خواطر حول المعارضة في إثيوبيا - الحلقة الثانية
بقلم المناضل الأستاذ: أبوبكر فريتاي - كاتب ومفكر سياسي
مختبر تنظيمات الانابيب... والتطفل على المعارضة؟
عندما قدم الوفد الجزائري بقيادة المرحوم أحمد بن بلا وثورة الجزائر في بواكير نضالها الى مصر، قابلهم الرئيس المرحوم
جمال عبد الناصر ذلك الضابط الصعيدي الذي ملأ قامة الدنيا صيتاً وأبهر جماهير العرب، طلبوا ان يدعمهم بالسلاح، وعبد الناصر الذي صُهرت في وجدانه، نخوة الريفي وأصالته وكرمه وتكوينه الثقافي والفكري، قدم لهم الدعم ببذخ واجزل لهم العطاء، ولكن بن بلا رفض ان يأخذ أكثر من حاجته وقال لعبد الناصر: نحن لا نريد أن نفسد الجندي الجزائري ونحرص على تربيته لينتزع البندقية من خصمه، كما أننا نريده ان يدرك إذا فقد بندقيته لأي سبب فليس لديه ما يدافع به عن نفسه، أذكر ذلك لأقول: هؤلاء هم القادة الذين خرجوا من صفوف الجماهير ليقودوها بشرف لتحقيق الأهداف الوطنية، مثلما فعل قائدنا الرمز الوطني حامد ادريس عواتي، ومثل هذه القيادات لا تخشى ظمئاً ولا تخاف من جوع لان الجماهير تخرج اليها في كل منعطف بالزاد والماء وتمدها بذخيرة الرجال. وقد كان لنا مثل هذه القيادات وما يزال لنا مثل هذه الجماهير ولكن غشاوة نهم السلطة وبريق الدراهم، وقبل ذلك ترنح قيم الرجولة وضعف الوفاء للشعب واستسهال المكاسب المادية قد وضعنا إزاء مشاهد مزرية لممارسة السياسة بابشع الوسائل من تنظيمات فاقدة لمعنى الوجود ومبرره، لأنها تنظيمات تخلقت في أنابيب مختبرية حقنت بكل مركبات (انتقاص الاخر واستلابه) وخلت من مادة الشرعية الشعبية والضرورة التاريخية لوجودها ولأن مبرر وجودها الرئيسي هو جذب الاخر الى مربعها واستمالته للإنصياع لخياراتها التعسفية لأن أساس وجودها قائم على خلق تقويس جانبي في مسار الاغلبية ومحاولة حرف طريقها نحو غايات واهداف نخبوية وطائفية وجهوية... الخ. أما تمنطقها بعناوين الديمقراطية وما يمت اليها من مصطلحات ما هي سوى دعاية تسويقية تفتضح عند أول ممارسة في ميدان العمل أو التواصل مع الاخر.
