الدولة الفاشلة

بقلم الأستاذ: محمد عثمان حمد

لماذا البعض من الدول هي فاشلة، فلا تطور ولا تتقدم ؟، ولماذا البعض من الدول تنجح وتتقدم وتتطور ؟. هل المشكلة تكمن فيما تتبعه

الدولة من فكر سياسي، ليبرالي رأسمالي أو شيوعي اشتراكي أو إسلامي ؟، أم المشكلة تكمن في غياب فكر سياسي من الأساس ؟.

إن المعروف هو، أي نظام سياسي، إن كان ذلك النظام يتبع فكرا سياسيا غربيا، يمتد على ذلك المدى الطويل مما تفتقت به أذهان مفكري السياسة من أنساق فكرية سياسية، من نيكولا ميكافيلي وتوماس هوبز وجون لوك ومنتسكو وفولتير وهيجل إلى كارل ماركس، أو إن كان ذلك النظام يتبع فكرا سياسيا إسلاميا، من الفارابي والغزالي والماوردي إلى ابن خلدون، جميعها ومهما تنوعت واختلفت، تعالج كيفية التوفيق بين الاختلافات، من الإنسانية والعقائدية والطبقية وتباين المصالح.

دولة الصين الشعبية: تأخذ بالفكر السياسي الاشتراكي، أو الديمقراطية الاجتماعية، وبه تطورت من أرض التخلف والفقر والمجاعات إلى أرض الرخاء الدائم، وتحولت من الدولة النامية المتأخرة إلى الدولة النووية التي غزت الفضاء.

دولة فيتنام: تأخذ بالفكر السياسي الاشتراكي، نهضت من قاع الرماد بعد العربدة الأمريكية، فهي ومنذ استقلالها في 1975 تتطور وتتقدم دون أن تثير الزوابع والضوضاء، ودون أن تعرض كرامة شعبها لآثار الفقر والمجاعة والتشرد واللجوء، ودون أن تتسول الأرزاق والدعم والمساعدات من الآخرين، وهي على وشك أن تبلغ بتطورها وبتقدمها إلى مراتب دول نمور آسيا المستقرة والمتطورة من سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية إلى تايلاند.

دولة كوريا الشمالية: تأخذ بالفكر السياسي الاشتراكي والتي هي مازالت تواجه بالعداء المستمر من قبل الدول الاستعمارية، ومع ذلك هي تتطور وتتقدم، فأصبحت القوة الاقتصادية الذاتية المكتفية، بل هي تهدد بطاقاتها وقدراتها التقنية والعسكرية دول جوارها.

دولة كوبا: تأخذ بالفكر السياسي الاشتراكي، تلك الدولة الصغيرة والمحدودة المساحة والموارد والتي تقع على مسافة 90 ميلا من جارتها الامبريالية الاستعمارية العملاقة، الولايات المتحدة والتي في البداية غزتها، وعندما فشلت في مسعاها عادتها وحاصرتها لعقود طويلة، مع ذلك بقت وتطورت، وأخيرا، رضخت لإرادتها واعترفت بخيارتها، ففتحت لها الأبواب، فأعدت بها العلاقات!.

وبالعكس من ذلك، فانظر إلى الدول الفاشلة في الشرق الأوسط وإفريقيا، والتي تتخلف وتتقهقر، بل تتفسخ وتتفكك من جراء الفساد السياسي والحروب وعدم الاستقرار، لأنها لا تتبع فكرا سياسيا بعينه، أو أنها تتبع تلك السياسية العشوائية، أقطف من كل بستان وردة، فتسير أمور حكمها من السياسة والاقتصاد والإدارة يوم بيوم، لذلك لا تجد لنفسها الهدى والمسار للتطور والتقدم.

دولة مصر: هي من أقدم الدول في الشرق الأوسط وإفريقيا، الكبيرة بمساحتها والعريقة بماضيها، لا تقل بإمكانياتها البشرية وبمواردها الطبيعية عن تركيا والهند والبرازيل والأرجنتين، والتي تسمى نفسها بعدة أسماء وألقاب، أم الدنيا وأرض الخزائن وأرض الكنانة وأرض النيل، ومع ذلك يعيش شعبها باكتظاظ النمل في ذلك الشريط الضيق من المساحة، في العشوائيات وفي مدافن الموتى في تلك المدن الرثة على ضفتي النيل أو في مواني البحار، بينما صحاريها الشاسعة البور خالية تعصف بها الرياح.

ومع ذلك، ومن الدعاية السياسية والتلميع أو النفخ في الذات، إن الدولة المصرية، هي تلك الدولة التي يتفاخر بها عموم العرب بالشقيقة الكبرى والدولة المركزية والمحورية والضامنة لأمن واستقرار المنطقة ومصائر العرب من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر!.

