مذبحة عونا وبسكديرا

بقلم الأستاذ: محمود بره - كاتب إرتري

قصة عونا وتوأمتها بسكديرا، يدور حولهما لغط كثير، عن اسباب وقوع الحادثة،

رغم انهما لم تقترفا ذنباً حتي يصيبها غضب العدو الذي لايفرق بين الاخضر واليابس، البعض يعتقد انها مؤامرة الكماندوس (الشرطة الارترية) ضد المسلمين، لان الكماندوس كان يشكل افرادها اغلبية مسيحية وكذلك قياداتها النافذة، والبعض الاخر يوصمها بأنها طائفية تخدم مصالح التجرينية والتقاروا الذين كانوا يخدمون اجندة حزب (الاندنت) الوحدة مع اثيوبيا الذي تواطأ مع اثيوبيا في ضم ارتريا اليها وجعلها الاقليم الرابع عشر.

وقد اجتهدت في تقديم اجابة مفيدة بالاتصال مناضلين في جبهة تحرير ارتريا و مواطنين لهم دراية كافية بالاحداث، واذا كان من بينكم له اضافة الباب مفتوح الموضوع ليس حكراً علي احد او مجموعة معينة، وقصة عونا تبدأ من الارهاصات التي كانت تدور في قصر الامراطور هيلي سلاسي (قوة الثالوث) امبراطور اثيوبيا الاعظم، ان خادم الامبراطور في ارتريا (اندراسي) ضعيف الشخصية، وغير قادر في القضاء علي مجموعة قطاعي الطرق (الشفتا) تجعل من جبال وأودية السنحيت مكان تمركز، ولهذه الاسباب اصدر الامبراطور مرسوماً بتفويض الجنرال تشومي ارقتو في استعمال القوة المطلوبة، واذا اقتضي الامر بامكانه ان يبيد الشعب الارتري بتبني سياسة الارض المحروقة، وتجفيف البحر اذا اراد قتل السمك، وأول ما وصل ارقتو الي اسمرا، اصدر بياناً يهدد فيه الثورة الشعب الارتري انه سوف لايرحم كل من يقف مع المارقين والفالتين، وانه جاء للقضاء علي قطاع الطرق في ايام معدودات، وتطهير البلاد منهم، وفي المقابل استوعبت جبهة تحرير ارتريا الرسالة، واعدت العدة لتلقينه درساً لن ينساه الامبراطور المتغطرس.

فوضعت خطة الاولي كمين عسكري في عقبة (لبي تقراي) لمواجهة الجيش اقادم من اسمرا وكمين اخر بالقرب من حليب منتل علي تلال قرية (درق) لسد اي نجدة قادمة من كرن، وفي يوم 21 نفمبر 1970م أعد كميناً محكماً قام افراد هندسة الثورة في زرع الغام الاليات في تعرجات عقبة (لبي تقراي) المشهورة التي تقع في الطريق الذي يربط اسمرة ـ بكرن، وبالفعل نجحت الخطة في تعطيل موكب الجنرال الذي كان يتكون أكثر من 50 سيارة محملة بالجيش النظامي الاثيوبي والكماندس الارتريين وسيارات صغيرة للقيادات العسكرية.

وعند اصابة اللغم احدي الشاحنات التي تقود الموكب فتح الثوار نيران بنادقهم ورشاشاتهم علي الجنود، وضرب وقود السيارات الذي زاد من الاشتعال، وهلك عدد كبيرمن عساكر العدو جراء سقوط الشاحنات في منحدرات الاودية السحيقة. وجرت معركة كبيرة سريعة ومباغته نتج عنها خسائر كبيرة في الارواح والعتاد علي راسهم هلاك الجنرال "تشومي ارقتو"، الذي نفق قبل ان يحقق شيئاً، ومات معه عدد من الرتب الكبيرة، وميئات من الجنود، تاركاً خلفه عاراً لايمحي من جبين الامبراطورية.
كان قائد العملية الشهيد/ قبرهيوت ود حمبرتي (قائد سرية) والذي استشهد لاحقا في معارك بقو، وقائد سلاح الهندسة المناضل جمعة أبو الخير.

