عثمان صالح سبي قائداً ملهماً وزعيما بارزاً افتقدناه
بقلم الأستاذ: علي عافه إدريس - كاتب ومحلل سياسي
يرجح الكثير من المطلعين حتى من الاجانب أن موت عثمان صالح سبي رحمة الله عليه لم يكن موتا طبيعيا
وأن هناك ايدِ خفية أرادت له هذه النهاية فمات قتيلاً.
في الرابع من أبريل عام 1987م غادر دنيانا الزعيم القائد عثمان صالح سبي تاركاً لوعة وحزن في قلوبنا، حزناً أصبح يتجدد بقدر افتقادنا لدوره الملهم، وها هي ذكرى رحيله الثامنة والعشرون تقترب ولا يفصلنا عنها إلا أيام معدودات، ففي ذلك اليوم الحزين صعدت روح القائد لبارئها في مدينة القاهرة، ونقل جثمانه الطاهر إلى مدينة الخرطوم ليشيعه أفراد شعبه الموجودين في الخرطوم والذين قدموا إليها وحدانا وزرافات يتقدمهم الزعيم إدريس محمد آدم رحمة الله عليه الذي رافق الجثمان من القاهرة، ليوارى جثمانه الثرى في مقابر المحجوب لأسرة السادة المراغنة ويؤم الصلاة عليه السيد محمد عثمان الميرغني.
ولد عثمان صالح سبي في قرية حرقيقو بضواحي مدينة مصوع في عام 1931م والتحق في طفولته الباكرة بمدرسة حرقيقو التي أنشأها الباشا صالح أحمد كيكيا و قد كان من أثرياء ارتريا في تلك الفترة. عُرف عن الباشا كيكيا اهتمامه الكبير بالتعليم بمساغيه الاكاديمي و الصناعي و رعايته للموهوبين من الطلاب الذين يبرزون في مدرسته ومن أوائل أولئك الطلاب كان الشهيد عثمان صالح سبي فاهتم به و عند تخرجه من المدرسة بعث به الى اديس أبابا ليكمل تعليمه.
في تلك الفترة كانت الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها و قضية ارتريا في أروقة الأمم المتحدة و التاج الاثيوبي يعمل بمكائده و بتواطؤ دولي لابتلاع ارتريا، و في داخل اثيوبيا تعيش الشعوب والقوميات الاثيوبية أوضاعا مأساوية من التخلف السياسي و الاجتماعي وفقرا مدقعا و حالات من المجاعة التي تفتك بهذه الشعوب مع فقدان تام لأي قوى طليعية متنورة تعمل على انقاذ الشعب الاثيوبي من هذه الحالة المزرية. وسط هذه الأجواء وصل عثمان صالح سبي الى أديس أبابا فكانت فرصة سانحة له ليتعرف عن قرب على أوجاع هذا الشعب المضطهد مضيفا ذلك الى عمق خبرته بأحوال شعبه الارتري المكلوم.
كون مع بعض الثائرين من أبناء القوميات الاثيوبية المسلمة كالأرومو و الأوغادين (جمعية العروة الوثقى) نتيجة لاتحاد الهم الاسلامي، وهم الزعيم سبي كان متسعاً ليشمل هموم الاقليم الكبير في منطقة القرن الأفريقي فكان يرنو بناظريه الى مصر والسودان باعتبارهما أشقاء لهذه الشعوب و عليهما دور النصرة لها و المؤازرة للتخلص من نير التسلط الحبشي الكنسي البغيض فاتصل بالعديد من الزعماء الاسلاميين و في مقدمتهم الشيخ الفاضل الصادق عبدالله عبد الماجد المراقب العام للإخوان المسلمين في السودان فيما بعد. فعند عودة سبي الى أرتريا و عمله معلما في مدرسة باشا كيكيا ثم مديرا لها كان يتخير من طلابه من يرى فيه حماسة الثورية و ارتباطه بقضية شعبه فيرسله الى السودان في طريقه للدراسة بمصر و التي كانت قبلة الثائرين في ذلك الوقت و في رحلة البحث عن طريق مصر و التوجيه اليها كان بيت الشيخ الصادق عبدالله عبد الماجد هو الذي يستضيف هؤلاء الشباب و الذين أصبحوا فيما بعد قيادات سياسية و عسكرية بارزة في الثورة الارترية نذكر منهم على سبيل المثال محمد علي عمرو و رمضان محمد نور و ابراهيم محمود منتاي و محمد عثمان أبوبكر و غيرهم ممن كان لهم أدوارا في مسيرة الثورة.
