الشيخ المصلح عمر إدريس مودوي
بقلم الأستاذ: إدريس إبراهيم أيم (أبو بلال) كاتب إرتري - لندن، المملكة المتحدة
الشيخ المصلح عمر إدريس مودوي، عاد إلى أرض الوطن قادما من المملكة العربية السعودية
بعد تخرجه من الجامعة الإسلامية قسم الشريعة بالمدينة المنورة.
ولد الشيخ عمر إدريس مودوي في ضواحي مدينة قندع بالتحديد منطقة عد عشكر.
بدأ الشيخ في فترة طفولته مثل أقرانه الآخرين في ذلك الوقت برعي المواشي وحفظ كتاب الله تعالى.
كان ذكيا وسريع الفهم والحفظ أكثر من بقية أقرانه، لاحظ الشيخ الذي كان يقوم بتدريسه، بتفوق الشيخ على بقية الأطفال.
فنصحه بالذهاب إلى السودان لكي يلتحق بخلاويها العريقة ومدارسها حتى يستفيد أكثر.
هاجر الشيخ إلى السودان والتحق بخلاويها قرأ وأتقن علوم تجويد القرآن الكريم، وعلوم اللغة العربية، وأصبح من الطلبة المتفوقين حتى حصل على منحة دراسية إلى المملكة العربية والتحق بالجامعة الإسلامية،،،
تتلمذ على أيدي كبار العلماء وخالط كثير من الطلاب الذي قدموا من جميع البلدان الإسلامية وعلى أعضاء هيئة التدريس الذين كانوا من جنسيات و من بلدان إسلامية مختلفة.
هذا الاختلاط أكسبه الخبرة في العمل الدعوي وبناء شخصيته بناءا صحيحا،،، وبعد إتمام تعليمه الجامعي وتخرجه من الجامعة عرض إليه من قبل دار الإفتاء في السعودية الإفتاء في بلد غير بلده الأصلي بمرتب مجزي وعلاوات أخرى ولكن الشيخ رفض هذا العرض المغري وتلا عليهم قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ).
وفضل الرجوع إلى وطنه إرتريا في احلك الظروف الأمنية والسياسية.
عندما وصل الشيخ عمر، استأجر منزلا في قندع واجتمع بأعيان ووجهاء وتجار قندع وعرض عليهم فكرة إنشاء معهد علوم الدين الإسلامي.
وجدت الفكرة القبول والترحاب من الأهالي والمساندة من أعيان وتجار قندع،،،
ونتيجة لتكاتف أهل قندع ومبادرة أصحاب المحلات تم جمع التبرعات وتم إنشاء معهد قندع الإسلامي مكونا من فصلين، كان الشيخ المدرس الوحيد للمعهد قبل ان ينضم إليه موخرا الشيخ إبراهيم سعيد مودوي بعدما أنهى دراسته الجامعية في المملكة العربية السعودية مبعوثا رسميا من دار الإفتاء.
كما تم اعتماد الشيخ عمر من قبل دار الإفتاء السعودي وأصبح للشيخين مرتب يأتيهم من دار الإفتاء السعودية وإلتحق الشباب بالمعهد أفواجا حتى امتلأ.
وقام الشيخ بتعين معلمين ومدرسين ومن ضمنهم الشيخ أبوبكر أحد المجودين و حفظة القرآن الكريم تخرج من خلاوي السودان العريقة بدرجة إمتياز.
للتوضيح (مرتبات المدرسين الآخرين بما فيهم الشيخ أبوبكر كانت تأتي من أعيان وتجار قندع) ذهب الشيخ إلى ريف سمهر بنفسه وأتى بمجموعة من الطلبة بعد أن اقنع والديهم،،،
واقنع أصحاب المحال التجارية لتبني هؤلاء الشباب في السكن والملبس والأكل واحتياجات الطالب من القرطاسية شرط أن يدرس الطالب في الفترة الصباحية بينما يقوم الطالب بمساعدة صاحب المحل في الفترة المسائية،،، أما الشيخ عمر فبنفسه كان متكفلا بمجموعة من الطلاب في بيته،،، نشاط الشيخ عمر رحمه الله تعالى لم يقتصر على المعهد فقط، بل كان عنده حلقات تربوية في مسجد قندع الكبير.
كان يعطي الدروس في (العبادات والفقه وتفسير القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة) بعد كل صلاة العصر وكان الشيخ متمكنا من لغته التقرأيت حيث كان يشرح بها لكي يفهمه الكبار والصغار والمتعلمين والبسطاء. كان الشيخ ذو شخصية قوية وحكيم وكان صاحب منهج وسطي بعيد عن التشدد والتنطع في الدين فلم يجرح أو يسئ لأحد.
فكان بذلك رجلا محبوبا من الجميع وفرض احترامه على الجميع وكان ميسرا لا معسرا، ومحببا للدين لا منفرا ولذا كان الكل حريصا على حضور حلقاته العلمية في المسجد بعد توفيق الله تعالى كان للشيخ الفضل في نشر المنهج الإسلامي الوسطي في قندع وضواحيها.
