من موت الي موت... قصة شاب ارتري نجا من مو ت محتوم 2-3
بقلم الأستاذ: جعفر إبراهيم وسكة - ناشط سياسي وحقوقي إرتري
كنت قد تحدثت في الجزء الأول عن ماحدث لنا في الطريق من السودان وحتي دوخلونا الي الأراضي الليبية، وفي هذا الجزء سأتحدث
عن رحلتنا من ليبيا الي طرابلس.. كنا قد وصلنا الي ليبيا ونحن نحمل معنا صديقنا المريض (عمر).. بمجرد وصولنا قلنا للسمساري خذ لنا هذا المريض الي المشفي.. لكنه رفض وقال لا استطيع ان اوصله الي المشفي خذوه معكم الي طرابلس فربما تكتب له السلامة في الطريق او قومو بدفنه هنا إن مات.
كان عمر يموت أمام أعيننا وكانت حالته مؤسفة.. رأسه كان مكسورا يتدلي نحو الارض وكانت رجليه و جسمه يدوران مثل الجمل.. لو أنك لست الذي قمت بترحيله من الارض التي كان فيها ستظن ان حيوان ما كان هنا، لن تعتقد ان الذي كان هنا هو بشر مثلنا.. كنا نفتح له فمه لنسقيه الماء بالمعلقة لكنه لم يكن يشرب كما كنا نمسك رجليه حتي لاتدور ويتأذي اكثر.
ان عمر ومنذ لحظة وقوعه حتي موته لم يتكلم ولم يأكل كان في غيبوبة تامة.. بعد خمسة ايام توفي عمر الي رحمة ربه وقد دفناه دون ان نغسله لم نلبسه الكفن.. هم طلبو منا ان ندفنه ثم نغادر.
في الساعة الرابعة صباحا تحركنا الي مكان لانعرفه وبعد يوم كامل من ذهابنا اخبرونا اننا سنسير الي سبها.. كان السمسار السوداني قد باعنا الي سمسار تشادي والسمسار التشادي باعنا الي سمسار ليبي من قبيلة تبوء التي تتواجد في الحدود الليبية التشادية والسمسار الليبي الذي ينحدر من قبيلة تبوء قد باعنا الي سمسار سبها وسمسار سبها قام ببيعنا الي سمسار طرابلس.
كنا قد اتفقنا علي ان الرحلة بعشرة مليون سوداني بالقديم اي عشرة الف جنيه سوداني بالعملة الجديدة.. لكننا الآن سندفع ثمانية عشر مليون او سبعة عشر مليون سوداني بالقديم لان الامور قد تبدلت.. هذا غيرالمبالغ المالية التي كانت بحوزتنا والتي اخذوها منا العساكر السودانيين والليبيين.. اربعة ايام جديدة تبدأ معها معاناة اخري.. صحراء جديدة جوع جديد معاناة اسوء من الاولي.. مررنا بأماكن لم نكن نتخيل اننا سنخرج منها.. كانت كلها مليئة بالالغام.. كانو يقولون لنا لو تخطيتم طريق السيارة ستموتون.. في بعض الاماكن طلبوا منا ان ننام في السيارة لان الالغام كانت موجودة في كل مكان.. وفي بعض الاماكن كانو يسمحون لنا بالنزول بقصد الاستراحة.. مكان الاستراحة تكون دوما عالية وبها حفركثيرة.. بجانبها مقابرجماعية تري بقربها البان ودقيق منتهي الصلاحية.. كنا سعداء لأننا وجدنا بعض الدقيق الذي نأكله كنا نأكل الدقيق خاليا من اي شئ ونستخدم اللبن مع قليل من الماء.. حين نظرنا الي تاريخ الصلاحية وجدناه قد انتهي قبل عامين بلعنا اذا دقيق منتهي الصلاحية، ياللاسف شربنا لبنا فاسد.. قلنا لن يصيبنا مكروه فنحن لم نمت حتي الآن ولن يقتلنا دقيق ولبن فاسد.. سقينا الاطفال اللبن وشربنا نحن ايضا..وقبل ان نصل الي سبها انزلونا في مزرعة وقالو لنا انتم الآن تدخلون المدينة ومن معه منكم لباس يغير ملابسه لأنكم ستركبون سيارات اخري.. حملونا في سيارتين وعند لحظة اقترابنا من دخول سبها وضعونا في سيارة واحدة.. دخلنا المدينة ونزلنا في بيت السمساري التي رأينا فيها العجب.. انهم دولة قائمة بحد ذاتها او دولة داخل دولة كان السلاح موجود بكثرة وبكل انواعه.. هذا السمسار والمجرم يمتلك جيش وكتائب.. حين انزلونا ضربو كل واحد منا في مؤخرته شلوت وكفاف في وجهه سواء كان صغيرا او كبيرا.. والحراس قد وضعو اسلحتهم في وضع استعداد ووجهوها نحو صدورنا.. كان يأخذ كل واحد منا نصيبه من الضرب ثم يدخل بعد ذلك الي السجن في صراط مستقيم وقبل ان نمكث خمسة دقائق كانوا يأخذون السوط ويطلبوا من الجميع ان يرفعو اياديهم.. ضربونا حد الكفاية.