في هذا القسم (2) رأيت تقديم الحديث عن حزب (اندنت) وعرابيه يوهنس اسملاش ولؤل قايم الذين ركبا هودج المجلس بقاطرة لم تكن قد مرت بسكة مؤتمر أواسا، وهم على اية حال ينتمون لمخطط خاص يدينون فيه بالولاء لأطروحات خارج السياق الوطني وإن الجهة التي يحاربونها هي تنظيمات المعارضة وقياداتها، وهمهم الوحيد هو التطاول على مواثيق التحالف والمجلس واختزالها في شعاراتهم الهزيلة الواردة تحت عنوان (انقاذ الشعب؟؟؟؟). ولا يحلو الكلام وتفهم مقاصدة الا بالشواهد، وهذه بعضها:
المرحلة الأولى:
ويمكن تأشير أنطلاقتها من العام 2007م وهو العام الذي ناقشت فيه قوى التحالف الديمقراطي الارتري الاوراق الاولية المتعلقة بمؤتمر حوار وطني جامع لتوسيع ماعون المعارضة، ولولا الخلافات التي عصفت بالمشروع عقب حدوث أول انشقاق في التحالف قاده حزب الشعب وخرج بثلاثة تنظيمات من اجماع القوى الوطنية واصطف خارج مظلة التحالف لكان مشروع الحوار قد انطلق في وقت مبكر ولتوصل لنتائج أفضل بمعزل عن المكايدات والتشرذمات التي اسقطها خلاف عام 2007 على مخرجات ملتقى الحوار الوطني الذي اختتم في 9 اغسطس عام 2010م وفق مخرجات ورشة الحوار الجامعة التي رعاها التحالف على ضوء قرار مؤتمره التوحيدي في مايو 2008، والتي اقيمت في يوليو من العام 2009م حسبما اذكر وقد شاركت فيها تنظيمات سياسية بالإضافة الى عدد من منظمات المجتمع المدني التي جاءت مشاركتها بقرار من التحالف. وقد تمخض عن هذا الملتقى الذي شارك فيه نحو(330) عضوا من التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني قرار عقد المؤتمر الجامع الذي توسعت فيه مواعين المشاركة، ومن المهم أن اذكر هنا أن هذا المؤتمر قد تضمن مخرجات بعيدة كل البعد عما يريده ويطالب به حزب اسملاش (الآن) وجبهته ذات الطابع الطائفي والجهوي ومنها:
• عقد المؤتمر في نوفمبر من العام 2011م بعد فترة تحضير كانت نشطة ومسئولة رغم كل ما شابها من عواهن ونواقص لأنها قدمت أوراق ومستندات لامست الى حد كبير قناعات الكثيرين ومثلت لهم برنامج الحد الادني الذي يمكن الاتفاق عليه ومن ابرزها اعداد ورقة خارطة الطريق والبرنامج السياسي الذي اعتمدته خلال المرحلة القادمة، والورقة السياسية التي وصفت النظام كونه نظام دكتاتوري يجب اسقاطه ومحاكمة رموزه، والنقاط البارزة في هذا السياق كانت اسقاط كل القوانين التي اصدرها النظام والتطرق بصورة واضحة الى رفض سياسة التغيير الديمغرافي والمطالبة باعادة كل مواطن الى ارضه الاصلية هذا فضلاً عن رفض وادانة المسخ الثقافي الذي مارسته عصابة الهقدف ورفض سياسة التجرنة للمجتمع الارتري... وكثير غيرها، هذا المخرجات وغيرها لم تكن لترق لأسملاش الذي تقلد نيابة رئاسة تنفيذية المجلس كما لم ترق ولم تقبل من اللوبي الذي سيشكل لاحقاً حزب اندنت بقيادة اسملاش.
• رفض المؤتمر الوطني الاعتراف بما يسمى بحقوق القوميات بتقرير مصيرها حتى الانفصال وان حزب اسملاش فيما بعد صار يعلن في كل مناسبة اعترافه بحقوق القوميات ومطالبتها بتقرير مصيرها حتى الانفصال، وعلى ذلك فإن واحدة من ابرز ضرورات تأسيسه كانت محاولة انقاذ جبهة قرنليوس التي تم اخراجها من التحالف بسبب موقفه الشاذ من عواتي، وأن هدف مجموعة اسملاش البعيد هو تأسيس تحالف من جبهة قرنليوس ومثيلاتها ليمثل لهم حصان طروادة ليتمكنوا من دخول المؤتمر القادم ككتلة توازي بحسب تصورهم المريض كتلة التنظيمات السياسية في التحالف.
• شكلت نسبة حضور المسلمين في المؤتمر الوطني نسبة كبيرة بتقديرات بعض تنظيمات كبسا وانعكس أثر ذلك في آلية استصدار القرارات في مؤسسات المجلس الوطني وهذا يعتير بتقدير جبهة اسملاش التي اعترضت على قرار تجميد قرنليوس في الاجتماع الدوري الثاني للمجلس الوطني في ديسمبر 2012م خلل، (هو لا يؤمن بالديمقراطية الا عندما يكون المسلمون اقلية ) وعلى هذا كان لا بد لهذا الكتلة من صناعة وتطوير جسمها ليكون هو المتحكم في آلية القرارات، والظاهر في هذا السياق أن هذه الكتلة لا تسطيع ان توفر التفوق العددي في آلية الحسم الديمقراطي بالمكونات التي خرج بها المؤتمر الوطني ولهذا راحت تبحث عن سياق آخر لفرض قرارها، ولهذا كان لا بد لها من التفكير في السيطرة على مقاليد السلطة في المؤسسة التنفيذية للمجلس وتعتبر كل المؤسسات المتمخضة عن المجلس خاضة ومنصاعة لها.