وبعد عامين من مجيئ الشيخ إلى قندع زاد عدد الطلاب واحتاجوا لمزيد من الفصول الدراسية.
فبجهد من أهالي قندع ومساندة المحسنين من داخل وخارج إرتريا تم شراء فيلا لأيطالي يفصلها من المسجد شارع.
وهكذا أصبح لمعهد قندع بدلا من فصلين دراسيين، إلى ستة فصول دراسية، ومن يكمل الفصول الدراسية كاملة يكون مؤهلا تأهيليا كاملا ويعطى منحة دراسية من قبل الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لأكمال دراسته الجامعية،،، وللمعلومية فإن هذه الفصول الدراسية كان على الطالب قبل أن يبدأ فيها، أن يكون حافظا لكتاب الله تعالى ومتقنا لعلم التجويد أيضا.
ومن ضمن ما كان يتم تدريسه في هذه الفصول علوم اللغة العربية كالنحو والصرف وكتب العقيدة والفقه والتفسير والتاريخ الإسلامي.
و أصبح معهد قندع الإسلامي منارة ومركز لأشعاع نور الهدى والهداية لأهل الإيمان ليس في قندع فحسب بل في كل إقليم سمهر بأثره وصارت قندع قبلة الراغبين في العلم الديني وأصبحت سمعة المعهد تتخطى ارجاء إقليم سمهر في نشر الدعوة وتغيرت سلوكيات الناس إلى الأفضل وصار ميولهم وإلتزامهم دينياً أكثر تهذيباً واستمر العطاء للشيخ الجليل والكوكبة التي حوله حتى دخول الجبهة الشعبية لمدينة قندع عام ١٩٧٧م لتفرض الجبهة الشعبية الدراسة الإجبارية على أهالي قندع رجالا ونساءاً طبعاً الى جانب التثقيف السياسي بحجة محو الأمية وكان جواب الأهالي نحن ك رجال ليس لدينا مانع من الالتحاق بصفوف الدراسة، لكن نرفض رفضا باتا تدريس بناتنا وزوجاتنا ان كان فيها الخروج والإختلاط مع الذكور خوفا على حرائر قندع وأمهاتهن.
مع العلم أن الدراسة لهن كانت في الفترة الليلية خوفا من قذف الطائرات الإثيوبية.
ولكن الجبهة الشعبية لم تتقبل رفض الأهالي لأمرها واعتبرته عصيان، واجتمع أهالي وقندع بالشيخ الجليل عمر مودوي وتوصلوا اليه ليرفع رسالة مكتوبة وموقعة من كل الآباء الى قيادة الجبهة الشعبية العليا.
وبعد أيام من كتابة الرسالة تم إعتقال الشيخين عمر مودوي وسعيد مودوي وتم إستجوابهم من قبل (حلوا ثورة) أي أمن الثورة ودامت فترة الاعتقال لأكثر من خمسة أيام ثم أفرج عنهم،،،
في أثناء اعتقال الشيخين حاول أهل قندع بالتدخل ومعرفة سبب اعتقالهم، ولكن دون جدوى، ولكن بعد خروج الشيخين من الاعتقال إنتشر الخبر مثل النار في الهشيم، وبدأت الأهالي تتوافد على بيوت المشايخ لتهنئتهم. وعم الفرح في مدينة قندع.
ولكن للأسف هذا الفرح لم يدم طويلا، طلب الشيخين إجتماع لأهالي قندع في المسجد وأخبرهم الشيخ ومعه الشيخ إبراهيم أنهم سوف يهاجرون إلى السودان.
هجرة الشيخان إلى السودان أقصد بذلك قرار هجرتهم إلى السودان، هل كان من تلقاء أنفسهم أم أجبروا على ذلك !؟ هنا أنا لست متأكدا من ذلك.
ولكن توجد أقاويل كثيرة فيما يخص هذا الموضوع، خيم الحزن على أهالي قندع، وعند رحيل الشيخين خرج أهل قندع كبيرهم وصغيرهم لتوديع المشايخ، واستقر به الامر في مدينة القضارف وبالتحديد حي دار السلام، ومسيرته الدعوية لم تتوقف، بل بالعكس زادت في السودان فأسس فيها مركزا لتحفيظ القرآن الكريم مرفقا بالقسم الداخلي لاستيعاب الطلاب القادمين من إرتريا.
وبفضل سمعته وعلاقته الطيبة مع إدارة الإفتاء بالمملكة السعودية استطاع أن يوفر منح دراسية لعدد لا بأس به للطلاب الإرتريين لدى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
كانت الدعوة الى الله تعالى كل ما يشغل حياة الشيخ حتى وافته المنية في سبتمبر ٢٠٠٣م.
رحم الله شيخ عمر برحمته الواسعة وجعل كل أعماله في ميزان حسناته... تخرج على يديه الألاف من الطلبة وترك بصمة صالحة وعلما ينتفع به إلى يوم الدين.