مذكرات وأوراق للدكتور محمد عثمان أبوبكر - الحلقة الثالثة

بقلم المناضل الأستاذ: محمد عثمان أبوبكر - القيادي في التنظيم الموحد سابقا

في عام 1958 تم تأسيس اتحاد شباب سمهر، و كان من حرقيقو نافع جوان، حسين باقر، إدريس برحتو صالح محمد جواي.

ومن مصوع محمد عبدالله شريف، نافع حسن كردي محمد أفندي.

ومن إمبيرمي سليمان شيخ محمد، عبد الرحمن محمد علي وحسن شيخ الامين.

ومن إرافلي أحمد محمد جاسر، ومن المناطق الأخرى زولا حطملوا أماتري وجندع، كان كل من محمد صالح أفندي، محمد عثمان إناتي، عبد الرحمن عباس، أبو علي سليمان، عبدالله أحمد كيكيا ومحمد نور صالح كيكيا، عقدنا بحضور هؤلاء الشباب المتخصصين جمعية عمومية وبعدها عقدنا مؤتمر، وتم انتخابي رئيس شباب سمهر.

في تلك الفترة تم إنزال العلم الإرتري وبدأت مؤامرات الاحتلال تتضح شيئاً فشيئاً، وأصبح الاحتلال واضحاً، واتفقا نحن الشباب على إثر إشارة ونداء من اسمرا وكرن عقدنا اجتماع طارئ وسري في بيت أحد الشباب (حرقوت) كنا مسيحيين ومسلمين، خرجنا من هذا الاجتماع بضرورة القيام بمظاهرات عارمة في عموم إرتريا وأن تكون في يوم واحد.

كان عثمان سبي في تلك الفترة في المدرسة ونصحنا بالتأني وعدم التعجل إلا أننا رفضنا حديثه، وفي اليوم المحدد تظاهر الجميع ونحن بدرونا زحفنا من حرقيقو إلى مصوع، ما قمنا به كطلاب كان لفتة بارعة واحتجاج لا مثيل له، وتناولته الإذاعات وقدمنا مذكرات تنديدية بسبب تنكيس علم إرتريا.

المستعمر فضل عدم الرد علينا ربما لأننا كنا صغاراً ولم يعد ما فعلناه كبيراً ومستحقاً للرد. بعدها فتحنا باب التبرعات وأعددنا ورق اليانصيب وجوائزها كانت بقرة وراديو وبعنا الكثير من هذه الأوراق في مصوع وحرقيقو.

في يوم من الأيام ذهبت مع زميلي محمد نور صالح كيكيا المسئول المالي في الاتحاد المكلفين إلى البحرية وقابلنا الكابتن (إسكندر دستا)، وهو ابن أخت الإمبراطور هيلي سلاسي.

والشيء الطريف لأول مرة في حياتي أرى المكيف ودخت من برودة المكان الذي كان فيه وأخذتني غفوة ونمت مباشرة. وأخبرنا الكابتن بأننا ندعي على جمعية خيرية تساعد الطلاب واعطانا 200 بر وتجولنا في السفينة وعموماً صدق الجميع بأننا سنقوم بتوزيع ريع اليانصيب على الطلاب، جمعنا من حرقيقو ومصوع وحدها 5.235 دولار وقمنا بفتح حساب في بنك (دي روما) استلم منا المبلغ الأخ محمد عبد المنان، وكان حينها موظف في البنك واخذنا منه وصلاً بذلك بعدها توجهنا إلى حرقيقو مع زميلي محمد نور صالح كيكيا، وفوزنا اليانصيب لمن اردنا أن يفوز، وأعطيناه البقرة والراديو والمعز للأول والثاني والثالث على التوالي، هذه كانت خطة لإعادة هذه الجوائز ومن ثم البدء مرة أخرى في دورة جديدة من أوراق اليانصيب.

ومشت المسألة على هذا المنوال 1956 - 1960، أعلن بعدها إجراء انتخابات لترشيح أشخاص لبرلمان إثيوبيا.

أنا مع آخرين كموظفين أخذونا للإشراف عليها في مناطقنا ولأول مرة تشارك إرتريا في برلمان إثيوبيا، واعلن إن لم يرشح يفقد حقه في تمثيل شعبه وبذلك تسقط مطالب شعبه وكنت رئيس الدائرة مع 4 آخرين. واول مرة في حياتي أطوف مناطق سمهر إمبيرمي وقيرو، قحتيلاي، عايلت، قمهوت، قدقد، وشبح أبارارة.