المرحلة الثانية:
• استصحاباً لما ذكرته في القسم (1) فإن اجتماع دبر زيت الطارئ في حقيقته كان مسرح التشيع الدرامي للمؤسسات التي انتخبها مؤتمر أواسا وكذلك الغاء لقوانينه ولوائحة وهذا هو الجو الملائم والمطلوب صنعه لتتمكن مجموعة اسملاش ومن تحالف معها للوثوب الى القمة، وهنا يجب الاشارة الى ان بداية انطلاق فكرة تأسيس حزب اسملاش قد دشنت في العام 2013م عقب خروج قرنليوس من التحالف وتجميده في المجلس وشكلت حاضنة لكتلة يمكن ان تنافس كتلة التحالف، وبعد السيطرة على قيادة المجلس التنفيذية شكل كفلي يوهنس ترويكا متنفذة من: كفلي يوهنس، بنيام افورقي، وتسفو اصبها بالاضافة لعضو رابع لم يشاهد لا في دبر زيت ولا في مقر التنفيذية لفترة وفي مقابلهم كان نائب الرئيس من تنظيم العفر والمسئول الاداري والمالي من تنظيم ساقم، وهنا قد حانت اللحظة المناسبة للاعلان عن تأسيس جبهة تحالف جديدة بين خمسة تنظيمات من المرتفعات بقيادة يوهنس اسملاش لتكون في المستقبل القيادة الشرعية للمعارضة الارترية، ولكن باجندة مغايرة تماماً لمخرجات أواسا وأوراقه الثلاثة.
وبهذه المعطيات والمقدمات التي اعد لها بإحكام ودعم مقدر دعا حزب الوحدة (اندنت) الى عقد سمنار جامع ؟؟؟ وجهت فيه الدعوة لكل التنظيمات بما فيها تنظيمات التحالف ومؤسساته لمناقشة تسعة أوارق، اعد السبعة منها دهاقنة اندنت ووزعوا اثنان على المسلمين، وفي الاول من فبراير 2015م انطلقت ورشة حوار قاطعتها تنظيمات التحالف بالإضافة الى جبهة الانقاذ الوطني جناح دكتور هبتي بينما حضرها جناح عقبازقي دبوس وقد القي الاخ يوهنس كلمة القى فيها اللوم على التنظيمات التي لم تشارك في سمناره الاحتفائي واستهجن فيها قرار التحالف بفصل قرنليوس واعتبره مؤشر خطير على الديمقراطية؟؟؟... والسؤال: لماذا أُريد لهذا السمنار ان تشارك فيه كل التنظيمات وتناقش أوراق لا تعنيها، ومن أنتم مثلاً لتناقشوا أوراق مثل: الوحدة الوطنية: الاقتصاد... الخ. أم انكم تعتبرون مناقشات المؤتمر الوطني وأوارقه لااااااغية؟؟؟؟.
من كل ذلك ورغم الايجاز الشديد الذي اضطررت اليه اريد ان اصل لتساؤل: ماذا يريد ان يقول لنا هذه الحزب؟ هل يرى كتلتة المصنفة بوضوح هي البديل لكل مكونات المعارضة؟ هل يرى ميثاقه ونظامه هو الافضل والاعلي من ميثاق التحالف والمجلس، وعلى سبيل المثال فإن أوارق المؤتمر الوطني اقرها ستمائة عضو مشارك في مؤتمر أواسا، بينما مؤتمر أسملاش لم يشارك فيه سوى (62) عضو؟ ومامعنى هذا التحشيد المزيف لقوى لا تملك امتداد خارج حدود مركزها؟؟ وأغلب ظني: ان هذه الترويكا تريد ان تصنع من نفسها وأسمائها الممثل الشرعي والوحيد للمعارضة وفي ذلك قول ربما سنعود اليه في احاديث قادمة.
