البعد الطائفي لوثيقة نحن وأهدافنا - الحلقة الثانية
بقلم الأستاذ: محمد عمر مسلم
إن بيان المنشقين عن الجبهة في مارس 1965م كان يعبر بصدق عن أهداف ومقاصد طائفية، لذلك كان واضحا وبينا في بعده
الطائفي في النسيج المنشق، وطفحه بالعداء السافر للجبهة ومخرجاتها، أيضا ظهر البعد الطائفي في تعاطي مسائل الأرض والدين واللغة وكل ماله علاقة بالكيان المسلم من ثقافة وتاريخ، بل تجاوز البعد الطائفي إلى استهداف الكيان المسلم في وحدته الداخلية، وابعاده وإقصائه وحرمانه من حقوق الوطنية، واستكثر الاقصائيون على الكيان المسلم أن يكون طرفا في الوحدة الوطنية لذلك عملوا في إجهاض جميع محاولات الوحدة الوطنية وما زالوا يفعلون وهم على رأس الحكم، ما يعني على الطرف المسلم تغيير استراتيجيته للتعامل مع العقلية الاقصائية الطائفية، استراتيجية تجعل الطرف المسلم قويا في طلب حقوقه المشروعة وليس مستجدا لها كمنحة أو مكرمة ينتظرها، استراتيجية تنهي مسلسل التنازلات التي كانت وبالا على المسلمين، استراتيجية تقوم على الندية والشراكة الحقيقية، استراتيجية تميز بين الحق الخاص للمسلمين والحق العام الذي يعني كل الأطراف، فلا يمكن الانتقال لتثبيت الحق العام قبل أن يثبت الحق الخاص، فمثلا لا يمكن التحدث عن الوحدة الوطنية قبل ثبوت الحق الخاص لكل الأطراف، لأن الوحدة الوطنية محصلة أو نتيجة تلقائية بعد أن تطمئن الأطراف على حقوقها الخاصة، فالوحدة الوطنية تأتي للحفاظ ورعاية وحماية الحق الخاص بالدرجة الأولى،أما في ظل هدر الحقوق ومصادرة الأراضي والاقصائي تحقيق الوحدة الوطنية يكون ضربا من الخيال أو سعيا وراء سراب.
البعد الطائفي في تكوين المنشقين،،، هم من متعصب النصارى منهم من كان مع المحتل ومنهم من كان في الميدان وقد أشار المنشقون عن خلفيتهم العرقية كما جاء في بيانهم ونحن الذين نعبر عن وجهة نظرنا هنا هم مجموعة من المحاربين الإريتريين من أجل التحرير انشقوا عن القيادة العامة في مارس 1969م والحقيقة أننا كلنا أو غالبيتنا من المسيحيين بالميلاد والثقافة والخلفية التاريخية، لذلك من ينفي التكوين الطائفي للنظام، يتجاهل تلك الحقيقة التي ذكرها المنشقون في بيانهم عن خلفيتهم الثقافية والتاريخية، ولقد أشار الأخ الفاضل نادر العامري في مقاله محاولات في تفكيك المحرم الذي نشر في موقع النهضة في 2006/2/14م إلى من خطط للقضاء على جبهة التحرير، وهم مجموعة الميدان وتضم أفورقي ومجموعته وأبرا هام تولدي الذي تخلص منه أفورقي في عالا، ومجموعة ولد أب ولدي ماريام، ومجموعة أديس أبابا المكونة من الجنرال أمان عندوم وأخيه ملس عندوم، د. برخت هبتي سلاسي مندوب إثيوبيا في منظمة الوحدة الإفريقية، ود. أماري تخلي سفير بوزارة الخارجية الإثيوبية.