في عام 1959م و نتيجة لسوء الأوضاع السياسية في ارتريا وعمل اثيوبيا الدؤوب لابتلاع ارتريا و القضاء على الاتحاد الفيدرالي و ضمها تحت سيادة التاج الاثيوبي لجأت قيادات ارترية الى مصر منهم سكرتير الرابطة الاسلامية الزعيم ابراهيم سلطان و الزعيم إدريس محمد آدم رئيس البرلمان الارتري، فشعرت اثيوبيا بخطورة لجوء مثل هذه الشخصيات فشددت المراقبة على من تبقى من النشطاء السياسيين و كان عثمان صالح سبي قد ناله نصيب وافر من مضايقة المخابرات الاثيوبية فعدوا عليه أنفاسه فاستمرت محاولاته للخروج من ارتيريا فترة طويلة و نجح أخيرا بمساعدة زوج أخته الشيخ أحمد شيخ فرس رحمة الله عليه أن يغادر ارتريا عن طريق البحر الى اليمن و منها الى المملكة العربية السعودية و كان ذلك في عام 1960م و قد سبقه كل من إدريس محمد آدم و ابراهيم سلطان في الوصول الى السعودية و قد استقبلهما الملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله و كان وقتذاك رئيسا لمجلس الوزراء و قد ناصر قضية ارتريا ووقف مع حق الشعب الارتري في الحرية و الاستقلال عندما عرضت على الامم المتحدة.
التقى عثمان صالح سبي بالوفد الارتري الزائر في مدينة جدة و اتفق على عقد لقاءات مع الجالية الارترية المقيمة في المملكة و التي يعرف القائد عثمان صالح سبي الكثير من منتسبيها من أبناء مدينة مصوع. وعند عودة الوفد إلى القاهرة تم تكوين جبهة التحرير الارترية و اعلانها في القاهرة و تكوين قيادة لها تحت مسمى اللجنة التنفيذية لجبهة التحرير الارترية. وكان دور سبي الشروع في تنظيم صفوف أبناء الجالية الارترية في جدة و إعدادهم لحدث اعلان الجبهة و الذي تم في أغسطس 1960م.
لم يكن عثمان سبي عضوا في اللجنة التنفيذية لجبهة التحرير الارترية التي تم اختيارها من الطلبة الذين كانوا يدرسون في القاهرة و بعض القياديين الذين وصلوا الى القاهرة و في مقدمتهم الزعيم إدريس محمد آدم و نذكر منهم القادة محمد صالح حمد و الشهيد سعيد حسين و إدريس عثمان قلايدوس و سيد أحمد محمد هاشم و طه محمد نور و آدم أكتي.
و لم يمض على تكوين هذا الجسم القيادي فترة طويلة حتى أرتأى أن يتم تكوين المجلس الأعلى لجبهة التحرير الارترية برئاسة الزعيم إدريس محمد آدم و الذي انضم اليه القائد عثمان سبي كأبرز ناشطيه و لعب دورا رياديا كبيرا في توفير السلاح للثلة الثائرة التي أعلنت الكفاح المسلح بقيادة القائد حامد إدريس عواتي فقد أمن الزعيم سبي عدد خمسة بنادق انجليزية الصنع و عدد سبعة مسدسات و عدة قنابل يدوية و نحو خمسمائة طلقة اشتراها من سلطنة لحج في اليمن الجنوبي و ذلك من التبرعات التي جمعها من العمال الارتريين المقيمين في المملكة العربية السعودية و تمت عملية نقل هذه الاسلحة القليلة و ايصالها الى الثوار بمشقة كبيرة و بتكلفة أكبر من قيمتها و كان الزعيم سبي يشرف شخصيا على ايصالها و تأمين طريقة وصولها الى أرض الوطن.
