لمسات في تاريخنا المهمش ذكريات معركة حلحل - الجزء الأول
بقلم المناضل الأستاذ: أحمد هبتيس - كاتب ارتري، ملبورن أستراليا
حديثنا اليوم عن (مأتو) وما أدراكم ما (مأتو)؟ الوادى الذي كان حاضنا للثورة.
ما دفعني لكتابة هذه القصة هو ما كتبه الأخ محمد إسماعيل هنقلا حرك الأحاسيس والذكريات أيام العز.
قد يتبادر إلي أذهانكم سؤال (لماذا الحديث عن ماتو بالذات؟)
فنقول لأهميتها التاريخية وموقعها الاستراتيجي، لان (مأتو) كانت محطة رئيسية من محطات الثورة انطلاقاً منها وقدوماً إليها.
قبل الحديث عن (مأتو) نعطي للقارئ خلفية عن المنطقة، وهي ايضاءات بسيطة حسب معرفتنا وإمكانياتنا المتواضعة.
كما تعلمون جميعا أن الثورة كانت لها محطات اونقاط عبور في كل أرض الوطن وملتقياتيه لأخذ الزاد والمعلومات العامة. للسير قدوماً عبر الطرق الآمنة من العدو الإثيوبي.
فمن باب شكر المحسنين، والتنبيه على فضلهم، والثناء عليهم نذكر بعض ركائز كانت تعتمد عليها الثورة حيث كانت مراكز توجيهات في عدة مناطق، مثلاً في (سبر) جدنا محمد نور إزوز - الله يرحمه، الرجل المضياف كل ما كان يمتلكه تحت تصرف الثورة، وحتى فترة تحرير المدن 1977 جدنا محمد نور عندما سمع بتحرير (أغرادات) قام بتبليغ كل سكان (سبر) والقرى حولها وجمعوا مواشي وبعض هداياء رمزية وأتوا بها (اغرادات).. السواد الأعظم من المناضلين الذين عاصروا جدنا محمد نور إزوز يعرفون ذالك ولكن أكثرهم انتقلوا إلي رحمة الله، فلم يبقى منهم إلا قليل.
واذا صعدنا الي (معركي) وجدنا المناضلة حليمة مراق صاحبة الدكان بعض المناضلين كانوا يسمونها حليمة (عراق) أسَّسَت الدكان لخدمة الثورة وكانت مركز مهم جدا.
حيث كانت هناك أعين ساهرة في مختلف الإتجاهات، فنذكر بعض رموز لعبوا دوراً كبير من بداية الكفاح المسلح. شخصيات على سبيل المثال لا حصراً حوالي (فأن) و (لاكتات): موسى باراكين (اب شاواطه)، محمد ادريس القديناي، واذا قدمت الي (رورا بيت قبرو) يستقبلك عمنا رمضان ضرار نصرالدين،
واذا عبرت إلي (جنقرين) بشير محمد خير ومقر الشيخ احمد محمد عثمان والد المناضلَين حامد احمد ومحمد نور أحمد، وإذا تقدمنا قليلاً إلي (عنسبا) تجد صالح ايلوس (الدنمو المتحرك) اذا رأيته صباحاً في بركه تجده مساءً في ساحل أو العكس.
وعمنا محمد حامد زويدة في (قرطات مأريا) هذا الرجل الصناعي ضبغ الجلود يصنع منه أشياء كثيرة لمصلحة الثورة والشعب من أحزمة وأغماد للسيوف وللسكاكين وأشياء أخرى تخص الجنود.
و عدد كبير جدا من المراسلين ولجان المناطق لم تسعفني الذاكرة أن استحضر أسمائهم.. اعتبروها هذه مجرد محاوله.
أرجو من الجميع إضافة أي إسم أو موضوع ذات صلة.. هؤلاء الذين ذكرتهم ضمن الحديث في مناطق المتاخمه لحلحل فقط، فهُنا يجب أن نذكر بوابات الرئيسية لمداخل حلحل.
إذا أتي جندي أو مجموعة من الجنود عبر هذه البوابات من أجل أي مهمة يجدون المساعدة أو توجيه.
1-فإذا أتي لـ(جبل أيلوس) يجد: محمد موسى بيد.
2-وبـ(مدخل شَشَا): احمد عمر وكيل.
3 - ومن جهة (سراوا): الشهيد علي حجاي الذي كان قائد المليشيا في (رقم أربعة) ومحمود طلوق.
4-وجهة الشمال في (قالأباء) مقر الشيخ عبدالرحمن و عمر قالأباء.
