سيرة الأستاذ عيس سيد محمد رجل وطن وعلم وتربية - الحلقة الرابعة
بقلم الأستاذ: حسين رمضان - كاتب ارتري
ثانياً - الحركة الإسلامية: فنظراً للمآل الذي وصلت إليه جبهة التحرير الارترية من الانشقاق إلى فروع صغيرة
فبعثهم الله للأمم لهدايتهم بالعلم إلى الحق المبين قولاً وعملاً وهنالك الكثير من الشواهد على فضائل العلم والتعلم.. لا يسع المجال لذكرها.
ثم الذوبان ظهرت في تلك الفترة بعض المجموعات الإسلامية كبديل طبيعي ومن ذلك حركة (الرواد، والجبهة الإسلامية.. الخ) وفي عام ١٩٨٧م بدأ يظهر نشاط هذه المجاميع هنا وهناك سيما بعد الصلح الشهير الذي قامت به مجموعة برئاسة عرفة بين قبيلة (الأساورتا والساهو) وقد وصل الأمر في هذا الصراع إلى مراحل متقدمة من الخلافات بل كاد أن يصل إلى المواجهة والاقتتال ولولا لطف الله لكانت هنالك مجازر وضحايا.. فتدخلت مجموعة بقيادة عرفه للإصلاح بين الفريقين المتخاصمين وبفضل الله تم احتواء الموقف والوصول إلى صيغة ترضي الخصوم من الطرفين وقد كفى الله المؤمنين القتال.. ومن هنا بدأ المكون الاجتماعي المدني بقيادة الشيخ عرفة ومعه الشيخ محمد صالح.
والتحق الأستاذ سيد عيسى بهذا التجمع الحركي باعتباره البديل المناسب حيث كان ينطلق من منظور إسلامي لخدمة الوطن وتم تكليفه من قبل هذه المجموعة مندوب وممثل في منطقة كسلا وهذا المجال بطبيعة الحال له ارتباط مع جهات سياسية وأمنية كبرى في المنطقة، والأستاذ دوره كان بمثابة حلقة وصل بين الحركة وتلك الجهات، وبعد فترة لاحظ أن هنالك لقاءات مشبوهة تتم بين الأطراف على مستوى المسؤولين الكبار بعيداً عن أعين المكلفين ويعني نفسه ولم يكن لها أي مبرر لذلك كانت مزعجة ودلالتها كأنها محفوفة بعدم الثقة، ولذلك لم يطمئن قلبه لهذا المنصب فآثر ان يبتعد فقدم استقالته لقيادة الحركة ولكن الشيخ عرفة (أبو أحمد) عندما علم بالإستقالة طلب منه التراجع والاستمرار في تكليفه ولكن قرار الأستاذ كان نهائياً في الاستقالة، فعرضوا عليه كبديل إدارة المكتب السياسي والذي كان يترأسه الشيخ حامد تركي وهو رجل غني عن التعريف يمتاز بالحكمة والعقلانية والثقافة الواسعة ومعه شهادة ماجستير من جامعة بغداد ونائبه كان حسن سلمان وهو جامعي وحمل فيما بعد شهادة الدكتوراه.
وبالرغم من استقالت الأستاذ عيسى من منصبه إلا أن عضويته في الحركة ثم أتت إليه فرصة السفر إلى السعودية بتأشيرة زيارة وهنالك التقى ببعض الأعضاء والمتعاطفين مع الحركة والجميع كانوا مستبشرين طبعاً بتكوين الحركة وانطلاقتها الميمونة ومسؤول مكتب الحركة في الرياض في ذلك الوقت كان الأخ الأمين حاج نافع،، والحق يقال أن هذا الرجل له من الصفات الحميدة وحسن الخلق الشيء الكثير، وفي إحدى اللقاءات علق أحد المهتمين بالحركة عليكم بالوحدة والترابط ونحن متفائلون بهذه الحركة - وإن شاء الله - يأتي الخير والنصر على يديها وطمأن الأستاذ عيسى الأخوة المتعاطفين بقوة ومتانة الحركة وقال الأمور تسير حسب المباديء والأهداف المرسومة - إن شاء الله، وليس هنالك ما يشوب أو يعكر صفو العمل في صفوف الحركة والقائمين عليها ونحن نحسبهم من خيرة الناس ويشهد لهم بالخير وحسن الطوية. ثم تم لقاء تنويري مع بعض الجهات الخيرية وضم بالإضافة إلى الأخ محمد إسماعيل عبده مسؤول مكتب العلاقات الخارجية الأخ آدم إسماعيل مسؤول مكتب الاعلام وبمشاركة العضو الأستاذ سيد عيسى.
