ترجّل فارس المدينة الأستاذ حسين لجاج - أبو سمير

بقلم الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب ومؤرخ إرتري، المملكة المتّحدة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد إبن عبدالله النبى الأمىّ وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

حسين عثمان آدم لجاجقال تعالى: (ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشّر الصّابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) البقرة: الآيات 155-156-157

لم أنعى فى صفحات التواصل صديقى وصهرى الأستاذ/ حسين عثمان لجاج (أبو سمير) الذى إنتقل إلى رحمة مولاه فى يوم الجمعة فى السّادس من شهر نوفيمبر 2020 الموافق العشرون من ربيع الاول 1442 هجرى فى الثالثة صباحا فى مسنتشفى كرن كما لم أفعل ذالك فى وفاة بنت عمتى زينب حامد موسى التى توفيت قبله بعدة أشهر فى مستشفى الشرطة فى الخرطوم ولا فى وفاة والدى الخليفة الفكى أحمد الذى رحل عن هذه الدنيا الفانية فى مستشفى (أروتا) فى أسمرا بتأريخ الثانى عشر من يوليو 2020 ولا بنت عمتى الأخرى التى لحقت بخالها حليمة حسين طاهر بما قارب الثلاثة أشهر فى مستشفى صنعاء باليمن السعيد، إكتفيت بالنشر فى المجوعات العائلية الواتسابية حتى لا أكدر صفو الآخرين... ولكن نعى أساذى ومدير مدرستى الإبتدايئة فى كرن الأستاذ والمربى عيسى سيّد محمّد سيّد حيوتى لوالدى فى يوليو هذا العام ثم لصهرى وصديقى وزوج شقيقتى الصغرى الأستاذ حسين لجاج، حركتا فى نفسى شؤونا وشجونا لم أستطع تجاوزها وهى التى خنقت قلمى اليوم ليأنّ على الصفحات.

أرسل لى الأستاذ المناضل الوطنىّ عيسى سيّد رثاءه فى هاتفى النّقال شكرته وحمدت الله على الحال والذى لا يحمد على مكروه سواه، فقد مرّ أمامى طيف الأستاذ والمربّى عيسى سيّد محمد وهو شابا نحيفا بكامل هندامه الأفرجى وفى يده قلما دائما فى المدرسة الإيتدائية وأحيانا أخرى فى مكتبه يحادث المعلمون الأمحرا بلغتهم أحيانا وبالإنجليزية أحايينا والتقرنية كذالك، الأستاذ كان المديرا الثالث لكاتب هذه السطور بعد الأستاذ/ سليمان عبّاسى محمّد والأستاذ/ نور أحمد سرقى برهان، أما إجادته اللغة العربية كانت تعطينى الإنطباع بأنه درس فى قطر عربىَّ فى الجوار، ولكن الأستاذ الجليل صحح إنطباعاتى حين إلتقينا فى أغسطس عام 1981 فى مكتب التعليم أيّام الثورة التحررية حينها عرفتُ أن اللغة العربية هى لغة أجداده، كما البلين لغة أمّه وجدته لأبيه.

وقد سألنى الأستاذ عن الأهل فى كرن أخبرته أن لا أخبار لى فبلغنى بخبر زواج كان فى العائلة قبل إسبوع وقتها أنّ العروس كانت أختى الصغيرة (خديجة الخليفة الفكى أحمد) والعريس كان الأستاذ الجليل/ حسين عثمان آدم لجّاج باركت للعروسين بعد شهور عدّة بمكتوب من كسلا عندما غادرت (ساوى إدريس دار) ومكتب التعليم، لإجازة قصيرة.

رحم الله الأستاذ الجليل حسين عثمان لجاج (أبو سمير) كان رجلا هادئا لا ينفعل ساعة الشدائد، منضبطا لا يقبل التسيّب لا فى داخل أسرته ولا فى الفصول والإدارة عندما كان مديرا لعدة مدارس فى القطر الإرترى ومع الموظفين عندما أصبح مشرفا للتعليم فى كثير من المديريات الإرترية أو فى الإدارة المدنية فى أكثر من ناحية فى القطر الإرترى.

ولد الأستاذ/ حسين فى العام 1941 فى حى (كرن لعلاى) من والده الحاج عثمان آدم لجاج ووالدته السيدة الفضلى خديجة فرج سعد الله (أم يسين) كما ولد إخوته محمد ويسين فى نفس الحى، توفى جدّه (آدم أب عثمان) ووالده صغير تركهم مع أخ شقيق واحد هو (إبراهيم لجاج) وثلاثا من الإناث رحمهم الله جميعا وتقبّلهم فى الفردوس الأعلى.

الحاج عثمان لجّاج عندما إشتدّ عوده تزوج وأنجب ثلاثا من الذكور فأراد أن يقترب من خلاوى القرآن فى المدينة لأن حىّ كرن لعلاى لم تكن به خلوة قرآن للأطفال، إشترى منزله القائم إلى اليوم فى حىّ (عدْ سودان) ملاصقا لحوش المراغنة وقبّة السيد بكرى الميرغنى، ومجاورا لإبن عمّه الشّيخ سعد الدين محمّد وآل الشيخ محمد على راجى، بناه بنفسه لأنه كان مهندسا بالفطرة دون أن يجلس على كراسى الفصول، تعلم من الطليان كل ما تعلق بالبناء تشهد له كل الأبنية التى بناها فى كثير من أنحاء إرتريا، وبنى خمسة مساجد فى كسلا ومعهدا ومسجدا فى حىّ الحلنقة، رحل الحاج عثمان من الحىّ الذى ولد فيه و أخذ معه زوجته وأطفاله ووالدته (أمتى ماريام على نور الدين) وحسين فى سن الخامسة تقريبا، فدرس الأستاذ حسين القرآن عند الشيخ (آدم دويدا) أبو محمد كما فعل إخوته محمّد ويسين كما ذكر لى ذالك زميل المرحوم وصديقه الأستاذ/ محمّد عبدالله إدريس أكد، ثم درس فى كرن الإبتدائية والمتوسطة ورحل إلى أسمرا لدراسة الثانوية كما فعل أخيه يسين لجاج رحمه الله، وصدبقهم محمد عبدالله إدريس أكد، وذالك فى الخمسينيات وفى عهد فدرالية إرتريا مع الجارة إثيوبيا، وعند ما توجه الأستاذ/ يسين لجاج للتدريس بعد إكمال الثانوية توجه الأستاذ/ حسين لمعهد المعلمين فى أسمرا وتخرج منه فى عام 1962 ليعمل معلما فى كرن ثم مديرا لمدرسة إبتدائية فى مدينة (دقى أمحرى) وفى العام 1969 توجه إلى جامعة أدّيس أببا لينال منها دبلوم للتربية والتوجيه وعندما عاد من أديس اببا عمل مديرا لمدرسة (مدبّر الإبتدائية) فى العاصمة أسمرا، ثم مشرفا للتعليم فى مديرية سمهر ثم فى مديرية دنكاليا، ثم عاد إلى أسمرا عام 1979وهناك عيّن مشرفا للتعليم فيها وكان حينها المشرف التربوى فى مديرية سنحيت الأستاذ (إمباىّ تكابو) الذى كان يبحث عن من يبادله لأنه كان يريد أن يعمل فى أسمرا فتبادل الأستاذ حسين والأستاذ (تكّابو) المواقع وعاد الأستاذ إلى مدينته مشرفا تربويا بعد طول غياب.(1)

تجوّل الأستاذ فى كثير من الأنحاء فى إرتريا وجعل فى كلّ مدبنة عمل بها أصدقاء وأذكر عندما سافرت إلى أديس أببا من إرتريا لمقابلة القنصلية الهولاندية فى ديسمبر عام 1992 أخبرته بمقصدى وغرض السفر ولا أعرف الكثيرين هناك فمدنى بأسماء زملاءه فى عصب الذين إرتحلوا إلى أديس أببا أذكر منهم الشخصية العفرية المشهورة (شحيم إبراهيم شحيم) كان الأستاذ (أبو سمير) بهدوءه وفطنته يختار أصدقاؤه وأعلبهم من المثقفين من كلّ الأقوام فى المنطقة ولكنه لا يحكى الكثير حذر فى تناول قضايا مع من لا يهمهم الأمر ولا يعنيهم ويستمع كالطفل المتلقى وكأنه لا علم له ولا تجربة.