وفي مارس 1962 م استشهد القائد حامد عواتي وحدثت نقاشات حول خلافته فبادر القادة عمر ازاز و طاهر سالم ومحمد ادريس حاج رحمة الله عليهم جميعا للدعوة الی عقد لقاء لكل القوی العسكرية حضره أشرف عليه القائد سبي في منطقة برقشيش وكان ذلك في ديسمبر1962م وهو اول لقاء للقوی العسكرية التي كان عددها لم يتجاوز وقتذاك 45 مقاتلا 18 منهم فقط مسلحين باسلحة نارية، وقد تم اختيار القائد محمد إدريس حاج ليخلف عواتي.
بحلول عام 1964م كانت الثورة الارترية قد شكلت نواتها الحقيقية قتاليا و جماهيريا و بعثت الثورة أول مجموعة من المتطوعين من طلبة القاهرة و الذين كان سبي قد بعث بهم للدراسة في القاهرة بعثت بهؤلاء الى سوريا للتدريب العسكري نذكر منهم محمد علي عمرو و عبدالكريم أحمد و رمضان محمد نور و الذين زودتهم سوريا بعشرين رشاش كلاشنكوف على عددهم و كان دور عثمان سبي تأمين وصول السلاح عبر المملكة العربية السعودية الى ارتريا فكان السلاح ينقل على دفعات صغيرة مما كان يتم الحصول عليه من الأصدقاء و في مقدمتهم حركة فتح الفلسطينية في كل من بيروت و دمشق و كان على عاتق الزعيم الراحل عثمان سبي نقلها مستخدما جواز سفره الدبلوماسي الصومالي فقد كان يصحب في كل رحلة وفي حقائب ملابسه العادية معبأة بقطع السلاح الخفيفة و لوازمها بصحبة راكب كتب عليها عبارة مطبوعات و ذلك بالتنسيق مع سفارتي الصومال في كل من جدة و الخرطوم و كان السفيرين الصوماليين عبد الرحمن أحمد في الخرطوم والسفير حسن آدم ودايد في جدة غاية في التعاون حيث تقوم السفارتان بعمليات التخليص الجمركي و من العوامل الهامة التي ساعدت على تمرير السلاح هو اسهام موظف ارتري و عامل آخر ارتري كانا يعملان في شركة طيران الشرق الاوسط في الخط المطلوب و هما (سعيد منصور) في محطة جدة و العامل (حسب الله كراسي) الذي يعتني بالحقائب عند ادخالها الى عنبر الطائرة بحيث لا تتعرض لأي تلف. بهذه الطريقة تمكن الثائر سبي نقل و تأمين كمية لا بأس بها رغم المخاطر التي كانت تحيط بها.
لقد كان دور القائد سبي في تأمين السلاح للثورة كبيرا جدا فقد طرق كل الأبواب التي يظن فيها تقديم أية مساعدة في هذا الجانب و نذكر منها دوره في اقناع رجل البر و الاحسان الكويتي المعروف عبد العلي المطوع - أبو بدر - عليه رحمة الله و الذي قدم الكثير للثورة الارترية، ففي عام 1964 م و في مدينة جدة قدم الشيخ أبو بدر للثورة الارترية كمية من الأسلحة عبارة عن 21 صندوقا تحتوي على 24 رشاش انجليزي الصنع عمل سبي على تأمين وصوله الى الثوار عبر البحر الأحمر بالتعاون مع العمال الارتريين العاملين في جدة و بإشراف مباشر من مندوب الجبهة آنذاك عثمان صالح دندن.
