ذكرياتي مع القائد المرحوم عثمان صالح سبي - الحلقة العاشرة
بقلم المناضل الأستاذ: أحمد أبو سعدة
يقول الله في كتابه العزيز: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم والله بما يعملون عليم). صدق الله العظيم
إن كتمان الحقيقة هي غدر صحيح في حق الإنسان كذلك مؤازة للضالين من كذبة ومغرضين ومن هم على شاكلتهم فرواية الحقيقة هو حق واجب تحتمه الآية الكريمة في قول الله عز وجل (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم والله بما تعملون عليم). صدق الله العظيم. ومن فهمي لهذه الآية الكريمة وعملا بما جاء فيها عزمت على رواية ما رأيته وسمعته:
وكلمة الليلة تعني اليوم.
بعد حوالي الساعة أعددت نفسي للرحيل وباسم الله تحركنا (كفلة) وأنا وحارسان، توكلنا وبدأنا السير على الرمال الملتهبة ودخل الليل والهواء البارد وبدأت قدماي تغوصان في الرمل الملتهب.
وكان الهواء باردا مما زاد في نشاطي وأنا أسلي نفسي بذكرياتي وتوقفنا عن السير بعد ساعات طويلة عندها بدأ قرص الشمس يطل علينا رويدا رويدا توقفنا وقد تبدلت تضاريس الأرض وجدت نفسي تحت شجرة تحمل ثمرا يشبه البرتقال عندما يكون أخضرا واستفسرت عن ثمرها فقالوا لي ثمرها لا يفيد بشي وأحيانا يكون مسموما، ألا يوجد مكان آخر نتفيء به، هذا حر دنكاليا يا أبو سعدة.
وهكذا كان اليوم الأول لي في دنكاليا، لم أتناول أي طعام إلا الماء ولا أحس بأي شهية للطعام ولا أريد غير الماء، تمددت على الأرض وبدأ الهواء يغازل وجهي بلطف ويقبلني...
ساعة وراء ساعة مر الوقت وأنا نائم، صحوت فوجدت جسدي مغمسا بالعرق وعلى لفحات الهواء الساخن المصحوب بالرمال... الله... الوقت ظهراً، وأنا لا أشعر بالجوع إلا العطش والعطش شديد، شربت الماء الذي كان فاترا إنه مالح قليلا، جلست وقلت لهم:
- أين المناضلون.
- أجابني (كفلة) بأنهم قادمون بعد قليل.
- جزاكم الله خيرا أين مناطق العمليات العسكرية ؟.
- انتظر قليلا يا أخ أحمد.
ومر الوقت متعبا مزعجا ساخنا ولم يأت المناضلون.
في المساء تناولت طعاما خفيفيا ونمت مبكرا وأنا أفكر بالمستقبل وسط هذه الطبيعة القاسية ونمت على هذا المنوال، صحوت في الليل فوجدت أحد الحارسين الموافقين لي قلت للحارس:
- انت تحرسني ممن، أنت تحرسني من ثعابين الطبيعة أم من ثعابين البشر ؟
- أجابني عبد الوهاب وهذا هو اسم الحارس: من الاثنين معا يا أخ أبو سعدة.
مع خيوط الصباح الأولى ومن بعيد لمحت حركة غير طبيعية.
قال لي عبد الوهاب:
- إنهم المناضلون.
وماهي إلا دقائق حتى كنت بينهم وكان عددهم أحد عشر مقاتلا، جاءؤا من بعيد ليروني وآراهم وأقوم بتصويرهم.
- أين جيش التحرير يا كفلة ؟.
- أين العمليات العسكرية التي سوف أصورها ؟؟.
- والله يا أبو سعدة لم نستطع الاتصال بهم.
- أين بقية المقاتلين.
- حسنا سنذهب إليهم،
قبل أن أكمل كلامي قال كفلة بلهجته العربية الركيكة.
- صعب يا رفيق، إنهم بعيدون وهذا يحتاج إلى زمن طويل.
