ارتريا.. تُودِع أحد رموز الثورة الإرترية
بقلم الأستاذ: محمد رمضان - كاتب ارترى
(أ) جميع البشر عن الحياة راحلون وقليلون جداً من يُخلدهم التاريخ وتُسجل لهم الأجيال أسماؤهم
على جنبات التاريخ وسفر الحياة الشهيد الراحل أحمد محمد جاسر كان أحد هؤلاء الذين ستُسطر الأجيال سيرتهم ومسيرتهم بأحرفٍ من نور فى ذاكرة الشعب الإرترى للأبد لأنه أحد صُناع تاريخنا الوطنى إنتصاراته وإنكساراته ، إتفاقاته وإختلافته ، تحالفاته وصراعاته، له فإن الكتابة عن القيادى الراحل يحتاج لكتاب وما نفعله هو توثيق لوجِع الرحيل لا أكثر وما نكتبه عبر هذه القصاصات مُجرد إشارات عابرة لمحطات الرجل فى مسيرته النضالية الطويلة المُمتدة وعكس بسيط لملاح شخصيته المُختلفة لوناً ومواقفاً.
(ب) بتاريخ 21 ديسمبر 2019 إنتقل إلى رحمة مولاه المناضل الكبير أحمد محمد جاسر بالقاهرة عن عمر يُناهز ال 77عاماً كانت حافلة بالتضحيات والعطاء عامرة بالثبات على المبادىء موصوفةً بشجاعته إختلافاً وإتفاقاً ، كان الشهيد صاحب روحٍ عزيزةٍ كريمة صامدة رغم تقلبات الحياة والظُروف وبرحيله المُفجِع فقَدَت أرتريا أحد فُرسانها ورُوادها ورمُوزها الذين خدموا القضية الوطنية من بواكِيرها بإخلاص! وعاصروا حِراكها الوطنى منذ فجر حركة تحرير أرتريا وجبهة التحرير الإرترية وقوات التحرير الشعبية عمل فى جميعها قيادياً ترك بصمته فى كل موقع وركُن.
(ت) أحمد محمد جسر كان كتاباً يحوى الكثير من أسرار الثورة وصاحب معرفة ودراية بتاريخ المُجتمعات الإرترية وجغرافيتها ، وُلد الشهيد بميناء إرافلى سنة 1942م ودرس بها القران الكريم والمرحلة الإبتدائية ثم أنتقل لمدينة حرقيقو لإكمال دراسته الوسطى وبعد إكماله للمرحلة الثانوية إلتحق بالنضال التحررى السلمى ضد الإستعمار وبعد التضييق عليه غادر البلاد ليواصل كفاحه فكان عضواً قيادياً بجبهة التحرير حتى أصبح نائباً لمُمثلها بدولة ليبيا ثم بعد تأسيس قوات التحرير الشعبية أصبح ممثلاً لها بعدن - اليمن وهو أحد مؤسسى مُنظمة العقاب التى أسستها قوات التحرير الشعبية لمُعاقبة العدو من ناحية وعكس القضية الوطنية للرأى العام العالمى من ناحيةٍ أخرى وقد كان للمُنظمة دوراً بارزاً فى عكس القضية الوطنية بإمتياز بإختطافها للطائرات، ثم شغل الراحل منصب مسؤول مكتب الإعلام بقوات التحرير الشعبية لفترة ثم لاحقاً أصبح مسؤولاً للمكتب العسكرى بقوات التحرير الشعبية ، كان الفقيد يمتلك ذاكرةً مُتقدة وحاضرة رغم مُرور السنين الطويلة على الأحداث كان الرجلُ يُدهشك حين تُجالسه حيث كان يحكى الأحداث بتفاصيلها الدقيقة وكأنها حدثت بالأمس القريب ويسردها بِتجرد ووضُوح.
(ث) الراحل وهب َ حياته للوطن فقد كان عفيف اليد نزيهاً لم تمتد يده للمال العام رغم وصوله لمراتب عُليا فى قيادة العمل العام ولم تغيره الظروف قوةً وضعفاً فلم يلين له موقف ويهتز له كيان فى كل حالاته بل كان جسوراً وعصياً وثابتاً فى علاقته سِلماً وحرباً ، عاد لأرض الوطن بعد إستقلاله لم يمكث طويلاً رغم رغبة رموز النظام فى العمل معهم بالدولة الوليدة لكنه الخبير برأس النظام وصفاته رفض العيش بأرتريا فأختار العيش فى المنافى بكرامة رغم صعوبتها على منصب لايحفظ كرامته وكرامة شعبٍ ناضل من أجله طويلاً فمات عزيزاً شامخاً بأرض الكنانة.
(ج) مايزيدُنا وجعاً على رحيل رُموزنا أنهم قدموا الكثير للوطن ولم يجدوا تقديراً لمجهُوداتهم بل لم يجدوا قبراً فى تُراب وطنٍ سخروا كل حياتهم من أجله وما يؤسف له أن قاماتنا الوطنية لم تجد الإحترام والتقدير والرعاية التى تليق بهم وبحجم تضحياتهم من الجميع شعباً وحكومة ، وكل ما أستطعنا فعله هو برقيات الحُزن التعازي والإحتفاء بهم بعد الموت وهو ما يجب أن نتجاوزه ونعمل على الإهتمام بهم ورعايتهم عِرفاناً لما قدموه ورد جميلٍ لما بذلوه وهو إستحقاقُ وواجب ، فى الختام نُعزى أنفسنا والشعب الإرترى قاطبة وأهله وأصدقائه ورِفاق دربه على الفَقَد الجَلَل ونسأل الله عزو وجل أن يغفر له ويرحمه ويتقبله فى زُمرة الشهداء والصالحين وأن يُسكنه فسيح جناته ويُلهَمَ أهله الصبر وأن يجعلنا بارين بالقضية التى آمن بها الفَقَيد حتى تصل مُنتهاها وإنا لله وإنا إليه لراجعون.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.