وفي موسم الحج من ذلك العام أقامت الحركة مخيم تعريفي وتوعوي للحجاج من ضمن جدول المخيم تم زيارة بعض المشايخ الكبار في مخيماتهم وأول مخيم تم زيارته هو مخيم منطقة القصيم وتحدث الأستاذ سيد عيسى بصفته عضو قيادة في الحركة وتضمنت كلمته تعريف عن الحركة وتطوراتها الميدانية، وحيث لم تكن معدة من قبل ولكن بحنكة وخبرة المعلم كان لها وقع مريح في نفوس الحضور واستحسنها الجميع.. وتمنى الحضور للحركة التوفيق والنجاح مع توصيتهم بأخذ من الاختلاف لأن مثل هذا العمل دائماً مستهدف من الأعداء.
وأكد الأستاذ سيد عيسى للجميع صلابة الحركة لأن قوتها تستمدها من الشباب والطلاب ومن جهات إسلامية معتبرة ومثل هذا التجانس هو النواة المكونة للحركة وهم صمام الأمان لاستمرارها ووحدتها - بإذن الله..
وبالرغم من نفي الخلافات وتطمين الناس بقوة وصمود الحركة إلا أن هناك كان أمر ما مريب وينذر بشيء مخيف وكأن تحت الرماد وميض نار تشع شيئاً فشيئاً فتنادى أهل الحل والعقد على وأد أي عمل يعكر صفو الحركة واستمراريتها فتداعى الجميع لعقد مؤتمر لمناقشة المستجدات الخطيرة وتم اختيار بعض الشخصيات الاعتبارية والمسؤولة ومنهم الأخ محمد إسماعيل عبده (أبو نوال) وهو معروف للجميع رجل كان يناضل في الجبهة وشهم وخريج القاهرة وهو يمثل حركة الرواد ونائبه الشيخ حامد تركي (أبو ماجد) وحضر هذا الاجتماع وفود كثيرة من أوروبا وآسيا وأمريكا وأفريقيا..
ثم تبع هذا المؤتمر اجتماع آخر حضره الشيخ محمد اسماعيل عبده وآدم إسماعيل والشيخ محمد نور الحاج وأثناء الاجتماع تحدث الشيخ آدم اسماعيل قائلاً للمجتمعين إن قيادة الحركة همشت المجلس والحركة الآن بلا قيادة وحتى أعضاء المجلس الذين يعملون قلة بالنسبة إلى عددهم،ونتيجة لذلك أتوقع أن الجيش سوف يقوم بحركة تصحيحية أو خطوة جريئة انقلابية.
والأستاذ عيسى صُدم من هذا الحديث و تصدى له قائلاً ليس للتنفيذية صلاحية على المجلس والعكس هو الصحيح المجلس يراقب ويحاسب التنفيذية أما أعضاء المجلس تتم محاسبتهم في المؤتمر العام. بعد هذا اللقاء سافر الأستاذ للسودان وفي بورتسودان نزل في ضيافة المرحوم صالح جعفر كيكيا، ووجد أيضاً الأخ محمد صالح شيا وهو عضو مجلس وتنفيذية وسكرتير الحركة والأخ محمد صالح دويد عضو مجلس فاخبروا الأستاذ أن الحركة يبدو انشقت، وخرج أبو صهيل بانقلاب، وقالوا له لدينا اجتماع بعد صلاة المغرب ودعوه للحضور، فهذا الخبر وقع على الأستاذ كالصاعقة بالرغم من أنه كان متوقع مسبقاً هذا التطور، ولكن طلب منهم اعفاءه من حضور اللقاء نظراً لأنه متعب ويريد ان يستريح، ولكنهم ألحوا عليه فأذعن لهم، وكان الحضور كبير من الكوادر منهم من جماعة أبو صهيل وآخرون من جماعة الشيخ عرفة، وبعد افتتاح الاجتماع بدأ كل طرف يكيل التهم للطرف الآخر بدون أي حرج بل وصل الأمر إلى أخطر من ذلك.
وبعد أن وصل إلى كسلا عدد من كوادر الحركة بلغوه بالانشقاق وهم الآن يسعون في تكوين لجنة للوساطة بين الفرقاء ولكن الأستاذ كانت لديه قناعة إن اللعبة تدار من الخارج وليس من الداخل وأي لقاءات غير مجدية في هذه المرحلة والبعض كان مصر على اللقاءات لعل وعسى يتم الوصول لحلول في الموقف المتأزم ولكن كما يقولون سبق السيف العذل حيث قامت جماعة أبو صهيل باجراءات عملية على أرض الواقع وتم والاستيلاء على ممتلكات الحركة العينية والمادية، وهنا اعلن الأستاذ سيد عيسى اعتزاله العمل مع كل المكونات التنظيمية أو الحركية مهما كانت مسمياتها حتى تتضح له الرؤية.