وإذا كنا بصدد الحديث عن تأمين وتوفير السلاح للثورة الارترية لا يمكننا تجاوز الحادثة الشهيرة لنقل السلاح السوري المعروفة بحادثة سلاح بري فقد عرفنا عن الطرق المحفوفة بالمخاطر لنقل السلاح من بداية الثورة و حتى عام 1964 م و الذي حدثت فيه انتفاضة اكتوبر الشعبية التي أطاحت بحكم الجنرال ابراهيم عبود المتآمر و المطارد للثورة الارترية. بدأت علاقة جادة بين السلطة السودانية الجديدة و الثورة الارترية مدعومة بتأييد شعبي واضح للثورة الارترية و أصبح المناخ مهيأ في السودان للثورة الارترية و أولى الخطوات تمت بواسطة الصديقين الحميمين للثورة الارترية السيد الرشيد الطاهر بكر و محمد جبارة العوض الذين تمكنا من اقناع السيد سرالختم الخليفة بتمرير أسلحة مهداة من سوريا للثورة الارترية و بناءً على هذا الاتفاق شرع الزعيم عثمان صالح سبي في ترتيب اجراءات استقبالها في الخرطوم و تم ابلاغ السوريين بموافقة السودان عبر سفارتها في الخرطوم.
هبطت طائرتان سوريتان في مطار الخرطوم مرورا بجدة بعد الاتفاق مع حكومة المملكة العربية السعودية و هي محملا بنحو 60 (ستون) طنا من الأسلحة والذخائر أفرغت الشحنة و نقلت الى المكان المعد لها في منطقة بري و بوشر في نقلها برا الى مدينة كسلا. وأثناء نقل بعض الكميات داهمت مجموعة من رجال الأمن السوداني منزل جبهة التحرير الارترية في بري و الذي كان يحتفظ فيه بكميات من الأسلحة و أستولوا على الكميات التي ضبطت و قاموا بنقلها فورا الى مخازن الجيش السوداني و اقتيدستة من المناضلين الارتريين الى السجن و أستدعي السيد سبي السكرتير العام لجبهة التحرير الارترية عبر وزارة الخارجية حيث قامت السلطات السودانية باعتقاله وايداعه السجن مع اخوته المناضلين. و في مساء نفس اليوم عقد السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة السوداني مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أن شحنة أسلحة مجهولة المصدر وصلت الخرطوم لجماعة تريد الاضرار بالبلاد مشيرا الى خصمه السياسي حزب الشعب الديمقراطي وملخص ما تم أن السودان كعادته استولى على أسلحة الثورة الوليدة.
أما في المجال الدبلوماسي فقد تميز الزعيم سبي بقدرته الكبيرة على الحركة و اقناع الدول التي قام بزيارتها بعدالة القضية الارترية و بنى خلال فترة وجيزة شبكة من العلاقات المتميزة في المنطقة العربية فقد ربطته صداقات شخصية مع العديد من الزعماء العرب سخرها لصالح قضية شعبه و الشعوب المقهورة فبجانب دوره لعرض قضية الشعب الارتري كان عثمان صالح سبي سفيرا لقضية الشعب الفلسطيني قبل اعلان منظمة التحرير الفلسطينية و ربطته علاقات حميمية بقيادات الثورة الفلسطينية خاصة أبو عمار و أبو جهاد و أبو إياد الذين تعاونوا معه في مراحل متقدمة للتدريب و الاعداد كما سيأتي ذكره.