ومن المواقف التي لا أنساها أصل أبارارا وهم بيت درقي شيخ محمود أكرموني أيما كرم واحتفلوا بي حينما علموا انني من عد شيخ محمود.

مع زميلي حامد محمد حمدان ذهبت إلى دهلك. كان المرشحون من سمهر 4 مسلمين و3 مسيحيين.

هذه المسالة لم تهضم من قبل أهل سمهر أن يرشح منهم 3 مسيحيين وهم جاءوا إليها وافدين إما عمالاً أو موظفين في الدواوين الحكومية.

وعموماً كنا نحن الشباب في مرحلة نضوج ولكن لم نكن نعلم أن الأمور ستجر إلى إسقاط كل ما يرمز لإرتريا كدولة. فكرة التحرك والمواجهة المسلحة والوعي كان عند الكبار بسبب صغر أعمارنا.

عموماً أنا استفدت من العمل حيث اتضحت لي الكثير من الأمور التي كنت لم أفهمها بشكل واضح كما كانت فرصة مواتية للتعرف على مدن وقرى إرتريا عبر التجوال الذي قمنا به كموظفين ومشرفين للانتخابات البرلمانية.

زيارتي لجزيرة دهلك1 كانت مقسمة على 12 جزيرة صغيرة يتوسطها أرخبيل.

الشيخ سراج محمد كامل كان ناظر عموم جزر دهلك، ولكل جزيرة عمدة يعاونه في إدارة الشئون، أصل السكان في جزر دهلك هم خليط من العرب والتجري والدنكل، هذا التمازج يكون الإنسان الدهلكي واللغة هي كذلك خليط من العناصر الثلاثة التي ذكرتها. أهل الجزر اناس عارفون بأمورهم ومثقفون فمنهم الشعراء والادباء وللجزر عموماً ثقافة خاصة وكان معنا في تلك الفترة محافظ سمهر على مهري و نائبه الشيخ صالح قولاي وكان يعرف (بال دي أو) وسيلة التجوال من وإلى دهلك كانت المراكب الشراعية وأمضيت مع من كان معي ثلاثة أشهر، كتب إحسان عبد القدوس كان المؤسسة لي، وهي اجزاء كثيرة وجريدة المنار أشهر كتب إحسان كانت (في بيتنا رجل - تم توثيقها على فيلم وثائقي شاهدته فيما بعد.

بعد هذه المهمة وخلال رجوعنا إلى مصوع تعرضنا لحادث مروع بسبب قوة الامواج وكدنا أن نغرق لولا لطف الله وقدر رباب السفينة ان يوجهنا بحسب الرياح ووصلنا إلى حنيش الكبرى ومكثنا فيها يومين لحين هدوء الأمواج وقدم لنا الطعام ولم يكن هناك من سبيل غير السمك الذي كان طعامنا الوحيد بالرغم من مللنا منه.

جاءت إلينا سفينة استنجاد (إثيوبية) كانت تبحث عن صناديق الاقتراع التي كانت معنا وعموماً وصلنا سالمين إلى مصوع رحلة العودة استغرقت 7 ايام.

خلال هذه الفترة وإلى ما بعد العودة إلى مصوع اجتمعت مع الاخوة على مهري وصالح قولاي وأخبرتهم بأنه لا يمكن أن يمثل سمهر مسيحي 2 وافد وبطريقة معينة قمت بإسقاط المرشحين الثلاثة وعرفوا أنني قمت بذلك وأرادوا أن يقتلوني. كما أسلفت قال المسيحيون الثلاثة مرشحان ومرشحة أن هذا الولد لعب بالأوراق.

بعدها سافرت إلى السودان بنية الوصول إلى مصر للدراسة3 وكان هذا في سبتمبر 1961.

في هذه المرة سيصحبني محمد سراج بن شيخ سراج ونافع حسن كردي. نجحت في امتياز الحدود السودانية - المصرية في بداية بناء السد العالي.

أما عثمان ديني ومحمد حمداي ومحمد علي نائب كانوا معنا إلا أن وجهتهم نيتهم السعودية للعمل، من بورتسودان استطاع الثلاثة أن يتسللوا إلى إحدى البواخر المتجهة إلى جدة. أما أنا ومحمد سراج ونافع كردي توجهنا إلى حلفا ومنها إلى بورتسودان وتعرضنا لعدد من المشاكل والغش والتعب إلى أن وصلنا القاهرة.