اخبرونا انهم قد اشترونا ولم نأتي اليهم عن طريق سمساري قالوا لنا انهم اشترونا كما يشتروا البهائم.. والآن من يدفع منكم الفدية سيخرج الي طرابلس..ومن لايدفع الفدية سيري مالايحمد عقباه ونعرف ان نفعل ذلك.. ارهبونا حقا، كانو يحملون اسلحتهم و يتحركون فوق رؤسنا.. وفي لحظة طلبو منا ان نتفرق قالو النساء يجب ان يكونو لوحدهم والرجال لوحدهم.. النساء ذهبوا الي غرفتهم والرجال الي غرفتهم وجميعنا نجلد بالسياط في زمن قياسي وفي ساعة محددة احيانا يجلدون النساء واحيانا الرجال.. في صباح اليوم الثاني اعطونا هاتف طلبو من كل واحد ان يتصل علي اهله ليرسلو له المبلغ المطلوب.. قلنا لهم اننا دفعنا في السودان ولكنهم اخبرونا انهم قد اشترونا من سمسار تشادي.. وطلب منا ان ندفع له المبلغ ان اردنا الخروج من هنا او ستدفعون ثمن غالي لعدم دفعكم وستشاهدون ذلك.. المبلغ المطلوب لتصلوا الي طرابلس هو ثمانية ملايين.. دفعنا المبلغ المطلوب والدفع كان في السودان وفي الخرطوم تحديدا والشخص الذي تسلم المبلغ يدعي عبد المجيد.. كنا قد مكثنا عشرة ايام في سبها.. بعد عشرة ايام قال لنا ان الذين دفعو سيذهبوا الي طرابلس في سيارتين قادمة ستكونو عشرة في كل سيارة.. كنا نرقد الخمسة والخمسة يرقدون عكسنا وكان ذلك حتي خروجنا من سبها.. ما ان خرجنا من سبها وصلتنا سيارة اخري كان فيها ليبي اصفر اللون هذه المرة لاول مرة نواجه ليبي اصفر اللون فالليبين الذين كانو يتعاملو معنا من قبل كانو سود..اضافو الينا عشرة صوماليين وقالو لنا سنتوجه الآن الي طرابلس.. عربية تايوتا من المستحيل ان تحمل ثلاثين فرد لكنه حملها اكثر من ذلك.. كانو معنا اطفال ونساء وشيوخ طاعنين في السن.. اجلسنا في السيارة ربطوا رؤسنا بالخيمة انهم ربطنا كالبطيخ من منكم يعرف البطيخ! اننا في الطريق الي لبوليب.. تعبنا تعبا شديدا فنحن جالسون فوق بعضنا البعض ليس هناك هواء اننا لم نستطيع ان نقاوم لذلك قررنا ان نخرج رؤسنا وما ان فعلنا ذلك اوقف سيارته ثم اخرج عصا وضربنا بعصاه في الرؤس.. جميعنا ضربنا في رؤسنا.. قلنا لبعضنا اننا سنموت وماعلينا سوي الصبر لكن السؤال هو كيف نصبر وفوقنا خيمة وتحتنا لهيب من النار.. بعد يومين من تحركنا وصلنا الي بن وليد.. كنا قد طلبنا منهم ان نقضي حوائجنا أن (نتبول) لكنهم قالو لنا ستقضونها في بن وليد.. حين وصلنا بن وليد انزلونا في منزل الا ان صاحب المنزل رفض ان ندخل داخل البيت.. قال لنا انتم لن تدخلو هذه البيت.. ستمكثو في السلم والتدخين ممنوع.. قلنا له نريد ان نقضي حاجتنا ولكنه رفض ان نفعل ذلك في منزله.. قفل علينا السلم وخرج.. درجة الحرارة كانت مرتفعة اكثر من اللازم للدرجة التي جعلتنا نحن الي السيارة.. بعد خمسة ساعات اتي الينا وكان احد الصوماليين قد أخرج سجارة وقام بتدخينها وضيق المكان جعل اثر الدخان موجودا.. قال لنا انتم دخنتم السجارة ثم اخذ العصا وضربنا.. أخرجونا بعدها في صف واحد لنقضي حاجتنا.. و قالو لنا كل واحد منكم يأخذ لتر من الماء ويصعد الي السيارة.. صعدنا الي السيارة بعد أن شربنا الماء.. كنا نذهب في الليل وحين اقترب الصباح اقتربنا من طرابلس.. وهناك انزلونا في مزرعة اظن انها في الزنتان لم اعد اتذكرالمكان ولكنه كان مكان للجيش فقد كنا نشاهد الدبابات والمدافع والدوشكا.. اخذونا من هذا المكان باعداد متفاوتة اربعة او خمسة اشخاص وقبل ان نصل الي طرابلس كانو قد اتصلو علي سمساري هناك.. قالو له سنبيع لك ارتريين موجودين معنا هنا وافق السمسار ان يشترينا ونحن كنا قد دفعنا الفدية حتي نصل الي طرابلس.. نزلنا مع سمسار اسمه مدهاني ومن يخرج من طرابلس يخرج من هنا.