وفى جلسة عائلية فى كسلا فى أيام زواج إبنه (عثمان حسين لجاج) من كريمة السّيد حاج عبدالله جبريل عثمان مهرى، تذكر الأستاذ يوم تخرجه من الجامعة فى أديس أببا قال الأستاذ وبّخنى مدير المراسيم فى يوم التخرج لأنّى لم أسجد للملك حين إستلام الشهادة، كل الخريجون كانوا يركعون والبعض ينحنى إنحناءة بسيطة أو كبرى عند تسلم الشهادة من الإمبراطور وهكذا كانت التوجيهات من الإداريين، ولكن الأستاذ/ حسين لم يركع ولم ينحنى بل ظلّ واقفا حتّى إستلم شهادته وسلّم على الإمبراطور بيده وإنصرف، وبعد إنتهاء مراسم الإحتفاء، وبخه المسؤولون لأنه لم ينحنى إجلالا للإمبراطور، فاعتذر الأستاذ حسين يومها قائلا: أعتذر فقد نسيت لأنى لم أركع قطّ لأنسان ولم أنحنى لأنى غير معتاد.

وفى عهد نظام منقستو هيلى ماريام أجبر الأستاذ للعمل فى الشّأن الإدارى عام 1982 فعمل نائبا لحاكم مديريّة سنحيت السيد (موسيّة بخيت محد على) ثم نائبا للسيد (إمباىّ تكّابو) عندما نقل السيد (موسية بخيت) إلى إدارة الحزب.(2)

ثم نقل الأستاذ حسين إلى السّاحل ومدينة أفعبت تحديدا نائبا لمدير المديريّة فى العام 1985، رفع المتهوّرون من أبواق الحزب ومهندسى الفتن تقريرا عنه بأنه غير متعاون وأنه متعاطف مع (الخارجين عن القانون) جاء إليه المحققون الحكوميون من أسمرا فى أفعبت ثمّ أستدعى إلى (أسمرا) لمقابلة كبار الظلمة ولكن الأستاذ كما يذكر صديقه محمد عبدالله أكد: كان إداريا يحتفظ بالوثائق وكان بقلمه السّيال والسّريع يسجّل كل شاردة وواردة فى كلّ لقاء أو إجتماع ذهل المسؤولون فى أسمرا من دقة مدوناته فقد هزمهم بالتوثيق، وبرّأ من التهم الموجّه إليه ونقلت السلطات المختلفين معه إلى أماكن أخرى غير أفعبت.

ثم عاد عام 1985 إلى مدينته (كرن) ليحلّ محله الأستاذ/ سليمان محمد نور عبّاسى(3) فعمل الأستاذ حسين نائبا لحاكم المديرية السّيد (إمباىّ تكابو) وعندما أتهم السيّد (إمباى تكّابو) بتهم سياسية منها التعاطف مع الجبهة الشعبية نقل من كرن إلى أسمرا مديرا لمصنع، فعمل الأستاذ حسين مديرا بالإنابة وتحمّل العبئ الإدارى الأكبر لعام، ثمّ أصبح عام 1988 مديرا للمديرية بلا نائب، وتزامن ذالك مع أحداث تسيّب عام فى المديريّة منها: القبض على 22 شابا من أسمرا فى منطقة (إنجيناق) القريبة غربىّ كرن يحملون تصاريح سفر مزورة خارجة من مديرية كرن وبإمضاء المدير الأستاذ/ حسين إتضح فى الأخير أن السكرتير إستعمل الأوراق الممضية سلفا لغرض آخر وسيق المتهم إلى أسمرا وسجن هناك، وتلقّى الأستاذ/ حسين إنذارا وتحذيرا، ثمّ إنفجرت قنبلة زمنية وقتلت حاملتها وكانت فتاة فى ريعان شبابها كانت مهمتها تفجير محطة الكهرباء فى المدينة، فقررت السلطات عمل تحقيق وتمشيط عام فى المديرية، و مجيئ اللجنة تزامن مع تعيين نائبا للمدير جاء من أسمرا قضى فى المدينة ثلاثة أيّام قبل أن تودى بحياته رصاصات قاتلة من فدائى أمام (بار سنايت) ولجنة التحقيق شاهد أعضاءها من علوّ غرفهم فى فندق (كرن - باسكوسى) الحادثة، وفى الأخير أشارت اللجنة إلى أوجه القصور وعدم الإرتياح للمدير ربّما يكون متعاطفا مع الثوار، وبدأت الظروف الصعبة تتكالب على الأستاذ/ حسين، والمعروف فى ذالك الزمن أنّ الحاكم العسكرى لإرتريا والقائد العام للجيش الثورى الإثيوبى فى إرتريا (أبيوتاوى سراوييت) الجنرال (مرئد نقوسى) الأرومى الأصل (4) نقل من إرتريا إلى (أديس أببا) وأتهم بتدبير إنقلاب حوصر ثم إنتحر.