و من الطرائف التي كانت تحدث للزعيم سبي و هو في مجال البحث عن الدعم و عرض قضية شعبه المنسية أنه في إحدى زياراته للعراق و أثناء حكم عبد الكريم قاسم وكانت مسألة الاعتداء العراقي على اراضي الكويت قائمة في تلك الاثناء عرض عليهم الرئيس قاسم الاعتراف بأحقية العراق على اراضي الكويت فقال له سبي: نحن من يعرفنا حتى نعترف بالآخرين؟ فقد كان رحمه الله ينأ بالقضية من الوقوع في سياسات المحاور الاقليمية و صراعاتها البينية.
في عام 1967م و عقب هزيمة العرب في حرب الايام الستة صرح وزير خارجية اثيوبيا بأن عمر التمرد في ارتريا على وشك النهاية ذلك أن مصدر امدادهم سوريا و البلدان العربية قد شل و أمسى بحاجة الى من يعينه. و بعد هذا التصريح بدأت اثيوبيا سياسة الأرض المحروقة و القتل الجماعي و اللجوء الى السودان وذلك في ظل غفلة من الرأي العام العالمي و التعتيم الاعلامي المطبق فكرت قيادة الجبهة في وسيلة تلفت بها الرأي العام لقضية الشعب الارتري فكان اللجوء الى العلميات الفدائية الجريئة بمهاجمة الأهداف الاثيوبية و تدمير مصالحها الاقتصادية بما في ذلك تدمير الطائرات الاثيوبية بعد خطفها و نسفها فكان تكوين مجموعة العُقاب الفدائية و التي ترأس الزعيم عثمان سبي إدارتها و الاشراف عليها و مدها بالسلاح اللازم لتنفيذ عملياتها في كثير من الأحيان.
أتصل الشهيد سبي بالمناضل الفلسطيني أبو إياد الذي تكفل بالإشراف بنفسه على تدريب عدد من فدائي جبهة التحرير الارترية على الاعمال الفدائية و طرق استخدام المتفجرات. هذا الاسلوب في المقاومة بمعايير ذلك الوقت كان وسيلة مشروعة للمقاومة و لم يكن الارتريون هم البادئون في مضمار الاستيلاء على الطائرات أو خطفها فقد كانت الولايات المتحدة الامريكية (رائدة العالم الحر) حسب زعمها قد مولت خطف الطائرات الكوبية من مدنية وعسكرية منذ عام 1958م، أما فرنسا فقد اختطفت الطائرة المغربية التي كانت تقل الزعيم الجزائري أحمد بن بيلا و رفاقه و سجنتهم في باريس لستة أعوام. و نحن هنا سنختصر على ذكر العمليات التي قامت بها منظمة العُقاب. منها عملية فرانكفورت حيث تحطمت طائرة اثيوبية من طراز بيونج 707 بواسطة قنابل موقوتة وضعها فدائيو العُقاب في الطائرة في خلو الطائرة من الركاب فلم يصب أحد بأذى.
و في مطار كراتشي يونيو 1969 م شن فدائيو العقاب هجوما ضد الطائرة الاثيوبية بأسلحة جلبها لهم الزعيم عثمان سبي و بعد تدمير الطائرة سلم الفدائيون أنفسهم للسلطات الباكستانية مفصحين عن هويتهم بأنهم من ثوار ارتريا و سلموا منشورات تفضح الجرائم الاثيوبية ضد الشعب الارتري، وقد انتشر خبرهم في الأوساط الشعبية و السياسية في الباكستان حيث قامت السيدة بناظير بوتو بزيارتهم في السجن تحمل لهم الطعام و كانت السيدة بوتو ناشطة في حزب والدها ذو الفقار علي بوتو.