وحاولت بعض الأطراف استمالته بتقديم بعض الخدمات ولكن لم يثنه ذلك على قرار استقالته وعدم العمل في الحركة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل بين الفينة والأخرى كان يتردد عليه عدد من قيادات وكوادر الحركة ومنهم الشيخ حامد تركي مسؤول المكتب السياسي ومحمد إسماعيل عبده مسؤول مكتب العلاقات الخارجية - يرحمهم الله - وضياء الدين عبدالله وهو من خيرة الكوادر وعضو تنفيذي والأخ شيا سكرتير الحركة والأخ عبدالكريم جمع وغيرهم ورغم إصراره على الاستقالة والنأي بنفسه عن العمل السياسي والتنظيمي لم يتركوه ولم يتخلو عنه أبداً وقالوا له أنت رجل وطن ومخلص وامكانياتك كبيرة ولك من التجارب في العمل الشيء الكثير وأمثالك هم الآن أصحاب المرحلة الحرجة من تاريخ الحركة، ولكن اجابته كانت لا تغروني بالمناصب والمصالح أنا رجل اعمل من أجل الوطن وبدون مقابل ولكن في ظل هذه الظروف الحالكة وتفتت الحركة يسرة ويمنة فالرؤيا غير واضحة عليه قرار الاستقالة قائم ولن احيد عنه ابداً، وقال لهم أيضاً جبهة التحرير عندما مرت بنفس هذه الظروف تركتها مع أنها جزء من كياني وحياتي، وللأسف عندما أتيت للعمل معكم في الحركة كنت معتبرها جهة إسلامية تحتسب الأجر من الله وليست حزبية ولا نفعية ولكن الآن اتضح العور، عليه اعذروني لا استطيع تغيير مبدئي في هذا الجانب.
وتبع الأستاذ عدد من الأعضاء في تجميد العضوية ممن كانوا معه في جبهة التحرير سابقاً وفي الحركة حالياً وهذا الانشقاق أضحى صدمة قوية لكثير من الأعضاء وللأسف لم ينتهي الانشقاق إلى فصيلين بل وصل فيما بعد إلى أكثر من سبعة تنظيمات ونظراً لتتابع المشاكل بسبب تداعيات الانشقاقات وعدم الاستقرار السياسي والنفسي والجميع يصول ويجول واجتماعات هنا وهناك والجو محتقن وينذر بعواقب وخيمة. لذلك دعا بعض الأعضاء لاجتماع عام لكل التيارات الوطنية ومنهم الأخوة (عبدالقادر وصالح حيوتي ومحمود شيخ) وتم دعوة القيادات و الأعيان والكوادر لجبهة التحرير، والقوات الشعبية، واللجنة الثورية، والحركة بفرعيها (أبو صهيل، وعرفة)، ولكن الأخ عمر برج رئيس التنظيم الموحد لم يشارك في هذا اللقاء لأنه كان متوقف عن السياسة، وهو رجل غني وله ايادي بيضاء في دعم الطلاب الفقراء خاصة في سوريا وأيضاً المسافرين لطلب العلم في أوروبا وكان سابقاً رئيس قوات التحرير الشعبية بعد وفاة صالح سبي وتوقف عن السياسة بسبب الخلافات الواسعة بين التنظيمات والحركات الوطنية.
وتحدث في هذا اللقاء الأستاذ عيسى بتجرد تام وقال لهم أنتم الآن جمعتم كوادر من تنظيمات عدة بما فيهم الحركة وهؤلاء جميعاً ولاءهم كان ولا زال يجير للجهات التي ينتمون إليها ولن يقولوا إلا ما يمثل وجهة نظر قادتهم وهم الذين تسببوا في تشتيت وفرقة التنظيمات والحركة، فليتكم دعوتم شخصيات اعتبارية محايدة ومعتدلة وليس لها انتماءات تنظيمية أو حزبية مباشرة وكلنا يعلم ان المصيبة بدأت من قيادات وكوادر التنظيمات السياسية والحركية، ونظراً لعدم جدوى من هذا اللقاء أعلن انسحابه ثم تبعه عدد من المشاركين ولكن الأخ صالح سيد اعترض على قرار الانسحاب وطلب منه تأجيله وعدم المغادرة.
وبالرغم من توسل المحبين والأصدقاء اعتزل الأستاذ عيسى العمل السياسي وعاد للسعودية والتحق ببعض المدارس الأهلية للمرحلة الابتدائية والمتوسطة معلماً ومترجماً في المنطقة الشرقية لشركة ملاحية في ميناء الدمام والجبيل ولمدة سنة ونصف ثم قدم استقالته من الشركة وأخذ كامل حقوقه وعاد إلى المنطقة الغربية تحديداً مدينة جدة ولا زال حتى تاريخه فيها ويدرس مادة اللغة الإنجليزية في بعض معاهدها التعليمية.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة...