بواقع سياسي، أملته الدولة القطرية الحديثة، وبحل سياسي مركزي، في إدارة هذه الدولة، ربما تراه أنت هو الأمثل، في حل إشكالية تدافع السلطة والثروة.
وفي الوقت نفسه أتساءل: من هم هؤلاء الذين يعطيهم هذا التقسيم الثلاثي، والحل الفيدرالي المبني عليه، حقا لا يستحقونه؟ ومن هم أولئك الذين يطلق عليهم هذا التقسيم، والحل الفيدرالي المبني عليه، مسميات لم يكونوا جزءا منها؟.
هل هم البني عامر، الناطقون بالتجرايت، في غالب منهم، الذين جعل منهم التقسيم جزءا من البجة، بحكم أن الناطقين بالتجرايت، لا يشملهم اسم البجة في نظرك؟ أم هم أناس آخرون؟.
ما أظن هم من تقصدهم، ولكن لأن التجرايت لغتهم، فالاحتمال يشملهم، بحكم أنك قلت: (مع التأكيد أن الناطقين بالتجري لم يكونوا ضمن هذه التسمية).
وهنا أشكل علي فهم مرادك، ومقصودك، من قولك في العبارة نفسها، في السياق نفسه (ضمن هذه التسمية) هل تقصد تسمية (البجة) التي جاءت في قولك (ومسلات عيزانا لم تذكر البجة) أم تقصد (الهاسا أو الخاسا) التي جاءت مباشرة، بعد تلك الجملة، في قولك (بل ذكرت الهاسا والخاسا، ولا نعرف المقصود بهم، هم القبائل النيلية، من البازين، والنارا (الباريا) أم الناطقين بالتبداويت) بعد هذا مباشرة قلت: (مع التأكيد أن الناطقين بالتجري لم يكونوا ضمن هذه التسمية).
وأيا كان المقصود، فأنا حملتها على تسمية (البجة) لا تسمية (الهاسا والخاسا) كما ظهر لي من فهم السياق، بحكم أنه نقاش بشأن من هم (البجة) ولهذا ذكرت البني عامر؛ لكون غالبهم يتحدث التجرايت، وبعض منهم التبداويت.
وعندما تقول: "لمن لم يكونوا يوما جزءا من هذا، أو ذاك" ماذا تعني بالضبط؟.
هؤلاء الذين عنيتهم، أيا كانوا، إن لم يكونوا جزءا من هذا، أو ذاك، بجاويا كان هذا، وذاك، أم أكسوميا، أم إيفاتيا، فمن يكونوا؟ هل هم نبتة شيطانية طارئة في المنطقة، لا تاريخ لهم فيها؟ وكيف وصلوا إليها؟ ومن هم هؤلاء يا ترى؟ هل يوجد في المكون الإرتري الثلاثي، من يمكن وصفه بهذا الوصف (لم يكونوا يوما جزءا من هذا أو ذاك).
وهل البازين، والنارا، أو الباريا، وغيرهم، من القبائل الأخرى، من نحو الإيليت، والسبدرات، واللَّبت، ليسوا من البجة، في انتمائهم التاريخي، والثقافي، والجغرافي؟ ثم من قال: إن البجة عرق نقي فحسب، وليس انتماءا أو ارتباطا ثقافيا، وتاريخيا، وجغرافيا، ومصلحيا، وحضاريا؟.
رابعا: أما النتيجة الرابعة التي تقول فيها: "رؤية البجة تدعم وتتناغم مع طرح الأجزيان الذي أعلن عنه مؤخرا... ويعمل له البعض في إطار الحزب في إرتريا منذ زمن".
فهي أيضا نوع من الانصراف عن المنهجية العلمية، في مناقشة التاريخ، إلى ما يشبه التخويف، من الطرح المخالف؛ وذلك بتشبيهه بما هو مكروه في النفوس، ومُقَزِّزٌ لها، حتى ينفر عنه الآخرون، ويمقتوه.
ما أظنك تقصد هذا، ولكن هذه هي النتيجة، إذ المعادلة هي: الأجعزيان طرح تآمري عنصري، عدواني، لا وطني؛ ورؤية البجة تدعمه وتتناغم معه، إذن هي طرح تآمري عنصري، لا وطني مثله، تأخذ حكمه، في الإدانة والمقاومة.
وهذه نتيجة منطقية خاطئة، مبنية على نتيجة خاطئة، منتزعة من مقدمة تاريخية خاطئة، ومع ذلك دعني أقول لك: إن ما طرحته حركة الأجعزيان، ليس كله خطأ تاريخيا، إذا قرأنا التاريخ بمنهجية غير متأثرة بواقع سياسي ما، ولولا أنها غالت في شيفونيتها، وتعصبها القومي، ونادت بحذف الكيان الإرتري كله، بإلغاء الجماعة البجاوية، والجماعة الإيفاتية، إلى ما وراء البحر،
وضم الكيان كله إلى إثيوبيا، أو إقامة (تجراي تجرنيا)؛ لأمكن التحاور معها، والتفاهم، في تحقيق التعايش السلمي، بين المكون الإرتري، بجماعاته الثلاثة؛ لأن في طرحها جزءا من حقائق التاريخ.
فكيف إذن (رؤية البجة تدعم وتتناغم، مع طرح الأجزيان، الذي أعلن عنه مؤخرا) إذا سلمنا بوجود هذه الرؤية أصلا بيننا نحن الإرتريين ؟.
وهل فعلا ثمة من يعمل لهذا الطرح (في إطار الحزب في إرتريا منذ زمن) كما تقول ؟ أظنك تعني الحزب الحاكم، أليس كذلك؟ وبهذا تكون حركة أجعزيان إمتداد لهؤلاء العاملين في داخل حزب الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية، تعمل بالتنسيق معهم، أو أن الحركة اخترقت بأفكارها، وطرحها السياسي الحزب الحاكم.