ومن ضمن أوجه الصراع فى المديرية والتكالب عليها يذكر الأستاذ/ سليمان محمد نور عباسى: كان أحد الجنرالات فى الجيش فى كرن وهو إرترى الأصل إسمه (أرأيا) يتربّص بالأستاذ ويكيد له المكائد وشيئ شبه مؤكّد أنه هو الذى كان يرفع التقارير المغرضة وذكر الأستاذ عباسى أحداث تؤكّد روايته لا مجال لإيرادها هنا.

فى الثُّلث الأخير من عام 1990 قرّر حاكم إرتريا الإثيوبى من أسمرا إحالة الأستاذ/ حسين إلى المعاش، جلس حينها الأستاذ فى مدينته يفكّر فى مصيره هنا يتذكر الأستاذ/ سليمان عبّاسى قائلا: بعد مشاورات طرحت ُعلى الأستاذ/ حسين السفر إلى أديس أببا وأنا أوصّى خالى (محمد عمر محجب) لخبرته ليجد لك عملا فى السّفارات العربية لما تملكه من معرفة فى اللغات - الأمهرية والعربية والإنجليزية و وفى صباح يوم من شهر نوفيمبر عام 1990 كان الأستاذ متوجها إلى أسمرا ليسافر منها إلى أديس أببا سُمع فى الميدينة دوىّ إنفجار فى مكتب إدارة المديرية عرف لاحقا أنّ المقصود كان السّيد (دنباى قطين) زُّرعت له متفجّرات فى جهاز هاتف مكتبه ولكنه نجا من الموت المحقّق، هنا طلبتْ بعض الجهات إعتقال الأستاذ/ حسين وهو فى كرن رُ فض الطلب والأستاذ سافر إلى (أسمرا) وهو لا يدرى بما يحاك له من دسائس أيام قليلة وأعتقل الأستاذ/ حسين من أسمرا والقى به فى غياهب السجون فى نوفيمبر 1990 وإتهامه بأنّه متعاطف مع الخارجين عن القانون وأعداء الثورة التقدمية فى إثيوبيا، وقضى الأستاذ ستّة أشهر فى سجن (ماريام قبّى) (إنتهى).

سكن الأستاذ/ السجن تاركا زوجته و4 أطفال أكبرهم عمره 5 أعوام، وكان شبه مؤكد من أنّ الفجّار سوف يحكمون بالمؤبّد أو الإعدام، وتدخّلت إرادة الله وفى يوم جمعة التحرير حرّرتهم الثورة فعاد إلى بيته وحينها رزق بطفلة سمّاها (أفراحا) فرحا بما رزقه الله من ذرية وفرحا بخروجه من أيدى الظلمة بسلام.

ذاكرة المدينة تحكى: أن الحكومة الإثيوبية وصلها خبرا أنّ الأستاذ حسين كان يعلم أن الثورة تريد تصفية السّيد (دمباى قطين) وأنه متواظئ ومتستّر على ما يعرفه عن تحركات الثوّار.

