الزعيم الوطني الشهيد عثمان صالح سبي

بقلم الأستاذ: كامل الشريف

قيته اول مرة في مقاديشو في اواخر الخمسينات، ولم يدر بخلدي يوم ذاك ان هذا الشاب النحيل،

سيصبح بعد سنين قليلة أبا للثورة الوطنية الأرتيرية، وواحد من رموز الحركات الشعبية التحررية في العالم.

كنا نمشي في تلك الليلة الحارة الرطبة من ليالي العاصمة المورتانية على شاطئ المحيط، وهو يحدثني عن "فكرة" الثورة ضد الحكم الأثيوبي، ثم يشرح قضية عادلة اشهد انني لم أكن اعرف عنها الشيء الكثير.

قال ان شعب ارتيريا شعب عربي عريق بكل معنى الكلمة، وان الوجود الأثيوبي هو احتلال مسلح يتحدى كل حقائق التاريخ والواقع، بل يتعارض حتى مع الحد الأدنى الذي رسمه التحالف الإستعماري ضد هذا الشعب المسلم.

فحين هزمت ايطاليا في الحرب العالمية الثانية فرض الحلفاء على ارتيريا ان تشكل دولة اتحادية مع الحبشة، غير ان حكومة الأمبراطور هيلاسلاسي لم تلبث ان تنكرت للإتفاق، وفرضت حكما استعماريا مباشر، واطلقت يد العسكر من الأحباش في ادارة الأمور حتى تحولت ارتيريا إلى مستعمرة يعيش شعبها على هامش الحياة، ناهيك عن الأساليب الوحشية التي اتبعها المستعمرون للتعبير عن التعصب وروح الانتقام التي تثأر لتاريخ طويل من المجابهات في القرن الأفريقي.

كان عثمان صالح سبي يتحدث بإيمان عميق وقناعة راسخة لا تقف أمام الصعوبات التي تظهر جلية للعيان، فالحبشة قوة ضخمة بالموازين الأفريقية، والإمبراطور هيلاسلاسي في قمة أمجاده، والعالم ينظر إليه كحكيم أفريقيا، وعميد العالم الثالث، والدول العربية ليست في وضع يسمح لها باستفزاز "سبط يهوذا" وسليل ملكة سبأ وسليمان الحكيم.

لقد بدا لي في تلك الليلة من ذلك النوع "المثالي" الحالم، الذي يسلط بصره على الثوابت، ولا يسمح للعوامل الطارئة أن تؤثر على تفكيره، والثوابت الراسخة لديه أن شعب اريتريا له خصائصه المميزة، في الدين والقومية واللغة، وأن هذه الخصائص تجعل من المستحيل عليه قبول الهيمنة الحبشية، وكل ما يحتاجه هو القيادة التي تذكر، وتنظم، وتقرب المنال. وحينذاك سيصبح كل فرد مقاتلاً، وسيصبح سلاح الجيش المحتل هو سلاح المناضلين، ولن تستطيع أثيوبيا الفقيرة أن تفرض نفسها عليه لفترة طويلة، وكانت القيادة المنتظرة هي ذلك الشاب ورفاق قلائل من نفس الطراز.

لقد بقيت اتابع أنباء الثورة الأريترية عن قرب، وخصوصاً خلال اقامتي في أفريقيا في الستينات، وكثيراً ما كنا نلتقي في إطار المؤتمرات الإسلامية، وكان يخصني بالرسائل على فترات متباعدة آخرها قبل شهور قليلة يطلعني فيها على تطورات الاتفاق الذي توصل إليه مع فصائل المقاومة الأريتيرية، قبل يومين.

لقد شاءت أرادة اللّه أن يختفي هذا المناضل المؤمن الصلب عن المسرح، في وقت لا تزال فيه الثورة الأريترية تواجه صعوبات جمة، وخصوصاً في الميدان السياسي والفكري، حيث كان وجوده ضماناً أمام المحاولات التي أرادت اجتذاب الثورة، وإخراجها عن طبيعتها العربية الإسلامية.

لقد أدى عثمان صالح سبي دوره، وصارع اعداء وطنه في ميادين الحرب والسياسة أكثر من ربع قرن، واشعل ثورة من العدم، وتركها حقيقة قائمة تنتظم الوف الشباب المؤمن المدرب المستعد للجهاد والاستشهاد.

وإذا كان جسده الضامر قد إنهار تحت طموح النفس العظيمة والجهد المضني، فلا أشك أن الثورة التي فجرها بإيمانه وعزيمته سوف تمضي في طريقها حتى تحقق الاهداف النبيلة التي عاش لها ومات وهو يحلم بها. رحم اللّه صديقي عثمان واثابه أجر العاملين المجاهدين.

Top
X

Right Click

No Right Click