وكانت قوات الكماندوس في كرن في اهبة الاستعداد للاستقبال القائد الجديد الذي سوف يخلصهم من قطاع الطرق الي الابد، ولكن تاتي الرياح بما لاتشتهي السفن، وصلتهم اخبار عبر اللاسلكي غير العادة تفيد بوقوع الجيش في كمين و يخوض معارك ضارية مع قوات الشفتا.. وتحركت علي وجه السرعة قوافل السيارات لنجدة الجيش القادم من اسمرا، ووقعت هي نفسها في كمين اخر علي مقربة من قرية (حليب منتل) من قبل سرية الشهيد عثمان صالح علي، ودارت معركة حامية وطيس تكبد الكماندوس خسائر فادحة في الارواح والعتاد، وعادت بقية قوات العدو القهقهري الي كرن.

وفي يوم 27 نوفمبر، جاء دعم عسكري كبير لقوات العدو الي كرن، وتحركت في اتجاه شمال كرن في قري فرحن وبسكديرا وباب جنقرين وما يواليها ودارت معارك متفرقة مع الثوار، وقد هرب سكان القري بعضهم الي كرن والاخر الي الريف، الا قريتي (بسكديرا وعونا) قد فضلتا البقاء رغم الحاح الثوار عليهم بالهروب وترك القرية وخاصة سكان بسكديرا، وقد رفضوا مناشدات الثوار حتي جاءت القوات العائدة من معارك الثوار من جهة باب جنقرين، وطلبت من سكان بسكديرا التجمع المسلمين في المسجد، والمسيحيين في الكنيسة، ورفض الاعيان وقالوا لن نفترق فنحن اخوة لحم ودم لاتفرقنا اماكن العبادة.. فأدخلوهم جميعاً في المسجد وأمطروهم بالرصاص فاختلطت الدماء الطاهرة لتروي تراب الوطن،، وتغيظ العدا... ودفن الجميع في مقبرة جماعية واحدة يقدرون ب 120 شهيداً، وهذه واحدة من المآثر الشجاعة وقيمة تجسد وحدة الارادة الوطنية في تحد الاعادي.

قرية عونا قاطنيها الاصليين عد شبوت السواد الاعظم مسيحيين، تقع في طريق كرن ـ افعبت، كرن ـ حلحل علي بعد كيلومترات شمال المدينة وقد نزحت اليها سكان القري المجاورة لكرن ومن ضاحيات مديرية سنحيت لظروف متعددة، وكانت تعد معقل اساسي للثوار، وعبرها يتسللون الي المدينة ويُدخِلون السلاح اليها ويهربون المؤن والادوية الي الثوار، وكثير ما انتهت اثار مطاردات منفذي العمليات الفدائية عند عونا، ولذا كانت مصدر تهديد دائم للعدو، وحتي تكون عبرة لغيرها وانتقاماً لروح الجنرال تشومي وصل العدو الي قناعة اذا لم ترحل عونا عن الوجود سوف لن يهدأ له بال، ففي صبيحة الاول من ديسمبر من نفس العام اصدرت السلطات قراراً بفرض حصار محكم علي سكانها وابادتهم وحرق بيوتها علي رؤسهم، بعلل ايواء الشفتا ومعاونتهم في تنفيذ عمليات فدائية في كرن.. وكانت المجزرة التي راح ضحيتها ما بين (800 الي الف) شهيد من الاطفال والكهل والشيب والشباب، وفي رمشة عين اصبحت اثر بعد عين خلفت ورائها ارض جرداء خالية من النبات والحيوان.

مما سبق نستخلص ان مجزرتي عونا وبسكديرا، هي ضحية تراكمات بدأت منذ تاسيس جبهة تحرير ارتريا في عام 1961م، فريف اقليم سنحيت كان ثورياً خالصا، ومدينة كرن كانت مصدر اشعاع في تغذية الثورة بالمتعلمين والدارسين، حتي وصفها العدو (كرن برميل سم) ويقصد بالسم الثوار الارتريين.. المجد والخلود لشهدائنا الابرار والخزي والعار للمستبد الباغي.

Top
X

Right Click

No Right Click