مؤتمر الشباب الارتري لإنقاذ الوطن:
ما ابرعنا في اختيار العناوين التي لا يؤيدها الواقع، المهم، أن حزب اسملاش قد وجد نفسه مؤهلاً لتنظيم الخارطة الارترية برمتها، فبعد ان قام السيد كفلي يوهنس باجازة اتحاد نساء عقد لهم اجتماع في مقره وجميعهم ومثلهم معهم لا يملؤن العشرة (وشوية) وعلمت أنهن من زوجات الطورسراويت الذين قدموا مع ازواجهم الى اثيوبيا بعد التحرير، عقد السيد يوهنس اجتماعاً لم يعلن عنه، (يعني سرى) مع اخوة من ساحة السودان قام بدعمهم احد اعضاء حزب يوهنس من المسلمين؟؟ وقدم لهم ما يلزم لدخول اديس ابابا، ليعقد معهم على الفور في 2015/8/1م اجتماعاً تضمن خمسة جلسات وفيه وضعت استراتيجية اتفاق تمس بمستقبل العمل الوطني وتتجاوز على تنظيمات وطنية مناضلة واتفقوا على المنطلقات التالية التي اعتبروها توافق ميثاقي يقوم على اساسه المولود القادم الذي سيعقد له حسبما قرر مؤتمر في خواتيم الشهر الجاري في اثيوبيا.
بعض المبادئ التي تم الاتفاق عليها:
1. تعتبر ارتريا تكوين طارئ نجم عن قوى الاستعمار التي تعاقبت عليها؟؟؟؟.
2. ناضل الارتريون بمستوى واحد من التضحيات وان الكتلة المطالبة بالاستقلال كان فيها عدد مناسب من المسيحين كما ان الكتلة التي طالبت الانضمام لإثيوبيا كان فيها عدد مهم من المسلمين؟؟؟؟؟؟.
3. التنظيمات السياسية متخلفة ولم تتمكن من وضع برامج تستقطب الشعب والشباب وهي تنظيمات لها عقلية متخلفة تتغني بالتاريخ وليس لها افق ورؤية مستقبلية جاذبة.
4. الشباب الارتري يرفض التعامل مع هذه التنظيمات ويتطلع للتعامل مع جبهة الوحدة الارترية للتغيير الديمقراطي؟؟؟؟؟.
5. الاعتراف بالقوميات وحقوقها (بما في ذلك حق تقرير المصير)؟؟؟.
6. كل الاديان متساوية.؟؟؟
7. كل اللغات متساوية؟؟؟
8. العربية والتجرنية لغتان رسميتان.
9. التاريخ الارتري بحاجة الى تقييم ومن حق كل جهة أو تنظيم ان يكون له رأي في فصوله؟؟؟؟.
باعتقادي الراسخ ان كل فقرة من الفقرات اعلاه لو أُعمل فيها النقاش سنتوصل الى برنامج جديد يعده هذا الحزب ليتجاوز به المواثيق التي تفاهمت عليها التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وسأترك ذلك للقارئ الكريم، ولكني قبل رفع القلم اطالب بإيقاف هذه المهازل وأتمنى ان لا يكون شبابنا وقوداً لمعركة خاسرة لا تخدم مسيرة مقاومتنا للنظام الدكتاتوري الطائفي الشوفيني الجاثم على صدر شعبنا. وأختم بالاشارة الى ان هذا الاتحاد المرتقب ستؤمه حسب ما قرر عضوية من السودان وهي الاكثرية ومن الشرق الاوسط واوربا وغيرها، واعتقد ان كل من يشارك في هذا العمل المدبر سيتحمل مسؤليته امام اهله وشعبه كونه دشن عملاً يجري في الظلام ولاغراض يعلمها من يعد لها تماماً.
ونواصل باذن الله...