وهنا شعرت وعلمت بأن هذا العدد هو الموجود وللحقيقة وللتاريخ أقول:
- إن هذه هي قوات التحرير الشعبية التي رأيتها آنذاك، لم أشاهد جيشا كما قيل لي، أحد عشر مقاتلا فقط؟.! وأصبت بخيبة أمل لكن احتراما وتقديرا مني لهؤلاء الثوار قمت بالتقاط صورا لهم وهذه الصور لم تعرف النور لأنها لم تعبر عن الثوار والثورة إنها تعبر عن أفراد يعيشون في هذ الصحراء ساعدهم الله وما أصعب العيس وقسوةالحياة وعدت أدراجي لكن بخيبة أمل، شيء من الألم والضغينة ضد قيادة ما يسمى بقوات التحرير الشعبية، ومالعمل الذي قمت به من حيث المساهمة في تحويل المال القادم من الأمارات إلى سليم الكردي في دمشق كمندوب قوات التحرير الشعبية وإعطائهم إلى جبهة التحرير وكشقي للرسالة التي أرسلها المناضل القائد عثمان سبي إلى أحمد جاسر التي تحمل تآمر كل من الأحمدين على الجبهة كانت خطواتي هذه ضرورية وكلن يجب أن تحصل ويا حبذا لو وافق الرفاق في قيادة جبهة التحرير أن يشكلوا قوة أمنية تحمي هذه الجبهة العظيمة... عدت وأنا خجل من نفسي لأن رحلتي كانت مغامرة وليست قضية وتمر فترة قصيرة من الوقت والتقي بها بالأخ القائد المرحوم عثمان في إحدى المنازل في شارع الامتداد بالخرطوم وقبل أن يصاقحني قال لي:
- كنت أبحث عنك يا أخ أحمد.
حاولت الكلام... عانقني ثم قال:
- أرجوك ساقول لك بعض الكلمات دلسنا وقبل أن تأتينا (الجبنة) قال لي:
- أعرف وأدرك مشاعرك، لكنني لن أقول لك سوى بضعة كلمات.
- تفضل يا أخي أبا عفان.
- عندما بدأنا بتكوين قوات التحرير الشعبية التحق بنا كثير من الشباب من المرتفعات وكان يجندهم أسياس أفورقي كنا نعتقد بأن أسياس يقوم بتجنيد هؤلاء الناس لصالح الثورة لكن مع مرور الأيام اكتشفت بأن تجنيد هؤلاء الشباب كان لدعم شخص أسياس أفورقي ثم تابع... هل تعلم يا أحمد أن أسياس كان يعمل في القاعدة العسكرية الأمريكية في اسمرا والتي تعرف باسم الكانيوستيشن.
- وكيف قبلته يا أخ عثمان ؟.
- هذا الأمر لم يكن يعني شيئا لأن كثيرا من زعماء العالم اضطرتهم ظروفهم للعمل في مؤسسات استعمارية فلم يكن لهذا الامر شأن كبير عندي.
وإنني أخاف من المستقبل لأن هناك عدد من الشباب قام أسياس بإقامة علاقات معهم هذه العلاقات تمت باغراءات عدة.
أعتذرت للأخ عثمان لأنه كان لدي موعدا مع الأخ عبد القادر رمضان في أحد المقاهي الشعبية في السوق العربي في الخرطوم، ودعت عثمان على أمل اللقاء به في موعد آخر.
وفي مقهى شعبيا في السوق العربي بالخرطوم التقيت بالقائد المناضل عبد القادر رمضان وجدير بالذكر القول بأن المناضل القائد عبد القادر رمضان كان محبوبا من الشعب الارتري كافة، لم يكرهه أحد سوى القلة من السياسيين الذين كان يضرب على رأسهم ويطلب إليهم الصحو من الفساد وإن أول مرة التقيت به كان في منزلي على الغداء في مدينة دمشق وفي حي الميدان وكان معه المرحوم الشهيد محمود إبراهيم (شيكاي) وصالح أياي وإدريس أندراي وإدريس قريش وشفا قال لي المناضل عبد القادر: يا أبو سعدة ألا تريد أن تصور شيئا مهما.
ضحكت وقلت له:
- أنا جاهز.
- تعال الى الميدان أي إلى الساحة الارترية لنقوم بعمل كبير ضد الاثيوبيين تقوم بتصويره وتوثيقه.
كان الشهيد لطيفا وضحوكا، كم كان رقيقا وحساسا.
ثم قال لي وهو يضحك كيف وجدت جيش قوات التحرير الشعبية.
ابتسمت ولم أجبه فقد سبقني للإجابة صالح اياي الذي قال وهو يضحك:
- لقد ضربه حر دنكاليا ورجع.
قال عبد القادر لصالح أياي: أبو سعدة لا يهمه لا الحر ولا غير الحر
ثم التفت إلي عبد القادر وقالي لي:
- هل تعلم يا أبو سعدة بأن عثمان رجل وطني وعربي إلا أن بطانته كانت متآمرة مع أسياس عليه وأنا عندما علمت بأنك ذهبت كنت خائفا عليك كثيرا وبالذات من أحمد جاسر لأن أحمد جاسر كان مرتبطا سرا بالجبهة الشعبية وهل تعلم بأن الكتاب الذي سلمته لأحمد جاسر وصل إلى أسياس أفورقي من أجل أن يحتضن أسياس الأحمدين لكنه رفض ولم يستطع أحمد جاسر أن يقول لأسياس أقبل هؤلاء في قواتك ونقول لك شيئا إن الذي سهل لشحيم إبراهيم تسليم نفسه لاثيوبيا كان أحمد جاسر.
الى اللقاء فى الحلقة القادمة...