البعد الطائفي في نظرتهم لجبهة التحرير،،، جردوا الجبهة من مشروعها الوطني لأنها قامت على يد وبجهود المسلمين، فاستخفوا واستحقروا قياداتها ليسقطوها من القلوب، وصفوا الجبهة بالجهل ونفوا عنها صفة الثورة والوطنية، وقالوا عن مناضليها فلاحين ورعاة المسلمين، وقادتها زعماء رفيين والمثقف منهم برجوازي ورجعي،، وعابوا على الجبهة تلقي المساعدات من الدول العربية الشقيقة، وهم الذين فيما بعد تلقوا المساعدات من الكنائس الغربية، والدول العربية، الجبهة كانت مشروعا وطنيا ولو كانت غير ذلك لما استوعبت جحافل النصارى في منتصف السبعينيات بعد مواقفهم المخزية من تقرير المصير وجرائمهم البشعة في حق المسلمين، ومن المفاخر والمناقب والشرف للمسلمين أن يقوم هذا المشروع الوطني الكبير على يد زعماء رفين ورعاة وفلاحين مسلمين في الوقت الذي كان مدعي المعرفة والمدنية يتحالف مع المحتل لضرب الجبهة، وتوشح وسام العمالة والارتماء في حضن المستعمر، أراد المنشقون بتلك الحملة المغرضة أن يسقطوا الجبهة من القلوب، وأن ينهوها من الوجود، فقالوا عن الجبهة ولم تكن جبهة التحرير الإريترية قادرة علي تفهم أوضاع المجتمع الإريتري والتي تقتضي القيام بتحليل صحيح لها ولم يكن عندها أي برنامج سياسي - وهكذا افتقد وجود منظمة ثورية أو علي الأقل وطنية ذات أهداف وتوجيهات محددة وقد وجدت الحركة تأييداً شعبياً كبيراً بعد أن انطلقت من قاعدتها في منطقة بركة من الفلاحين والرعاة المسلمين في الأجزاء الغربية من إريتريا - وكانت الجبهة تتلق المساعدات الخارجية من الدول العربية الرجعية وتكونت معظم وحدات المناضلين المسلحين من الفلاحين والرعاة وتكونت قيادة الجبهة في الغالب من الزعماء الريفيين والمثقفين البرجوازيين الرجعيين، ومن نافلة القول أن نذكر بأنه لم يكن هناك أهداف محددة أو برنامج.
البعد الطائفي في مسألة الأرض،،، التخطيط لمصادرة أراضي المسلمين خطط له قبل أكثر من 33 عاما هي عمر الوثيقة،،، يبلغ عدد السكان في إريتريا ثلاثة ملايين، ولا يتناسب توزيعهم مع تقسيمات البلاد الجغرافية فعلي الرغم من أن الأراضي المرتفعة تكون جزء صغيراَ من مساحة إريتريا آلا أنه يسكنها أكثر من نصف الشعب الإريتري، إذا ما تشهده إرتريا اليوم من تغيرات ديموغرافية على يد النظام، خطط له بعناية منذ أكثر من33 عاما، فالعين على أراضي المسلمين ليست وليدة الساعة، لذلك ما نشاهده من التحرك الانسيابي للأسر النصرانية نحو أراضي المسلمين دون اعتراض أو مقاومة تذكر وتحت حماية ورعاية النظام دليل على أن العملية مباركة من الجميع، كيف لا وقد تحقق حلمهم على يد النظام الطائفي، عرقلة النظام لعودة اللاجئين أصحاب الأرض، والإسراع في توطين النصارى في أراضيهم دليل قاطع على طائفية النظام،، وهناك مأخذ على بعض التنظيمات المعارضة مثل حزب الشعب، والديمقراطي لسكوتها ومواقفها المريبة تجاه ما يحدث وكأن الأمر لا يعنيها، وكأنهم يقرون ما يقوم به النظام من التغيير الديمغرافي روحا ومضمونا، ولكن بطريقتهم وليس بطريقة أفورقي، وإن ما حدث لسكان منطقة مقارح إحدى ضواح ريف كرن لدليل على تنفيذ المخطط الطائفي في جانبه الاستيطاني، ولكن صبرا يا أهل مقارح فاءن ليل الظلم لن يطول،،، وما ضاع حق وراءه مناضل ومجاهد.
البعد الطائفي في تزوير المواقف السياسية،، وذلك لتبرير موقفهم المخزي من قضية تقرير المصير، جاء في الوثيقة وبعد ذلك ونتيجة للقهر الأجنبي خلال القرون الماضية أنقسم الشعب الإريتري إلى تجمعين سياسيين فقد طالب معظم المسيحيين بالاتحاد مع إثيوبيا، وطالب معظم المسلمين بالاتحاد مع السودان أرد أصحاب الوثيقة بهذا الكلام توزيع تهمة الوقوف ضد الاستقلال بالتساوي بين المسلمين والنصارى حتى يخففوا على أنفسهم تداعيات هذا الخطأ التاريخي الذي وقعوا فيه، والصحيح في هذه المسألة، فقد طالب معظم المسيحيين بالاتحاد مع إثيوبيا، وطالب معظم المسلمين بالاستقلال والحرية فالنصارى دائما يحبون للمسلمين المساواة فيما وقعوا فيه من أخطاء تاريخية، وجرائم ارتكبوها ضد المسلمين، بينما لا يحبون أن يتساوى معهم المسلمون في السلطة والثروة والحقوق،، وللأسف الشديد ما زال البعض يردد أن الظلم وقع على الجميع، والظلم وقع من الجميع، ولكن لم نسمع من هؤلاء أن العدل والمساواة طال الجميع، فمن طاله التهميش والإقصاء والحرمان لا يمكن مساواته مع من كان سببا في ذلك، وبيده السلطة والهيمنة في البلاد ينتزع ممن شاء ويعطي من شاء،، وهو السيد الآمر وغيره المسود، هذه هي المعادلة التي أسست لها الوثيقة منذ 33 عاما واليوم صارت واقعا معاشا في إرتريا.