واحدة من هذه المشاكل في طريقنا إلى مصر عندما أخذنا باخرة من حلفا وعند وصولنا الحدود المصرية كان هناك مرافق وكان شاباً سودانياً أخذ منا الأموال بالاحتيال علينا بعد أن قام بإنزالنا في قرية (بلانا) ولمتابعة الزمن طلب مني ساعتي الجديدة ماركة جوفيال لأن نافع كردي رفض أن يعطيه ساعته، وفعلاً حصل المقلب أدخلنا في قرية وقال لنا يمكنكم المشي راجلاً إلى شيخ القرية وأمضينا ليلتين.

أصبحت الأرض وهرب الدليل ومعه ساعتي والناس قاموا بتوصيلنا إلى شيخ القرية والرجل كان مضيافاً كريماً ومكثنا معه خمسة ايام وتعرض نافع في خلال الخمسة أيام إلى حمى ألزمته الفراش في مسجد القرية كان هناك إمام شيخ تقي يوماً ما بعد صلاة الصبح سألني لما ذا أنت حزين يا ابني ؟ أجبته بأن شخص ما قد نصب علينا وأخذ مني ساعتي وهرب، بشرني باني سأسترد ساعتي.

وبعد طلوع الشمس أحضر الشيخ ـ حب فيه ماء وقراء عليها القرآن وطلب مني النظر إلى قعر الكورة إذا أرى الشخص نفسه يتجول في المكان الذي تركناه فيه ولم يغادر المنطقة عرفه الشيخ ومن معه وهو شخص معتاد على النصب والاحتيال وسوف يأتي بنفسه ممسكاً الساعة بيده، وكان اسمه أحمد وطلب مني العفو وأعطاني ساعتي وجلد عشرين جلدة وربطه عمدة "بلانا" حتى المساء عقاباً له، وحذره بأن لا يراه في المنطقة مرة أخرى وإلا تم تسليمه إلى عمدة المدينة.

ومنها ساعدنا العمدة بتسفيرنا عبر عبارة إلى قرية أخرى قريبة من السد العالي ومن القرية عبرنا إلى السد ومنها وجدنا أحد المهندسين ساعدنا للوصول إلى الأزهر الشريف ووصلنا بسيارته إلى محطة القطار وهكذا وصلنا القاهرة بعد عناء وتعب وذهبنا إلى مدرسة البحوث الإسلامية وفي الاستعلامات قابلنا محمود أحمد شيخ وسليم كردي وحبيب علي عدونا.

على كل حال بعد وصولنا إلى القاهرة دخلنا في المعهد الابتدائي في الأزهر الشريف وبما أننا جئنا للدراسة الأكاديمية تقدمنا إلى إجراء امتحانات الوافدين وبحمد الله نجحت وتم قبولي من أولى ثانوي إلى الصف الثاني ثانوي بمدرسة الإبراهيمية، أعرف مدارس القاهرة في غاردن سيتي وكانت تضم طلاباً من ابناء البشاوات والضباط السابقين وواصلت دراستي هناك وكنت أسكن في منطقة عايداني حوالي ساعة وربع مشياً بالأقدام إلى المدرسة.

هوامش:

1. جزر دهلك نسبة لتوسطها في البحر كان ـ وسجناً للمعارضين السياسيين وخاصة حقب الأتراك - الإيطاليين.

2. الأسباب التي جعلتني أن أمانع من ترشيح مسيحي ليمثل سمهر هي لأن المنطقة أصل سكانها مسلمين وهم لا يمثلون الثقل الشعبي فيها ولا يعبرون عن مشاكل ومطالب هذا الشعب وخاصة في الريف هذا كان رأي وكنت واثقاً 100% بأن هؤلاء ليس لهم شعبية لا في الريف ولا في الحضر. ومن العدل أن يمثل كل منا منطقته وسقط رأسه وليس من المنطق أن اذهب وأمثل المرتفعات وأنا لست منها.

3. كانت السلطات في أسمرا تقوم بممارسة التمييز ضد كل من يؤمن مناطق المسلمين للالتحاق بالجامعة يتم إسقاطه لذا كان أغلبنا يتوجه إلى الخارج بغرض الدراسة. وهي خطة مدروسة لتهميش المسلمين وحرمانهم من التعليم العالي والوظائف الحكومية وهذا أول ظلم واجهناه ونحن في بداية حياتنا وهي كانت بوادر الاستعمار والأسباب مجتمعة أدت إلى انفجار الثورة من أجل التحرير لا حقاً.

Top
X

Right Click

No Right Click