ولكن، الدولة المصرية، بحقيقتها المؤسفة، ما هي إلا تلك الدولة التي يعيش شعبها على الهبات والعون والمساعدات والقروض، وكل ما أنخفض ريع ذلك التسول، أو لمجرد أنها سوف تحرم من إيرادات السياحة وعائدات مزارات الآثار، تتداعى بأمورها المعيشية، وهي في وضعها هذا، قد خيبت آمال المصريين والعرب فيها، لأنها مبتلية بحكم عسكرها وبجيشها الفاسد والذي ظل لعقود بقيادته ومؤسساته يركع أمام جبروت حسني بطغيانه وتفرده وبرغباته المريضة لتوريث حكم مصر لابنه كما ورث الأسد حكم سوريا لابنه، ذلك الجيش الذي قلب الطاولة على الثورة الشعبية بحبك المؤامرات وبضرب الفئات بالفئات، فأقصى السلطة الشعبية الشرعية والتي تحققت بتقديم التضحيات، بالتراضي من الأطراف، وعن طريق صندوق الانتخابات، فكان أن يعود بالبلد إلى حيث قاع الاستبداد والفساد، وإلى الأسوأ مما كانت عليها الأوضاع في أيام مبارك، بعدما أعتقد الشعب بزوال الغمة، كأنك يا أبو زيد ما غزيت!.

أما دولة إرتريا: فلا يمكن مقارنتها بأية دولة من دول الفاشلة، بل من الإجحاف أن تقارن أمورها بأمور أية دولة من الدول الفاشلة، فهي دولة الهباب والخواء، الدولة التي مازالت بقيادتها من الزمرة الحاكمة تعيش على أمجاد حرب التحرير، الدولة التي لا يمكن تعريف أو تصنيف نظامها السياسي، هل هي دولة تأخذ بالنظام السياسي الغربي الليبرالي أو بالنظام السياسي الاشتراكي ؟، أو هي دولة لا نظام لها ؟.

إذا وجه هذا السؤال إلى من هو على رأس الدولة، الحاكم بأمره، الطاغية "إسياس"، فيرد إن نظام دولته أحسن نظام في العالم، فإذا سئل وما هو ذلك النظام الأحسن في العالم؟، فيرد نحن الأفضل في المنطقة، هل تطالبونني بإقرار حكم الدستور والانتخابات والتعددية السياسية، ولماذا لا تطالبون ذلك من المغرب والسعودية والبحرين والكويت، وعندما لا يجد من يجيبه على ردوده الغريبة، يجيب معتقدا بأنه بدد حجج سائليه، ان نظامه يقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية، مما يعني ضمنيا ان نظام دولته اشتراكي، حيث سمع في أكثر من مرة وهو يرهف، ان دولته تتبع التجربة الصينية في السياسة والاقتصاد والإدارة، وكل ما هنالك، إنه ربما قد حصل على التثقيف السياسي والتدريب العسكري هناك، فالأكيد انه لا يعرف أن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم، والتي تطبق في مدارسها ثلاثة مناهج دراسية، حسب مقياس الذكاء للأطفال، منهج للعباقرة ومنهج للحاذقين في الذكاء ومنهج للعادين.

هذا زمانك يا مهازل فامرحي!. أين سياسة دولته من سياسة الصين الشعبية التي نهضت بفضل نظامها الاشتراكي من تحت الرماد، وحققت لشعبها الذي تعداده مليار ونصف المليار العدالة الاجتماعية الحقيقية بالرخاء الاقتصادي العميم، بل غزت بتقنياتها الحديثة الفضاء وبتجارتها واستثماراتها كل المعمورة، فحجزت لنفسها تلك المكانة المرموقة بين الأمم المتقدمة والمتحضرة.

إذن، إن نجاح وفشل أية دولة، ليس له أية علاقة فيما تتبعه الدولة من فكر سياسي، بل في غياب فكر سياسي من أصله لتسيير الحكم، أو ان هذه الدولة الفاشلة كل ما تقوم به لتأسيس ما يسمى بنظامها السياسي النسخ والخلط والتدليس، فيتحصل عندها كوكتيل متنوع من الأفكار وتجارب الآخرين، شيء من الغرب وشيء من الشرق، تقليد طريقة تلك الدولة، وأخذ من تجربة تلك الدولة، وكيف ما كان ذلك، فتكون النتيجة، أن تنتهي الدولة بمصيرها ومآلها البائس إلى الفشل الدائم في الحكم والتسييس.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click