البعد الطائفي في استهداف الوحدة الداخلية للمسلمين،، الشعب الإريتري شعباً لا يمكن أن يقسم أو ينفصم وحدته،، هكذا زعم أصحاب الوثيقة فقد ارتبط الشعب الإريتري تاريخياَ واقتصادياَ وسياسياَ وتأثرت ثقافته ولغته وتقاليده بمؤثرات مشتركة، ونمت وانصهرت كلها بحيث أصبح الشعب الإريتري شعباً لا يمكن أن يقسم أو ينفصم وحدته وبهذا ألغوا الثنائية الدينة والثقافية من المجتمع الإرتري، حتى يتهيأ الشعب الإرتري نفسيا لما هو آتي، والآتي هو مشروع تغرنة المجتمع، وهذا لا يتم إلا بصهر ثقافات وتقاليد وقيم ودين المكونات الأخرى لتختفي معالمها وملامحها وصبها في قالب التغرينية، لتأخذ شكل وملامح ومعالم ثقافة القومية الحاكمة، وقد حدث الانصهار الكبير فلا معالم بارزة ولا ثقافة مهيمنة إلا معالم وثقافة النصارى في إرتريا.
جاء في بيان المنشقين ونتيجة لذلك فان سكان المرتفعات الإريترية تجمعهم إلى حد كبير ثقافة وتقاليد مشتركة. وبالمثل فعلي الرغم من أن سكان المنخفضات الإريترية لديهم اختلافات جذرية في الثقافة والتقاليد، فانهم يرتبطون من خلال الدين المشترك القول أن سكان المرتفعات الإريترية تجمعهم إلى حد كبير ثقافة وتقاليد مشتركة، دون الإشارة إلى الدين قصد منه عدة أمور منها إلغاء دور الدين في الفرز الاجتماعي وبالتالي تجاهل الثنائية الدينية والثقافية التي عرف بها المجتمع الإرتري، أيضا حتى لا يتخذ الدين معيارا أساسيا في تحديد العلاقة بين النصارى ومسلمي المرتفعات، إضعاف الصلة والعلاقة بين مسلمي المنخفضات والمرتفعات، وهذا سيكون دون شك في صالح القومية النصرانية، الاكتفاء بالثقافة والتقاليد في بناء الصلات والعلاقة، سيمكن النصارى من استمالة مسلمي المرتفعات على حساب العلاقة بين مسلمي إرتريا، لذلك إن ضم قومية الجبرتي إلى قومية التقرنية بحجة تشابه الثقافة والتقاليد هدف آخر من إقصاء الدين وإبعاده من منظومة العلاقات بين مكونات المجتمع، وتأمل بسيط للواقع المعاش في إرتريا يؤكد ما قلت في هذا الجانب،أما القول أن سكان المنخفضات الإريترية لديهم اختلافات جذرية في الثقافة والتقاليد، فانهم يرتبطون من خلال الدين المشترك، عندما أيقنوا بصعوبة إبعاد الدين من منظومة العلاقات بين سكان المنحفضات، جعلوا الثقافة والتقاليد محور الخلافات في المنخفضات، وفات على هؤلاء أن الأصل في ثقافات وتقاليد الشعوب هو التنوع، وفيه إثراء للحضارات، إذا ما ذا قصدوا باختلافات جذرية في الثقافة والتقاليد؟ قصدوا من ذلك إتيان مسلمي المنخفضات من بوابة تنوع الثقافة والتقاليد، واستثمارها لإيجاد اختلافات جذرية تضعف وحدة مسلمي المنخفضات، وبالتالي يسهل ترويضهم وصهرهم في مشروع التقرنة ومصادرة أراضهم بل والقضاء عليهم إذا لزم الأمر، أما فك الإرتباط بالدين المشترك، كان بتجفيف منابع تعلمه ودعمه وبهذا تضعف رابطة الدين بين سكان المنخفضات، وبالتالي لا تظهر في المنخفضات أي مقاومة تذكر لمشروع التقرنة، لذلك ركزوا في إحياء بعض الثقافات والتقاليد ليعمقوا بها الخلافات بين مسلمي المنخفضات مثل تطوير اللهجات وغيرها، وبالمقابل حاربوا الأخلاق والقيم الإسلامية، وسعوا في فساد الأسرة والمرأة ونبشوا بعض الخلافات والنزاعات القديمة بين بعض القبائل إشعالا لنار الفتنة وتمزيقا لآسرة الدين.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.