المعروف عن الأستاذ تسربله بالبقاء فى وطنه، عندما تحادثنا مرة فى الخروج من المدينة إلى أرض الله الواسعة وخاصّةعندما إشتدّ به المرض ولم يجد العناية والعلاج فى عام 2016، قال لى إلى أين؟ قلتُ إلى السودان أو القاهرة، قال: كلّ مدن العالم لا تشبهنى، إنّى عشقتُ مدينتى فهى رئتى التى أتنفّسُ بها مثل عمّى وجدّ أولادى الخليفة الفكى أحمد كلّ ما نرحلُ منها لغرض نعود إليها مهرولين لأنّنا لا نرضى أن تجافينا أو نجافيها، واضاف: كل ما أبتعد منها كيلو مترا واحدا أشتاق لها ميلا وإن غبتُ عنها يوما ذرفتُ الدمع شهرا فكيف - أتركها و صرّتى مدفونة فى الجزء العلوى من أحيائها وهذا سرّ عشقى وولهى بالمدينة، لا أريد أن أخرج منها هاربا وأدفن ذاكرتى فى الحدود، ثم أقف فى صفوف العائدين عند أبوابها الغربية، سوف أعيش فيها واقفا شامخا متسربلا وموشّحا بتراث أجداى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أو يتوفّانى الله فما عشته فى أيّام الإستعمار الإثيوبى لاأظنّ يأتى مثله أو أسوء منه بإذن الله.

بقى الأستاذ حسين مربيّا ومعلما فى داخل أرضه ومدينته، وليأكل ممّا يزرع فى أرض جدوده فى (دامى - عنسبا) مهما كلفه ذالك من ثمن، كان متمسّكا دائما بإتّباع سياسة فنّ الممكن للدفاع عن الشعب وله مواقف تذكر تطهير المخربين من المدينة، وذالك حين إشتكى شعب كرن من ممارسة بعضا من كوادر الحزب والعسكر فى إبتزاز الشعب فنقل الأستاذ حسين لجاج تلك المعاناة إلى الحاكم وإلى السلطات فى أسمرا، فنقل المخرّبون جميعا من كرن إلى نواحى أخرى فى إرتريا وسجّل ذالك الموقف للأستاذ حسين لجاج بحروف من ذهب، وكانت السلطات دائما تثق فيما يقوله لأنه لا يتحدث من فراغ ولا يتحدث فيما لا يعنيه.
سألتُ الأستاذ/ محمد عبدالله أكد صديق الأستاذ حسين ما الذى دفع سلطات الدرق لإختيار الأستاذ حسين ليعمل فى إدارة المديرية؟

قال الأستاذ/ محمد عبدالله أكد: أنّ الأستاذ كان لا يرغب ولا يحب العمل فى مناصب سياسية لأنّه غير مقتنع أساسا بالنظام، وقد مورس عليه ضغطا من السلطات وحدث ذالك عندما جمع أحد الجنرالات شعب كرن ليخاطبهم فى (سينما كرن) وكان أحد الإداريين يترجم من وإلى الأمحرية وفى منتصف الجلسة نهض الأستاذ/ حسين ليقول أن الترجمة غير دقيقة ويشكّ فى أن الجمهور يفهم حديث الجنرال لضعف الترجمة فطلب الجنرال من الأستاذ/ حسين المساعدة عندما لاحظ فصاحة لسانه فى الأمحرية، وهذا الجنرال وصّى الحكام فى أسمرا بتعيين الأستاذ/ حسين فى إدارة المديرية لصفات كثيرة سمع بها من معارف الأستاذ وممّا لاحظه فيه هو بنفسه وفصاحته فى لغة الحكام (إنتهى).

ما لاحظه كاتب هذه السطور أنّ الأستاذ كان يتحدث الأمحرية والتقرنية بطلاقة إذا سمعته يتحدث بهما تشك فى أنه يعرف غيرهما، سألت الأستاذ مرة حول قدرته فى التحدث باللغتين بفصاحة؟ فقال: الأمحرية كانت قد سبقتنى إلى مدينة عصب وكانت لغة المدينة الأولى والرّسمية وأنا عشت فيها عمرا لا يستهان به، وفى كلّ مراحل التعليم والتدريس كان زملائى أغلبهم من التقرنية منهم إكتسبت لغة التغرنية، ولكنه أذهلنى بفصاحته فى اللغة العربية وكل رسائله المكتوبة إلىّ كانت تحوى شعرا وحكما وبلاغة وشهدت له بذالك بنت أخيه يسين (زكية) وعندما يتحدث البلين لا تسمع كلمات التقرى والتقرنية التى تخلط فى البلين من بعض الناطقين بها، أما الإنجليزية حدث ولا حرج فهى اللغة التى درس بها كل المستويات التعليمية، ولأن الحاج عثمان أدم لجاج والده كان قد عرف كل البناء وأدواته وفلسفته من الطليان منه تعلم كل مساعديه لغة الطليان، فما بال إبنه الذى تربى فى حضنه و ورث الأستاذ/ حسين حديث الطليان من والده مضافا إليها جزءا من تراث مدينة كرن الإيطالى كان الأستاذ حسين رحمه الله لغويا بكل ما تعنيه الكلمة فصيح اللسان فى أكثر من لغة.