و ظل الفدائيين في السجن يقضون فترة حكمهم و قد عادوا بعد انقضائها الى مواقع نضالهم بمساع و مساعدة من الشهيد خليل الوزير أبو جهاد الصديق الشخصي للشهيد عثمان سبي. و من العمليات الجريئة التي قامت بها مجموعة العُقاب الاستيلاء على الطائرة الاثيوبية في قلب العاصمة اديس أبابا و اجبارها على الهبوط في مطار عدن بعد أن كانت في رحلة من أديس أبابا الى جيبوتي و قد اهتزت لهذه العملية أجهزة الأمن و الاستخبارات الاثيوبية التي كانت تستعد لاستقبال رؤساء الدول الأفريقية مما اشتط معه غضب الامبراطور هيلاسلاسي عندما بلغه الخبر و مما زاد من ارباك الأجهزة الاثيوبية هو تمكن الجبهة من تسريب مذكرة شكوى الى رؤساء الدول الافريقية المؤتمرين حيث فوجئ الجميع بتوزيع المذكرة داخل قاعة المؤتمر. ومن العمليات التي لم تنجح للعقُاب اختطاف طائرة اثيوبية من مدريد متجهة الى اديس أباب عبر اثينا.
بل أن الاختطاف طال حتى الطائرات الحربية حيث اختطف الرائد طيار (أفورقي منجست) الطائرة الاثيوبية قاذفة القنابل في عام 1971م و هبط بها في مطار عسكري سري في شمال الصومال بعد التنسيق مع سفيرالصومال في أديس أبابا الذي كانت تربطه بالثورة الارترية علاقات وطيدة وقد سبق ذكره في عمليات نقل أسلحة بري الشهيرة عندما كان سفيرا للصومال في السودان. وبعد أن هبط الطيار الارتري في الصومال أعطي جواز صومالي و تم تسفيره الى جدة ليقابل هناك الزعيم سبي و قدم له تقريرا وافيا عن سلاح الجو الاثيوبي و بمسعى من الجبهة انتقل هذا الطيار للعمل كمدرب طيران في احدى الدول الشقيقة.
اثر تكرار عمليات العُقاب الفدائية و تقلص ركاب الخطوط الاثيوبية مما ألحق بها خسائر فادحة وهروب الطيار الارتري بطائرته الى الصومال اتجه تفكير اثيوبيا الى محاولة اغتيال العقل المدبر لهذه العمليات الفدائية. فكانت أولى المحاولات للتخلص من عثمان سبي في عدن وذلك بدس السم له في الطعام في المطعم الذي اعتاد الشهيد تناول طعامه فيه و كانت فتاة من أب ايطالي و أم ارترية تهتم بخدمته لاحظت أن طلب الطعام المقدم له هو غير ما اعتاد تناوله فسارعت في سحب الطبق من أمامه و أوضحت فيما بعد أنها كانت تشك في تردد الملحق العسكري الاثيوبي الى المطعم كما كانت تعرف أهمية هذا الزبون.
أما المحاولة الأخرى فقد اكتشفتها استخبارات منظمة التحرير الفلسطينية حيث جاء ممثل فتح الى مكتب الجبهة في جدة سائلا عن مكان تواجد عثمان صالح سبي مسارعا في اشعار ممثل الجبهة بان يتحاشى سبي استخدام طيران الشرق الأوسط في رحلاته الى بيروت ذلك ان اثيوبيا قد استأجرت خطوط طيران الشرق الأوسط للعمل في خط عدن جدة بيروت بكامل الطاقم الاثيوبي للإيقاع بعثمان صالح سبي.