5-ثم عند جبل (بدبرإقل) أبو بكر ادريس نور و عبدالقادر ادريساي.
6-جهة (قشقشا) عمنا محمد نور حذوت ويونس محمد نور عشكراي.
7-من جهة الغرب (جبل شيراخ): عبدالله عثمان (ملقب ب اقّار) ومقر سيدنا إدريس أدم في (سيمُخٍ).
8- وإذا ب(حميدة): محمد علي صالح سريراي.
9-وفي وسط (حلحل): موسي محمد ندل وصالح علي بخيت كسوراي.
وغيرهم هؤلاء الأبطال كانوا قادة وحلقة الوصل بين الشعب والثورة وجنود الأمن جاهزين لأي مهمه يكلفون بها.
وبالرغم من وقوع بعض تصرفات الخاطئة من بعضهم ولكن ليس المقام مقام لوم والتوببخ.
إلي جانب ذلك كان التعاون مع اللجان الأخرى مع كانوا خلفية الثورة امناً و طمأنينة. وهؤلاء النفر و المواقع آلتي ذكرتها نماذج من عشرات اللجان وشخصيات النشطة آلتي كانت تقدم مصلحة الوطن على مصالحها الذاتية، عطاء غير محدود في كافة الأصعدة وسط المخاطر. إخواننا وأعمامنا لقد أيلول بلاء حسنا جزاهم الله عنا خير الجزاء لما قدموه لوطنهم ولشعبهم.
الآن العودة للحديث عن (مأتو)...
موقع (مأتو) الجغرافي لمن لا يعرفها، تقع (مأتو) وسط تلك المناطق التي أشرنا إليها سالفاً (وادي مأتو) يمتد من جبال غرب حلحل إلي (محابار) ويمتاز هذا الوادي بالمياه الوافر من أول الودي الي اخره (شلال همام)، زِدْ علي ذلك أنّ معظم وديان حلحل تتجمع ميائها ثم تصب الي (مأتو).
وأشجاره كثيف، يميناً ويساراً مزارع وعدد سكانها قليل فهنا تكمن الأهمية! لسرية العمل بعيداً عن المخاطر! تتميز (مأتو) من باقي المناطق التي ذكرتها بامتدادات كثيرة إلي (طروم) ثم (محابار) والي (معركي) ثم (ماشوه) والي (سنقه) ثم (جنقرين) وإلي وسط حلحل ثم (ماريا) و (ساحل) والخ... امتدادت كثيرة.
ولأهميتها كان المسؤولين عنها عددهم ثلاثة أشخاص:-
1. حامد محمد ابراهيم عبي،
2. ادريس نور عبدالرحمن،
3. سعيد محمد بخيت.
فكانت (مأتو) موقع معلومات ومصادر لتوجيهات بالإمكانات المتاحة آنذاك.
في النصف الأول من الستينات اتى إلي المنطقة القائدان (عبدالله إدريس ديقول) و (بخيت عثمان مركي) وطلبا عقد لقاء بشخصيات وأعيان منطقة حلحل وتم الاجتماع في (مأتو) يكل ترحاب ولم يكن يكن هذا الاجتماع عاما بل اختير بعض الإخوة والآباء ممن ظنوا فيهم الثقة وتحمل المسؤولية لسرية العمل الثورى.
ومن هناك تم تكوين لجان من مختلف المستويات وبعد هذا اللقاء بفترة وجيزة بدأ نشاط الثورة بوضوح وأصبح تواجد جيش التحرير بشكل مجموعات وهذا التحرك عزز في نفوس الناس الحس الوطني و تدفق أعداد هائلة من الشباب للاتحاق بالميدان من الريف والمدن.
حيث أصبحت (مأتو) من ذلك الوقت موقع لقاءات واجتماعات للجبهة و لا تخلى من جنود الجبهة بشكل أفراد ومجاميع وهكذا انتشرت الثورة في كل بقاع إريتريا.
هذا وفي أوائل عام ١٩٦٧ تم زواج (ادريس نور عبدالرحمن) حيث كان الحضور لافتا من جنود الجبهة.
أما أنا شخصياً لم أكن حاضراً زواج ادريس نور عبدالرحمن (رحمه الله) ولكن أدهشني عندما سمعت من زملائي الذين حضروا مناسبة الزواج قالوا لقد تم إطلاق عيارت ناريه سريعه وبكثافه في الهواء من قبل الجنود تعبيرا للفرح والسرور عند وصول العروسة إلي أهل العريس وكان ذلك غير معتاد في ذلك الوقت! وفيما بعد اتضح لنا أن المناضل (إدريس نور عبدالرحمن -رحمة الله عليه) كان من رجال الأمن.