الأستاذ والمربّى يسين عثمان لجّاج:

جالست الأستاذ/ حسين فى أكتوبر عام 1992 وحتى فبراير 1993 فى دار آل لجاج العامر بشكل يومى لم يتحدث إلا القليل عن السجن والزبانية، سألته عن أخبار السياسة فى المدينة قال كماهى سابقا ! قلت كيف كانت سابقا؟ قال: كانت ولا زالت فيها المؤمنون بقضية وطنهم يعملون بإخلاص وإجتهاد بلا أنانية ولا إنتهازية لخدمة شعبهم، وهناك أبواقا وإنتهازيّين لا يقتصدون فى الثرثرة بل يعملون بوعى أو بدون وعى لإرباك الوعى العام فى المدينة قلت بخجل هل تسمّى أسماءا، قال أتركها لوقتها فهربت معه إلى أسئلة عائلية قلت له: أذكر وأنا طفلا صغيرا كنت أرى شقيقك (إسماعيل) يجلس أمام الباب يقرأ كتب مدرسته والذى إستشهد فى دنكاليا عام 1979 هل تذكر متى ولد؟؟؟

قال: نعم عام 1950 كان ميلاد المناضل الشهيد (إسماعيل) وأذكر أن يوم ميلاده كانت مبارة كبيرة فى ميدان الكرة فى كرن صرخ صرخة الحياة مباشرة مع دخول هدف وفى ذالك اليوم وتلك اللاحظة غطّى صراخ المشجعين على السبعة تغريدات من الأمهات بمناسبة ميلاده، قلتّ متى شاهدت الشّهيد آخر مرة؟ قال: قابلته ومعى والدته (بخيتة موسى (أمّنا الثانية فى منطقة (أشديرا) القريبة من كرن عام 1975 وقال: وكنت قد قابلته قبلها فى القاش فى أعوام سبقت، وعندما ذكرت له إعجابى بالمناضل الشهيد (إسماعيل لجاج) قال أنا أيضا معجبُ به ولذالك سميت إبنى الأكبر إسماعيلا، وقال: وبهذه المناسبة سوف أهيدك صورته باللبس العسكرى. وصلتنى الصورة عبر أبناءه لاحقا.

شهيد دنكاليا إسماعيل عثمان لجاج:

كان الأستاذ قارئا نهما والكتاب لا يفارقه أبدا، سألته ماذا قرأ من الكتب عن إرتريا وغير إرتريا قال: قرأت الكثير من الكتب بالإنجليزية ذكر منها عناوين كثيرة، وقرأ كتاب عثمان صالح سبى تأريخ إرتريا أيام حكم الدرق، وقرأ بالأمحرية كتبا كثيرة منها كتاب الصحفى الإثيوبى (زودى روتا) المشكلة الإرترية وبعد التحرير قرأ كتاب (ألم سقّد) لا نفترق و كتاب الدكتور جلال الدين محمد صالح (كرن الأصالة والتأريخ) وكتب جديدة أخرى كانت تصدر من أسمرا، ولكن قبل 7 أشهر فاجأنى حين قال لى: وقبل شهر حصلت على كتابك (مرانت) وقرأته، لم أسأله كيف حصل عليه بل بطريقة أخرى ومن أشخاصا آخرون عرفت كيف دخل الكتاب المدينة ولمن وصل، وقبل شهرين تقريبا من وفاته أيضا فاجأنى حين قال قرأت كتاب الدبلوماسى الكرنى على محمد صالح شوم على (من بطولات الشعب الإرترى) وقرأت تعليقا لك على الكتاب فى طبعته الثانية رحم الله الأستاذ كان شخصا مهتما بالشأن العام، متابعا وقارئا لا يذهب فى رحلة إلى أسمرا إلا ويعود ومعه كتاب. كان الأستاذ من شباب النهضة العلمية فى إرتريا ومن مشجعى التعليم وحامل همّه فكان مرجعا ومتفاعلا فى كل مدينة عاش وعمل فيها فى إرتريا، أما مدينة كرن فكان علما من أعلامها، ومرجعا إجتماعيا فيها رحمه الله.