أما في المجال الإعلامي فقد كان عثمان سبي فارس هذا الميدان، بذل فيه جهدا كبيرا لإيصال صوت الشعب الارتري الى اصقاع الدنيا، أنشأ لهذا الغرض مكتب اعلام في بيروت و أحاطه بكوادر مقتدرة من الارتريين و غيرهم من أصدقاء الثورة من الفلسطينيين و اللبنانيين والسودانيين و استكتب العديد من الاقلام لتناول قضية الشعب الارتري و كانت مجلة الثورة الارترية الشهرية لسان حال جبهة التحرير الارترية في طبعاتها الانيقة و المليئة بالمقالات السياسية منبرا مقروءا أوصل قضية الشعب الارتري وساهمت كثيرا في توعية الرأي العام المحلي و الاقليمي و الدولي. كما أهتم عثمان سبي بترجمة كل ما يمكن أن يعرف بارتريا أرضا و شعبا و تاريخا و كان يزور المكتبات الاجنبية أو يكلف من يقوم بذلك خاصة في ايطاليا و بريطانيا للبحث عن الكتب التي تناولت ارتريا فترجم للمكتبة العربية كثير من هذه المطبوعات. كما قام بتأليف العديد من الكتب و من أهمها (تاريخ ارتريا) و (جغرافية ارتريا) و كتاب عن (الصراع في حوض البحر الأحمر عبر التاريخ) و جهودنا من أجل الوحدة الوطنية. بل انه كان يشجع من يكتب عن القضية و الشعب الارتري فقد طبع كتاب ارتريا و التحديات المصيرية لكتابه الشيخ حامد صالح تركي رحمه الله تعالى عليه.
أنشأ في مجال التعليم والذي كان هاجسه الأول جهازا للتعليم بالتعاون مع أخيه المربي محمود صالح سبي أضحى هذا الجهاز وخلال فترة وجيزة عبارة عن وزارة تربية و تعليم لإرتريا في المنفى و درس في مدارسه عشرات الالاف من الطلاب الذين كاد أن يضيع مستقبلهم الدراسي نتيجة اللجوء و الحرمان من الدراسة كما سعى من خلال علاقاته الخارجية لإيجاد فرص المنح الدراسية لمئات الطلاب في كل من ليبيا و مصر و السعودية، ومما يذُكر للرجل في هذا المضمار و شقيقه الاستاذ محمود سبي و السيد عمر محمد البرج أن قضية تعليم أبناء ارتريا بالنسبة لهم كانت خارجة تماما عن الأطر التنظيمية الضيقة و التي كانت تمارسها القيادات الارترية الاخرى على ضحالة مجهوداتها في التعليم فقد كان سبي يقول: العلم كالماء و الهواء لكل الارتريين. بل إن مما عرف عن البرج قوله: اتركوا الارتريين يتعلمون فإن هذه الالتزامات التنظيمية ستزول يوما ما.
و في المجال الصحي أنشأ جهازا صحيا بإمكانيات طبية ممتازة رفعت المعاناة عن شعبنا في مخيمات اللجوء و المدن السودانية حيث كانوا يتلقون العلاج في عيادات أطلقوا عليها (عيادات سبي) تجرى فيها عمليات جراحية كبيرة و متوسطة و قد استفاد منها حتى السودانيين.
عرف عن الشهيد سبي حبه للقراءة والاطلاع خاصة في مجال التاريخ و العلوم السياسية لا يخلو يوما عنده من قراءة كتاب في أي مجال كان، مع إطلاع واسع على وسائل الاعلام التي كانت متاحة في ذلك الوقت، يطلع في بداية يومه على كل ما تكتبه وسائل الاعلام المقروءة كما يستمع الى نشرات الاخبار و التحليلات في الاذاعات المحلية و العالمية. يلخص في نهاية يومه مذكراته اليومية و طابعته الصغيرة لا تفارقه البتة فقد كان يكتب عليها لان خطه لم يكن يقرأ بسهولة. كان عثمان تاليا للقرآن الكريم و حافظاً لديوان العرب و مجيدا للغة العربية و محبا لها و معتزا بعروبته و لم يساوم عليها أبدا.
عاش سبي حياة عادية لم تكن فيها الدعة و الترف كما روج المبطلون تزوج من الأسرة الأيوبية الشهيرة في سوريا و كانت تقوم بسد كثير من حاجياتها دون ان ترهقه بتبعات ذلك و قد ظهر فقر عثمان سبي بعد موته و أسرته الان تعاني من شظف العيش وعض أنياب الزمن.
اللهم أرحم عبدك عثمان صالح سبي وأغفر له وأدخله فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.