ومن العادات والتقاليد بناء بيت العرسان المؤقت (لمدة شهرين او ثلاثة أشهر) بالخشب ويغطي بالبروش (يسمه إطاويرا) وينقل إلي بيته العادي قبل دخول فصل الخريف.
وفي نفس الصيف بعد زواج ادريس نور عبدالرحمن، الأخوة المناضلين ابو بكر علي بخيت وأخي آدم هبتيس (وردي) رحمهم الله - كانا في حلحل في اجازة قصيرة. كان الشهيد أبو بكر علي بخيت أكثر أوقات النهار يأتي إلى بيتنا لأن المنزل في مكان مرتفع وتستطيع رؤية أي تحرك للعدو الأثيوبي بكل سهولة، لهذا السبب معظم اوقات النهار تجده مع أخي (آدم هبتيس) وفي تلك الفترة، كان الفدائيين الشهيد (جابر جنجر) والشهيد (عبدالله اجّاك) كانوا موجودين فى المنطقه فأتوا الي منزلنا في إحدى الأيام وحضروا وجبة غداء معاً وفي المساء ذهبوا إلى (مأتو) والشهيد ابو بكر ذهب إلى بيته.
وفي تلك الأيام كان (بابكر هبتيس) مريضا بمستشفى (كرن) وصادف أن أخو الشهيد (عبدالله اجاك) أيضاً كان مريضا وبنفس المستشفى إسمه أبو بكر وتوفي في نفس اليوم الذي كانوا معنا في البيت وبعد ذهابهم إلى (مأتو) أتي خبر وفاة أخو الشهيد (عبدالله اجاك) جاء الخبر مع أناس اتوا في الباص المسائي من (كرن) وعندما سمعنا الخبر مباشرةً، كتب (آدم هبتيس (ورادي)) رسالة إلى الشهيد (جنجر).
وقال لي: «الآن الوقت متأخر باكر الصباح ان شاء الله سوف سأوقظك لتسلم هذه الرسالة لجابر جنجر ولاتعطيها غيره ولاتبوح بهذا الخبر» وأعطاني وصف بيت العريس.
فلم أنم تلك الليلة لاني مكلف بمهمة وبعد صلاة الفجر مباشرةً هرولت الي (مأتو) وقد وصلت بسرعة صاروخ وعرفت البيت حسب الوصف الذي اعطاني إياه و سلمت الرسالة و عندما قرأ جابر الخبر صمت قليلاً ثم دخل على البنات وقال لهن الرجاء إحضار الفطور والشاي بأسرع وقت ممكن.
وبعد الفطور، أخذ جابرُ اجاكَ إلى جانبِ وأخبره بوفاة أخيه (أبي بكر إسماعيل) واتفقوا أن يتلاقوا فيما بعد وفي أثناء الحديث بين جابر واجاك سمعت البنات خبر وفاة "أبي بكر" وظنوا الذي توفي (بو بكر هبتيس) فقد كانوا على علمٍ بمرضه فبلغوا بعضهم البعض وتحركوا إلي حلحل. (أسمائهن: فاطمة محمد ابراهيم، وعبيت حامد سعدالله وفاطمة آدم محمد علي حركت).
أنا والشهيد اجاك اتجهنا إلى الجبل من الطرف الثاني وليس لنا علم بتحرك البنات والارتباك الذي حدث وعندما شرعنا انا واجاك للصعود الى الجبل قال لي «تريث في المشي حتى تبلغ سطح الجبل و لا تحاول أن تلحقني فسوف أسرع».
وقد كان اجاك إنسان ذُو خبره في صعود الجبال، سريع جدا، و عند وصولي إلي سطح الجبل أكيد يكون (اجّاك) قد وصل إلى (سلطانُخ) ! وقد علمنا بخبر البنات فيما بعد. لقد أرسلوا إليهم شخص وفرجعوا من منتصف الطريق.. أحداث وقصص عن (مأتو) كثيرة.
هذه مجرد مقتطفات التي شهدتها بنفسي وكل المعارك التي حدثت في مركز (حلحل) أكثر من مرة أتي جيش التحرير عبر (مأتو) للهجوم علي العدو أو من جهات أخري ثم ينسحب الي (مأتو) بعد المعارك.
حتى مساء يوم معركة حلحل الشهيرة ١٩٦٨ كل جيش التحرير التابع للمنطقة العسكرية الثانية كان في (مأتو) قبل دخوله المعركة.
نواصل بإذن الله... في الجزء القادم