عمل الأستاذ/ بعد التحرير فى مكتب المفتى ثم توقف بعد مرضه وسفره وغيابه عن مدينته للعلاج لأكثر من عام.

الأستاذ الجليل/ حسين عثمان هو شقيق أصغر للأستاذ يسين عثمان لجاج الذى كان معلما مثله وهاوى لكرة القدم لعب مثل أخيه فى فريق الميرغنى، توفى فى كسلا فى يونيو عام 1990م. وهو الشقيق الأصغر لأخيه محمد لجاج الذى كان السّاعد الأيمن لوالده فى أعمال البناء، وهو أيضا الأخ الأكبر للمناضل/ إسماعيل عثمان لجاج المعروف والمشهور بـ (إسماعيل قمبار) كان مسؤولا للأمن فى دنكاليا وقبلها فى الجاش خرج للثورة عام 1967 وإستشهد عام 1979 فى معارك دامية مع العدوّ الإثيوبى حوالى مدينة (طيعو) وأيضا الأخ الأكبر لطاهر عثمان لجاج ساكن استراليا وأخ للأخت منتايت عثمان لجاج التى تسكن فى كندا ترك الاستاذ من الذرية خمسة من الذكور وثلاثا من الإناث سمير وإسماعيل ومنى وعثمان وعبدالماجد فى المملكة المتحدة، وجعفر فى السويد وأفراح فى كندا وسارة آخر العنقود فى إرتريا.

اللهم أغفر للأستاذ الجليل/ حسين عثمان آدم لجاج وأرحمه وأعف عنه وعافه وأكرم نزله، ووسّع مدخله، وأغسله بماء وثلج، وبرد، ونقّه من الخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وقه فتنة القبر وعذاب النّار، وأطرح البركة فى ذرّيته وصبّر أبناءه وبناته وقرينته وكلّ آل لجاج وآل الخليفة وآل سعد الله وآل الشيخ سعد الدين وأحباءه فى كل مكان فى المعمورة وكل إرتريا ومدينة كرن خاصّة
الشكر كل الشكر للأستاذ الوفى والمبربى العظيم عيسى سيّد محمّد سيّد حيوتى على كلمات الوفاء لجاره (والدى) ولزميله فى العمل صهرى وصديقى الأستاذ/ حسين عثمان آدم لجاج أشكره بإسمى وبإسم اسرة الخليفة واسرة آل لجاج وأسرة الشيخ سعد الدين محمد وليدوم بوفاءه وزهده وصدقه فى القول لنا ولأهل كرن ولكلّ إرتريا مرجعا ومرشدا وناصحا وعاملا للخيرات وداعيا للتعليم والتحصيل، كما اشكر كل الشكر للأستاذ/ محمد عبدالله أكد زميل وصديق المرحوم فى كل مراحل الصبا والدراسة والعمل لما مدنى بما لا أعرفه عن حياة الأستاذ المرحوم بإذن الله حسين، كما أشكر الأستاذ سليمان محمد نور عباسى من ملبرن - أستراليا زميل وصديق الأساذ حسين لما مدنى به من معلومات مهمة ودقيقة لأنه لازم الأستاذ المرحوم حسين فى العمل وواجه معه كثير من المحن فى عهد حكم الدرق حتى عام 1990 فى كرن كما أشكر كل الّذين واسونى وواسوا الأسرة فى وفاة والدى ثم صديقى وصهرى الأستاذ/ حسين عثمان آدم لجاج.

هوامش:

1. حديث الهاتف مع الأستاذ سليمان محمد نور عبّاسى.

2. المرجع السّابق.

3. فى حديث الهاتف ذكر الأستاذ سليمان عباسى لم يبقى فى منصب نائب مدير مديرية السّاحل كثيرا عندما حلّ محل الأستاذ حسين عام 1985 بل نقل إلى مديرية بركا - أغردات حتى دخلها الجيش الشعبى محرّرا عام 1988.

4. كتاب (العيش فى الجمر المحرق) مذكرات نائب الحاكم فى إرتريا فى عهد الدّرق الإرترى الأصل إسحاق طقاى يمانى إزقى.

Top
X

Right Click

No Right Click